خارج الحدود

بعد تهديدات متقاعدي الجيش .. هل ينجح الاستفتاء في حل أزمة تونس؟

هل يخرج الاستفتاء تونس من أزمتها السياسية المزمنة؟ هذا هو السؤال الذي أصبح محل اهتمام المراقبين والمحللين، خاصة أن لجوء الرئيس قيس سعيد لتنظيم الاستفتاء جاء في سياق تنفيذه لمسلسل طلبات متقاعدي الجيش التي انتهت إلى تهديدات اعتبرت إشارة على إمكانية تدخله في الشأن السياسي لوضع حد للأزمة التي ألقت بظلالها الثقيلة على الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في بلد الربيع العربي.

لكن كيف لتعقيدات احتمال “تدخل الجيش” بأي شكل من الأشكال معالجة الأزمة السياسية في تونس إذا كان هدف متقاعديه هو فقط تنفيذ أجندة استئصال الإسلاميين؟

الاستفتاء خيار أخير

أكد رئيس الجمهورية التونسي قيس سعيد، الأربعاء، أنه سيعمل من أجل “إجراء الاستفتاء في أحسن الظروف وتذليل جميع العقبات في سبيل تحقيق هذا الهدف”.

جاء ذلك، حسب وكالة الأناضول، في بيان صادر عن رئاسة الجمهورية التونسية عقب لقاء جمع سعيد برئيس هيئة الانتخابات فاروق بوعسكر بقصر قرطاج.

والهيئة العليا المستقلة للانتخابات هي هيئة دستورية أشرفت على الانتخابات منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2011، وتتكون سابقًا من 9 أعضاء “مستقلين محايدين من ذوي الكفاءة”، ينتخبهم البرلمان بأغلبية الثلثين، ويباشرون مهامهم لفترة واحدة مدتها 6 سنوات، ويجدد ثلث أعضائها كل سنتين.

وبحسب البيان، تناول اللقاء “الاستعدادات الجارية لتنظيم الاستفتاء المقرر يوم 25 تموز/ يوليو القادم”.

كما تم التطرق إلى “بعض الصعوبات التي يتم العمل على تذليلها حتى يعبر الشعب التونسي صاحب السيادة عن إرادته”.

ومن المقرر أن يجرى استفتاء في تونس حول النظام السياسي والخيارات الكبرى بناء على نتائج الاستشارة الوطنية المعلن عن نتائجها في 20 مارس/ آذار الماضي.

ومنذ 25 يوليو/تموز الماضي، تعاني تونس أزمة سياسية حادة إثر إجراءات استثنائية بدأ سعيد فرضها، ومنها حل البرلمان وإلغاء هيئة مراقبة دستورية القوانين وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية وحل المجلس الأعلى للقضاء.

وتعتبر قوى تونسية هذه الإجراءات “انقلابا على الدستور”، بينما ترى فيها قوى أخرى “تصحيحا لمسار ثورة 2011″، لكن سعيد يقول إن إجراءاته هي “تدابير في إطار الدستور لحماية الدولة من خطر داهم”، مشددا على عدم المساس بالحريات والحقوق.

إملاءات متقاعدي الجيش المنتهية بتهديدات

توجّه الجنرال المتقاعد كمال العكروت للرئيس قيس سعيّد، برسالة شديدة يخاطبه فيها بالقول: “لقد أصبحت في عزلة شديدة.. وأنت تقود البلاد نحو الفوضى. وحسب القدس العربي، اعتبر مراقبون تلك الرسالة بمثابة “تحذير أخير” قد يمهّد لـ”التمرد” من قبل الجيش الذي يبدو أنه غير راضٍ عن سياسة سعيّد وطريقة إدارته للبلاد.
وحسب نفس المصدر، قال الجنرال العكروت في رسالة موجهة لسعيد نشرها على صفحته في موقع فيسبوك “أنت تسير بالبلاد في الطريق الخاطئ طريق التصادم، تعديل سياستك أصبح ضروريا وعاجلا لتفادي الأسوأ. لقد أصبحت في عُزلة متزايدة، ولا أريد أن أقول إن ثمة فقدان ثقة في قدرتك على إنقاذ البلاد حتّى من الذين آمنوا بك في وقت ما”.
وأضاف “تباطؤك وغياب رؤية واضحة ومشروع مطمئن يخرج بلادنا من الوضع هذا وترددك في أخذ القرارات المناسبة، منحت الفرصة لمنظومة ما قبل 25 جويلية (تموز) للاعتقاد أنّها قد تستعيد احتلال السّاحة السياسية والاجتماعيّة. انفرادك بالحكم وتمسكك بتمرير برنامجك دون فتح باب للحوار مع الوطنيين الغيورين على تونس، تسبّب بعزل البلاد دوليا”.

وسبق للعكروت والعديد من الجنرالات أن تقدموا بمبادرة في حزيران/يونيو عام 2021، دعوا فيها سعيد لـ”إنقاذ البلاد” عبر تفعيل الفصل 80 من الدستور والذي يفرض الحالة الاستثنائية، معتبرين أنه السبيل الوحيد للتخلص مما سموه “منظومة الفشل” في إشارة إلى حركة النهضة وحلفائها.

وسرعان ما استجاب الرئيس سعيد لهذه الدعوة، حيث أعلن بعد شهر (25 تموز/يوليو)، خلال اجتماعه بقادة الجيش والأمن، عن تدابير استثنائية جمد فيها عمل البرلمان والحكومة، وعطل أغلب فصول الدستور، قبل أن يحل البرلمان وأغلب الهيئات الدستورية في البلاد.

لكن العكروت عاد بعد بضعة أشهر (تشرين الثاني/نوفمبر) ليدعو الرئيس سعيد إلى وضع خريطة طريق لإنهاء المرحلة الاستثنائية التي تعيشها البلاد، تتضمن تعديل الدستور والنظام السياسي في البلاد، وهو ما استجاب له سعيد في وقت لاحق.

لكن الرسالة الأخيرة تؤكد – وفق مراقبين- أن قادة الجيش التونسي غير راضين عن أداء سعيد، وقد يتجهون لاحقا لـ”التمرد عليه، حسب القدس العربي، وهو ما حذّر منه قبل أشهر الجنرال السابق محمّد المؤدّب، الذي دعا سعيّد إلى الوقف عن زج الجيش في معاركه السياسية.

رأس الإسلاميين هو المطلوب

ورغم أن الجيش التونسي، حسب القدس العربي، حافظ لسنوات طويلة على حياده تجاه العملية السياسية، ولم يتدخل إلا في مناسبات نادرة جدا، كان أبرزها حمايته للمتظاهرين منة بوليس نظام بن علي، إلا أن موقع الاستخبارات الإسرائيلي “جافاج” نقل في شباط/فبراير الماضي عن مصادر عسكرية تونسية وأوروبية تأكيدها بأن الجيش سيضغط على سعيّد للتنحي لاحقا بعد التأكد من “قطع الطريق على عودة الإسلاميين للحكم”.
ونقل الموقع عن مصادر استخباراتية أوروبية قولها إن “الجيش يريد القضاء على كل الإمكانيات التي يمكن أن يستخدمها الإخوان المسلمون في تونس، ثم يطلب من سعيد التنحي باحترام، مع إعلان الانتخابات الرئاسية والتشريعية”، مضيفة أن “سعيّد يعرف ذلك جيدا، وهو ينفّذ ما يطلب منه الجيش، لأنه ليس لديه خيار آخر”.
كما نقل الموقع عن مصدر عسكري تونس (لم يحدد هويته) قوله “لن يكون هناك انقلاب، ولكن هناك اتفاق بالفعل بين سعيد والجيش، وهذا الاتفاق ينص على أن يبقى سعيّد في السلطة ويتنحى بعد أن يتم تطهير النظام السياسي للبلاد من الراديكاليين الإسلاميين”، مضيفا “لقد أثبت الرجل أنه عبء على الجيش والوطن. وهو يبدو ساذجا وعديم الخبرة”.

يُذكر، حسب المصدر السابق، أن الرئيس التونسي السابق منصف المرزوقي دعا -في مناسبات عدة- قوات الجيش والأمن للتخلي عن الرئيس، إلى حين التمكن من “عزله ومحاكمته”.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *