سروج الخيل.. حرفة مغربية عريقة تطورت عبر التاريخ ولازمت “التبوريدة” (فيديو)
على حافة الزوال (الحلقة الثامنة)

يعكف الصانع التقليدي محمد منير، داخل ورشته بالعاصمة العلمية فاس، رفقه عدد من “المعلمين” على صناعة سروج الخيل، تماما كمن يجمع قطع أحجية لتكتمل أمام ناظريه صورة سرج بهيج يسر الناظرين، بعد جهد جهيد لعشرات الأنامل لمدة قد تصل إلى خمسة أشهر في صناعة رحل حصان واحد عبر مراحل مختلفة.
يحكي هذا الصانع البالغ من العمر 53 سنة أن حرفة صناعة سروج الخيل المغربية الأصيلة، استهوته قبل 20 سنة من اليوم، فأتى إليها بزاد الإسكافي، مشيرا في حديث لـ”العمق” إلى أن التقارب بين الصنعتين أهله لممارستها، بعدما دخل في شراكة مع صهره.
السروج المغربية الأصيلة التي يصنعها محمد وغيره من الصناع التقليديين بفاس ومراكش، لا علاقة لها بالسروج التي تستعمل في رياضات الخيل اليوم، بل هي حكر على الفروسية التقليدية “التبوريدة”، حيث ينتشي الفرسان فوقها على ظهور أحصنتهم وأهدابها تتراقص في حركة متناغمة مع ركضها.
يحكي محمد منير أن العديد من الفرسان يقصدون ورشته من أجل اقتناء سرج، فمنهم من يقتنيه جاهزا، وهناك من يطلبه بألوان ومواصفات معينة، فينتظر أشهرا من أجل أن يكون طلبه جاهزا، مضيفا أن من زبنائه أيضا بعض التجار الذين يشترون السروج بالجملة فيبيعونها في الأسواق الأسبوعية الخاصة بالخيل.
تمر صناعة السروج من عدة مراحل قبل أن تستقر على ظهور الأحصنة، تبدأ بالتخطيط على الورق وتنتهي بتركيب الأجزاء، وبين هاتين المرحلتين تشتغل “المعلمة” التي تطرز بعض الأجزاء بتطريز “النطع”، والنجار الذي يصنع القرابيس والدباغ الذي يعد الجلود، والصانع الذي يقوم بالتبطين بالإضافة إلى من تصنع “المجدول” وتحيك السرج بالحرير أو بالخيوط المذهبة.
تصوير: سليم الحسوني_ مونتاج: ياسين السالمي
هذه الصناعة التي ولجها محمد قبل 20 سنة، بدأت في المغرب قبل قرون وتطورت مع الزمن إلى أن أصبح للمغاربة سروج تميزهم عن باقي الأقطار، إذ صارت تحفة فنية بفضل الأنامل التي تحرص على ترصيعها وتطريزها وتزويقها وتوشيتها.
فمهما بلغ جمال وتناسق الحصان فإن عين فارس “التبوريدة” لا تراه مكتملا إلا بتلك العدة التي تتكون من لباس الراكب وبندقيته ولجام الجواد، ويشكل السرج جزءا أساسيا منها. فعندما يقف وسط “السربة” يشكل رفقة حصانه قطعة متجانسة تسر الناظرين.
وحرصا على جمال وأناقة هذه القطعة، تنافس الفرسان في الاعتناء بالخيل وشراء أجودها وأفضل السروج وأغلاها. وفي هذا الصدد يقول الصانع التقليدي محمد إن أثمنتها تبدأ من ثلاثة آلاف درهم صعودا.
ومنذ القدم برع الحرفيون المغاربة في إتقان صناعة السروج، وكان الطلب على ما ينتجونه كبيرا داخل البلاد وخارجها، وبلغت أثمنتها في مختلف العصور أرقاماً خيالية، وأرسلهـا الملوك كهدايا، ومن الهـدايا الملوكية التي يتردد ذكرها في المصادر كثيراً: “الخيول بجهازاتها” ويقصد بها السروج واللجم والركابات، بحسب ما ذكر محمد حجاج الطويل في بحث منشور بـ”معلمة المغرب”، نقلا عن المؤرخ الإسباني مارمول كربخال، وكتاب “المسند” لابن مرزوق.
واستطاع الصانع التقليدي تلبية طلبات زبنائه من مختلف الطبقات الاجتماعية، بحيث كانت السروج توحي بالمستوى الاجتماعي لأصحابها، إذ أشارت المصادر التاريخية إلى سروج باهظة الثمن كتلك المطرزة بالذهب، ثم المتوسطة والبسيطة.
ويطلق الحرفيون وفرسان “التبوريدة” اسما خاصا على كل جزء من السرج، فهناك “الترشيح” وهو اللبدة التي توضع على ظهر الحصان، وفوقها “العظم”؛ وهو القطعة الخشبية التي توضع على “الترشيح”، بالإضافة إلى “الدزينة” والدجاجة” و”السقاط”، والركابات حيث يضع الفارس قدميه.
وللأحزمة التي تثبت أجزاء السرج على ظهر الجواد أسماء خاصة أيضا، بحسب ما أشارت له المصادر التاريخية، فالنطاق هو الحزام الذي يمر أسفل البطن، أما الصـدرية فحزام الـصـدر الذي له تواشيح وتزيين، بينما الطفـر حزام يشد السرج إلى الخلف ويمر أسفل الذنب.
ورغم استمرار مواسم “التبوريدة” في العديد من الجهات إلا أن صناعة السروج اختفت في عدد من المدن، وظلت رائجة في نطاق محدود، كما عزفت الفتيات اليوم عن تعلم التطريز، الذي يميز السروج المغربية، بحسب ما لمس الصانع التقليدي محمد.
تعليقات الزوار
سروجة التاريخيين كايتعرفو الصانع ديالهم من المواد أو الطرز المستعمل. ولا يباع بأقل من أربعة ملايين سنتيم.