وجهة نظر

إنسانيتنا المفلسة من طنجة إلى جاكرتا

حين قال المفكر عبد الرحمان الكواكبي [1] أن أصل الداء هو الإستبداد [2]، كان يعي ما يقوله فكرا وقولا وإسشترافا ، فَلَو عاد الآن إلينا لقال أن أصل الدواء هو السلم والحوار، فكيف وهو ابن منطقة دمرت الآن وخربت وحوصرت وضاع فيها العمران وإرث الانسان التقافي والديني، وقد صار فيها الإنسان ذئبا لأخيه الإنسان [3]، بل وقد قتل فيها الإنسان أخاه الإنسان، ليس كما قتل قابيل هابيل بل أشد من ذلك فتكا ، قطع للرؤوس واغتصاب للنساء، وتيتيم للأطفال وتمتثيل بالجتث، مثل مشاهد مقتبسة من أفلام الرعب السينمائية والإخراج هذه المرة بأيدي قوى الغطرسة والآلات العسكاراتية التي قمعت شعبا أراد الحرية فصار يرد السلمية ويبحت عن ضمير الأمة الذي غاب في سبات عميق أمام صمت رهيب للحكام والإنسانية.

لا يختلف عاقلان أن مايجري في العالم العربي والإسلامي عامة وسوريا خاصة سيكون له وقع على الأجيال المقبلة وقد يصعب أن تتخلص منه الانسانية، إن تعقيداته الراهنة وارتباطاته بكل المستويات والمجالات ولأن التاريخ ذاكرة الشعوب ومن لا تاريخ له لا ذاكرة ، خصوصا عندما يتعلق الأمر بذاكرة دامية لا يمكن نسيانها مهما تعافى الجرح.

وفي مجرى ثورة الدم والانزلاقات الأمنية والتجارب السياسية ، أصبح العقل مهمشا، وهيمن العنف والعنف المضاد، ويمتل “قانون سيكولوجية الإنسان المقهور” الذي هو رد فعل عنيف على خصم الإنسان وذلك بتبني منهجه، وعادة ماينتهي القوي القاهر إلى أن يغلب المقهور مرتين:

مرة بأن يجرده من أسباب القوة، ومرة بأن يجعله يتشرب ويتبنى مبادئه، ولهذا فإن ماتفعله الصهيونية في فلسطين هو تبنِّ للنازية، أي تبنّٓ لسلوك من كان اليهود ضحاياهم، والصهيونية هي النازية الجديدة ،….[4]

لقد باتت الأمة الإسلامية في مرحلة انحطاط حضاري ، انتهى بها المطاف إلى تحكم الغرب فينا وتسبب في إذلالنا أيما إذلال، وأورثنا شعورا مُقعدا بالعجز عن تحقيق الاستقلال والسيادة ….[5]

فالتراجع سيد الموقف في كل المجالات الاستراتيجية والتقافية والأمنية والتنموية والاقتصادية والسياسية، فجغرافيتنا مستباحة وعقلنا معطل وأمننا مرتبك والإسلام الذي كان يجمعنا سُرق، وعليه يمكن أن نقول الآتي :

عندما يكون التقسيم والتفكيك الجغرافي للعالم الاسلامي واردا، فيجب ان نعلن حالة الطوارئ.

عندما يكون القتل والدمار والخراب والدم والعنف سيدا للموقف ، والتمذهب والطائفية عنوانا في العالم ، يجب أن نعلن حالة الحوار والسلم.

عندما تنتشر حروب الإسلامات والطوائف ويتوجه المسلمون إلى معارك خاسرة في الداخل الاسلامي وخارجه بدل أن نسترجع فلسطين يجب ان نرفع حالة الطوارئ أيضا.

فالسلام بين المسلمين وغيرهم فريضة إسلامية يجب أن يلتزم بها الجميع بعيدا عن التهور والإنفعال والانفلات، وعلى المتقف والفقيه والعالم أن يلتزم بفعل النقاش الحضاري لإنقاذ الحاضر والمستقبل والإنسانية جمعاء.

ولهذا كان من الأولويات المطروحة اليوم هي حقن الدماء وحفظ الأنفس والأرواح والأعراض والعمران والإنعتاق من عنق التكفير والتكفير المضاد الى رحاب السلام والأمن، وأمام هدا سنكون قد تخلصنا من إنسانيتنا المفلسة.

____________________

1-عبد الرحمن احمد بهائي محمد مسعود الكواكبي (1271 هـ / 1855 – 1320 هـ / 1902م) أحد رواد النهضة العربية ومفكريها في القرن التاسع عشر، وأحد مؤسسي الفكر القومي العربي، اشتهر بكتاب «طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد»، الذي يعد من أهم الكتب العربية في القرن التاسع عشر التي تناقش ظاهرة الاستبداد السياسي.
2- كتاب طبائع الاستبداد في مصارع الاستعباد للمفكر عبد الرحمن الكواكبي
3- فكرة لتوماس هوبز أحد أكبر فلاسفة القرن السابع عشر بإنجلترا وأكثرهم شهرة خصوصا في المجال القانوني حيث كان بالإضافة إلى اشتغاله بالفلسفةوالأخلاق
4- معضلة العنف رؤية إسلامية ابوزيد المقرىء الإدريسي
5- القرآن والعقل مدخل معرفي الجزء الاول أبو زيد المقرء الإدريسي الصفحة 12
6- عالم المعرفة الاخلاقيات والحرب ديفيدفيشر ترجمة :أ.د.عمادعواد يونيو2014