منوعات

 دراسة تربط بين تلوث الهواء والإصابة ببعض سرطانات الرئة

في عام 2019، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا حددت بموجبه السابع من أيلول/سبتمبر بوصفه “اليوم الدولي لنقاوة الهواء من أجل سماء زرقاء”، وشددتن حسب “أخبار الأمم المتحدة”، على الحاجة الملحة لرفع مستوى الوعي العام على جميع المستويات، وتعزيز وتسهيل الإجراءات اللازمة لتحسين جودة الهواء.

وبعد مرور خمس سنوات، حسب نفس المصدر، خلص علماء منظمة الصحة العالمية إلى أن تأثير تلوث الهواء يبدأ عند مستوى أقل بكثير مما كان يُعتقد سابقا.

وحسب نفس الموقع التابع للأمم المتحدة، يكاد يكون كل الهواء الذي نستنشقه ملوثا، ويموت حوالي سبعة ملايين شخص بسبب تلوث الهواء سنويا. وتحدث حوالي 90 في المائة من هذه الوفيات في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط.

وفي سياق أضرار التلوث على صحة الإنسان، توصّلت دراسة، نُشرت السبت (10 سبتمبر الجاري، إلى آلية تربط بين تلوث الهواء والإصابة ببعض سرطانات الرئة حتى بين غير المدخنين، وهي نتيجة -وفق خبراء- يشكّل التوصل إلى فهمها “خطوة مهمة للعلم والمجتمع”.

الجسيمات الدقيقة: “قاتل خفي”

وحسب نفس المصدر، أوضح علماء من معهد فرانسيس كريك ومن كلية لندن الجامعية أن الجسيمات الدقيقة (أقل من 2.5 ميكرون، أي ما يعادل تقريبًا قطر الشعرة) تُعد من أسباب التغيّر المناخي، وتؤدي إلى تغيرات سرطانية في خلايا الجهاز التنفسي.

وقال تشارلز سوانتون -من معهد فرانسيس كريك- لوكالة فرانس برس “يمكن تشبيه الجسيمات الدقيقة الموجودة في غازات العوادم أو غبار مكابح المركبات أو الأدخنة الناجمة عن الوقود الأحفوري بـ”قاتل خفيّ”.

وعرض سوانتون نتائج هذا البحث -الذي لم يراجعه بعد باحثون آخرون- خلال المؤتمر السنوي للجمعية الأوربية لطب الأورام المنعقد في باريس حتى بعد غد الثلاثاء.

وأشار إلى أن ضرر تلوث الهواء معروف منذ مدة طويلة، وإن لم يكن العلماء “متأكدين مما إذا كان هذا التلوث يتسبّب مباشرة في الإصابة بسرطان الرئة، ولا من كيفية حصول ذلك”.

ودرس الباحثون بدايةً بيانات أكثر من 460 ألف شخص من سكان إنجلترا وكوريا الجنوبية وتايوان، وبيّنوا استنادًا عليها وجود ترابط بين التعرّض لتركيزات متزايدة من الجسيمات الدقيقة وزيادة خطر الإصابة بسرطان الرئة.

اكتشاف آلية الإصابة بالسرطان

ويعدّ التوصل إلى فهم الآلية التي تتسبب من خلالها هذه الملوثات بسرطان الرئة لدى أشخاص من غير المدخنين هو الاكتشاف الأبرز لهذه الدراسة.

وأثبت الباحثون من خلال دراسات مخبرية على الفئران أن الجسيمات أحدثت تغيّرات في جينيْن -هما مُستقبِل عامل نمو البشرة (EGFR) وكيراس-(KRAS) مرتبطين أصلًا بسرطان الرئة.

وحلّل الباحثون نحو 250 عينة من أنسجة رئوية بشرية سليمة لم تتعرض إطلاقًا لمواد مسرطنة من التبغ أو التلوث الشديد.

وظهرت طفرات في جين EGFR في 18% من العينات، وتغيرات في KRAS في 33% منها.

وقال البروفيسور سوانتون إن “هذه الطفرات قد لا تكون بذاتها كافية لتؤدي إلى الإصابة بالسرطان، ولكن عند تعريض الخلية للتلوث يُحتمل أن يحفز ذلك نوعًا من التفاعل” الالتهابي.

وأضاف أن “الخلية ستؤدي إلى نشوء سرطان في حال كانت تحتوي على طفرة”.

ورأى سوانتون -يرأس مركز (كانسر ريسيرتش يو كيه) للأبحاث المتعلقة بالسرطان، وهي الجهة الرئيسية الممولة للدراسة- أن هذه الدراسة هي بمثابة “فك لشيفرة الآلية البيولوجية لما كان لغزًا”.

وكان الاعتقاد السائد أن التعرض للعوامل المسببة للسرطان -كتلك الناتجة من دخان السجائر أو التلوث- يتسبّب في حدوث طفرات جينية بالخلايا، مما يجعلها أورامًا ويؤدي إلى تكاثرها.

ولاحظت سوزيت دولالوج -مديرة برنامج الوقاية من السرطان في معهد (غوستاف روسي)- أن خلاصات الدراسة بمثابة “تطوّر ثوري” إذ لم يكن يتوافر سابقًا أي دليل على هذا التسرطن البديل.

وشدّدت هذه الاختصاصية في طب الأورام التي كُلِّفَت مناقشة الدراسة خلال المؤتمر على أنها “خطوة مهمة للعلم”، آملةً في أن تكون كذلك “للمجتمع أيضًا، واعتبرت أنها “تفتح بابًا واسعًا للمعرفة وللوقاية كذلك”.

وأفاد البروفيسور سوانتون بأن الخطوة التالية تتمثل في “فهم سبب تحوّل بعض خلايا الرئة المتغيرة إلى خلايا سرطانية بعد التعرض للملوثات”.

رهان الوقاية

وأبرز عدد من الباحثين أن هذه الدراسة تؤكد أن الحدّ من تلوث الهواء مهم أيضًا للصحة.

وقال سوانتون “لدينا الخيار بين أن ندخن أو لا نفعل، ولكن لا يمكن أن نختار الهواء الذي نتنفسه، وهي بالتالي مشكلة عالمية نظرًا إلى أن عدد الأشخاص المعرّضين لمستويات غير صحية من التلوث أكبر بخمس مرات -على الأرجح- من أولئك المعرّضين لدخان المنتجات التبغية”.

ويتعرض أكثر من 90% من سكان العالم لما تصفه منظمة الصحة العالمية بمستويات مفرطة من الملوثات التي تحوي جسيمات دقيقة.

ويوفّر هذا البحث أملًا بالتوصل إلى طرق جديدة للوقاية والعلاج.

وأشارت سوزيت دولالوج إلى إمكان العمل على طرق عدة للكشف والوقاية، ولكن ليس على المدى القريب، ومنها “التقييم الشخصي للتعرض للملوثات”، والكشف -غير الممكن حتى الآن- عن الطفرة الجينية EGFR، وغير ذلك.

وفي السياق، نقل بيان للجمعية الأوربية لطب الأورام عن توني موك -من جامعة هونغ كونغ- قوله إن هذا البحث “مثير للاهتمام بقدر ما هو واعد”، ورأى أنه يتيح “التفكير يومًا ما في البحث عن آفات ممهّدة للتسرطن في الرئتين باستخدام تقنيات التصوير الطبي، ثم محاولة معالجتها بأدوية مثل مثبطات الإنترلوكين 1 بيتا”.

ولم يستبعد سوانتون التوصل مستقبلًا إلى “وقاية جزيئية من السرطان بواسطة حبوب، ربما بمعدّل واحدة كل يوم، للحد من مخاطر الإصابة بالسرطان في المناطق العالية الخطورة”.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *