منوعات

الوجه الآخر للألعاب الإلكترونية: أحدثت ثورة غير مسبوقة في العلاقات الاجتماعية

انتشرت العديد من الدراسات حول أضرار الألعاب الالكترونية، وتوسعت المخاوف على مستقبل الأبناء وسط الأسر وفي أوساط التعليم، لما تفرضه عاداتها من هيمنة على أوقات الأطفال والمراهقين والشباب، وتزداد المخاوف بشكل أساسي حول العزلة التي تفرضها طقوس ممارسة تلك الألعاب، والقلق حول إضرارها بقدرة الشباب على العيش في وسط اجتماعي وبناء علاقات اجتماعية.

وتكثر شكاوى الآباء الخائفين من تضرر البعد الاجتماعي لدى أبنائهم،  نتيجة انغماس أبنائهم في الألعاب الإلكترونية ، وخصة قدرتهم على التواصل مع مجتمعهم القريب. فهل يستند الخوف من إضرار تلك الألعاب بالبعد الاجتماعي لدى الأبناء؟ وهل تسبب لديهم العزلة والميل إلى الوحدة؟ وعدم القدرة على التواصل؟ أم أن تلك الألعاب لها وجه آخر يقدم صورة معاكسة لما يخشاها الآباء والمربون؟

قبل مقاربة الإجابة عن الأسئلة السابقة وغيرها، دعونا نقرب صورة عالم الألعاب الالكترونية. وحسب الجزيرة نت، فألعاب الفيديو والألعاب الإلكترونية غدت جزءا حقيقيا وواقعيا بل وأساسيا في حياة كثير من البشر في مختلف أرجاء العالم، فقد بلغ عدد الذين يمارسون هذه الألعاب 2.69 مليار لاعب في جميع أنحاء العالم في عام 2020، وسيرتفع هذا الرقم إلى 3.07 مليارات في عام 2023 بنسبة نمو سنوي مركب تبلغ 5.6%، كما ذكرت منصة “فاينانس أونلاين” (FinancesOnline) مؤخرا.

أما حجم سوق الألعاب الإلكترونية وألعاب الفيديو فقد وصل إلى 203.12 مليارات دولار أميركي عام 2020، ومن المتوقع أن يبلغ حجم هذا السوق نحو 546 مليار دولار عام 2028 بمعدل نمو سنوي مركب نسبته 13.2% خلال هذه الفترة، كما ذكرت منصة “فورتشين بيزنيس إنسايت” (Fortune Business Insights) في تقرير لها مؤخرا.

تواصل دائم

وعودة إلى السؤال السابق، فقد أصبح من الواضح خلال العقد الماضي ومع نمو صناعة ألعاب الفيديو والألعاب الإلكترونية بما يتجاوز ما توقعه أي شخص على الإطلاق، أن هذه الألعاب ليست مجرد هواية ممتعة للأشخاص المنعزلين، بل هي طريقة جديدة ومختلفة للتواصل البشري، أوجدها العصر الرقمي والثورة الصناعية الرابعة، فهي تبقيك على تواصل دائم حيث تحافظ الألعاب عبر الإنترنت على اتصال اللاعبين ببعضهم البعض بطريقة لم نكن نتوقعها أبدا.

وعندما تجرب ألعابا جديدة على جوالك أو على جهاز حاسوبك فأنت تفتح نفسك ليس فقط لعالم ألعاب مختلف ومثير، ولكن لعالم جديد تماما من الاتصالات البشرية لم يوجد مثله من قبل عبر التاريخ، وفق ما ذكرت منصة “أناليتكس إنسايت” (analyticsinsight) في تقرير لها مؤخرا.

وقد اتضحت أهمية الألعاب في خلق آفاق اتصال جديدة بين البشر في جميع أنحاء العالم خلال الجائحة بشكل خاص، عندما مُنعنا لمدة عامين كاملين من استخدام طرق الاتصال المعتادة التي استخدمناها، وعندما أصبحت رؤية الناس وجها لوجه أمرا خطيرا للغاية بحيث لا يمكن السماح به، وعندها أصبح الاتصال عبر التكنولوجيا هو الطريقة الجديدة للتواصل والعمل.. لكن اللاعبين كانوا يفعلون ذلك لفترة طويلة، ولعقود خلت من الزمن.

وقد اعتقد كثير من الآباء كما أسلفنا أن الألعاب الإلكترونية ستجعل أطفالهم غير اجتماعيين، لكن العكس هو ما حدث، فبدلا من قيام علاقات اتصال محدودة في الحي أو المدينة، استطاع هؤلاء الأطفال إنشاء شبكة علاقات اجتماعية دولية عابرة للقارات، وهو شيء جديد لم يحدث من قبل، فمع تطور البشرية تطورت أيضا طرق التواصل الاجتماعي وكل شيء نقوم به، كما ذكر التقرير السابق.

عالم بلا تمييز ودون عُقد

مهما كان عرقك أو جنسك أو لونك، وأينما كنت في هذا العالم، يمكن للألعاب أن تربطك بالآخرين، وعلى قدم المساواة دون تمييز أو تفرقة سوى مقدار براعتك في اللعب، وقد لا نكون جميعا على المستوى نفسه من المهارة، لذلك قد يستغرق الأمر بعض الوقت للعثور على المجتمع المناسب الذي تتواصل معه، ولكن الاتصال بالإنترنت في عالم الألعاب يخلق توازنا رائعا، والمهارة يمكن اكتسابها مع الزمن.

وفي اللعبة أيضا، يمكنك أن تكون من تريد أن تكون، يمكنك إنشاء علامة اللاعب الخاصة بك، واختيار الأفاتار (صورتك الرمزية) الذي ترغب به، كما يمكنك أن تلعب بشخصك وصورتك الحقيقية كما يفعل الكثيرون في العالم، ويمكنك أيضا أن تختار شخصية افتراضية تعبر عنك، وفي هذا العالم تختفي تعقيدات التواصل التي قد تكون موجودة في العالم الحقيقي، حيث يمكنك التواصل بسهولة أكبر هنا ودون تعقيدات من أي نوع، حسب ما ذكر فريق “أناليتكس إنسايت” في تقريرهم آنف الذكر.

صداقات وعلاقات عابرة للقارات

إذا كنت تواجه مشكلة في التواصل مع الأشخاص ذوي التفكير المماثل في الحياة الواقعية، فلن تواجه مشكلة على الإنترنت -كما يؤكد التقرير- فعادة ما يحدد نوع الألعاب التي تلعبها المجتمع الذي تتصل به، وعلى سبيل المثال، ستقابل أشخاصا يحبون لعب الألعاب نفسها التي تمارسها، وهذا الاهتمام الأولي المشترك قد يؤدي إلى اكتشاف وجود اهتمامات أخرى مشتركة بينكم، وهنا تبدأ العلاقات بالتطور لتصبح أكثر حميمية ولتقود إلى صداقات متينة تربط بين اللاعبين بغض النظر عن مكان وجودهم الفعلي.

وفي الحقيقة، فإن مجتمع الألعاب  يقود إلى العديد من المجتمعات الأخرى، لذلك عندما تجد طريقك إليها، ستبدأ في اكتشاف أن هناك الكثير من الأشخاص الذين يحبون الأشياء نفسها التي تحبها، وهناك دائما المزيد من العلاقات التي يتعين إجراؤها.. صدق أو لا تصدق، هناك العديد من قصص اللاعبين الذين اتصلوا عبر الإنترنت ووجدوا الصداقة الحقيقية، والفهم العميق المشترك.

دعم اجتماعي

هذا مفيد بشكل خاص للشباب والمراهقين الذين قد لا يرغبون في الحديث عن المشاكل والقضايا التي تواجههم في الحياة مع معلميهم أو حتى آبائهم، حيث بين استطلاع تابع مجموعة مختارة من الألعاب أن هناك زيادة مقدارها 3.2 مرات من المحادثات حول قضايا “الحياة الواقعية” مقارنة بالمناقشات حول اللعبة نفسها، وهذا يعني أنه وفي كثير من الأحيان قد لا تغدو اللعبة نفسها هي الأهم، بل مناقشة قضايا الحياة ومشاكلها، وبالنسبة لأولئك الشباب غير الراغبين أو غير القادرين على الوصول للمساعدة في “الحياة الواقعية” فإن الألعاب تخلق نظام دعم هم في أمس الحاجة إليه.

تعزيز القدرة على العمل الجماعي

ويشير التقرير إلى أن هناك الكثير من الألعاب التي لا يمكن ممارستها إلا بشكل جماعي وعن طريق فرق متعددة، حيث يصبح الفرد جزءا من فريق عمل له هدف واحد وهو الفوز في اللعبة، وهذا يعني التواصل الدائم بين أعضاء الفريق، وقضاء الكثير من الوقت معا في وضع الخطط والإستراتيجيات، ويؤدي القيام بهذه المهام في فريق عبر الإنترنت إلى تحسين مهارات العمل الجماعي في الحياة الواقعية، وتكون مهارات مثل هذه أفضل عندما يتم تعلمها في سن مبكرة، لذلك يعد هذا جانبا ممتازا للعديد من اللاعبين الذين يبدؤون اللعب في سن مبكرة، وهو ما سيزيد من مهاراتهم وقدراتهم في الحياة العملية فيما بعد.

وكلمة أخيرة، تُعد الألعاب أداة رائعة للاتصال وطريقة للهروب من ضغوط أو ملل الحياة اليومية، وهي أيضا وسيلة ممتازة لخلق شبكة من العلاقات الدولية واسعة النطاق، وهو ما سيكون مفيدا جدا في الحياة الواقعية والعملية، وبطرق قد لا نتخيل مدى أهميتها لحياتنا ومستقبلنا ومستقبل أبنائنا في هذا العالم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *