وجهة نظر

هل أتاك حديث الريسوني عن فرحته الكبرى في إزاحة مرسي

على إثر تصريح الشيخ أحمد الريسوني -حفظه الله- الذي اعتبر مسيئا للرئيس محمد مرسي- فك الله أسره- ولحركة الإخوان المسلمين، وللثورة المصرية والشعب المصري، والتي عبر فيها عن فرحته بإزاحة مرسي، والتي اعتبرها الكثيرون فرحة مقرفة وبئيسة، فمهما كان النقد بناء أو هداما، مفيدا أو مسيئا، فإقحام كلمة فرحة في هذا السياق، هو إقحام رديء يعبر عن سيكولوجية مختلة، تفرح بما هو تسلطي وظالم، وتبتهج بما هو مبكي ومحزن.

فباستحضار المرجعية الإسلامية التي نتقاسمها مع الإخوان، والمرجعية الثورية التي نشترك فيها جميعا، بفعل رياح حراك الربيع العربي، ومرجعية الحكمة الإنسانية التي تجعلنا كائنات عاقلة، والمرجعية الحقوقية الكونية التي هي معيار الانتماء للإنسانية، يكون هذا الفرح بانقلاب دموي هو فرح بئيس، ناجم عن وعي شقي متشظي، وعاطفة مشروخة تنحاز لفقه الغلبة والشوكة، فلا أحد يحترم إنسانيته، ينتمي للشعوب والقبائل التي خلقها الله تعالى من اجل مقصد سام؛ هو مقصد التعارف، يمكنه ان يفرح وتنفرج اساريره لإنقلاب دموي ظلامي متوحش، إلا إذا كانت أضغانه وأحقاده بحجم الجبال.

وبعيدا عن المزايدات الفقهوية والسياسوية الضيقة، فالنقد والنقد الذاتي هو عملية شرعية بامتياز، إذا امتلكنا أدواتها من حسن قصد، وصواب راجح، وفهم دقيق للواقع، وقدرة علمية على التحليل وسبر الأغوار، وتعبير مسدد وحكيم، وتقديم البدائل.. فنظرية الممارسة السياسية يحكمها موجه الأثر الممكن في الواقع، وليس السلامة النظرية الايديولوجيا، ولذلك كان على القوى الإسلامية المشاركة في الحراك سواء كانت منتظمة ضمن المدرسة الاخوانية أو السلفية أو الديمقراطية، أن تتحرر من فقهها التقليدي العقيم، وعقليتها الوصائية، وعدميتها المعوقة، وطائفيتها المقيتة، وتندرج ضمن فقه حي مركب ومشترك، عابر للأديان والمذاهب والايديولوجيات والاتجاهات، ويمثل مشتركات إنسانية، وينتظم ضمن مجال حيوي؛ هو مجال الحريات والحقوق، وما كان لعقد الثوار أن ينفرط، وتدخل مكوناته بسرعة مذهلة إلى حلبة الصراع والتنافس مع بعضها البعض، حتى تدخل في لحظة الانقباض بعد بسط، ولحظة انسداد بعد انفراج!..

فالشراكة في الثورة والتحرير يقتضي الشراكة في الحكم والإدارة لفترة انتقالية تطول أو تقصر حسب الظروف، لكن غياب موجه فقه الحياة المشتركة، وعدم معرفة كيف تؤسس وتساس، ومعرفة أركانها وشروطها؛ من لغة مشتركة، مصالح عمومية، اعتراف متبادل، شراكة مجتمعية، وقوة ناعمة…الخ

فهذا الخلل هو الذي أحيا الدولة العميقة بعد موات، وأعاد الفلول من بعد اندحار، وهذا السلوك الخاطئ لم يمارس في مصر وحدها، ولم يقتصر على المدرسة الإخوانية بمفردها، ولكنه خطأ مشترك، تجتمع في شراكه كل القوى الإسلامية بكل اتجاهاتها، والقوى العلمانية بكل فروعها!

لكن ترى ماذا يمكن ان يقدم الشيخ احمد الريسوني لبنكيران، وهو الذي افرغ جهده لنقد المدرسة الاخوانية، سواء كان النقد نقدا علميا، لا يريد منه ناقة أو جمل، أو نقدا ذرائعيا، يريد من خلاله أن يبرأ جمعية التوحيد والاصلاح، التي يعد أحد قادتها ومؤسسيها، من تهمة الأخونة التي يلصقها بها خصومها ظلما وعدوانا بغير علم.. أليست عشيرته الأقربين هم أحوج لنصحه ونقده البناء من غيره؟! خاصة في هذه اللحظات التي يوجد فيها صاحبه في الحزب والحركة عبدالإله بنكيران معتقل في بيته، عاجز عن تشكيل حكومته، وقد أصبح محكوما من طرف عزيز اخنوش التمساح الجديد الذي اخلف إلياس العمري، بعدما تحكم فيه الهمة وغيره، من خدام الدولة، أليست إزاحة بنكيران عن هذا الهذيان أولى من ازاحة مرسي؟! لأن بنكيران ليس منصبه مجرد شكلي أو بروتكولي فحسب، لا يحل ولا يعقد بلغة الفقهاء، لو كان ذلك لهان الأمر، ولكنه كمبراس للاستبداد والفساد، وبراح لا يغمض له جفن، ومسوغ لسياسات المملاة الظالمة، ودفتر وسخ يتسع لكل العثرات.. وهذا ذل ما بعد ذل، وما كان لمرسي-فك الله اسره- ان يقبل بقليله أو أدناه، فما أذل كثيره، فقليله صغار وعار، عيب أن نقدم النصيحة للأخرين وننسى أنفسنا.. أتأمرون الناس بالنصح والنقد وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون المقاصد وفقه الموازنات، أفلا تستحيون!

لقد كان الرئيس محمد مرسي-حفظه الله- يتلقى الضربات ويقاوم، اما صاحبك بنكيران فيتلقى الإشارات ويساوم، كان الرئيس محمد مرسي فيه بقايا ايمان بحتمية الانتصار، وجهوزية للتضحية، وفورة حماسة زائدة، لذلك قرر ان يمضي إلى أخر المشوار، ولا يبصم على بياض، بينما صاحبك لا شيء في دماغه سوى شرطي المخزن، يوجهه أينما يريد، ويصنع من خلاله مآسي المغرب الجديد، بل وهو يفتخر بأنه من خدام الأعتاب الشريفة، ولا يخالف لها امرا.. فمن هو أولى بالنصح والنقد ونقد النقد يا شيخ المقاصد، أم على قلوب أقفالها!

إن نقد التجربة الاخوانية بل والتجربة الاسلامية هو عمل مشروع وليس هذا محل الخلاف.. فالخلاف هو حول زلة التعبير عن الفرح المقيت، والخلاف هو حول السكوت عن تجربة إخوانه في العدالة والتنمية المغربية الانبطاحية، والتي قضت على كل المكتسبات من مقاصة وتقاعد ومدرسة عمومية، وأدخلت بلدنا إلى نظام نيوليبرالي رديء، تتحكم فيه السياسات الدولية المتؤامرة، ومعلوم عند الفقهاء أنه لا يجوز السكوت عند وقت الحاجة.

وهذه ليست أول زلة للشيخ الريسوني هداه الله، فقد حجر على فريد الأنصاري رحمه الله تعالى، ما اباحه لنفسه من حق النقد، عندما أخضع هذا الأخير الحركة الإسلامية عموما وحركة التوحيد والاصلاح وحزب العدالة والتنمية خاصة للمساءلة النقدية الصارمة!!.. وقال أيضا في أصدقاءه المعتقلين السياسييين الستة في خلية بلعيرج ما لم يقله مالك في الخمر، وقد تنكر لهم، ونفى صحبته لهم، وقد كان بينه وبينهم حلفا وميثاقا كاد يتوج بوحدة تنظيمية!!.. ولم يسلم منه أيضا حتى الاساتذة المتدربين، الذين كان كل ذنبهم أنهم دافعوا عن حقهم المشروع، ورفعوا أصواتهم عاليا، ليكشفوا سوءات النظام التعليمي السيء الصيت!!..

حفظ الله الشيخ أحمد الريسوني من زلة اللسان وسوء القصد، وسدده لما فيه الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية لهذه الأمة، وأبعده عن مركب الاستبداد والفساد والتبعية.. إنه ولي ذلك والقادر عليه.