وجهة نظر

“إلياس العماري” وزيرا للأوقاف والشؤون الدينية

بعد تكليف الملك للأمين العام لحزب العدالة والتنمية عبد الإله بنكيران لتشكيل الحكومة ،شهدت الساحة السياسية سلسلة من المواقف المثيرة أهمها استقبال بنكيران لحميد شباط الأمين العام لحزب الاستقلال ثم ادريس لشكر الكاتب الأول للإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية،وكلا الرجلين كانت لهما معارك كلامية وهجومات متبادلة مع رئيبس الحكومة عبد الاله بنكيران ،يعلم الجميع حدتها وتأثيرها ،كان أخطرها حينما طالب حميد شباط في قبة البرلمان بإعطاء توضيحات حول علاقة بنكيران بالموساد وداعش،وهي اتهامات أغضبت رئيس الحكومة كثير،والجميع يتذكر الجلسة العاصفة في مجلس النواب حينما اتهم بنكيران شخصيات من حزب الاستقلال بتهريب الأموال بطريقة غير مشروعة إلى الخارج ،لشكر بدوره يتذكر الرأي العام انخراطه في تبادل الشتائم مع بنكيران ووصفه بالسفيه وبنبرة قوية وسط هرج ومرج تثير فرجة الالاف من مشاهدي الشريط الذي مازال على موقع اليوتوب ،وما زال الرأي العام يتذكر منذ أسابيع قليلة حينما حذر لشكر المغاربة أن يصبح مصير المغرب مثل سوريا في حالة فوز حزب العدالة والتنمية .

وتتوالى المواقف المثيرة بنشر إلياس العماري مقالا وقعه بصفته أمينا عامل لحزب الأصالة والمعاصرة بعنوان :” مقدمات في حاجتنا إلى مصالحة تاريخية شجاعة”يدعو فيه إلى ما وصفه بـ”المصالحة تجاه الجميع؛ في وطن يتسع للجميع، ويشرئب إلى الأعلى بسواعد وهامات كل بناته وأبنائه. ” العماري الخصم اللذوذ للإسلاميين الذي أعلن عداءه الصريح والعلني للإسلاميين وأن مشروع حزبه يهدف إلى تحجيم دورهم ومحاربتهم ،ولعل هذا التصريح دفع في وقت سابق فتح الله أرسلان الناطق الرسمي لجماعة العدل والإحسان إلى اليتراجع عن إجراء إستجواب صحافي مع جريدة “اخر ساعة “التي تصدرها المجموعة الإعلامية لإلياس العماري بعدما أبدى موافقة مبدئية، واعتذر للصحافية موضحا لها أنه استجاب بحسن نية غير أن تصريح العماري جعله يتراجع.

إلياس العماري في مقاله استبدل مفردات الهجوم والتحذير من الإسلاميين إلى مد يد المصالحة إليهم ،وتراجع عن اعتبار حزبه بديلا لإنقاذ البلاد ونَهل من قاموس الإخاء والمحبة والتعددية وقال”لم نكن نطمح سوى إلى المصالحة الشجاعة بين مقومات أصالة حضارتنا، الساطعة بأنوار الإيمان والأمن والمحبة والمعرفة والتسامح والتلاقح والإخاء”وقال كذلك “لكي نعيش أفضل، علينا أن نتعلم كيف نعيش سويا” وانتقد إلياس معارك الخصومة التي كان جزءا منها متوسلا الصفح عن مساره وختم مقاله بما يلي:”نستشرف اليوم كحزب وطني فتي ومناضل، خطوات ومسارات مصالحاتنا الرحبة، بإرادتنا الواثقة وأيادينا الممدودة للجميع، لنتخلص من خصوماتنا الجوفاء وأحقادنا العمياء؛ ونتقدم سويا نحو الاعتراف المتبادل ببعضنا البعض، واضعين مصلحة الوطن وكرامة الشعب على رأس الأولويات، وآخذين الصالح العام المشترك مأخذ جد ومسؤولية، وحاملين في قلوبنا حب جذور وطننا المغرب، المدثرة بملاحم وشجاعة أجدادنا الأبطال في حفظ وحدة ومجد وإشعاع الكيان الوطني المغربي الشامخ في التاريخ.”

انقلاب في مفاجيء في موقف إلياس العماري الأمين العام للأصالة والمعاصرة الدي يمد يده للمصالحة والصفح بعدما سبقه شباط ولشكر إلى مد أيديهما لبنكيران الذي استقبلهم في مقر حزبه يطلبون تحالفه وحقائب وزارية لعلها تنقذ أحزابهم من الإنقراض .

مراجعة الأحزاب لمواقفها وتصوراتها وبناء تحالفاتها أمر طبيعي في الحياة السياسية، تخضع لقواعد البرنامج الإنتخابي واحترام إرادة الناخبين ووضوح البرنامج الحكومي ليتمكن المواطن من تقييم حصيلة الحكومة وفق معايير ومؤشرات واضحة،إضافة إلى تخليق الحياة السياسية والتنافس وفق البرامج بعيدا عن تجريح الأشخاص والمكائد وتجييش قواعد الأحزاب ضد بعضها.

إذا كان لشكر وشباط غيرا مواقفهما المثيرة رغبة في حقائب وزارية في حكومة بنكيران خصمهما اللذوذ قبل السابع من أكتوبر الحليف المنشود بعده،فما الدافع إلى انقلاب “إلياس العماري” على مواقفه السابقة ؟أليس رغبة في دخول حكومة بنكيران ؟رغم أن حزبيهما أعلن كل منهما عدم التحالف مع الأخر وخاض كل منهما حملته الإنتخابية في تبادل الإتهامات وأن كل منهما هو المنقذ المنشوذ للبلاد .وفي حالة مشاركة الأصالة والمعاصرة في حكومة تقودها العدالة والتنمية خلافا للوعود التي أعلنها الخصمين السياسيين للناخبين،فما الحقيبة الوزارية التي سيتقلدها إلياس العماري؟

يبدو أن الشعب المغربي بدأ يتقبل التقلبات العجيبة والغريبة لمزاج زعماء الأحزاب السياسية ،وقد لا نستغرب إذا سمعنا عن إسناد وزارة الأوقاف لإلياس العماري.فحزب الأصالة والمعاصرة أبدى عدة مواقف بخصوص “الشأن الديني” منها تصريحات العماري بخصوص إذاعة محمد السادس التي يعلمها الجميع،كما تفاجأ الرأي العام بفتح دور القران المغلقة في مراكش منذ سنوات في ظل حكومة العدالة والتنمية ذو التوجه الإسلامي،ونتذكر حينما حل مصطفى الرميد وزير العدل والحريات ضيفا على دار القران في 25 مارس 2012قبل إغلاقهاوألقى أمام الحاضرين كلمة أثنى فيها على دور القران وبجانبه محمد العربي بلقايد العمدة الحالي لمراكش،وقال الرميد”هؤولاء الشباب يوجدون في مدينة يؤمها الناس من العالم ليقضوا في ملاهيها وأرجائها أوقاتا يعصون الله،في وقت تحلقون فيه في حلق القران والذكر”وبدأ الرميد متأثرا وخاشعا في موعظته، إلى درجة أن وزير العدل أعلن أنه يفضل مقعدا في دار القرآن على مقعد الوزارة.

مضت بضعة أشهر على زيارة وزير العدل والحريات وأغلقت السلطات دار القرآن ولم تشفع لمسؤوليها وللشيخ المغراوي وحماد القباج اتصالاتهم بمصطفى الذي زارهم ذات مرة مثنيا عليهم وعلى مهمتهم الجليلة ،وظل الرميد عاجزا عن اتخاذ أي قرار واكتفى بالحسرة والأسف ،واعتبر أن إغلاق مقر “جمعية الدعوة للقرآن والسنة” بمثابة تضييق بغير وجه حق وانه لا يسعه إلا أن يعبر عن رفضه القاطع لصدور هذا القرار غير المعقول على حد تعبيره،ليتحول من وزير في الحكومة تتحمل مسؤولية القرار إلى مواطن يكتفي بالتضامن والتنديد والحسرة.

بعد سنوات من إغلاق دور القرآن وعجز حكومة بنكيران من اتخاذ أي قرار في الموضوع،قرر حماد القبادج أحد أبرز رموز التيار السلفي المنشقين عن المغراوي الترشح وكيلا للائحة المصباح في جليز بمراكش غير أن السلطات منعته من أهم حقوقه في المواطنة، واضطرت العدالة والتنمية إلى استبداله بمرشح آخر،وفي المقابل دعا الشيخ المغراوي أتباعه إلى التصويت على حزب الأصالة والمعاصرة مقابل إعادة فتح دور القرآن،واعتبر ذلك خدمة للقرآن ومن لم يصوت على البام فقد خان الأمانة حسب ما صرح به في شريط متداول على اليوتوب.

وبعدما فتحت دور القرآن أبوابها وفقما يتم تداوله بأنه صفقة بين المغراوي والأصالة والمعاصرة ،استغرب وزير العدل والحريات المصطفى الرميد عن سبب إعادة فتحها خلال فترة الحملة الانتخابية .

تصويت المغراوي وأتباعه على حزب الأصالة والمعاصرة يذكرنا بحزب النور السلفي في مصر الذي فضل الإصطفاف مع الدولة العميقة ثم السيسي ضد الإخوان المسلمين ،رأوا في البام خادما للقرآن والدعوة بعد عجز والرميد وبنكيران وحكومته ،ولانستغرب إذا طالبوا بإسناد وزارة الأوقاف إلى إلياس العماري أو شخصية من حزب البام ،وقد يستبدلون عبارة” الشؤون الإسلامية” بـ”الشؤون الدينية” لتصير “وزارة الأوقاف والشؤون الدينية ” وللعبارة حمولتها الإيديولوجية غير البريئة .