منوعات

دراسة تربط بين السهر بعد منتصف الليل وزيادة خطر الانتحار والعنف والمخدرات

تفاقمت ثقافة السهر إلى ما بعد منتصف الليل مع الانتشار الواسع لتكنولوجيا الاتصال الحديثة، وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي التي لا يشعر الناس بمرور الوقت فيها حتى تباغتهم الساعات الأولى من اليوم الجديد.

ولا يتعلق الأمر بأشخاص لهم “ميولات فطرية” نحو العمل بالليل ممن يسمون بالليليين، بل بغيرهم من عموم الناس، وخاصة الشباب، الذين يسهرون إلى ما بعد منتصف الليل بفعل عادات اكتسبوها لاحقا، وخاصة من خلال إدمان الانترنيت ومواقع التواصل الاجتماعي، مما يتسبب لهم في نقص النوم والذي يؤدي بدوره إلى أمراض نفسية واضطرابات سلوكية.

فما المقصود بالأشخاص الليليين؟ وهل للسهر لما بعد منتصف الليل آثار ضارة على صحة الإنسان؟ وهل لهذا السهر المتأخر تأثيرات على سلوك ضحاياه لها علاقة بالاضطرابات النفسية والسلوكية؟

التقرير التالي الذي تم إعداده من مصادر مختلفة (“دابليو دي”، الجزيرة نت، رت عربي) يقدم إجابات على هذه الأسئلة وإضافات حول تأثيرات السهر بعد منتصف الليل.

أخطار “العقل بعد منتصف الليل”

قام باحثون بالعديد من الدراسات لمعرفة ما يحدث للدماغ البشري إذا ظل مستيقظاً بعد منتصف الليل. وحسب “دابليو دي” (WD) الألماني، وجدت دراسة جديدة حملت عنوان “العقل بعد منتصف الليل”، أن جسم الإنسان والعقل البشري يتبعان دورة طبيعية من النشاط لمدة 24 ساعة تؤثر على عواطفنا وسلوكنا.

ووجدوا، حسب نفس المصدر، أن الاستيقاظ حتى الساعات الأولى من الصباح يرتبط بزيادة خطر الانتحار والتورط في سلوكيات عنيفة وتعاطي الكحول والمخدرات وزيادة تناول الطعام، كما نقل الموقع الإلكتروني لتلفزيون “سي بي سي بوسطن” ووسائل إعلام أخرى.

ونشرت الدراسة في مجلة Frontiers in Network Physiology.

وخرج الباحثون بنتيجة مفادها أن الدماغ مبرمج مسبقاً للاستيقاظ أثناء النهار والنوم في الليل. ولكن إذا بقي الدماغ مستيقظاً لفترة أطول من المعتاد، فلن يكون لدى الخلايا العصبية الوقت الكافي للتعافي، وستصاب بالتعب، ولن يمكنها العمل في أفضل حالاتها، سواء في تلك الليلة أو في اليوم التالي.

ومع ذلك، فإن نتيجة الدراسة لا تنطبق على الجميع: هناك بعض الأشخاص، الذين يُطلق عليهم اسم “كائنات ليلية”، يكونون أكثر إنتاجية أو إبداعاً في الليل.

5  تأثيرات خطيرة على الصحة يسببها نقص النوم

يؤدي السهر المتأخر إلى نقص مدة النوم عن القدر الضروري والصحي اليومي، ويؤدي تراكم نقص النوم، إضافة إلى ما أكدته الدراسة الجديدة المشار إليها سابقا، إلى أضرار صحية بليغة، أهمها، حسب (RT) عربي:

1- تضعف صحتك العقلية:

يمكن أن يؤثر النوم غير الكافي على مزاجك ويزيد من مستويات التوتر لديك.

وفي الواقع، الأشخاص الذين يعانون من الأرق هم أكثر عرضة للإصابة بالقلق النفسي السريري بـ 17 مرة من الأشخاص الذين لا ينامون. وقد يكون الأشخاص الذين يعانون من الأرق أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب بمقدار الضعف مقارنة بالأشخاص الذين ينامون جيدا.

وربما يكون هذا بسبب تأثير قلة النوم على قدرة الدماغ على تنظيم العواطف، والتي يمكن أن تؤدي إلى اضطرابات المزاج والتفكير السلبي.

وعلى سبيل المثال، قامت دراسة نشرت في Current Biology في عام 2007 بفحص المشاركين الأصحاء الذين حرموا من النوم لمدة 35 ساعة. وعندما تم عرض صور سلبية للمرضى المحرومين من النوم، كان لديهم نشاط أكثر في اللوزة، منطقة الدماغ التي تنظم العواطف ومستويات القلق، من المشاركين الذين لم يكونوا محرومين من النوم.

وبالإضافة إلى ذلك، وجدت الأبحاث أن 65% إلى 90% من البالغين الذين يعانون من الاكتئاب يعانون من مشاكل في النوم.

وفي حين أن قلة النوم يمكن أن تؤثر على صحتك العقلية، يمكن أن يسبب الاكتئاب أيضا الأرق ، ما يؤدي إلى دورة مفرغة.

2-  خفض الذاكرة والقدرة على التعلم:

وجد الباحثون أن خمس ساعات فقط من النوم المفقود في فترة 24 ساعة يمكن أن تقطع الاتصال بين الخلايا العصبية في الحصين، منطقة الدماغ المرتبطة بالذاكرة.

وفي دراسة صغيرة نشرت عام 2005 ، تم تعليم 12 مشاركا سليما في سن الجامعة سلسلة من حركات الأصابع وطلبوا تكرارها بعد 12 ساعة عندما قام التصوير بالرنين المغناطيسي بقياس موجات أدمغتهم.

ووجد الباحثون أن المخيخ، منطقة الدماغ التي تتحكم في الدقة، كانت أكثر نشاطا في المشاركين الذين ناموا خلال تلك الفترة الزمنية. وهذا يشير إلى أنه أثناء نومك، يتم تحويل الذاكرة إلى مناطق تخزين أكثر كفاءة في الدماغ.

وقد تضعف قلة النوم أيضا قدرة الدماغ على طرد بيتا أميلويد، وهو بروتين سام في السائل بين خلايا الدماغ يرتبط بفقدان الذاكرة ومرض ألزهايمر.

ويقول رامان مالهوترا، طبيب النوم والأستاذ المساعد في طب الأعصاب بكلية الطب بجامعة واشنطن: “إن عدم النوم الكافي في الليل سيصعب عليك تعلم الأشياء أو تذكرها لاحقا. النوم يساعد على بصمة الذكريات أو الأشياء التي تدرسها لمحاولة تذكرها في المستقبل”.

3- جعل فقدان الوزن أكثر صعوبة:

يمكن أن يؤدي عدم الحصول على سبع إلى ثماني ساعات من النوم كل ليلة إلى تنشيط نظام الكانابينويد الداخلي (endocannabinoid) في الجسم، ما يزيد من شهيتك للأطعمة الممتعة غير الصحية، مثل الحلوى.

وفي إحدى الدراسات الصغيرة التي أجريت على 14 شابا سليما، نُشرت في مجلة Sleep عام 2016، وجد الباحثون أن المشاركين الذين حصلوا على قسط كاف من النوم لمدة أربع ليال كان لديهم مستويات أعلى من مركبات الكانابينويد الداخلي (eCB) في فترة بعد الظهر من أولئك الذين حصلوا على نوم جيد في الليل. وتزيد مستويات الكانابينويد الداخلي المرتفعة الشهية والشغف للوجبات الخفيفة.

ووجدت الأبحاث أيضا أن قلة النوم تزيد من إفراز هرمون الغريلين، وهو الهرمون الذي يحفز الشهية، ويقلل من إفراز الليبتين، الهرمون الذي يجعلك تشعر بالشبع.

بالإضافة إلى ذلك، إذا كنت لا تحصل على قسط كاف من النوم، فقد تشعر بالإرهاق ولا تملك الطاقة لممارسة الرياضة بانتظام، ما قد يساهم أيضا في زيادة الوزن.

ووجدت دراسة صغيرة على 15 رجلا أصحاء، نشرت عام 2009 ، أن عدد ساعات أقل من النوم لمدة ليلتين على التوالي أدى إلى انخفاض كبير في النشاط البدني أثناء النهار.

4-  زيادة خطر الإصابة بأمراض القلب:

يمكن أن يؤدي الحصول على أقل من سبع ساعات من النوم كل ليلة إلى زيادة خطر الإصابة بأمراض القلب أو النوبات القلبية أو السكتة الدماغية بغض النظر عن عمرك ووزنك وما إذا كنت تدخن أم لا.

ووجدت الأبحاث أنه حتى الزيادات الصغيرة في مستوى ضغط الدم أثناء الليل يمكن أن تؤدي إلى زيادة خطر الإصابة بأمراض القلب.

ويمكن أن يؤثر النقص المستمر في النوم أيضا على قدرة الجسم على تنظيم هرمونات التوتر، وقد يساهم هذا الضغط المزمن في الإصابة بنوبة قلبية بمرور الوقت.

5-  تسبب الحوادث الضارة:

في عام 2017 ، كان هناك ما يقدر بنحو 91 ألف حادث سيارة أبلغت عنها الشرطة شملت سائقين نائمين، في الولايات المتحدة، وأصيب نحو 50 ألف شخص وقتل ما يقرب من 800.

والقيادة أثناء النعاس تشبه القيادة تحت تأثير الكحول، حيث يبطئ وقت رد فعلك وإدراكك للأخطار، ويقلل من قدرتك على الانتباه لما تفعله.

ووفقا لدراسة نشرت في مجلة Sleep  عام 2018، كان السائقون الذين كان لديهم أقل من أربع ساعات من النوم في فترة الـ 24 ساعة السابقة أكثر عرضة بنسبة 15.1 مرة لحادث سير من السائقين الذين ناموا سبع إلى تسع ساعات خلال الفترة نفسها.

كما يُعزا العديد من الحوادث المتعلقة بالعمل إلى قلة النوم. ويزيد احتمال تعرض العمال المحرومين من النوم لحوادث أثناء العمل بنسبة 70% ومزيد من احتمال الوفاة بسبب تلك الحوادث مرتين مقارنة بالعمال الذين يحصلون على راحة جيدة.

“بومة الليل” أو الأشخاص الليليون

من الضروري تخصيص الحديث عن الأشخاص الليليين بالفطرة لتمييزهم عن غيرهم ممن يتعودون على السهر إلى ما بعد منتصف الليل، ضدا على نظام النوم الأنسب لهم.

يكره الليليون بالفطرة الاستيقاظ مبكرا ويشعرون بأنهم أكثر نشاطا وإنتاجية في الليل، كما يميلون إلى أداء مهامهم الروتينية عندما يكون معظم من حولهم نائمين.

لذلك، حسب الجزيرة نت، من المحتمل أن يشعر هؤلاء الأشخاص طوال حياتهم بالحكم على طريقة عيشهم، بل وصفهم أحيانا بالكسل والفوضى وعدم الانتظام، حيث يُتوقع من جميع الأشخاص أن يتكيّفوا مع الجدول النهاري، كما تقول الكاتبة إيلينا سانز في تقريرها الذي نشرته مجلة “لامنتي إس مرفيوسا” (lamenteesmaravillosa) الإسبانية.

وحسب نفس المصدر، تشير التقديرات إلى أن حوالي 20% من الأشخاص يتبعون هذا النمط الزمني خلال الروتين اليومي الخاص بحياتهم. ويصل هؤلاء الأشخاص إلى أقصى طاقتهم بعد حلول الظلام حيث يواجهون صعوبات حادة فيما يتعلّق بالعمل خلال الساعات الأولى من الصباح. علاوة على ذلك، يقضّي هؤلاء الأشخاص حياتهم في محاربة ميولهم الخاصة للتوافق مع إيقاع المجتمع ويمكن اعتبارهم غير لائقين.

بومة الليل ليست نزوة

يعتقد الكثير من الناس أن الأشخاص الذين يتبعون طريقة ما يُعرف بـ”بومة الليل” يختارون أن يكون لديهم جدول نوم لا يتماشى مع الإيقاع الاجتماعي. كما يفتقر هؤلاء الأشخاص إلى الإرادة للنوم والاستيقاظ مبكرا. علاوة على ذلك، أظهرت العديد من التحقيقات أن النمط الزمني محدد، إلى حد كبير، وراثيا. لذلك، وُلد هؤلاء الأشخاص بالفعل على استعداد لإظهار هذا الاتجاه الليلي.

كما وجدت بعض الدراسات أن هناك طفرة جينية لها تأثيرات قوية على أنماط النوم. وفيما يتعلق بالأشخاص الذين يفضلون حياة السهر ليلا، تطول لديهم الدورة مما يجعل الشخص غير قادر على النوم حتى الصباح، ويعاني عندما يطلب منه الجسم أن يستيقظ في وقت متأخر عما هو متوقع. في النهاية، لا يعدّ الأمر اختياريا، وإنما تحديدا بيولوجيا.

تشخيص متلازمة تأخر مرحلة النوم

قد تكون حقيقة اختلاف النمط الزمني من شخص لآخر ميزة تطورية في العصور القديمة. فحينما كان البشر يعيشون في قبائل صغيرة، تأكدوا من وجود شخص دائما مستيقظا ومتنبّها في كل لحظة من النهار والليل. مع ذلك، يتبع المجتمع حاليا إيقاعا ملحوظا في النهار. لذلك، لا يستطيع الشخص الذي يتّبع طريقة ما يُعرف ببومة الليل التكيف ويعاني من عواقب وخيمة.

لهذا السبب، يتم تشخيص هؤلاء الأشخاص عموما بما يسمى بمتلازمة اضطراب طور النوم المتأخر، أي أنهم بحاجة إلى النوم والاستيقاظ بعد عدة ساعات من المتعارف عليه. في الواقع، عندما يُسمح لهؤلاء الأشخاص باختيار جدول نومهم، فإنهم يستمتعون بالراحة الكافية من حيث الكمية والنوعية.

البقاء في حالة تأهب عقليا لمدة أطول

تقول الكاتبة سانز في تقريرها إننا نميل عموما إلى التفكير في الاستيقاظ المبكر على أنه أكثر نشاطا وإنتاجية. في المقابل، لا يعدّ هذا الأمر صحيحا تماما. فإذا تحدثنا عن عدد الساعات التي يمكن للفرد أن يظل فيها يقظا ونشطا عقليا، سيتصدّر الأشخاص المصابون بهذا الاضطراب القائمة.

وقد وجدت بعض الدراسات أنه بعد مرور 10 ساعات من اليقظة، يقدم عشاق الليل نشاطا دماغيا أكبر في المناطق المتعلقة بالانتباه.

هؤلاء الأشخاص أكثر عرضة للإصابة بالمرض

ورغم وجود استعداد وراثي لدى “بومة الليل” لا يعدّ التعود على الاستيقاظ ليلا أمرا إيجابيا في كل حالاته، حيث وجدت دراسات مختلفة أن هؤلاء الأشخاص أكثر عرضة للإصابة بمرض السكري والسمنة والتوتر والاضطرابات النفسية والعصبية، كما أنهم أكثر عرضة بنسبة 10% للوفاة. ومرة أخرى، يرتبط هذا الأمر ارتباطا وثيقا بعدم القدرة على التكيف مع الجداول الزمنية، مما يؤدي إلى عدم الحصول على قسط كاف من النوم وانخفاض الجودة واتباع النظام الغذائي السيئ وعادات نمط الحياة الأسوأ.

على الرغم من كل ما سبق، فإنه لا يمكننا أن ننسى أن الفروق الفردية موجودة. فضلا عن ذلك، تُعتبر النتائج المقدمة مجرد نتائج عامة لا تحدد الصفات أو الأداء الخاص بجميع الأشخاص. وتجدر الإشارة إلى أنه ليس كل من يستيقظ مبكرا يعدّ أقل إبداعا، كما لن يمرض كل من يفضلون السهر، فكل ذلك يتوقف على الظروف الفردية على المستوى الجيني والبيئي.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *