منوعات

وحش استثنائي.. ثقب أسود ضخم يلتهم مادة بحجم الأرض كل ثانية

ما يزال عالم الثقوب السوداء يفاجئنا بغرائبه التي لا تنتهي. وبدأت قصة هذا العالم الأسود لدى العلماء بافتراض وجوده، ليتأكد بعد ذلك انتشار وحوشه الآكلة للمادة في كل أنحاء الكون، وبأعداد تفوق الخيال.

لكن لا يستطيع الخيال استيعاب مفهوم الكون وهو يستحضر وجود ثقب أسود يلتهم ما قدره حجم الأرض من المادة كل ثانية، وهو ما يعني أنه قبل أن تستكمل قراءة هذا المقال سيكون ذلك الوحش قد التهم من المادة ضعف الأرض مئات المرات! وكيف إذا كان هناك وحوش مثله أو أكثر منه ضراوة؟

ورغم أن الثقب الأسود الذي تم اكتشافه يعتبر شاذا، إلا أن العلماء يقولون إنه لا يوجد مستحيل.

أكبر 500 مرة من “ساجيتارياس إيه”

يذكر التقرير المنشور في “لايف ساينس” (Live Science) أن الثقب الأسود العظيم الجديد -المعروف باسم “جيه 1144”- يبلغ نحو 500 مرة حجم “ساجيتارياس إيه” (Sagittarius A)، وهو الثقب الأسود الكبير الموجود في قلب مجرة درب التبانة، والذي تم تصويره مؤخرا لأول مرة، ويظهر كحلقة من البلازما فائقة السخونة حول الفراغ الكبير تبث ضوءا أكثر من مجرتنا بأكملها بنحو 7000 مرة.

واكتشف علماء الفلك الأستراليون هذه القوة الكونية العملاقة باستخدام بيانات من “سكاي مابر.. ماسح الفضاء الجنوبي” التابع للجامعة الوطنية الأسترالية، الذي يهدف إلى رسم خريطة للسماء كاملة في نصف الكرة الجنوبي، وقال الباحثون -في بيان صحفي نُشر على موقع الجامعة في 15 يونيو/حزيران الجاري- إن تحديد موقع الثقب الأسود كان بمثابة العثور على “إبرة كبيرة جدا وغير متوقعة في كومة قش”.

يقول الباحث الرئيسي كريستوفر أونكن (عالم الفلك بالجامعة الوطنية الأسترالية في كانبيرا) في البيان الصحفي “كان علماء الفلك يبحثون عن أشياء مثل هذه منذ أكثر من 50 عاما، وعثروا على الآلاف من الثقوب السوداء الخافتة، لكن هذا الثقب اللامع بشكل مذهل قد توارى من دون أن يلحظه أحد”

ووفقا للبيان، فإن الشهية الشرهة للثقب الأسود الجديد تجعل تلك الموجودة لدى الثقوب السوداء الضخمة صغيرة؛ ففي العادة تتباطأ معدلات نمو هذه الكيانات الكونية الكبيرة عندما تصبح ضخمة، ومن المحتمل أن يكون هذا بسبب زيادة إشعاع هوكينغ؛ وهو الإشعاع الحراري الذي يُفترض أنه ينطلق من الثقوب السوداء بسبب تأثيرات ميكانيكا الكم

يلتهم مادة بحجم الأرض كل ثانية

يلتهم الثقب الأسود المكتشف حديثا قدرا كبيرا من المادة، لدرجة أن أفق الحدث الخاص به (الحدود التي لا يمكن لأي شيء -بما في ذلك الضوء- الهروب منها) متسع بشكل غير اعتيادي، ويقول المؤلف المشارك صامويل لاي (عالم الفلك في الجامعة الوطنية الأسترالية) في البيان “إن مدارات الكواكب في نظامنا الشمسي ستتلاءم جميعها مع أفق الحدث الخاص به”

عادة، لا يمكن رؤية الثقوب السوداء لأنها لا تعطي أي ضوء، ولكن يمكن لعلماء الفلك اكتشاف الثقوب السوداء لأن جاذبيتها الشديدة تسحب المادة نحو أفق الحدث بسرعة كبيرة بحيث تتحول هذه المادة إلى بلازما فائقة السخونة؛ وهذا يعطي ضوءا على هيئة حلقة حول الثقب الأسود، تسمى قرص التراكم.

والقرص التراكمي العملاق المكتشف حديثا هو ألمع قرص اكتشفه علماء الفلك على الإطلاق، بسبب “أفق الحدث” الكبير والسرعة القصوى التي تُسحب بها المادة، والباحثون “واثقون إلى حد ما” من أن تلك السرعة ذات رقم قياسي لن يتم كسره، وفقا للبيان.

كيف نشأ؟

وقال الباحثون إن حدود الثقب الأسود شديدة السطوع لدرجة أنه يمكن حتى للهواة رؤيتها باستخدام تلسكوب قوي بدرجة كافية ومُوجّه للجزء الأيمن من الأفق الجنوبي للسماء.

ويحاول الفريق الآن تحديد سبب بقاء الثقب الأسود الضخم متعطشا للمادة، إذ يشك العلماء في أن حدثا كونيا كارثيا يجب أن يكون مسؤولا عن ولادة هذا الفراغ العظيم، يقول أونكن “ربما اصطدمت مجرتان كبيرتان ببعضهما البعض، مما أدى إلى تحويل كمية كبيرة من المواد إلى الثقب الأسود لتغذيته”.

وقد يكون من الصعب معرفة كيف تشكل الثقب الأسود بالضبط، كما يشكك الباحثون في أنهم سيجدون ثقبا أسود آخر مماثلا له في الكتلة وسرعة التوسع مرة أخرى، مما يجعل من الصعب اختبار نظرية عامة حول تكوين مثل هذه الأجسام الكونية الشرهة

من الصعب أن نجد له مثيلا

يقول المؤلف المشارك كريستيان وولف (عالم فلك في الجامعة الوطنية الأسترالية وقائد مجموعة سكاي مابر) في البيان “هذا الثقب الأسود شاذ، ومع أنه لا يوجد مستحيل فإننا لا نعتقد أننا سنجد ثقبا مماثلا له، فلقد تم استكشاف معظم السماء، حيث لا يمكن أن تختبئ أشياء مثل هذه”.

ومع ذلك، يتوقع بعض الباحثين أن هناك ما يصل إلى 40 كوينتيليون (1 أس 18) ثقب أسود في الكون، التي يمكن أن تمثل نحو 1% من كل المادة في الكون، لذا فإن احتمالات وجود ثقب أسود أكثر ضراوة في مكان ما من الكون ليست معدومة.

تم تقديم الدراسة في الثامن من يونيو/حزيران الجاري إلى قاعدة بيانات ما قبل الطباعة (آركايف)، ولكن لم تتم مراجعتها بعد من قبل باحثين أقران، وفي حالة قبوله سيتم نشره في مجلة “بابليكيشن أوف أسترونوميكال سوسايتي أوف أستراليا” (Publications of the Astronomical Society of Australia)

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *