وجهة نظر

المجلس الأعلى للتعليم لا يصلح لشيء

 

. كاتب وباحث

 

 

 

 

إننا اليوم أمام وضعية كارثية تتخبط فيها كل المنظومات الحساسة والحيوية؛ كالتعليم والصحة والعدل. وما يثير غضبنا هي السياسات اللاشعبية والعشوائية، التي تنهجها بعض مؤسسات الدولة في معالجة المشاكل والأزمات، التي تغرق هذه القطاعات، وتجعل منها قطاعات لا أهمية لها، ولا مكانة لها في مجتمع، يفتقد إلى الوعي الاجتماعي والسياسي والإنساني. فهذه المؤسسات الحكومية أو المنطوية تحت لواء الدولة تستمر في استحمار الشعب وتنهج إستراتيجيات إصلاحية عشوائية تزيد من وطأة الأزمة، وتخلق نوعا من الإحتقان الاجتماعي، خاصة أنها سياسات طبقية تتسم بصفات الرأسمالية المتوحشة.

فالمجلس الأعلى للتعليم، ليس سوى مؤسسة تقليدية، لا تعبر عن إرادة حقيقية في إدارة وتسيير القطاع التعليمي. إنه مجلس لا يعرف سوى تدمير المنظومة التربوية، وتجريدها من ثراتها التاريخي والثقافي، وتحويلها إلى سوق سنوي لمساومة ما يمكن مساومته، وبيع ما يمكن بيعه في إطار شعارات لا تمس  إلى الواقع المعاش بأي صلة. لقد كان الكل، ينتظر من هذا المجلس أن ينصف القطاع التعليمي، وأن يدفع به إلى الأمام، ويعمل جاهدا على الرقي به، لكن سقط القناع عنه، وكشف المستور، وإتضح أنه مجرد مؤسسة لا قناعة لها، ولا تربطها بقطاع التربية والتعليم أية علاقة.

كما أن المجلس الأعلى للتعليم، لم يخلق إلا بغرض خلق الجدل في كل ما يتعلق بمستقبل التعليم. فبعد جدل اعتماد لغة –ما- رسمية في التعليم، يخرج لنا اليوم بقرار إلغاء مجانية التعليم، معللا هذا القرار بأنه موجه فقط للأسر الميسورة “البورجوازية”، وتعفى منه كل الأسر المهمشة والفقيرة…، لكن ألا يعلم السيد عزيمان فقيه المجلس الأعلى للتعليم بأن جل الأسر الميسورة لا تدرس أبناءها في التعليم العمومي؟ ألا يعلم السيد عزيمان أن كل الأسر المهمشة لا تملك حتى رسوم التسجيل وشراء الكتب المدرسية؟ ألا يعلم السيد عزيمان أن الشعب اليوم بحاجة إلى قرارات شجاعة وجريئة لإصلاع العطب الذي أصاب المنظومة التربوية؟ لكن على ما يبدو أن المجلس الأعلى للتعليم لا يهمه؛ لا تعليم ولا وطن ولا شعب، وقد وكشف عن نزعته هاته وأنيابه في وقت تعرف فيه المدرسة العمومية أزمة ليست ككل الأزمات.

إن المجلس الأعلى للتعليم، لا يصلح لشيء، ما دام كل قراراته مجحفة ولا تخدم سوى الرأسمالية المتوحشة. إنها قرارات مجحفة في حق المنظومة التعليمية، وفي حق أبناء الشعب الذين سئموا هذا العبث وهذا الإستحمار المستمر، الذي يطالهم منذ تولي حزب العدالة والتنمية قيادة الحكومة. ولا سبيل للخلاص من أزمة التعليم في ظل هذه السياسة اللاشعبية واللامسؤولة، والتي لا تبشر أبدا بأي مستقبل مشرق سوى التصدي لهذه القرارات، التي لن تخلق سوى صراعا طبقيا بين كل فئات المجتمع. وإن كان لا بد من هذا القرار، فمن الأفضل إغلاق جميع المؤسسات التعليمية والعودة إلى زمن الجاهلية والظلمات.

وحسب الباحث محمد أسامة الأنسي, فالمجلس الأعلى للتربية والتعليم، لا علاقة له بالتعليم إلا بما يخدم مصلحة رجال الأعمال في البلاد، فهذا المجلس الذي يتكون من قرابة مائة عضو من جميع المشاهد السياسية والنقابية والحزبية والحقوقية وهيئات المجتمع المدني …الخ، لم ير بكل أعضائه المنزوين في دائرة أشراف المجتمع المغربي الذين استكبروا، إلى 350000 تلميذا يعاني من الهدر المدرسي، لأسباب مختلفة أقواها وأغلبها ” الفقر”. وإن حاجة الكثير من الأطفال والصبيان إلى عمل بسبب الحاجة والفقر المدقع، الذي جاء نتيجة للزيادات وارتفاع الأسعار ورفع الدولة يدها عن أغلب المواد الغذائية الضرورية، ناهيك عن فواتير الماء والكهرباء التي لا ترحم. كل هذا حجرة عثرة أمام كل أسرة دخلها اليومي لا يتعدى دولارا واحدا أو أقل، في سبيل تعليمه، مما يجعلها مضطرة أن تجعل ابنها الصغير معيلا لها.

وهكذا فبدل أن يتجه ذلكم المجلس إلى توفير التعليم والدفاع عنه لأنه قوة استشارية، فهو يقف بجانب من يحاولون بيع التعليم وخوصصته، ومن ثمة أوصى بوصية ” فاشية” تدعو إلى إلغاء مجانية التعليم، في السلكين الثانوي والجامعي!

إن التعليم الثانوي الآن، الذي يعتبر سلما رئيسيا لولوج حلم الجامعة، سوف يصير محاطا بأشواك الدرهم، إضافة إلى إرهاب المواد،. تخيلوا معي جميعا، هل يمكن أن نصنع جيلا يحترم دولته، إذا كانت دولته لا تحترم حتى فقره، الذي صنعته هي له وجعلته يعيش فيه، وأوهمته أن ذلك قدر من عند الله، كما ستوهمه دائما أن قضاء الله دائما؛ هو تلك القرارات الغبية لمثل هاته الحكومات والمجالس.

وإذا كانت كل الدول، تسعى إلى التقدم عن طريق إصلاح المنظومة التعليمية والرقي بها، فالمغرب يرى في التخلي عن التعليم حلا للأزمة، محاولا إيهام الشعب بأنه يهدف إلى التقدم وحل المشاكل الإجتماعية، لكن في حقيقة الأمر أن الدولة تريد بيع هذا القطاع، ومن ثمة تجعله كعكة في يد المسثتمرين وسماسرة التعليم. فأين إذن نحن من سورية وفلسطين؟ فرغم الحرب والدمار والجوع، تجدهم متشبثين بالتعليم تشبث الطفل بوالديه، إلا أن المغرب يرى في هذه المنظومة عائقا، ويحاول جاهدا تفويتها للخواص وتحويل ميزانيتها إلى جيوب من نهبوا ثروات وخيرات هذا الوطن، رغم كل التوجيهات الملكية السامية.

إن المجلس الأعلى للتعليم لا يصلح لشيء ويكلف خزينة الدولة ميزانية ضخمة من ضرائب المواطنين. وكل هذا، ليخرج لنا بقرارات فجائية لا ترضي سوى المؤسسات الخارجية، التي تدفع الدولة إلى التخلي عن جميع القطاعات العمومية، بدعوى أنها تكلف الدولة الكثير. والحقيقة أن القطاعات العمومية لا تستفيد من هذه الميزانيات المرصودة لها إلى القليل، لأنها ميزانيات يتم تقزيمها وضخ نصفها في جيوب لوبيات التحكم عن طريق مشاريع وهمية وموظفين أشباح، وخير دليل فضائح المدارس الوهمية والميزانيات الخيالية التي تم نهبها بلا رقيب ولا حسيب.

على أية حال، نحن لا ندري حقا؛ هل نحن بالمغرب أم بأفغانستان؟ فعلى الرغم من الحرب والانقلابات الداخلية، تعمل دولة أفغانستان على إصلاح المنظومة التربوية عن طريق دمقرطتها وجعلها في متناول الجميع، غير أن المغرب يسعى الى خلق صراع طبقي وجعل التعليم حكرا على الفئات الميسورة.

زد على ذلك، أن المنظومة التربوية أصبحت كفأر للتجراب؛ بعدما تم التعاقد مع فئات لا علاقة لها بالتعليم، ولا تملك أية دراية بهذا القطاع. إذ أصبح أبناء الشعب لعبة واللاعبون كثيرون. وما زاد الطين بلة هي فضيحة تسريب مباراة التعاقد، مما كشف المستور والخطر الذي يحدق بالمنظومة التعليمية مستقبلا. وأخيرا، ما علينا اليوم إلا إقامة صلاة الجنازة على روح التعليم العمومي!