لنا ذاكرة

مجلس العرش.. الحل الثالث للاستعمار الفرنسي بالمغرب

بعدما فشل الاستعمار الفرنسي في تثبيته، أزيح محمد بنعرفة عن العرش يوم 1 أكتوبر 1955، ليبدأ مسلسل المفاوضات مع الوطنيين حول استقلال المغرب، وخلال هذه الفترة حاولت فرنسا تطبيق حل ثالث تمثل في إقامة مجلس للوصاية على العرش، سمي “مجلس حفظة العرش”، اتخذ قرارا وحيدا تمثل في تعيين حكومة برئاسة الفاطمي بنسليمان، تولت المفاوضات حول وضع جديد للعلاقات بين المغرب وفرنسا، لا يلغي بالضرورة الحماية.

إكس ليبان

بعد فشل خظتها في تنصيب بنعرفة سلطانا للمغرب، بعد الرفض الشديد الذي قوبلت به هذه الخطوة من قبل المغاربة، لجأت سلطات الحماية إلى قبول التفاوض مع الحركة الوطنية في مؤتمر إكس ليبان، وقد اتفق الطرفان في هذا المؤتمر الذي انعقد خلال الفترة الممتدة ما بين 20 و30 غشت 1955، على تنحية بنعرفة وتشكيل مجلس وصاية على العرش إلى حين عودة السلطان الشرعي محمد بن يوسف.

“لقد طلبنا من الملك، الذي خلعناه منذ سنتين عن عرش المغرب، أن يعيننا على إصلاح الخسارات المتولدة على خلعه، ولقد قبل محمد بن يوسف الاستجابة لرغبتنا دون أن يطلب منا، كشرط لذلك، أن نعيده إلى عرشه، ومن هنا فالنتائج التي حصلنا عليها تبشر بالخير”، هكذا صرح الجنرال جورج كاترو، كما نقلت عنه ذلك جريدة “السعادة” آنذاك.

كانت فرنسا تطمح إلى وضع حد للمقاومة المسلحة عن طريق تأسيس “مجلس حفظة العرش”، ومن الدوافع التي حركت الاستعمار الفرنسي في اتجاه تأسيس هذا المجلس هو عدم اعتراف إسبانيا التي كانت تحتل المنطقة الشمالية ببنعرفة، لذلك حاولت فرنسا وضع حد للنزاع بينها وبين إسبانيا بخلعه.

 

جدل المجلس

بعد فشل التقارب الفرنسي الإسباني قام المقيم العام الفرنسي، بعزل بنعرفة، بتنصيب مجلس العرش يوم 17 أكتوبر من سنة 1955، فاعتقد أنه کسب جولة سياسية لأنه تحكم في تركيبة المجلس؛ لكنه في واقع الأمر قدم لقيادة حزب الاستقلال إمكانات التوفر على هامش جديد للتحكم في الموقف السياسي في اتجاه تحقيق المزيد من المكاسب لصالح المغرب، وهو ما سيدركه الجنرال في ما بعد.

وبما أن مفاوضات إكس ليبان خلصت إلى الاتفاق على تأسيس مجلس العرش يتكون من ثلاثة أعضاء، عوض المقيم العام الفرنسي بالمغرب قاضي سلا الفقيه بن خضراء، الذي امتنع عن الانضمام إلى المجلس، بالحاج محمد الصبيحي، باشا مدينة سلا .

الجنرال الفرنسي قرر إضافة عضو رابع وهو ضابط مغربي في الجيش الفرنسي اسمه الطاهر أوعسو، لكن حزب الاستقلال رفض هذه التركيبة، فيما قبلها امبارك البكاي في بلاغ قال فيه إن “المجلس حل مؤقت، وإن الحل النهائي لمسألة العرش سيبقى من اختصاصات الشعب المغربي”.

بعد تأسيس مجلس العرش وجّه البكاي، وهو أحد المشاركين في مفاوضات إكس ليبان، نداء إلى الشعب المغربي قال فيه إن “العرش أصبح شاغرا، ونتيجة لتلك الوضعية جاءت فكرة تأسيس هذا المجلس”، لكن كلمة “شاغر” أثارت استياء العديد من الوطنيين، الذين استغربوا كيف سمح البكاي لنفسه بأن يتبنى أطروحة تقول بأن العرش شاغر، وهم الذين اختاروه ناطقا باسمهم في إكس ليبان. القول بأن العرش أصبح شاغرا بعد تنحي بنعرفة هو اعتراف ضمني بأن هذا الأخير كان فعلا سلطانا للبلاد، من هنا جاء استغراب وسخط العديد من الوطنيين.

“كانت الغاية من تأسيس مجلس العرش تمهيد السبيل لإعادة الوضعية القانونية إلى نصابها، وإن إضافة عضو رابع للمجلس بإلحاح من المقيم العام، رغم اعتراضات حزبنا، قد أخلت بالتوازن المطلوب؛ وذلك بترجيح كفة ما يسمونه بالعنصر التقليدي، وهذا غير مطابق للمجلس المقترح في إكس ليبان والذي قبله سيدي محمد بن يوسف”، هكذا تردد على مسامع العديد من المغاربة يوم الجمعة 21 أكتوبر سنة 1955 بصوت المهدي بنبركة على أمواج الأثير من إذاعة الرباط.

بعد إثارة كل هذا الجدل على تركيبة المجلس، نشر البكاي رسالة يقول إنه توصل بها من السلطان محمد الخامس يوافق فيها على إضافة الطاهر أوعسو عضوا رابعا بالمجلس، لكن اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال شككت في صحة تلك الرسالة، إذ قالت في ندوة صحفية إنها تستغرب كيف وصلت هذه الرسالة من مدغشقر إلى يد البكاي، وأضافت قيادة حزب الاستقلال أن “محمد بن يوسف لا يمكنه أن يبت في أمر مجلس العرش إلا بعد عودته لفرنسا”.

موقف الكلاوي

في ظل طعن حزب الاستقلال في شرعية مؤسسة مجلس العرش وتشبث البكاي بها، كان السياسي المغربي الفاطمي بن سليمان يوم 22 أكتوبر 1955 يتناول الغذاء على مائدة التهامي الكلاوي لإقناعه بالمثول أمام مجلس العرش، وكان الغرض من تلك الخطوة هو كسب اعتراف باشا مراكش بمجلس العرش، كما قال ابنه عبد الصادق في كتابه “أبي الحاج التهامي الكلاوي الأوبة”.

كان الفاطمي بن سليمان يطمح إلى جعل مجلس العرش مجرد مرحلة انتقالية نحو حكومة يقودها هو نفسه، يقول عبد الصادق الكلاوي إنه في اللحظة التي قبل فيها والده أن يمثل أمام مجلس العرش لم تبق أمامه سوى ثلاثة أيام لإقناعه للانضمام إلى صف الوطنيين المطالبين بإعادة محمد الخامس إلى العرش والقضاء على أحلام الفاطمي بن سليمان، وهو ما حدث بالضبط عندما طعن الكلاوي في شرعية مجلس العرش وصرح علانية بأن الحل الوحيد لاستقلال المغرب هو عودة محمد الخامس إلى العرش.

إذا كان رجال الحركة الوطنية قد فرحوا بمنع احتلال العرش بما سمي مجلس للعرش، فإن الباشا الكلاوي حقق فرحتين، الأولى بتخليص العرش والثانية بتبرئة ذمته من البيعة التي سبق أن أعطاها بنعرفة والاستعداد للمصالحة مع المؤسسة الملكية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *