أدب وفنون

روبين وليامز .. أضحك العالم ثم انتحر

حسب “موسوعة طب 21” تعتبر الشخصية المرحة أو الكوميدية شخصية تحمل داخل ثناياها الكثير من التصرفات والسلوكيات المرحة والمضحكة، فتتميز بحس الدعابة وخفة الدم والتي قد تظهر أحيانا بشكل معاكس ومغاير لطريقة سير الطروف والأحداث المحيط.

ولمعرفة الأدوار الحيوية التي يلعبها الشخص المضحك أو الكوميدي في الحياة بانتزاعه الضحك من الجمهور، تكفي الإشارة إلى بعض فوائد الضحك. فحسب نفس المصدر، فالضحك هو حالة فسيولوجية تعبر عن الشعور بالسعادة والفرح، ويُعتبر من الأدوية الطبيعية للكثير من الأعراض التي يعاني منها بعض الأفراد نتيجة التعرض للضغوط الحياتية المختلفة ويُساعد في الحد من التوتر والتحكم في الإحساس بالألم، بالإضافة إلى تقديم المساعدة الفعّالة في مُكافحة ومُحاربة الاضطرابات النفسية كالاكتئاب، كما أن الضحك ينشّط الدورة الدموية ويعزّز الجهاز المناعي، وله التأثير الكبير على مستويات ضغط الدم ومعدّلات السّكري، يُضاف إلى ذلك أنه يساعد في تحسين صحة القلب حيث إن الضحك من التمارين المفيدة للقلب لرفع مستوى ضخه للدم، وأخيراً فقد أثبتت بعض دراسات الأطباء أن الأفراد الضحوكين الذين يتمتعون بمستوى عالٍ من النظرة الإيجابية للحياة لديهم القدرة الأكبر على مكافحة الضغوط والأمراض أكثر من الأفراد السلبيين غير الضحوكين، وبمعنى آخر فإن الأفراد الضحوكين يكونون في حالة أفضل من الرفاهية النفسية والمزاج المستقر.

لكن من مفارقات عالم الفن الصادمة أن يكون بعضٌ مِن أكثر من ساهم في إدخال السعادة على الجمهور بإضحاكهم أكثر من عانى من التعاسة، ولعل روبين ويليامز أحد النماذج المؤلمة في هذا المجال، حسب الجزيرة نت.

“ما الأحلام التي قد تأتي” والانتحار

انهارت الأسرة السعيدة بسبب حادث سيارة مات خلاله الأبناء، ثم خطف حادث آخر الأب، لم تحتمل الأم الألم الهائل للفقد، فانتحرت.

علم الأب في مكانه بالجنة أن الأم تركت الحياة وأنها قريبة بشكل ما، لكنها في ذلك المكان الذي يلقى فيه المنتحرون مصيرهم الأبدي، فقرر أن يذهب إليها مهما كانت صعوبة الرحلة، وصل الرجل إلى زوجته، لكنها لم تكن هي نفسها تماما. لقد فقدت المرأة ذاكرتها وهويتها.

أصبحت صورة باهتة بلا محتوى لامرأة كانت صورة للجمال والحب يوما ما، لكن ثقل الحزن أجبرها على الرحيل، ليس من الحياة فقط ولكن من تلك الذاكرة التي عذبها الفقد.

القصة السابقة هي ما يحكيه أبرز أفلام النجم الأميركي الراحل روبين وليامز عام 1998 بعنوان “ما الأحلام التي قد تأتي” أو What Dreams May Come، ورغم أنه قدم دور الأب الذي استطاع أن يحتفظ بتماسكه بعد فقده لابنيه في حادث، حتى رحل في حادث آخر، إلا أن وليامز لم يستطع في حياته الحقيقية بعيدا عن الشاشة أن يحتفظ بهذا التماسك حيث انتحر ليتخلص من ذاكرة الألم عام 2014 مفضلا فقدان الهوية والذاكرة على العيش وسط آلام لا تحتمل.

لم تنتج آلام وليامز عن فقد لعزيز، لكن الرجل الذي نافس نفسه في التراجيديا والكوميديا فقد شغفه للحياة بعد أن منحته مقابل النجومية والثراء مرض “جسيمات ليوي” الذي يصاب به شخص واحد بين كل مليون ونصف المليون شخص في العالم، ويؤدي إلى اكتئاب حاد ناتج عن تفاعلات كيميائية في خلال الجسد لا عن تفاعلات مجتمعية أو أزمات شخصية، لكن المرض وحده لم يكن سبب اكتئابه.

الرحيل

جاءت طريقة رحيل وليامز عام 2014 لتشكل صدمة هائلة لجمهوره في العالم كله، ليس لكونه نجما كوميديا فريدا من نوعه طالما أضحك ذلك الجمهور فقط، ولكن لأن رجلا بهذا الثراء والنجاح لم يكن مرشحا للتفكير الاكتئابي والانتحار، لكن خلال فترة قليلة بعد تلك الميلودراما الهائلة، أدرك الكثيرون أن ما يظهر على الشاشة من النجم -أي نجم- ليس فقط قمة جبل الثلج، وإنما هو نقطة صغيرة من محيط لا يسمح إلا لدائرة صغيرة بالاقتراب منه.

شهدت طفولة وليامز سمات قد يعتبرها البعض عادية ومبررة، ولكنها أدت به إلى مصيره، إذ عانى من وحدة وعزلة إلا من رفقة مربية، كانت هي كل عالمه. تلك الوحدة التي أفرزت في النهاية طفلا شديد الحياء يرغب -دائما- في إثبات جدارته بالرفقة عبر إضحاك الآخرين.

ولعل التأكيد القادم على لسانه في أحد الحوارات الصحفية يشير إلى ذلك حيث يقول “كانت البداية مع والدتي التي لم أكن أراها إلا نادرا، أضحكتها في المرة الأولى ومن ثم سقطت في فخ إدمان إضحاكها”. رغم قربه من والديه بعد ذلك، إلا أن شبح الوحدة ظل يطارده، خاصة مع ذلك الحياء الشديد، وفي محاولته للتخلص منه، كان ينطلق في العروض الكوميدية بجنون حتى يعتقد مشاهده أن ذلك الشخص أصيب بلوثة.

كان والده مديرا تنفيذيا في إحدى الشركات الكبرى، وأراد لابنه أن يصبح مهندسا، لكن وليامز حقق رقما قياسيا في الفشل الدراسي، باستثناء المادة الاختيارية التي استهوته وهي عروض “استاند أب كوميدي” وحسمت المعركة بين الأب والابن لصالح الأخير بعد أن ظهر ضوء في نهاية النفق، إذ حقق نجاحات صغيرة ومبشرة في النوادي التي تهتم بهذا النوع من الفن في لوس أنجلوس وسان فرانسيسكو.

الانطلاقة

كانت الانطلاقة الحقيقية لوليامز من خلال مسلسل (Mork and Mindy) والذي استمر 4 مواسم وقد تكشفت المساحات الهائلة لموهبة الممثل الصاعد في البداية، فمنحه صناع العمل حرية الارتجال في دوره أثناء التصوير، وكان وليامز القادم من “استاند أب كوميدي” يجيد اللعب في هذه المنطقة بالفعل، وهو ما أكسبه جماهيرية كبيرة.

سقط وليامز في هاوية إدمان الكوكايين بدايات شهرته بسبب سهولة الحصول على المخدرات تلك المرحلة، ولم ينتبه إلى خطورة الأمر إلا بعد مرور 20 عاما حين مات أحد أصدقائه بجرعة زائدة، وهو ما دفع به إلى محاولة التعافي من الإدمان.

خلال الأعوام الـ 20 لم يتوقف نجمه عن الصعود، حيث قدم عام 1987 “صباح الخير يا فيتنام ” أو Good Morning Vietnam، وبعد سنتين قدم “جمعية الشعراء الموتى” أو Dead Poets Society، وعام 1993 قدم دور “السيدة داوتفاير” أو Mrs. Doubtfire الذي ترك أثرا دراميا وأثار تعاطفا لا يقل عن جرعة الكوميديا الهائلة فيه.

وجاء فوزه بالأوسكار عام 1998 تتويجا لدوره عام 1997 في فيلم “ويل يصطاد بحسن نية” أو Good Will Hunting الذي قدم خلاله دور طبيب نفسي يعالج شابا عبقريا من اضطراب نفسي، وقد رشح الممثل العملاق لجائزة الأوسكار 4 مرات، وجائزة البافتا مرتين، ورشح لجائزة إيمي 9 مرات وفاز بها مرتين، وحاز 9 ترشيحات أخرى لجائزة جرامي فاز بـ 5 منها.

اضطر وليامز إلى العودة لمركز لعلاج الإدمان بعدما سقط في هاويته للمرة الثانية عام 2006، وبدا أنه استعاد حيويته بسرعة، فخرج ليقدم “ترخيص للزواج” أو license to wed” ثم “رجل العام” أو The man of The year و “ليلة في المتحف” أو Night at The museum” عام 2006، ولعب في الأخير دور الرئيس الأميركي تيد روزفلت، وقدم جزءا ثانيا له بعنوان Night at  “the Museum: Battle of the Smithsonian عام 2009، وكان من المقررأن يقدم جزءا ثالثا من الفيلم نفسه، لكن وفاته حالت دون ذلك.

كان النجم الهوليودي محبا للنساء حتى أنه تزوج 3 مرات عن قصص حب انتهت اثنتان منها إلى فراق، وأنجب ثلاثة أبناء منحهم رعاية خاصة، بدا خلالها أنه يرغب في تعويضهم عن الحرمان من الأب والأم الذي تعرض له بسبب انشغال والديه عنه في طفولته.

واجه وليامز الكثير من الأزمات وبينها الوحدة وشدة الخجل وأزمات البدايات في بيئة تعد المنافسة الشرسة قاعدتها الذهبية، وواجه إدمانه على المخدرات والكحول أكثر من مرة، لكن أزمة وليامز التي لم يكتشفها الكثيرون هي شبح مرور الزمن والخوف من الفشل.

ظهر ذلك فترة صعود الممثل الكوميدي إيدي ميرفي، كما صرح ابنه بعد وفاته، لكن الأزمة الثانية كانت في مواجهة الصعود الصاروخي لجيم كاري، كان وليامز يؤمن دائما أن قمة الكوميديا لا تتسع إلا لممثل واحد، وقد تربع على تلك القمة خلال فترة شبابه، لكن تجاوزه سن الـ 60 وظهور جيم كاري تعاونا مع “جسيمات ليوي” على إصابته باكتئاب أدى إلى رحيله المفجع في نهاية لا تليق بحالة الكوميديا التى أطلقها بالولايات المتحدة والعالم منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *