منتدى العمق

الحكومة تتمتع والشعب يتوجع

من الصدف الغريبة أن الكثير من المغاربة يُؤمنون بأنَّ الحكومات ستفعلُ لهم شيئاً؛ فينتظرون بصبرٍ وإيمان أن تتحقَّقَ أحلامهم.” وتَمُرُّ القافلة وتتركُ وراءها الكلاب تنبحُ ”.

فأي حكومة كيفما كانَتْ أطيافها القُزحية، فهيَ تتألَّفُ من أشخاص راهنوا بأموالهم على تلك الحقائب الوزارية. فالأمر يبدو كلُعبة الميسر أو رهانات الخيول…أيْ أن لا أحد من أولئك يستحق تلك الحقائب عن جدارة فكرية أو علمية؛ وإنما هي لعبة ربحوا فيها.

فالشخص حين يُصبحُ وزيرا، فأوَّلُ شيء يُخطِّطُ له هو استرجاع كل تلك الأموال التي راهن بها. ومن بعد ذلك، يهتمُّ بأسرته. فكلُّ فردٍ منها يضعهُ في منصبٍ فيُصبحُ بذلك أجيرا شبحاً…وحتى وإنْ كان له إبنٌ ما يزالُ رضيعاً فستجدُ أنَّ له منصباً شبحاً. فمن يستطيعُ أن يقول لا للوزير. ثمَّ يهتمُّ بذويه وأقاربه ومن يُمِتُّ لهمْ بصلة دم.

فيُرسلُ أبناءهُ إلى كندا أو أمريكا لمتابعة دراستهم. أما زوجتهُ أو عشيقاته فإنهنَّ لا يغادرن صالونا التجميل والتدليك والسيارات الفارهة في مناطق العالم…ولا تسألْ عن الفنادق والحلي والمجوهرات والملابس…وكل هذا يُدْفَعُ من جيوبِ الشعب…والرحلات السياحية والمطاعم.

فالأطعمة تصل بيتَ الوزير مجاناً، والبنزين والمواد الغذائية…كل شيء في ولاية الوزير بالمجان.
ماذا ستنتظرُ من مثل هذا الشخص أن يحقق لك وكل وقته يُخصصه لمصالحه الشخصية.

فلو قُمنا مثلا بحظر كل هذه المجانيات عنه، وفرضنا عليه أن يُؤدي من حسابه الخاص، لما ترشَّح أي أحد للانتخابات.
والمشكل هو أنَّ حُمَّى هذا الشكل الوُصولي للمصلحة الذاتية يُعدي أغلب المغاربة.

وحين تقع الدولة في أزمة من الأزمات، فلن تجد أي تخطيط منطقي لإخراجها من أزمتها، وإنما أول شيء يخطرُ على البال هو الارتماء في أحضان صندوق النقد الدولي وطلب قروض طويلة الأمد.

ففي الفلاحة ليس هناك أي ابتكارات عملية، وفي الاقتصاد، وفي السياحة، وفي الصيد البحري…إلى غير ذلك من الوزارات.
فلكي يفكر الوزير في إنقاذ الوضع بخطة استعجالية حقيقية هذا أمر مستحيل لأن أسرع خطة للخروج من عنق الزجاجة هي القروض…

وهذه القروض للأسف يسمعُ عنها الشعب وتُذاعُ في الأخبار والصحف لكنه لا يعرف أين تُنفقُ. ومنذُ صغري وأنا أسمعُ عن القروض لهذا المشروع أو ذاك، لكني حتى الآن لم أر أيَّ مشروع يُذكر؛ اللهُمَّ أن البرلماني الفُلاني أصبح يملكُ نصف المدينة الفُلانية، وقسْ على هذا.

وانتظَرَ بعض المغفلون الذين جنوا على أنفسهم وذويهم أن يصبح الحزب الإشتراكي للقوات الشعبية في دفة الحكومة حتى يُحقِّقَ أحلامهم…وبعد وقتٍ يسير، أصبح رؤوسه يعيشون في جنة النعيم وتركوا المغفلين مذهولين. وحتى أن أحد شعرائهم أصبح يملك حظائرا للخيول ومزرعات ووووو…

يجِبُ أن تتغيَّرَ هذه المسرحية السياسية لأنها عفَّنتِ العقول وتسببت في الكثير من العلل والأمراض.

فلو مثلا خصصنا كل هذه القروض التي تبخرت أدراج الرياح لمساعدة سكان المناطق النائية بسكن لائق وحياة مستحسنة لتغيرت أحوال الكثير من الأسر.

فنحن نتحدث مثلا عن أحقية رجال الأمن في إطلاق الرصاص على المجرمين، لكننا لا نتحدث عن الأسباب التي دفعت بأولئك إلى عالم الإجرام وأحقيتهم في العيش الكريم. فهل يمكن أن يصبح إبن الوزير مجرما وقد هُيِّئتْ لهُ كل ظروف العيش اللائق؟…غير ممكن.

ونحن نتحدث عن هذا الباب المسدود الذي وصلت إليه المحادثات لتشكيل الحكومة، ولا نفهم أن المسألة تتعلق فقط بمافيا تتناور في التسلط على الحقائب التي تُخوِّل لها مداخيلا ثمينة.

فهم لا يتجادلون عن مصلحة الشعب لأنها آخر شيء قد يفكِّر فيه زعماء الأحزاب؛ إنهم يُجادلون عن الغنيمة كيف يجب أن يقتسموها. وكل حزب بما لديهم فرحون.

وقد تابعتُ أحد الأفلام الذي يتحدث عن شعب عملاق يعيش في كوكب في السماء، وهو شعب همجي وآكل للبشر. وحين سُوِّلَ لهُ أن يهبط من كوبه للأرض، فقد التهم كل من وُجِدَ في طريقه…فهؤلاء الذين يُنَصَّبون في الحكومات أقربُ وصفاً إلى أولئك العمالقة…فأنْ تأكلَ حقَّ الشعب فمثلهُ كما لو أنَّكَ تأكلُ لحم الشعب.

المسألة لها تشخيصٌ واحد وهو أن يُحاسب كل واحد على أي سنتيم ينفقهُ…ولكن الذي سيحاسبُ هو نفسه عليهِ أنْ يُحاسَبَ…ولن تجدَ يوماً لصاًّ يشي بلصٍّ…إلا إذا كان يسرق في منطقته.

ومن طبيعة الحال، فالمشكل هو الشعب لأنه راضٍ كل الرضى عن هذا، إلى أن يرث الله ومن عليها.