وجهة نظر

مطارحات حول شروط ومراحل تشكيل الحكومة بالمغرب

تُعالج، هذه المقالة، موضوع شروط ومراحل تشكيل الحكومة المغربية التي كَلَّف الملك محمد السادس السيد عبد الاله بن كيران بتشكيل أعضائها باعتباره عضوا من الحزب السياسي المغربي الذي حصل على المرتبة الأولى خلال الانتخابات التشريعية لانتخابات أعضاء مجلس النواب المغربي بتاريخ 07 أكتوبر 2016، وهو حزب العدالة والتنمية الذي يشغل السيد بن كيران أمانته العامة.

ونظرا لكثرة ما تم تداوله حول “تأخر” أو “عدم تأخر” السيد رئيس الحكومة عن إعلان تشكيلة أعضاء حكومته المزمع تعيينها من طرف الملك لمباشرة تسيير الشؤون العامة للمواطنين المغاربة، تجدر الإشارة إلى أن هذا الأمر جد طبيعي لأنه يتعلق بعملية تشكيل أعضاء حكومة من المنتظر أن تبث وتدبر وتسير شؤون الدولة والمجتمع، وهي عملية غير سهلة بتاتا، لأنها تحتاج إلى تجربة وخبرة وكفاءة، سواء أثناء اختيار الأعضاء أو في تحري صفات الكفاءة والصدق والاستحقاق فيمن سيتم اختيارهم لتولي مهام عضو بالحكومة المنتظر منها أن تخدم المصلحة العليا للبلاد والعباد. ولذلك فمن الأجدر التريث والتعقل لاختيار الأنسب دون السقوط في سوء الاختيار والتدبير؛ لأن الأمر، يتعلق بقرارات رسمية تحدد معالم النخبة التي ستحكم الدولة، ومصير مجتمع ينتظر شعبه الكفاءات لتسير وتدبر شؤونه بنوع من القناعة المواطنة.

ولذلك فإن تشكيل الحكومة الجديدة بزعامة حزب العدالة والتنمية المتصدر لنتائج انتخابات السابع من أكتوبر عام 2016، طبيعي أن تعرف مفاوضات وتوافقات مع باقي الأحزاب التي تود التحالف مع حزب العدالة والتنمية لتشكيل حكومة منبثقة من أغلبية برلمانية تكون منسجمة لتيسير تسيير أمور السلطة التنظيمية بشكل سلس وتوافقي حفاظا على الخيار الديمقراطي الذي يحاول المغرب السير على نهج ترسيخه كثابت من ثوابت الأمة وطريق من طرق تحقيق الانتقال إلى الديمقراطية المنشودة قولا وفعلا.

في هذا الإطار، سوف نقدم باختصار، بعض الملاحظات حول أهم الشروط القانونية الدستورية التي تتطلبها الخيارات الممكنة لتشكيل حكومة أغلبية برلمانية بزعامة الحزب السياسي الحاصل على المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية، وفق مضمون الفصل 47 من الدستور المغربي لسنة 2011 ولاسيما الفقرة الأولى والثانية منه.

ينص مضمون الفقرة الأولى من الفصل 47 على ما يلي: “يُعيّن الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها”. أما الفقرة الثانية من نفس الفصل فتضيف: “يعين (الملك) أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها”.

فما الذي يمكن أن نلاحظه أو أن نستنتجه من منصوص الفقرة الأولى؟

وماذا يمكن أن تساعدنا به (هذه الفقرة) لقراءة المشهد السياسي الذي ينتظر اليوم تشكيل وخروج ثاني حكومة مغربية في ظل دستور 2011 إلى الوجود، وبالتالي إنهاء “تصريف الأمور الجارية” التي “تواصل الحكومة المنتهية مهامها” القيام بها حسب الفقرة السادسة والأخيرة من الفصل 47؟

كل ذلك، حفاظا على السير العادي للمؤسسات الدستورية و”تنزيل” فعال للمقتضيات الدستورية المتعلقة بطرق انتخاب أعضاء مجلس النواب الذي سيشكل “حكومة أغلبية” وطنية كما هو منشود ومنتظر في المستقبل القريب.

من تلك الملاحظات أو بالأحرى الشروط ثم المراحل التي يتطلبها قانونيا تشكيل حكومة أغلبية وطنية، وفق منصوص الفقرة الأولى والثانية من الفصل 47، هي كالآتي:

1- يتعلق الشرط الأول بطبيعة الانتخابات المُقامة؛ وهي انتخابات تشريعية برلمانية، متعلقة بـ “انتخابات أعضاء مجلس النواب”، وليست انتخابات جماعية أو جهوية التي ينتخب فيها أعضاء مجلس المستشارين. وفي هذا المقام، نتحدث بالفعل عن الانتخابات التشريعية البرلمانية لانتخاب أعضاء مجلس النواب المنتهية ولايتهم بتاريخ 07 أكتوبر 2016، حيث تم بنفس التاريخ انتخاب أعضاء جدد سوف تكون هي الممثلة الرسمية للمواطنين المغاربة في مجلس النواب بالبرلمان الغربي؛

2- يتعلق الشرط الثاني بـ “الحزب السياسي” المشارك، من بين أحزاب سياسية مغربية أخرى، في العملية الانتخابية لتشريعيات 07 أكتوبر 2016، وليس الأحزاب المقاطعة لتلك الاستحقاقات؛ وإلا تساءلنا: كيف يمكن تعيين نُخب سياسية أو دخول أعضاء حزب سياسي غير مشارك في العملية الانتخابية إلى المشاركة في تشكيل حكومة أغلبية برلمانية!؟

ويبرَّر طرح هذا السؤال، من خلال ما يقع في بعض التجارب التي تعرف دخول نخب سياسية منتمية حزبيا في تشكيل الحكومة دون كونها نخبا مشاركة في الأصل ضمن عملية التباري على كرسي برلماني في ظل الانتخابات التشريعية من جهة أو دخول نخب سياسية غير منتمية حزبيا، كالنخب التكنوقراطية، للمشاركة في تشكيل حكومة وطنية دون مشروعية انتخابية من جهة أخرى؛ وعليه فالأمر يتعلق هنا بالأحزاب السياسية المشاركة في العملية الانتخابية التشريعية؛

3- يتعلق الشرط الثالث بالحزب السياسي المشارك في العملية الانتخابية التشريعية و”الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب” وليس انتخابات أعضاء مجلس المستشارين. وهذا يعني، الحزب السياسي الذي يحصل على المرتبة الأولى في عدد النواب المنتمين حزبيا، والفائزين بمقاعد برلمانية من العدد الإجمالي من النواب المتمكنين من الحصول على مقعد برلماني باسم الدوائر الانتخابية التي ترشحوا فيها، سواء باسم اللون الحزبي الذي ينتمون إليه أو من دون لون حزبي كالمرشحين المستقلين؛

من هذا المنطلق، يمكننا التساؤل: هل سبق لتجربة سياسية انتخابية بالعالم أن شهدت فوز أغلبية مرشحين مستقلين في الانتخابات التشريعية بأغلبية المقاعد البرلمانية التي تفترضها عملية تشكيل الحكومة كأغلبية برلمانية؟ وماذا لو كان عدد المرشحين المستقلين على سبيل المثال في التجربة المغربية جد كبير إلى درجة قد تمكنهم من الحصول على أغلبية المقاعد البرلمانية؟ هل يمكن للشروط الحالية التي تفترض شرط الحزب السياسي – الذي يحصد مرشحيه، دون المرشحين المستقلين عن الحزب، على أكبر عدد من المقاعد المتبار عليها ضمن مجلس النواب – كشرط لتعيين رئيس الحكومة وتعيين أعضائها بعد أن يقوم باقتراحهم، أن تتغير وتمنح الحق في المستقبل للمستقلين إذا ما حصدوا أغلبية المقاعد المتبار عليها بخصوص انتخابات أعضاء مجلس النواب؟ ما الحل أو البديل في مثل هذه الحالات رغم بُعد التجربة المغربية عن هذا “السيناريو” المحتمل في عدة تجارب أخرى جد ممكنة عبر العالم؟

4- يتعلق الشرط الرابع بالحزب السياسي المشارك في العملية الانتخابية التشريعية والمتصدر لانتخابات أعضاء مجلس النواب، “وعلى أساس نتائجها”؛ والمقصود بالنتائج هنا، هو عدد المقاعد البرلمانية التي حصل عليها الحزب من بين مجموع المقاعد المكونة لمجلس النواب والموزعة بين مختلف الأحزاب دون المقاعد التي حصل عليها المرشحون المستقلون، وإن هي أيضا تحسب ضمن العدد الإجمالي للأعضاء المكونين لمجلس النواب، أي 395 مقعد. وعليه، فتصدير الانتخابات كمرتبة أولى متعلق بشرط فريد وهو تصدير النتائج النهائية؛ والمقصود بهذه الأخيرة، هو عدد المقاعد المحصل عليها من مجموع المقاعد المكونة لأعضاء مجلس النواب، وليس على أساس عدد الأصوات التي حصل عليها الحزب السياسي في الانتخابات التشريعية؛

في هذا الإطار، نتساءل: ماذا لو تساوى حزبين سياسيين في عدد المقاعد المتحصل عليها اعتمادا على النتائج النهائية؟ هل يتم الاحتكام إلى عدد الأصوات المحصل عليها من طرف كل حزب رغم غياب أي نص قانوني في ذلك؟ وحتى إن وجد حل لذلك، أليس من الممكن أن يتساوى أيضا حتى على مستوى الأصوات؟ إذن ما الحل أو البديل في إطار غياب هذه المسائل ضمن النص القانوني والدستوري؟ أم أنه يمكن اللجوء إلى انتخابات سابقة لأوانها في حالة تعادل في عدد المقاعد المتحصل عليها لكل حزب سياسي؟ لأن هذا هو المنطق الوحيد السليم الذي يمكن أن يفهم من عكس منصوص الفقرة الأولى من الفصل 47، وما دون ذلك، فلا يعتد به من وجهة نظرنا الخاصة.

5- يتعلق الشرط الخامس بشخص “رئيس الحكومة” الذي ينص صريح الفقرة الأولى من الفصل 47 على أنه “يُعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها”؛ وذلك، مباشرة بعد إعلان النتائج النهائية وبشكل رسمي، من طرف الجهات المختصة ولاسيما الساهرة على حسن تدبير وسير العملية الانتخابية في عمومها، بغض النظر عن الطعون التي يمكن أن تلاحق بعض النواب أمام المحكمة الدستورية بشأن “صحة انتخاب أعضاء البرلمان”، من خلال كل تعرض يقدم إليها بخصوص خلل قانوني متعلق بظروف سير الحملات الانتخابية وصحة العمليات الاقتراعية التي أدت إلى انتخاب عضو بشكل أو بطريقة غير قانونية تتطلب الطعن في صحة انتخاب عضو برلماني وفق الفقرة الأولى والفقرة السادسة والأخيرة من الفصل 132 من الدستور المغربي لسنة 2011؛

وفي هذا الإطار نتساءل أيضا: أمام غياب أي عبارة صريحة ضمن فقرات الفصل 47، بخصوص العضو الذي يمكن تعيينه من الحزب الذي يتصدر النتائج الانتخابية، هل يمكن للملك مثلا أن يعين شخصية أخرى من نفس الحزب دون رئيس الحزب أو الأمين العام للحزب أو الكاتب العام للحزب المتصدر للانتخابات؟ وكيف سيتم ذلك؟ وما هي المعايير التي ستعتمد لذلك؟

6- يتعلق الشرط السادس بعد تعيين الملك لرئيس الحكومة قصد تشكيل حكومته كعضو من الحزب السياسي الحاصل على المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية، من حيث النتائج المعلنة بشكل رسمي، والمتعلقة بعدد المقاعد المحصل عليها من مجموع المقاعد المخصصة لأعضاء مجلس النواب، بشرط ضرورة “اقتراح” السيد رئيس الحكومة “أعضاء الحكومة” المكلف بتشكيلها، على الملك الذي يقوم بتعيينهم كوزراء لتدبير وتسيير الشؤون العامة لمختلف المواطنين المغاربة. وما لم يتم بعد اقتراح أعضاء الحكومة من طرف الرئيس المكلف بتعيين أعضاء الحكومة التي يترأسها بموجب القانون، فلا يحق لأي كان تنصيب أو تعيين أي عضو في الحكومة “المنتظرة” خارج اقتراحات السيد رئيس الحكومة المكلف لوحده بهذه المهمة الدستورية. وعليه، فرئيس الحكومة، يفاوض ويتحالف ثم يشكل أعضاء حكومته الذين يقترحهم على الملك الذي بدوره يعينهم بمقتضى صريح الفقرة الثانية من الفصل 47 من الدستور المغربي لسنة 2011؛

إن هذا الأمر، يطرح أمامنا عدة تساؤلات في غاية من الأهمية، من قبيل: ماذا لو لم يستطع رئيس الحكومة اقتراح أعضاء حكومته على الملك لتعيينها؟ وهل لرئيس الحكومة أجل زمني لتشكيل أعضاء الحكومة؟ وما الذي يحدث إذا لم يتمكن رئيس الحكومة تشكيل أعضاء حكومته داخل هذه الآجال الزمنية؟ وإذا لم يكن هناك أجل زمني لذلك، أليس من المفروض تحديد فترة زمنية محددة لتشكيل أعضاء الحكومة؟ وماذا لو تمكن رئيس الحكومة من تشكيل أعضاء حكومة أقلية وليس حكومة أغلبية؟ وهل يقبل العرف السياسي أن يشهد النسق السياسي المغربي حكومة أقلية تدبر الشؤون العامة للمواطنين المغاربة أمام معارضة أغلبية؟ وهل هذا ممكن في الأساس؟
وماذا عن إمكانية اللجوء إلى الحزب الحاصل على المرتبة الثانية إذا “فشل” الحزب الحاصل على المرتبة الأولى من تشكيل الحكومة رغم غياب أي نص قانوني دستوري بهذا الخصوص؟

7- يتعلق الشرط السابع بـ “تعيين” الملك لأعضاء الحكومة التي يتم اقتراحهم من طرف السيد رئيس الحكومة المعين سابقا لهذا الغرض من طرف الملك. وعليه، لا يمكن للحكومة التي شكلها رئيسها أن تباشر مهامها دون تعيين ملكي يضفي عليها الصبغة القانونية والدستورية حسب منطوق الفقرة الثانية من الفصل 47 الذي ينص على أن الملك، “يعين أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها”.

من هذا المنطلق، نتساءل: ماذا لو رفض الملك تعيين أعضاء الحكومة أو بعضهم من المقترحين من طرف رئيس الحكومة؟ وهل يحق له قانونيا ودستوريا ذلك؟ أي بعبارة أخرى: هل يمكن للملك أن يطلب من رئيس الحكومة إعادة اقتراح أعضاء جدد غير الأعضاء المقترحين سابقا أو على الأقل بعضهم؟

حسب الفقرة الثالثة من الفصل 47، نجد عبارة: “للملك، بمبادرة منه، بعد استشارة رئيس الحكومة، أن يعفي عضوا أو أكثر من أعضاء الحكومة من مهامهم”. إذن يحق للملك رفض عضو أو أكثر من أعضاء الحكومة من مهامهم، شرط استشارة رئيس الحكومة، مع العلم بأن المشرع في هذا المقام لم يوضح طبيعة هذه الاستشارة إن كانت تفترض الموافقة أو الرفض من طرف رئيس الحكومة، وأي البدائل الممكنة في كل حالة ممكنة!

غير أن ما يجدر لفت الانتباه إليه في سياق هذه الفقرة الثالثة، هو أنها لا تتعلق بلحظة اقتراح أعضاء الحكومة، بل بلحظة ما بعد الاقتراح والتعيين، بل باللحظة التي تخص مباشرة الوزراء لمهامهم؛ وهو ما يمكن أن يحتمل فيما بعد إمكانية مبادرة الملك بعد استشارة رئيس الحكومة بإعفاء عضو أو أكثر من أعضاء الحكومة من مهامهم. وما يزكي لدينا هذا الطرح هو منصوص العبارة في الفقرة الثالثة والتي لا تقول مثلا بأنه: للملك، بمبادرة منه، بعد استشارة رئيس الحكومة، أن يعفي عضوا أو أكثر من أعضاء الحكومة “المقتَرَحين” لمباشرة مهامهم، وليس الذين باشروا أو يباشرون من قبل مهامهم. ولذلك، نعيد طرح السؤال السابق لكن في هذه الحالة الجديدة التي وضحناها: هل للملك الحق في رفض تعيين عضو أو أكثر من الأعضاء المقترحين من طرف رئيس الحكومة لتشكيل حكومته؟

ـــــــــــــــــ

باحث في القانون الدستوري وعلم السياسة.

حاصل على الدكتوراه في القانون العام من كلية الحقوق بمراكش.