سياسة

بلاغ مزوار ضد بنكيران حول سوريا..تصفية حسابات أم تدارك أزمة

أثار البلاغ الذي أصدره وزير الخارجية صلاح الدين مزوار ضد رئيسه في الحكومة عبد الإله ابن كيران بخصوص الملف السوري، الكثير من الجدل بين المتتبعين، بين من اعتبره ضربا للمؤسساتية بـ”تطاول” وزير على رئيسه في الحكومة، وانتهاكا لحرمة مؤسسة رئاسة الحكومة وموقعها الاعتباري، ومحاولة لـ”تصفية حسابات سياسية”، وبين من اعتبره استدراكا لـ”هفوة” بنكيران التي كادت تخلق أزمة مع روسيا، وتأكيدا على أن المواقف الرسمية لا تصدر انطلاقا من وجهات نظر شخصية.

صراع سياسي

بلاغ وزارة الخارجية الذي أعقب لقاء مزوار بالسفير الروسي بالرباط، شدد على أن “المواقف الرسمية يأتي عقب تقييم عميق ومسلسل من التفاعل والتثبت بانخراط عدد من الفاعلين والمؤسسات، ولا يمكن لهذه المواقف، بالنظر لتعقدها وخطورتها، أن تكون محط ارتجال، أو أن تعبر عن وجهات نظر شخصية”.

حديث مزوار عن الارتجال ووجهات النظر الشخصية، اعتبره متتبعون محاولة لتصفية حسابات سياسية مع رئيس الحكومة عبد الإله ابن كيران، بعدما وصف روسيا بأنها تدمر سوريا بالتنسيق مع نظام الأسد، قائلا: “لماذا تدمر روسيا سورية بهذا الشكل؟ كان يمكن لروسيا أن تتدخل لإيجاد حل للأزمة وليس لتعميقها”.

أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض، عبد الرحيم العلام، اعتبر أن مزوار “غير ذكي ولا يفرق بين الخلاف الحزبي والعمل المؤسساتي”، مشيرا إلى أن المغرب أصلا غير محايد في الملف السوري، وذلك من خلال مواقفه المنتقدة لجرائم النظام السوري واحتضانه مؤتمر أصدقاء الشعب السوري الذي حضرته المعارضة السورية، وهو ما يجعل بلاغ وزارة الخارجية ضد بنكيران “مستهجنا ولا يليق برجل دولة” حسب قوله.

وأوضح العلام في اتصال مع جريدة “العمق”، أن ما عبر عنه بنكيران بخصوص التدخل الروسي في سوريا، هو أمر عادي جدا، وكان على الخارجية أن تدعم هذا الموقف وتتبناه لأنه يتماشى مع الموقف الرسمي للمغرب، ثم معالجة تداعيات تصريح رئيس الحكومة داخليا كما هو الشأن في باقي دول العالم، مشددا على أن ما عبر عنه بنكيران هو نفسه موقف الدول الحليفة والصديقة للمغرب مثل السعودية والإمارات وقطر وغيرهم.

وذكَّر المحلل السياسي بما وقع في روسيا حين قصفت القوات الروسية طائرات إحدى الدول بأمر من جنرالات ودون علم الرئيس بوتين وحكومته، وهو ما جعل الدولة تتبنى هذا القصف رغم عدم موافقتها عليه، وذلك من أجل تفادي تكريس صورة لدى المنتظم الدولي على أن الإدارة الروسية لا تتحكم في الجيش، كما صرح بذلك لاحقا الرئيس بوتين لوسائل إعلام.

هفوة بنكيران

بالمقابل، اعتبر متتبعون أن بلاغ وزارة الخارجية كان ضروريا لتدارك أزمة لاحت بوادرها في الأفق بين المغرب وروسيا، بعد احتجاج موسكو على تصريحات بنكيران، في حين وصف البعض ما قاله بنكيران عن روسيا، بأنه “هفوة” كبيرة من الرجل الثاني في الدولة، من المفترض فيه الحذر في إصدار المواقف على المستوى الدولي.

وأشار منتقدو بنكيران، إلى أن المواقف التي يعبر عنها رئيس الحكومة يجب أن تتماشى مع المصالح العليا للبلد لا أن تجلب عليه المشاكل من طرف القوى الدولية الكبرى، مشددين على أن المواقف الخارجية تبقى حصرية للملك باعتباره رئيس الدولة الذي “يبقى الضامن لثبات واستمرار المواقف الدبلوماسية للمملكة المغربية ولاحترام التزاماتها الدولية”، كما جاء في بلاغ الخارجية.

أستاذ العلاقات الدولية، تاج الدين الحسيني، دعا إلى الحذر في المستقبل من أي تصريحات تتعارض مع المصالح الحيوية للبلاد، وأن يحرص المسؤول الحكومي على ما يسمى بواجب التحفظ، “لكن هذا لا ينفي كون بنكيران عبّر عن شعور الأغلبية الساحقة من المغاربة الذين يعتقدون أن ما تقوم به روسيا إلى جانب النظام السوري هو تدمير للحياة المدنية أكثر مما هو حرب على الإرهاب، غير أن في السياسة محاذير يجب الانتباه إليها، والتعبير عن المواقف بمرونة أكبر”.

وفسر الحسيني في تصريح لـ”الجزيرة”، الحسيني تفاعل روسيا مع التصريحات الأخيرة لبنكيران بكون الروس لهم حساسية كبيرة تجاه سياستهم الوطنية ونفوذهم في منطقة الشرق الأوسط، “فبالنظر إلى الطموحات الكبيرة لروسيا في سوريا، فإن ردود فعلها تكون قوية تجاه أي انتقاد لسياستها الخارجية، خاصة أنها تشجع قواتها على الاستقرار بالمنطقة لمدة طويلة، وتريد أن تحافظ على وجود القاعدة العسكرية المطلة على البحر الأبيض المتوسط”.

موقف المغاربة

نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي شددوا على أن رئيس الحكومة عبر عن موقف المغرب حكومة وشعبا مما يجري في سوريا، مشيرين في عشرات التدوينات إلى أن العالم كله يعرف أن روسيا ترتكب إلى جانب نظام الأسد وإيران، جرائم ضد الإنسانية في حق الشعب السوري، “وأقل واجب هو قول كلمة حق فيما يجري في بلاد الشام”، في حين انتقد آخرون تصريح بنكيران متهمين إياه بخلط المواقف الشخصية بالرسمية.

القيادي في حزب العدالة والتنمية، خالد رحموني، اعتبر أن موقف رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران من الأزمة السورية، “هو نفسه موقف الدولة والمجتمع والناس كافة والأحرار في العالم”، منتقدا بلاغ وزير الخارجية صلاح الدين مزوار في الموضوع، متسائلا بالقول: “كيف لمرؤوس أن يستدرك على رئيسه ويخرج ببيان يكرس التيه والضباب والشرود”.

وأوضح رحموني أن “تصريحات بنكيران بخصوص الموقف الإنساني في سوريا الجريحة مأساة العصر، وحجم مسؤولية الروس في التدمير المقترف على كيانها، كانت موفقة جدا ونابعة من آلام ألم بنا جميعا، من موقعه السياسي ومن موقعه الاعتباري أيضا، بحسبانه رئيسا منتخبا لحكومة المملكة المغربية”.

قناة الجزيرة بدورها اختارت عبد الإله بنكيران ضمن الشخصيات الأربع المتنافسة في سباق الأخبار على شخصية الأسبوع، حيث يتصدر بنكيران الترتيب بفارق كبير عن باقي الشخصيات إلى حدود كتابة هذه الأسطر.

#شكرا_بن_كيران

وصفُ بنكيران لروسيا بأنها تدمر سوريا، لاق تفاعلا كبيرا من طرف النشطاء العرب على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تصدر هاشتاغ “شكرا بن كيران” موقع تويتر في المنطقة العربية، بعدما غرد المئات من النشطاء والإعلاميين والمعارضون السوريين تأييدا لما قاله بنكيران وتعبيرا عن امتنانهم العميق لموقف رئيس الحكومة المغربي الداعم للثورة السورية، على حد قولهم.

عضو في اللجنة الحقوقية لرابطة الخليج العربي لنصرة الشعب السوري، المستشار خالد شبيب، قال في تغريدة له على حسابه بتويتر: “تحية كبيرة لرئيس حكومة المغرب ضد روسيا المجرمة التي تبيد الشعب السوري وتدمر حضارته، المنتظر من باقي رؤساء الوزراء يحذوا حذوه #شكرا_بن_كيران”.

من جانبه عبر الإعلامي بقناة الجزيرة، فيصل القاسم، عن شكره لعبد الإله ابن كيران بمشاركة هاشتاغ “#شكرا_بن_كيران” على حسابه الرسمي بـ”تويتر”.

فيما وصف الإعلامي السوري هاني الملاذي، موقف الأنظمة الملكية العربية بالأكثر تحررا ممن نعتهم بـ”تجار الجمهوريات” حيث قال في تغريدة له على حسابه بـ”تويتر”: “إنه بعد موقف رئيس حكومة المغرب من عدوان روسيا اتضح أكثر أن الأنظمة الملكية أكثر تحرراً ونخوة من تجار الجمهوريات ومرتزقة العسكر”.

بدوره قال المعارض السوري بسام جعارة: “#شكرا_بن_كيران رسالتك للمجرم بوتين وصلت ووصلت قبل ذلك كتحية إلى ثوار حلب، حزب العدالة والتنمية المغربي كان وسيظل سندا لشعبنا”.

أما رئيس تحرير جريدة المصريون، الإعلامي جمال سلطان، فقال: “كمصري ينتمي إلى ثورة يناير أتوجه بالشكر إلى الأستاذ عبد الإله بن كيران لتنديده بمجازر روسيا في حلب، والمروءة ليست جديدة عليه #شكرا_بن_كيران”.

بينما قال حساب “شمرية العراق” على تويتر: “فرق بين الحر والعبد رئيس وزراء المغرب يصف #روسيا أنها محتلة وترتكب مجازر بسوريا السيسي يصف جرائم روسيا أنه تحرير ومساعدات! #شكرا_بن_كيران”.

احتجاج موسكو

السفير الروسي بالرباط “فاليري فوروبييف”، قدم احتجاجا رسميا لدى وزارة الخارجية المغربية، بعد التصريحات التي أدلى بها رئيس الحكومة بنكيران، والتي طالب فيها روسيا بلعب دور في حل الأزمة لا دعم مجازر النظام.

بنكيران كان قد قال في تصريح لوكالة “قدس بريس” الدولية، إنه على روسيا أن تكون قوة لحل الأزمة في سورية لا بأن تكون طرفا فيها، مضيفا: “ما يفعله النظام السوري بشعبه مسنودا بروسيا وغيرها يتجاوز كل الحدود الإنسانية، ولا يمكن فهم أسبابه الحقيقية”.
وأضاف رئيس الحكومة بالقول: “السؤال هو: لماذا تدمر روسيا سورية بهذا الشكل؟ كان يمكن لروسيا أن تتدخل لإيجاد حل للأزمة وليس لتعميقها”.

وزارة الخارجية المغربية، قالت في بلاغ أصدرته عقب اللقاء بين السفير الروسي فاليري فوروبيف، والوزير المغربي، يوم الإثنين، إن المسؤول الروسي عبر عن انشغال بلاده بـ”التصريحات الإعلامية المنسوبة لمسؤول حكومي رفيع المستوى، اتهم فيها روسيا بالوقوف وراء تدمير سوريا”.

وأوضحت وزارة مزوار في بلاغها، إلى أن “اتخاذ هذه المواقف الرسمية يأتي عقب تقييم عميق ومسلسل من التفاعل والتثبت بانخراط عدد من الفاعلين والمؤسسات، ولا يمكن لهذه المواقف، بالنظر لتعقدها وخطورتها، أن تكون محط ارتجال، أو أن تعبر عن وجهات نظر شخصية”.

موقف واحد !

بلاغ مزوار ضد بنكيران، أعاد النقاش مجددا حول الموقف الرسمي المغربي من الأزمة السورية، والذي يصف ما يجري بأنه دمار وأعمال تقتيل همجية ضد أبناء سوريا، وهو نفس المعنى الذي استعمله بنكيران في تصريحه الإعلامي حين قال: “أشعر بأن العالم قد مات إزاء ما يجري في جرائم في سورية، ولم يبق هناك ذو غيرة إنسانية أو قلب رحيم، وأنا لم أعد أطيق رؤية الأخبار المتصلة بسورية ولا النوم حتى لفظاعة الصور التي أشاهدها، وأفتقد القدرة على وصف ما أشاهده من جرائم”.

مزوار وصف في مؤتمر جنيف 22 الذي انعقد في سويسرا يناير 2014، ما يحدث في سوريا بالقول: “إن الوضع في سوريا لم يعد يحتمل، والمسلسل الدرامي الذي يؤدي ثمنه غاليا الشعب السوري الأعزل لم يعد يطاق، فكلنا مسؤولون اليوم عما يحدث من تقتيل همجي لأبناء وبنات سوريا، و بعد ثلاث سنوات من الدمار لا مجال للحديث اليوم عن مفاوضات لإيجاد حل سياسي لهذه الحرب المدمرة ، إلا بفرض وقف العنف والإرهاب بسوريا”.

وصف مزوار لما يحدث في سوريا على أنه “تقتيل همجي لأبناء وبنات سوريا”، يتضمن إشارة واضحة إلى جرائم النظام السوري وحلفائه الذين تترأسهم روسيا في قتل السوريين في مختلف المدن السورية، وهو ما يتماشى مع قرار المملكة بطرد السفير السوري بالرباط نبيه إسماعيل، واحتضان المغرب لمؤتمر أصدقاء الشعب السوري، ومطالبة الخارجية المغربية في بلاغ سابق بـ”تحرك فاعل وحازم من أجل تحقيق انتقال سياسي نحو وضع ديمقراطي يضمن وحدة سوريا واستقرارها، ويحقق تطلعات الشعب السوري الشقيق نحو الكرامة والحرية والتنمية”.

متتبعون تساءلوا كيف يعيب وزير الخارجية صلاح الدين مزوار، على بنكيران انتقاده لجرائم النظامين السوري والروسي، وهو الذي عبر أكثر من مرة في بلاغات وزارته عن موقف المغرب المنتقد لمجازر الأسد ضد شعبه، وهي المجازر التي تشارك فيها روسيا، وهو الموقف الذي عبر عنه رئيس الحكومة بشكل أكثر وضوحا حين قال “ما يفعله النظام السوري بشعبه مسنودا بروسيا وغيرها يتجاوز كل الحدود الإنسانية، ولا يمكن فهم أسبابه الحقيقية”.