منتدى العمق

نحتاج إلى قليل من السخرية لنواجه بها هذا البؤس

بعض الحمقى أو العقلاء (أكثر من اللازم) كلما أراد الشعب أن ينفض عنه أغلال الإسر والإستعباد ويتلمس طريقه نحو الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية…تجدهم يقفون له بالمرصاد. تارة يرفعون شعار “لقد خرجت المسالة عن نطاقها ويتم تسييسها” وتارة أخرى ” اتركوا القانون ياخذ مجراه” ومرة ثالثة ” تذكروا سوريا. ليبيا. اليمن…” ومرة رابعة” احذروا الفتنة فالمغرب فيه أمازيغ وعرب وسنة وشيعة ويهود و…” و” الفتنة اشد من القتل” ولا ينسون ان يذكرونا ب” خطر البوليزاريو ومؤمرات الجزائر وفرنسا وامريكا…”.
لهؤولاء أقول :

1- اذا كنتم تقصدون بالتسييس استغلال القضية للضغط على النظام الحاكم (لا الحكومة المحكومة) ليصير ديمقراطيا ويدرك اننا في زمن المواطنة لا العبودية. فشخصيا أتمنى ان يتم استغلال أي قضية في سبيل تحقيق هذه الغاية. ليتحقق العيش الكريم لكل المغاربة.
ولو تكسرت إحدى صحوني لما تورعت عن التفكير في فرضية مشاركة النظام في هذا العمل “التخريبي”(كما قال أحد الأصدقاء ). وكنت سأتمنى من كل القوى الحية في المجتمع أن تركب على هذا الحدث لتطالب ب”ملكية برلمانية”. ستقولون لي وما العلاقة بين هذا وذاك. سأجيبكم إن العلاقة جد وطيدة ولكن عقولكم قاصرة عن إدراكها. أيها الحمقى إن العلاقة السببية (لاترى) اختراع عقلي بامتياز. لقد أبدعناها لتطمئن قلوبنا.

2-أيها العقلاء إن الحرص على تطبيق القانون أمر سليم ولا يمكن لكل من يروم بناء الدولة الحديثة (لا القبيلة) أن يرفضه. غير أن الكثير من القوانين جائرة. لذلك ينبغي المطالبة بتغييرها لا بتنفيذها (القانون يعفي كبار الفلاحين من دفع الضريبة ويفرضها على الموظف البسيط…فهل هذا قانون عادل؟!). ضف إلى ذلك ضرورة تساوي المواطنين-فعلا لاشعارا- أمام القانون. ولن يتسنى تحقيق ذلك -بعيدا عن قضاء التعليمات والانتقام…- ما لم يتم تكريس استقلالية السلطة القضائية فعليا.

3- في كل التظاهرات التي خرجت في 20فبراير وعلى إثر مقتل المرحوم محسن فكري أبان المغاربة عن الكثير من التعقل والحكمة والتنظيم بعيدا عن التخريب والفوضوية. فالاستبداد (وقواته الايديولوجية المسلحة) وحده له مصلحة في حدوث ذلك؛ كي يتذرع به لقمع كل حراك سلمي يرفع شعار “الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية”. أيها الحمقى لقد سئمنا وضعنا امام خيارين إما: الاستقرار (المغشوش)؛ وإما الاستبداد. أيها الحمقى إن الامن والاستقرار الحقيقي (في مختلف أبعاده) لا يمكن أن يتحقق إلا عندما نكون مواطنين احرارا لا مجرد رعايا وقطيع في “المزرعة السعيدة” . أيها العقلاء إن استمرأتم الذل والهوان فلكم ذلك. وليس مفروضا على من يبتغي العيش الكريم أن يكون مثلكم. إن تفكيركم أحادي؛ و تفكرون بمنطق أرسطي ثنائي عفا عليه الزمن. فالاختيارات والطرق متعددة؛ ولنا أن نبني طريقا يجمع بين الاستقرار الحقيقي والحرية الحقيقية.

أيها الحمقى إن فزاعة التفرقة بين العرب والامازيغ واهية. فمن منا يستطيع أن يثبت انه أمازيغي أو عربي خالص ؟
فنحن جميعا مغاربة أولا وأخيرا.

4- أيها العقلاء إن من يخرج ليطالب بمغرب التنمية ودولة الحق والقانون والملكية البرلمانية والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية؛ لا يبتغي الفتنة؛ بل يريد أن يحيا حياة الإنسان لا حياة الأنعام.

إن تفكيركم عاجز عن رؤية التجارب الناجحة؛ وتركزون نظركم كله على التجارب “الفاشلة” ( حالا وليس مآلا).

إن الفتنة الحقيقية هي أن تضطر لإرسال أبناءك إلى مدرسة لا تقدم لهم شروط تعليم مجاني ذي جودة. الفتنة الحقيقية هي حين تذهب إلى المستشفى العمومي فلا تجد من يبالي بك؛ وتكون مطالبا بأن تكون لك واسطة. الفتنة الحقيقية هي أن تكون مظلوما ثم تجد نفسك ظالما؛ فقط لان من ظلمك يعرف فلانا وفلانة في الشرطة او القضاء. الفتنة الحقيقية هي أن تكون “مكفوفا” وتناضل لتحصل على شهادة جامعية؛ ثم تجد نفسك من باعة “الكلينيكس” فقط لان هناك من سرق ونهب ثروات وخيرات بلدك….إنكم أيها العقلاء لا تعيشون في هذا المغرب. فلكم مغربكم الخاص: مغرب الاحياء الراقية و”المارينا” و”الأوطيلات خمس نجوم” …(سواء كنتم تعيشون فيه فعليا أو في استيهاماتكم).

6- أيها الحمقى إننا نعيش في عالم دائم التحول. ويعج بالكثير من الصراعات والتجاذبات. إن كل وطن له أعداؤه (من الداخل والخارج) الذين يتربصون به الايام. والضمانة الحقيقية لنصون وطننا هي إدراك أهمية العيش المشترك (وقبول الاختلاف) وتقوية الذات.

فأن نتذرع بوجود أعداء ومؤمرات خارجية ليس معناه أن نقبل بان يسرق الوطن، وتنهب خيراته، وأن تستمر قلة قليلة في الإقتراض؛ ليرهنوا مستقبلنا ومستقبل الاجيال القادمة بديون يستفيدون منها هم وأبناؤهم. وليس معناه أن نتفرج على طحننا يوميا ماديا ورمزيا.

أيها الحمقى إن أي فعل إنساني يظل إنسانا. فلا تسبغوا على مواقفكم سمة القدسية، وتلبسوها رداء الدين، باستحضاركم لمقولات “الفتنة أشد من القتل” و”الزموا الجماعة”. فإما أن تتركوا الدين دون استغلال سياسي، وإما أن نذكركم – إن نسيتم أو تناسيتم – ب ” وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ” و ” أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر” …وهل كان أبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي وعمار بن ياسر…يريدون الفتنة حين كانوا ينتقدون الظلم الاجتماعي المستشري في بلدهم؟ ستقولون وهل أنتم في منزلة هؤولاء الصحابة؟ وسأجيبكم وهل أنتم في منزلة تسمح لكم بالحديث باسم الدين،وباسم الصحابة أيضا؟

فلنترك إذن الجدال باسم الدين، وتعالوا نتفق أننا بشر، وأن كلامنا ككل البشر غير مقدس، ويحتمل الصواب والخطأ.
في الأخير إن كل وطن له شعب يحميه، والمغاربة قادرون على حماية الوطن من الفتنة والتفرقة كما حموه زمن الإستعمار. فلستم أحرص منا على هذا الوطن.