منوعات

الأمطار المسرطنة .. هذا ما كسبته حضارة البشر

عاصفة رعدية

أمطار مُسَرطِنة .. قد يكون عنوانا ناجحا لفيلم الخيال العلمي، ولا شك أنه سيكون فلم رعب من درجة لا يسمح لأقل من 18 سنة من مشاهدته!

لكن الحقيقة المرة التي كشفتها دراسة علمية حديثة هي أن الأمر لا يتعلق بخيال علمي، بل بحقيقة علمية، بعد أن كشفت دراسة علمية عن أن مياه الأمطار تحتوي على مستويات عالية من المواد الكيميائية التي قد تساهم في انتشار مرض السرطان.

وبالطبع فتلك المواد لم تكن نتيجة غزو كائنات فضائية تريد إبادة البشر، بل هي من صنع البشر ومما كسبته حضارته.

مواد مسرطنة في مياه الأمطار

وأجرى الدراسة، حسب الجزيرة نت، باحثون في جامعة ستوكهولم وجامعة “إي تي إتش زيورخ” (ETH Zürich)، ونشرت في مجلة العلوم البيئية والتكنولوجيا (Environmental Science & Technology)، وكتبت عنها صحيفة الإندبندنت البريطانية.

وتعرف هذه المواد الكيميائية بـ”بي إف إيه إس” (PFAs)، وتشمل حمض بيرفلورو الأوكتانويك (PFOA)، وحمض بيرفلوروأوكتان السلفونيك (PFOS).. وهي من صنع الإنسان، وبعضها مرتبط بالسرطان لدى البشر.

وتتألف هذه المواد الكيميائية من سلسلة من ذرات الفلور، وخطرها أنها لا تتحلل في البيئة؛ مما يشكل ضررا على صحتنا، وفقا لتقرير في دويتشه فيله.

ويندرج تحت تصنيف هذه المواد الكيميائية أكثر من 4500 مادة من صنع الإنسان، وتوجد في كل مكان حولنا؛ في التربة ومياه الشرب وأطعمة الحيوانات وحتى داخل أجسامنا.

ومن المعروف أن مواد “بي إف إيه إس” شديدة الثبات، أي أنها مقاومة للتحلل، ومن ثم تعرف باسم “المواد الكيميائية إلى الأبد”، كما أن استمرار وجودها في الغلاف الجوي يرجع إلى خصائصها والعمليات الطبيعية التي تعمل باستمرار على إعادة تدوير مواد “بي إف إيه إس” إلى الغلاف الجوي من البيئة السطحية.

وحتى في المناطق النائية من العالم، أصبح مستوى أحماض “بي إف إيه إس” في الغلاف الجوي مرتفعا لدرجة أن مياه الأمطار أصبحت الآن “غير آمنة للشرب”، وفقا لإرشادات جودة المياه الصادرة حديثا.

وتم تعديل القيم الإرشادية لأحماض “بي إف إيه إس” في مياه الشرب والمياه السطحية والتربة بشكل كبير بسبب زيادة الوعي بكونها سامة، وكذا بسبب التهديدات التي تشكلها على الصحة والطبيعة.

التغييرات تعني أن مستويات هذه المواد الكيميائية في مياه الأمطار “أصبحت الآن في كل مكان أعلى من المستويات الإرشادية”، وفقا للباحثين.

ودرس العلماء من هذه المواد، مستويات 4 أحماض بيرفلورو ألكيل مختارة (PFAAs)، في مياه الأمطار والتربة والمياه السطحية، وهي:

  • حمض البيرفلوروكتان سلفونيك (PFOS).
  • حمض البيرفلوروكتانويك (PFOA).
  • حمض البيرفلوروألكيل (PFHxS).
  • حمض البيرفلورونونويك (PFNA).

وقد قارنوها بمستويات إرشادية مقترحة مؤخرا.

ووجد العلماء التالي:

  • مستويات حمض البيرفلوروكتانويك وحمض البيرفلوروكتان سلفونيك في مياه الأمطار غالبا ما تتجاوز بشكل كبير المستويات الاستشارية لمياه الشرب مدى الحياة لوكالة حماية البيئة الأميركية (EPA).
  • مجموع أحماض “بي إف إيه إس” الأربعة المذكورة أعلاه في مياه الأمطار غالبا ما تكون أعلى من القيم الحدية لمياه الشرب الدانماركية (Danish drinking water limit values).
  • غالبا ما تكون مستويات حمض البيرفلوروكتان سلفونيك في مياه الأمطار أعلى من معايير الجودة البيئية للمياه السطحية الداخلية للاتحاد الأوروبي.
  • خلص الباحثون إلى أن الانتشار العالمي لهذه المواد الأربع في الغلاف الجوي قد أدى إلى تجاوز الحدود الكوكبية للتلوث الكيميائي.

وقال إيان كوزينز، الباحث الرئيسي في فريق الدراسة والأستاذ في قسم العلوم البيئية بجامعة ستوكهولم “كان هناك انخفاض مذهل في القيم الإرشادية لأحماض بي إف إيه إس”، في مياه الشرب في الـ20 عاما الماضية.. على سبيل المثال، انخفضت القيمة الإرشادية لمياه الشرب لمادة واحدة معروفة في فئة بي إف إيه إس”، وهي حمض البيرفلوروكتانويك المسبب للسرطان (PFOA)، بمقدار 37.5 مليون مرة في الولايات المتحدة”.

وأضاف “بناء على أحدث الإرشادات الأميركية بشأن حمض بيرفلورو الأوكتانويك (PFOA) في مياه الشرب، فإن مياه الأمطار في كل مكان يمكن اعتبارها غير صالحة للشرب”.

وقال البروفيسور كوزينز “على الرغم من أننا في العالم الصناعي لا نشرب مياه الأمطار في كثير من الأحيان، فإن العديد من الناس في جميع أنحاء العالم يتوقعون أن تكون مياه الشرب آمنة وتوفر العديد من مصادر مياه الشرب لدينا”.

متى تم اختراع أحماض “بي إف إيه إس”؟

يعود اختراع أحماض “بي إف إيه إس” إلى عام 1938 تقريبا مع ابتكار أول مادة كيميائية من نوعها تعرف ببوليتترافلورو إيثيلين (Polytetrafluoroethylene PTFE).

وجاء ابتكار مادة بوليتترافلورو إيثيلين بسبب قدرتها على حماية المعادن من التآكل في درجات الحرارة المرتفعة بشكل لا يصدق، لذا تم استخدامها في القنبلة الذرية أولا، لكن سرعان ما ظهرت هذه المادة بالمنازل في كافة أنحاء العالم، واستخدمت في طلاء أواني القلي، وذلك وفقا لتقرير في دويتشه فيله.

هل توجد هذه المواد في أجسادنا؟

وفقا لتقرير سابق في الغارديان احتوت أجسام 98% من الأميركيين على مواد “بي إف إيه إس” في الدم، في حين كشفت دراسات في دول أخرى عن العثور على هذه المواد في جميع عينات حليب الأمهات التي تم اختبارها. وفي ألمانيا، تم التوصل إلى أن كل طفل يحتوي جسده على مواد كيميائية دائمة، وفي خُمس الحالات تجاوزت التركيزات المستويات الحرجة.

ما أضرار “بي إف إيه إس” المحتملة؟

قد تكون لمواد “بي إف إيه إس” علاقة بمشاكل النمو والسرطان وتلف الكبد واضطراب الجهاز المناعي ومقاومة اللقاحات وأمراض الغدة الدرقية وضعف الخصوبة وارتفاع الكوليسترول.

وتوصف مواد “بي إف إيه إس” بأنها “ربما كون مسرطنة” للبشر من قبل وكالة حماية البيئة الأميركية (EPA) والوكالة الدولية لأبحاث السرطان (IARC)، وفقا لتقرير في الغارديان.

وأظهرت العديد من الدراسات التي أجريت على حمض البيرفلوروكتان سلفونيك وحمض البيرفلوروكتانويك على كل من البشر والحيوانات مجموعة واسعة من الآثار الصحية المحتملة، بما في ذلك انخفاض الخصوبة بين النساء، وانخفاض عدد الحيوانات المنوية، وانخفاض الوزن عند الولادة، والسرطان، والموت بين الحيوانات التي خضعت للدراسة.

تتراكم بيولوجيا

ووفقا لوكالة مكافحة التلوث في مينيسوتا فبعض أحماض “بي إف إيه إس” ثابتة، مما يعني أنها لا تتحلل في البيئة، وبعضها يتراكم بيولوجيا أيضا، مما يعني أن الكمية تتراكم في الجسم بمرور الوقت. وتم العثور على “بي إف إيه إس” في كل من البيئة وفي عينات الدم لعامة سكان الولايات المتحدة.

وتؤكد دراسات عن درجات التسمم، أجريت على حيوانات تعرضت لبعض أحماض “بي إف إيه إس”، وجود روابط بين المواد الكيميائية والتغيرات في مستويات الكوليسترول في الجسم والهرمونات والجهاز المناعي؛ وانخفاض الخصوبة وزيادة خطر الإصابة ببعض أنواع السرطان.

وأظهرت الدراسات التي تم فيها إعطاء الحيوانات مستويات عالية من أحماض “بي إف إيه إس” آثارا بما في ذلك انخفاض الوزن عند الولادة وتأخر سن البلوغ وارتفاع مستويات الكوليسترول.

تساعد مثل هذه الدراسات، التي تجري على الحيوانات، العلماء على فهم ما يمكن أن يحدث للبشر. كما لوحظت بعض هذه التأثيرات في البشر الذين لديهم مستويات أعلى من أحماض “بي إف إيه إس” في دمائهم. وتم الإبلاغ عن استجابات مناعية منخفضة للتطعيم لدى البشر، أي أنه لا يكون فعالا بالدرجة المفترضة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *