وجهة نظر

أوروبا.. تداعيات انسحاب أمريكا من الشرق الأوسط وتحديات الجوار المتوسطي

أحيط كتاب الخبير الفرنسي بقضايا العالم الإسلامي و الإرهاب جيل كيبل، الذي يحمل عنوان “النبي و الجائحة”، يتناول فيه بالتحليل “خارطة التحالفات الجديدة التي تشكلت عام 2020 في الشرق الأوسط والتغييرات التي يحدثها الإسلام السياسي بالموازاة مع تدهور أسعار النفط وجائحة كورونا”. بهالة كبيرة في الأوساط الإعلامية و الفكرية، جعلت الباحث المستعرب الفرنسي محط اهتمام وسائل الإعلام الأوروبية لمراجعته في حاضر و مستقبل اوروبا في سياق دولي يعرف دينامية، و تقلبات في الجغرافيا السياسية خاصة علاقة أوروبا ببلدان الشرق الأوسط و شمال إفريقيا…

في حوار مع جريدة الطليعة “la vanguardia ” التي تصدر من إقليم كطالونيا الإسباني قال المؤرخ الفرنسي: إن انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من أفغانستان مؤشر واضح على انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من منطقة الشرق الأوسط، و أن على أوروبا مواجهة تداعيات هذا الإنسحاب. و اعتبر الخبير الفرنسي” انه من المهم جدًا أن يكون لأوروبا سياسة أمنية ودفاعية مشتركة”، موضحا “أن المشكلة بالنسبة الأوروبيين ليست الشرق الأوسط، ولكن المغرب والجزائر وتونس وليبيا ، حيث تصل القوارب التي تحمل مهاجرين كل يوم. بالاضافة إلى موضوع الهجرة يرى أنه من المعيب أن تتنافس الدول الأوروبية مع بعضها البعض لبيع غواصاتها، ومعداتها الأخرى لأشخاص مثل أردوغان آملا أن تكون الرئاسة الفرنسية للاتحاد الأوروبي قادرة تدارك هذه السياسات التي اعتبرها انتحارية “.

وفي جوابه عن لعبة التناقضات في السياسة التركية قال : إنها لعبة قصيرة المدى تضع أردوغان في مواجهة التناقضات الدائمة. تركيا عضو في الناتو لكنها اشترت صواريخ من روسيا ، لذا لم يكن بإمكانها امتلاك طائرات إف -35 الأمريكية. في الوقت نفسه ، اختلف مع بوتين لأنه يبيع طائرات بدون طيار لأوكرانيا. في سوريا يدعم الإسلاميين ضد الروس والأسد. وفي ليبيا يدعم طرابلس ضد المشير حفتر. العلاقات مع أوروبا سيئة للغاية. تعاني تركيا من عزلة شديدة لأن أردوغان يريد أن يلعب بما يتجاوز إمكانياته. كما أرادت دعم الإخوان بالتحالف مع إيران وقطر ضد مصر والسعودية وغيرهما ، لكن هذا يتغير لأن قطر تصالحت مع السعودية!!.

وعن دمقرطة العالم العربي يرى المؤرخ الفرنسي أن أهم العوائق أمام التحول الديمقراطي في العالم العربي الدين و النفط..حيث اعتبر أن الثروة الفاحشة التي يوفرها النفط تجعل الطبقة الحاكمة معرقلة للتغيير، وعزز طرحه بالقول: “انظر إلى جيران إسبانيا تعيش الجزائر فقط على دخل النفط. فالنظام السياسي بهذا البلد رهين للريع بالكامل وغير قادر على إصلاح نفسه. أدى القضاء على بوتفليقة إلى مجرد تغيير في “العصابة” المتحكمة في سدة الحكم. لقد رأينا أن “الحراك ”عجز عن فعل أي شيء. الأمر مختلف في المغرب لديها الفوسفاط ولكن اقتصاده ديناميكي ومتنوع. إن الوضع الليبي والجزائري والتونسي برمته مقلق للغاية لأن الحرب الأهلية لا تنتهي في ليبيا ، والانتخابات تم تأجيلها، و رأينا كيف كان الخيار الأفضل هو ابن القذافي ، وهي مفارقة رهيبة!!!” يضيف البروفسور جيل كيبل.

و علاقة بالتوتر في العلاقات المغربية مع بعض الدول الأوروبية بعد دخوله الاتفاق الإبراهيمي، واعتراف ترامب بسيادته على إقليم الصحراء اعتبر أن: “الميثاق الإبراهيمي” سمح للمغرب بإعادة التفاوض بشأن علاقاته مع أوروبا من خلال تقديم نفسه على أنه الشريك الرئيسي للولايات المتحدة ، على الرغم من أنني-يضيف المتحدث- لا أعرف ما إذا كان بايدن مهتمًا؛ كما يعني دعمًا إسرائيليًا قويًا. إن المغرب في عملية تفاوض أكثر صرامة مع أوروبا وهو ينأى بنفسه عن فرنسا. هناك حملة ضد الفرنسية مقابل الدعوة لتعليم اللغة الإنجليزية”.

و عن التوتر الملحوظ في العلاقة المغربية الإسبانية تسائل جيل كيبل عما إذا كانت استضافة زعيم البوليساريو سرا فكرة جيدة لإسبانيا حيث كان رد الفعل المغربي هو معاقبة إسبانيا ، لكنها أعطت صورة مروعة ، من خلال السماح لأشخاص لا يستطيعون السباحة بالعبور لثغر سبتة، وأبرز الحادث تضامنًا أوروبيًا مع إسبانيا. و عن التخوف من إعادة سيناريو الهروب الجماعي قال: سوف أتفاجأ إذا حاول المغرب مرة أخرى. سيؤذي ذلك إلى اتهامه باتباع سياسة شبيهة بأردوغان أو لوكاشينكو، باستخدام المهاجرين كوسيلة للضغط!! انتهى النقل…

حوار شامل سلط الضوء على أهم التحديات التي تواجهها القارة العجوز. لكن السؤال الذي يوجه للنخب الفرنسية كيف سقطت فرنسا في شرك المساهمة النشطة في زعزعة استقرار دول شمال إفريقيا مقابل النتائج المأساوية التي حصلت عليها في سوريا وليبيا، حيث كانت الغلبة لأردوغان والروس، وكذلك من تداعياتها الدراماتيكية الإنسحاب من مالي مقابل تغلغل روسيا وشركاتها الأمنية الخاصة(فاغنر)؟.

*كاتب صحفي-إسبانيا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *