خارج الحدود

ماكرون فاز ولوبن تقدمت .. هل انتصر اضطهاد المسلمين في الانتخابات الفرنسية؟

في انتخاباتٍ رئاسية تراجعت فيها نسبة المشاركة بشكل غير مسبوق منذ 1969، ولم تأت بجديد بين متنافسي الدور الثاني مقارنة مع انتخابات 2017، تمكن إيمانويل ماكرون من الفوز بولاية رئاسية ثانية، بعد أن هزم للمرة الثانية على التوالي مارين لوبان.

ورئاسيات 2022 الفرنسية، التي انتصر فيها أيضا التوجه المضطهد للمسلمين، حملت عدة مؤشرات مقلقة عن تعزيز صعود اليمين المتطرف من شأنها التأثير على مستقبل البلد، حيث تمكنت زعيمة “التجمع الوطني” المتطرف من تقليص الفارق مع ماكرون إلى النصف مقارنة برئاسيات 2017، لتحقق أعلى نتيجة لمرشح يميني متطرّف في انتخابات رئاسية منذ تأسيس الجمهورية الخامسة عام 1958، ويحتمل أن تسجل اختراقات في الانتخابات البرلمانية التي ستجري بعد نحو 7 أسابيع في يونيو/حزيران المقبل!

فهل يستوعب ماكرون الدرس فينجح في أن يكون رئيس جميع الفرنسيين؟

وفيما يلي التفاصيل التي نشرتها وسائل الإعلام الأجنبية وجمعتها “العمق المغربي” من مصادر متعددة (وكالة الأناضول، الجزيرة نت، قناة الحرة، قناة يورو نيوز، وكالة أنباء شينخوا).


لوبان نجحت في تقليص الفارق إلى النصف

رغم الفارق الذي يتجاوز 16 نقطة بين المرشحين الرئاسيين، إلا أن لوبان تمكنت من تقليصه ذلك الفارق إلى النصف مقارنة برئاسيات 2017، عندما خسرت أمام ذات المرشح بـ66.1 بالمئة مقابل 33.9 بالمئة، بفارق 32.2 نقطة.

فخسارة لوبان المتوقعة، كانت بفارق أكبر من 10 نقاط الذي توقعته معاهد سبر الآراء الفرنسية، التي تحدثت في آخر استطلاعاتها، بعد المناظرة التي جرت بين المرشحين، عن نتيجة متأرجحة ما بين 54 و56 بالمئة لماكرون، مقابل 44 و46 بالمئة للوبان.

واتساع الفارق خلال أيام قليلة من 10 إلى 16 نقطة يعكس تفوق ماكرون، في المناظرة التي جرت بينه وبين لوبان، وكان أداؤه أكثر إقناعا منها، بناء على استطلاعات الرأي، إلى درجة دفعت موقع “فرانس24” (رسمي) إلى التساؤل “هل قضت المناظرة على حظوظ لوبان في الفوز؟”

كما أن ماكرون، ربح لعبة التحالفات عندما ضمن دعم أغلب المرشحين الخاسرين في الجولة الأولى، بينما لم تدخل لوبان الجولة الثانية وحيدة بعد أن حصلت على دعم مرشحين اثنين، بينهما إريك زمور، اليميني المتطرف الذي حصل على المرتبة الرابعة.

تراجع نسبة المشاركة خدم التطرف

لم يسبق لفرنسا أن سجلت نسبة امتناع عن التصويت في انتخابات رئاسية كالتي سجلتها في رئاسيات 2022، منذ 1969 (31.1 بالمئة).

فوفقا لتقديرات معاهد لسبر الآراء، بلغ معدل الامتناع عن التصويت نحو 28 بالمئة من الناخبين المسجلين في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، والبالغ عددهم 48.7 مليون مسجل.

ونسبة الامتناع في الجولة الثانية للرئاسيات أعلى بـ1.7 بالمئة مقارنة بالجولة الأولى التي سجلت معدل 26.3 بالمئة.

ومقارنة برئاسيات 2017، التي سجلت نسبة امتناع عن التصويت بـ 25.38 بالمئة (نحو 12 مليون صوت)، فإن معدل الامتناع في 2022 ارتفع إلى 2.62 بالمئة، أي بزيادة نحو مليون ناخب ممتنع.

والانحدار في نسب المشاركة في الانتخابات الرئاسية بدأ في 2012، عندما نزل من 84 بالمئة في 2007، إلى 80.4 بالمئة، ثم إلى 74.6 بالمئة في 2017، وأخيرا 72 بالمئة في 2022.

وارتفاع نسبة الامتناع عن التصويت يمكن ربطها بعدم اقتناع فئة من الناخبين بكل من ماكرون ولوبان، معا، خاصة من اليسار الراديكالي والمسلمين (10 بالمئة من إجمالي عدد السكان).

وإن كان مرشح اليسار الراديكالي جون لوك ميلونشون (نحو 22 بالمئة)، لم يدعو إلى مقاطعة الجولة الثانية للرئاسيات، إلا أنه لم يدعم ماكرون، واكتفى بحث أنصاره على عدم التصويت للوبان.

وتصب حالة العزوف التاريخية عن التصويت في مصلحة لوبان، إذ أن غالبية الممتنعين عن التصويت هم من اليساريين والمسلمين الذين يوجدون على الطرف النقيض من اليمين المتطرف.

وفاقت نسبة الامتناع عن التصويت (28 بالمئة) ما حصل عليه ماكرون في الجولة الأولى (27.85 بالمئة)، ما يجعل الممتنعين عن التصويت أكبر من أي حزب في البلاد.

قلق على مستقبل فرنسا

قبل عقود خلت كان اليمين المتطرف منبوذا في فرنسا، لكن مع حصول لوبان على 42 بالمئة من الأصوات أو ما يعادل نحو 14 مليون صوت، فذلك يشكل قوة تصويتية كبيرة.

وإذا تمكنت لوبان، من الحفاظ على هذه القاعدة التصويتية في الانتخابات البرلمانية المقبلة، فإن طلك يرشحها للمشاركة في تشكيل حكومة ائتلافية، إذا أخفق حزب ماكرون “الجمهورية إلى الأمام” من الحصول على 50 بالمئة من الأصوات.

فهذه المرة الأولى في تاريخ اليمين المتطرف الذي يحصل فيها على نسبة تجاوزت 40 بالمئة، بعدما حقق في رئاسيات 2017، نسبة 33.9 بالمئة.

إذ لم يسبق وأن صوّت لليمين المتطرف نحو 14 مليون مقترع في أي انتخابات سابقة.

حيث تم تسجيل أعلى معدل تصويت له في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التي جرت في 2017، وحصلت فيها لوبان على أقل من 11 مليون صوت، واعتبر هذا الرقم حينها تاريخيا، قبل أن تكسره لوبان في 2022.

و أكد الأستاذ الفخري في معهد “ساينس بو ليون”، بول باكوت، أن الذين صوتوا لمارين لوبان ليسوا كلهم من اليمين المتطرف”

وأضاف باكوت “قوة مشاعر الرفض تجاه سياسات ماكرون أدت إلى تضخم نتائج القوميين”.

النزال السياسي الثالث قد يخلق مفاجآت

بإعلان نتائج الدور الثاني من الرئاسيات يبدأ فصل جديد من النزال السياسي في فرنسا، ويتعلق بالانتخابات البرلمانية التي سيتم تنظيمها بعد 7 أسابيع فقط،  في يونيو/حزيران المقبل.

واعتبرت زعيمة اليمين الفرنسي المتطرف الأحد أن ما حصدته من أصوات في الانتخابات الرئاسية يشكل “انتصاراً مدوياً”.

ووعدت لوبن بـ”مواصلة” مسيرتها السياسية، مشددة على أنها “لن تتخلى أبداً” عن الفرنسيين.
وقالت أمام حشد من مناصريها “إن الأفكار التي نمثّلها اتخذت أبعادا جديدة (…) هذه النتيجة في ذاتها تشكّل انتصاراً مدوياً”.

وتابعت “هذا المساء، نبدأ المعركة الكبيرة من أجل الانتخابات التشريعية”، مشيرة إلى أنها شعرت بـ”الأمل” ودعت معارضي الرئيس للانضمام إلى حزب التجمع الوطني الذي تتزعمه.

وإذا واصلت لوبن المحافظ على مكاسبها الانتخابية، وتمكنت من المشاركة في حكومة ائتلافية، فمن شأن ذلك أن يقود فرنسا إلى مزيد من التطرف في ملفات الهجرة والإسلاموفوبيا، وفتح ملفات الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، والاختلاف بشأن الحرب الروسية الأوكرانية.

فدخول اليمين المتطرف إلى الحكومة من شأنه أن يُقحم فرنسا في مرحلة عدم استقرار سياسي، ويؤثر على علاقاتها بشركائها (الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (ناتو))، ويضيق أكثر على المهاجرين والمسلمين.

وتشكيل حكومة ائتلافية يكون اليمين المتطرف أحد أطرافها من شأنه فتح أبواب الخلاف مع الرئيس ماكرون، الذي مرت ولايته الرئاسية الأولى في هدوء دون صدام مع الحكومة، خاصة وأن فرنسا تتبنى نظاما شبه رئاسي يتقاسم فيه رئيس البلاد ورئيس الحكومة السلطة التنفيذية.

وتستعد أحزاب المعارضة بالفعل للانتخابات التشريعية يومي 12 و19 يونيو، حيث ستحاول تشكيل تحالفات جديدة لمواجهة ماكرون.

انتصار التوجه المضطهد للمسلمين

ويرى ريان فريشي الباحث بمنظمة “كيج” (CAGE) -منظمة مستقلة مناهضة للظلم والقمع- أن النتيجة الحتمية لرئاسيات 2022 هي أن معاداة الإسلام واضطهاد المسلمين سيشتدّان في فرنسا.

ويقول فريشي في مقال له بموقع “ميديل إيست آي”  (Middle East Eye) ، قبل ظهر النتائج، ن مسلمي فرنسا، الذين دعم كثير منهم المرشح اليساري الذي هزم في الشوط الأول من الانتخابات جان لوك ميلينشون، قلقون الآن بشأن ما يخبئه لهم المستقبل، ويرجح أن تكون لهذه الانتخابات تداعيات دائمة على المسلمين في فرنسا.

وأشار إلى أن ماكرون ولوبان رغم نقاط الاختلاف الكثيرة بينهما فإن القاسم المشترك بينهما كان بوضوح الحديث عن الإسلام و”مشكلة المسلمين”.

وقال إن كلا المرشحين يعدّ الإسلام وممارساته الظاهرة “تهديدا حضاريا” لفرنسا، وقد سبق أن وصف وزير الداخلية بحكومة ماكرون -جيرالد دارمانان- نهج لوبان تجاه الإسلام بأنه “لين”.

وبعد انتخابه في عام 2017 -والكلام للكاتب- لم يضيع ماكرون وقتًا إذ شرع في استهداف الأقلية الفرنسية المسلمة ومراقبتها، ومارس أقصى مستوى من الضغط على أفراد المجتمع المدني المسلمين إلى درجة جعلت عملهم اليومي صعبًا على نحو لا يطاق، وشدّد قبضة الدولة على المؤسسات والممارسات الدينية.

وقال الكاتب إن حكومة ماكرون أقدمت بعيد فوزه بالرئاسة على حل العديد من المؤسسات الخدمية التي أنشأتها واستخدمتها الجالية المسلمة الفرنسية بين عشية وضحاها بموجب مرسوم وزاري، فقد أُغلق أكثر من 718 مسجدًا ومدرسة إسلامية ومنظمات يديرها إسلاميون، بعد تحقيق شمل أكثر من 24 ألف مؤسسة ومصادرة أموال بقيمة 46 مليون يورو (50 مليون دولار) من الأقلية المسلمة المحرومة اقتصاديًا أصلا.

و اختتم الكاتب بأن فرنسا تخفي عمدا السياسات التي تستهدف اضطهاد المسلمين، وتوقع أن يواصل ماكرون في حال إعادة انتخابه سياساته التي تستهدف الأقلية المسلمة وأن يوسّعها، كما يتوقع أن تقدم لوبان على الشيء نفسه إذا وصلت إلى سدّة الحكم.

هل ينجح ماكرون في أن يكون رئيس جميع الفرنسيين؟

أعلن ايمانويل ماكرون أن تصويت الناخبين ضد حزب التجمع الوطني “يلزمني للأعوام المقبلة”، لكن توجه أيضاً إلى معارضيه قائلاً “لست رئيس فريق إنما رئيس الجميع”.

وقال ماكرون في خطاب أمام برج إيفل في باريس “أعلم ان عدداً من مواطنينا صوتوا لي اليوم ليس دعما للأفكار التي أحملها بل للوقوف في وجه (أفكار) اليمين المتطرف”، مضيفاً “هذا التصويت يلزمني للأعوام المقبلة”. وأضاف أنه لا بدّ من “إعطاء أجوبة” للذين دفعهم “الغضب والاختلاف في الرأي” للتصويت الى أقصى اليمين.

وقال ماكرون في خطاب النصر الذي ألقاه “يجب أن يكون أصدقائي طيبين ومحترمين لأن بلادنا غارقة في الكثير من الشكوك والانقسامات”

وقال أنطونيو باروسو، العضو المنتدب في شركة الاستشارات العالمية Teneo إن “الجبهة الجمهورية ما زالت حية وتنشط، لكنها أقل حيوية وفي كل مرة تكون أقل حيوية مما كانت عليه في الانتخابات السابقة”.

من هو  ماكرون؟

ولد ماكرون في أميان وترعرع في عائلة من الطبقة المتوسطة معظمها من المعلمين، وحصل على درجة الماجستير في الفلسفة من جامعة باريس نانتير ودرجة الماجستير في الشؤون العامة من معهد باريس للدراسات السياسية.

ثم تخرج من المدرسة الوطنية للإدارة، وتدرب على مهنة الخدمة المدنية.

بين عامي 2004 و2008، عمل كمفتش مالي في وزارة الاقتصاد، ثم من 2008 إلى 2012 كمصرفي استثماري في روتشيلد آند سي بانك.

في 2007، تزوج من بريجيت ترونيو، معلمته في المدرسة الثانوية التي تكبره بـ25 عاما.

وشغل ماكرون منصب وزير الاقتصاد من 2014 إلى 2016 في ظل رئاسة فرانسوا هولاند وكان نائب الأمين العام لهولاند قبل أن يصبح وزيرا.

وأنشأ ماكرون حركته السياسية الخاصة “إلى الأمام!”. وفاز في الانتخابات الرئاسية لعام 2017 بعد حصوله على 66.1 في المائة من الأصوات في جولة الإعادة ضد لوبان.

وخلال فترة ولايته الحالية التي امتدت لخمس سنوات، تبنى ماكرون إصلاحا لقانون العمل وقانون “إضفاء الطابع الأخلاقي” على السياسة والمساعدة الطبية في الإنجاب للنساء العازبات والأزواج من الإناث.

وشهدت فترة رئاسته وقوع هجمات إرهابية وقام بتأييد سن قانون وتشريع لمكافحة الإرهاب ضد الانفصالية الإسلامية. كما برزت في فترة ولايته حركات اجتماعية مثل احتجاجات حركة السترات الصفراء في عام 2018.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • بنعباس
    منذ سنتين

    الجالية المسلمة في فرنسا طفلة في الخامسة من عمرها تضع منديلا على راسها وهي مجنسة تقول لوالدها راجعين من المسجد :اتنهرني لوبن لو التقتني ، لقطة تلخص ما يعيشه المسلمون في فرنسا من تضييق كبير ازداد بشكل ملفت في العقدين الأخيرين بفعل خطابات الكراهية التي ينفثها اليمين المتطرف عبر وسائل الاعلام ليجد صداه لدي كبار السن والارياف ومن يشعرون بالهشاشة، خطابات تدافع بتعصب عن الهوية متجاهلة التنوع الذي تعرفه المجتمعات عبر الزمن كما تعرفه الطبيعة بصفة عامة وهي تغطي ضمنيا كراهية للمسلمين وحدهم ، اليهم يرجه التدهور في القوة الشرائية واليهم يرجع العنف ،متناسية عن قصد متجاهلة مساهمتهم في استقلال فرنسا أولا ثم في بناء اقتصاها منذ اكثر من قرن من الزمن في ظروف قاسية وبحقوق مهضومة زيادة على ابتعادهم عن أهلهم وذويهم وبيئتهم، تطورت الأجيال الى ان بلغت اليوم شواهد عليا مكنتها من أدوار مهمة في المجتمع الفرنسي ولا يزال اقتصادها يطلبهم هم الذين درسوا في بلدانهم ،انضاف اليهم الرئيس لاستمالة ناخبيهم بسن قوانين ضدهم بدل معالجة الهشاشة الا انهم لم يجتهدوا للدفاع عن أوضاعهم بالأرقام للأجيال المتعاقبة بدل الركون الى الخلف يترقبون في الوقت الذي كان عليهم التعريف بأدوارهم وبانهم مسالمين يساهمون في الاقتصاد، حقوق غير موجودة في شعارها: حرية، مساواة، اخوة، رغم تجنيس اكثرهم فلم ينعموا بأداء شعائرهم الدينية على الوجه الاكمل خصوصا في الأعياد(عطل) واضحية العيد، ينعموا في بلادنا زيادة على حرية كاملة بالترحاب والضيافة، يأكلون ويشربون في عز رمضان وهكذا، تعيش جاليتنا صعوبة في تربية أبنائها المشتتين بين ثقافتين وديانتين تلزمهم مجهودات أكبر للتوافق والمعايشة للرفض المتزايد الذي ولده اليمين المتطرف حتى وان لم يكن يتبناه كل الدين صوتوا له، يقول أحدهم ان علاقة عائلته بجارتهم الفرنسية جيدة جدا، تضبري الهدايا لأبنائه وقد صوتت لليمين. سبق لمسؤول فرنسي ان قال يوما في المغرب " يتمتع الفرنسيين بالأمن الفكري" ما لا يتمتع به المسلمون في فرنسا حاليان علما انهم كانوا قبل وصول المتطرفين في علاقة طيبة ووضع أحسن