وجهة نظر

أبعاد عملية اغتيال السفير الروسي بأنقرة

في ظل غياب تبني أي جهة من الجهات المألوفة لغاية كتابة هذه السطور لعملية اغتيال السفير الروسي بأنقرة، وتباين مواقف مواطني الشعوب العربية بين مؤيد وفرح بالحدث وبين معارض ومستنكر له، كل من خلفيته الخاصة، خرج الرئيس أردوغان بتصريح يصف فيه العملية بكونها هجوم إرهابي ومقدما تعازيه الحارة باسمه وباسم شعبه للرئيس والشعب الروسي.

هذه العملية تطرح العديد من الأسئلة وعلامات الاستفهام حول ظروفها وملابساتها وكذلك عن من المقصود منها بالضبط؟ باعتبار أن لكل عمل مشابه لهذا إلا وتكون له رسائل وأهداف معلنة وأخرى خفية.

فبالنظر إلى منفذ العملية الرئيسي نجده شاب في مقتبل العمر (22 سنة) يعمل بجهاز الشرطة وهذا وحده له من الدلالات الكثيرة لما يفترض في هذه الفئة من الناس أنها تكون على درجة كبيرة من الانضباط ومعروفي السيرة والمرجعية والانتماء…، كما أنه لحظة إطلاق النار لوحظ غياب وجود أي من أفراد الحرس أو حتى عناصر الأمن الخاص ولم يكن هناك تبادل لإطلاق النار أو ما شابه إلا في وقت لاحق لدرجة أن العملية تمت وكأنها استعراض لفيلم جديد يتضمن عملية الاغتيال تلك وتمرير الرسالة إلى العالم عبر الكاميرا التي جرى تثبيتها على وضعية تسمح بنقل كل ما يجري بتفاصيله بكل أريحية في غياب أي إزعاج للمنفذ، وهذا ما يطرح معه العديد من التساؤلات.

هذه العناصر تجعلنا نتساءل هل جهاز الشرطة التركي تم اختراقه من طرف التنظيمات الجهادية؟ أم يمكن تسجيل هذه العملية في خانة العمل الفردي الاندفاعي؟ أم أن هناك جهات أخرى تسعى إل أهداف معينة استطاعت اختراق المؤسسة الأمنية بتركيا إلى هذه الدرجة؟
كما هو معلوم دائما فالتنظيمات الإرهابية عندما تضرب في أي مكان كان إلا وتسارع إلى تبني العملية وتعلن مسؤوليتها عنها، وان كان منفذ العملية في واقعة الحال قد تفوه بكلمات ولوح بإشارات (السبابة) تحي بمرجعيته وتعطي انطباع انه احد عناصر الجماعات الإرهابية إلا أن هذا غير كافي لنسبة العمل إلى إحدى التنظيمات الإرهابية في ظل غياب تبنيها وهذا مالم يقع في حادثة أنقرة. ومن جهة أخرى وإن كنت أستبعد كون هذا العمل يمكن أن يكون فرديا اندفاعيا وذلك لعدة أسباب إلا انه وان كان كذلك فسيعد مؤشرا خطيرا يستدعي إعادة النظر في أمور كثيرة وإلا سيكون الخطر أكبر وأعظم.

ويبقى احتمال وجود جهات أخرى تسعى إلى تحقيق مآرب شتى هو الأقرب إلى الواقع خاصة إذا استحضرنا العملية الانقلابية التي عرفتها تركيا في يوليو الفارط وما تلتها بعد ذلك من عمليات تطهير للأجهزة بمختلف القطاعات، وهو ما يؤكد على وجود اختراقات بمعظم مؤسسات البلاد لها ولاءات لجهات غير الجهات الوطنية الرسمية.

ويقال دائما إذا أردت معرفة المجرم فابحث عن المستفيد من الجريمة، فحادثة اغتيال السفير الروسي بأنقرة المقصود منها هي تركيا نفسها، بعدما لم تستطع العملية الانقلابية والتفجيرات التي تحدث من حين لآخر هنا وهناك من زعزعة استقرار البلاد، خاصة بعدما فطنت تركيا للفخ الذي كانت قد سقطت فيه بإيعاز من قوى غربية كبرى عن طريق إسقاط الطائرة الروسية وتركها في عز الأزمة وحيدة في مواجهة روسيا فقدمت اعتذارها وأجلت نقط الخلاف بينها وبين روسيا، جاءت المحاولة اليوم بواسطة هذا العملية بغية إقحام الدولة التركية من جديد في أزمة مع الدولة الروسية وكذلك بعد موافقة مجلس الأمن على إرسال مراقبين دوليين إلى حلب.

إن المستفيد اليوم من عملية اغتيال السفير الروسي بأنقرة هو من يسعى إلى زعزعة استقرار تركيا وتقويض علاقتها مع روسيا خدمة لأجندات كبرى الهدف منها تنزيل مخطط تقسيم المنطقة برمتها وذلك باستعمال تنظيمات لها مطامحها هي الأخرى كجماعة غولن.وهو الأمر الذي استوعبه ممثلا البلدين إذ أعلن رجب طيب أردوغان أنه أجرى اتصالا هاتفيا مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين عقب الهجوم وأكد على أن آراء الجانبين تتفق على أن الهجوم عمل استفزازي يستهدف العلاقات الثنائية، وأن العلاقات التركية-الروسية حيوية للمنطقة، وأن الساعين إلى الإضرار بها لن يتمكنوا من تحقيق أهدافهم.

تركيا اليوم تؤدي ثمن إيوائها للاجئين ولسياستها بالمنطقة، كما أن غولن وجماعته ومن يقفون ورائهم لن يهدأ لهم بال، وهذه هي ضريبة استقلال القرار السيادي للبلاد.

ــــــــ

باحث في القانون العام والعلوم السياسية / محام متمرن