منوعات

تقرير السعادة العالمي .. هل الغربيون أكثر سعادة من الشرقيين؟

رغم أن الناس عبر العالم متفقون في سعيهم إلى تحقيق السعادة، ورغم أن الشعور بالسعادة في نهاية المطاف عملية تتم في دماغ الانسان نتيجة إفراز هرمونات السعادة، إلا أن ما يثر إنتاج تلك الهرمونات تحكمه اختلافات ثقافية تعكس الاختلاف حول مفهوم السعادة نفسه.

ونتيجة لذلك فما يثير السعادة في ثقافة معينة، أو لدى شخص معين، قد لا يثيرها في ثقافة أخرى أو لدى شخص آخر.

ورغم الصعوبات الكبيرة في تفسير السعادة في ظل عدم تجانس مفهومها بين الثقافات، ورغم  صعوبة التوافق أيضا على قياس لها بعدما تطورت الكلمة على مدى 500 عام من استخدامها، استطاعت الأبحاث العلمية والدراسات وضع مناهج علمية لفهم الموضوع بشكل أدق وأعمق.

وحسب الجزيرة نت، قارنت أبحاث كثيرة دولا غربية مثل الولايات المتحدة بدول شرق آسيا من حيث مدى التمتع بالسعادة والرفاهية، ووجدت أن سكان شرق آسيا يميلون إلى التمتع بمستويات أقل من الرفاهية، وأن الثقافة تؤثر على كيفية سعينا للسعادة وتنظيم عواطفنا.

وحسب نفس المصدر، ووفقا لما جاء في موقع “سيكولوجي توداي” (Psychologytoday)، فإن الأميركيين والأوروبيين يرغبون عادة في الشعور بمشاعر مفعمة بالحيوية مثل الإثارة والبهجة، لكن الصينيين يفضلون المشاعر الأكثر هدوءا مثل السلام والصفاء، وحتى العوامل التي تعزز السعادة قد تكون مختلفة لأن احترام الذات أكثر أهمية للشعور بالرضا عن الحياة في الغرب منه في شرق آسيا.

وفي حين أن معظم الثقافات الآسيوية جماعية وتحرص على المجموعة قبل الذات وأن أفكارا مثل التماسك الاجتماعي والوئام والقيم المشتركة والاعتماد المتبادل لها أهمية قصوى، فإن الثقافات الفردية في الغرب تمنح الأولوية للذات، ويكون للإنجاز الشخصي أسبقية على الإنجازات الجماعية.

تقرير السعادة العالمي

يعدّ تقرير السعادة العالمي (WHR) واحدا من عدد قليل من التجارب العالمية الواسعة النطاق التي تحاول قياس السعادة بين البلدان المختلفة، والإصدار الأخير منه كان في مارس/آذار 2022.

وتُظهر المقارنة أن نسبة أكبر من الناس تقدّر حياتهم على مقياس السعادة عند رقم 7 إلى ما فوق في أوروبا الغربية وأميركا الشمالية وأستراليا ونيوزيلندا، وفي المقابل تُظهر النتائج لشرق آسيا وجنوب شرقها مجموعة من الردود عند 5 ونسبة أقل من الأشخاص يقيّمون حياتهم على أنها 7 أو 8 أو 9 أو 10. وعلى الرغم من أن هذه النتائج تدعم التمايز الثقافي بين الشرق والغرب، فينبغي تجنب تجاهل العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المختلفة التي تحدد مستويات السعادة والرضا.

كيف يختلف تعريف السعادة؟

يقول وليام توف، الأستاذ المشارك في علم النفس بجامعة سنغافورة للإدارة (Singapore Management University)، الذي درس كيف تؤثر الثقافة على الرفاهية والشخصية، في مقابلة له مع موقع “جريتر جود” (Greatergood)، “لا يمكن الحصول على تعريف واحد للسعادة؛ إذا أردنا تعريف السعادة من حيث الإثارة والبهجة فإن الغربيين سيبلغون عن مستويات أعلى من هذه الأنواع من المشاعر، وقد لا يميل الشرقيون إلى ذلك”.

ويؤكد توف أننا إذا لم نكن منتبهين إلى بعض هذه الاختلافات فقد نتوصل إلى فهم غير صحيح لرفاهية مواطني شرق آسيا وأنهم ليسوا سعداء، لكن في الواقع ربما لا يعني ذلك أنهم ليسوا سعداء ولكنها الطريقة التي نقيّم بها رفاههم.

من المهم أن نفهم أن الأشياء التي نعتقد أنها يجب أن تجعل الناس سعداء قد لا تكون هي نفسها لدى الآخرين.

اختلاف الرفاهية بين الثقافات المختلفة

وحسب توف، فإن الثقافة نظام كامل من المعتقدات والمواقف والممارسات وهي أمر معقد، وعلى الرغم من ذلك فإن بعض الدراسات توضح كيف يمكن لأفكار معينة، ومعتقدات معينة، وممارسات اجتماعية معينة أن تؤثر في الرفاهية، وليس شيئا واحدا هو المؤثر.

تميل كثير من الثقافات الآسيوية إلى أن تكون أكثر جماعية ومن ثم هناك تركيز أقل على الفرد بمعزل عن الآخرين؛ ففي المواقف الاجتماعية سوف تركز على الأشخاص من حولك وستتأثر الطريقة التي تتصرف بها بأدوارك الاجتماعية.

أحد التناقضات التي درسها بعض الباحثين هو التكيف مقابل التأثير، ففي الولايات المتحدة إذا كنت تريد التأثير في الأشخاص من حولك فمن المفيد أن تكون لديك مشاعر إيجابية عالية الإثارة وأن تشعر بالنشاط والحماسة، أما في الثقافات الآسيوية فمن المهم الانتباه إلى الوضع الاجتماعي حتى تتمكن من معرفة كيفية التكيف مع أي شخص وعدم المخاطرة بالإساءة إليه، فالتحمس المفرط قد لا يكون جيدا لهذه الإستراتيجية، ومن المفيد أن تكون هادئا ومسالما ومسترخيا حتى تتمكن من ملاحظة رد فعل الآخرين، وكيف يشعرون، ومن ثم ستكون أكثر حساسية تجاه الطريقة التي تتصرف بها.

أدلة من التجارب

أجرى شيجيهيروا أويشي Shigehiro Oishi دراسة على الطلاب الآسيويين والطلاب الأوربيين، ونظر في توقعات آبائهم لهم وكيف أثر ذلك على الرفاهية الذاتية الخاصة بهم. أفاد الطلاب الآسيويون أن لدى والديهم توقعات أكثر تحديدا بخصوصهم، وأنهم يشعرون بأنهم لم يحققوا هذه التوقعات وقد أبلغوا عن مستويات أقل من الرفاهية. لذلك، فإن معتقداتنا عن التزاماتنا تجاه الناس ومسؤولياتنا تجاه الآخرين تؤثر على رفاهيتنا.

إذا كنت تشعر أن تقديرك لذاتك مرهون بموافقة الآخرين فهذا شيء يؤثر على الرفاهية، وقد يفسر الاختلافات الثقافية في الرفاهية.

ومن المعتقدات الأخرى ذات الصلة بالتصورات المختلفة للسعادة فكرة الديالكتيك (الجدل) القائلة إن الأشياء الجيدة تنبع من الأشياء السيئة، والأشياء السيئة تنبع من الأشياء الجيدة.

بيّنت إحدى الدراسات أن الطلاب اليابانيين أكثر عرضة للاعتقاد بأن الأشياء السيئة يمكن أن تحدث إذا كنت سعيدا جدا، وفي دراسة أويشي السابقة بعد متابعة الدراسة للطلاب الأوروبيين والطلاب الآسيويين الذين أدّوا أداء جيدا وشعروا جميعا بالسعادة. في اليوم التالي، كان الطلاب الأوروبيون لا يزالون سعداء جدا، ولكن الطلاب الآسيويين انخفضت مستويات سعادتهم أكثر بكثير، وكان ذلك مرتبطا بفكرة أنه إذا كنت سعيدا جدا فقد تحدث أشياء سيئة.

هناك أيضا دراسة أخرى تُظهر أنه إذا كان لديك هذا النوع من المعتقدات الديالكتيكية فقد يجعلك هذا غير حاسم في الحياة اليومية، لأنه يمكنك أن تركز على كلا الجانبين الجيد والسيئ لكل قرار وهذا يجعل من الصعب اتخاذ القرارات، وستظل تفكر إذا كان هذا هو القرار الصحيح.

وكونك غير حاسم على نحو مزمن فإن ذلك يرتبط بانخفاض مستويات الرضا عن الحياة، وهذا يفسر جزئيا على الأقل بعض هذه الاختلافات الثقافية في المستويات الإجمالية للرفاهية بين سكان شرق آسيا والغربيين.

تشابه عبر الثقافات

يقول توف إن الأشخاص الأكثر ثراء في كل ثقافة يصبحون بوجه عام أكثر سعادة من الأشخاص الأقل ثراء، وتكون هذه العلاقة أقوى إذا كنا نتحدث عن الرفاهية على أنها الرضا عن الحياة. لذلك، في الأساس، في كثير من الثقافات، يكون لدى الأثرياء مستوى أعلى من الرضا عن الحياة من الأشخاص الفقراء أو الأقل ثراء.

والنتيجة الأخرى التي نراها في كثير من البلدان هي أن الأشخاص السعداء يميلون أيضا إلى تكوين علاقات جيدة.

وبوجه عام، أسعد الناس هم من لديهم أشخاص يمكنهم اللجوء إليهم في أوقات الحاجة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *