العمق TV

الحلقة الكاملة من برنامج”حوار في العمق” مع رئيس هيئة مكافحة الفساد

ألا يراودنا شعور عام بأننا عاجزون ومستسلمون أمام فساد ينخر جسم التطور والتنمية بالمغرب؟ ألا نشعر جميعا أن الفساد أصبح طاغيا ومهيمنا وبمنظومة هيكلية، لكن تعوزنا أحيانا الحجج والأدلة؟ هل يعرف المغرب تجسيدا فعليا للمبدأ الدستوري المتعلق بربط المسؤولية بالمحاسبة أم أن أقصى درجات العقوبة هي العزل؟ ألا يعد الإفلات من العقاب، ومنطق “عفا الله عما سلف” وعدم الرغبة في مطاردة الساحرات نوعا من التطبيع مع الفساد؟ هل صحيح أن مؤسسات الحكامة، ومنها هيئة النزاهة ومحاربة الرشوة والوقاية منها، إطارات ولدت بدون أنياب؟ هل تظلم التقارير الدولية المغرب إذ تضعه كل سنة في مؤخرة الدول الناجحة في محاربة الفساد أم أنه عندنا الفساد وزيادة؟ هذه الأسئلة وغيرها نناقشها اليوم مع ضيف برنامج حوار في العمق، محمد بشير الراشدي، رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها.

لتكن البداية مع: محاربة الفساد مصطلح عام وكبير، إذا أردنا أن نتحدث عنه في عناوين، ما هو الفساد؟ دون الإحالة على القانون الجنائي، لكن من خلال تصوركم لمعنى كلمة فساد؟
هذا من الهواجس التي كانت عند وضع القانون، بحيث كان من الضروري تحديد مفهوم الفساد من أجل تطويق جميع تمظهراته، ولم يتم الاستناد فقط للقانون الجنائي، بل تم توسيع المفهوم أكثر من ذلك إلى القوانين الخاصة، وكذلك إلى ما جاء به الدستور في الفصل 36، والذي يشير إلى المخالفات الإدارية والمالية وجميع الانحرافات التي تمس بتسيير الشأن العام، ولكن ليس فقط في القطاع العام، بل في القطاع الخاص كذلك. إن الخصوصية في القانون المغربي الحالي هو أنه وسع المفهوم وجعله يشمل القطاع العام والقطاع الخاص.

 البعض يقول أحيانا إذا كنت ترى كلفة محاربة الفساد صعبة انظر لكم يكلفنا الفساد، ما حجم الضرر الذي يمكن أن يلحقه عدم محاربة الفساد ببلدنا وتنميتنا وديموقراطيتنا وبالناتج الداخلي؟
يتفق المجتمع الدولي وجميع الهيآت المهتمة بالمجال وطنيا ودوليا على أن الفساد أول عائق أمام التنمية، هذا العائق يكبح الطاقات، ولا يسمح للجميع في المساهمة في تطوير البلد وتنميتها، ولا يترك المجال للجميع للاستفادة من الحقوق بكيفية تمنحه الأريحية، وبالتالي الانخراط في العمل المجتمعي بصفة عامة، وهذا يخلف انعكاسات كثيرة. فلا يمكن للبلد أن تستفيد من جميع طاقاتها وإمكانياتها، وبالتالي لا يكون هناك ما يكفي للإجابة على الانتظارات والمتطلبات المشروعة للمواطنين والفاعلين الاقتصاديين والمجتمعيين، إذن، الكلفة هي كلفة باهضة، يمكن للأرقام أن تكون موضوع نقاش، ولكن عموما لا يوجد شك اليوم، سواء وطنيا أو دوليا، في أن كلفة الفساد كلفة باهضة.

 ما هي أبرز مظاهر الفساد؟ بالنسبة لكم ما هي العلامات التي من خلالها تستشعرون أن هناك فساد في مجال ما؟ وما هي آليات التدخل؟
يتم الاستشعار من خلال ملاحظة صعوبة الولوج للخدمات وللحقوق للمواطنين، وكذا الولوج إلى المساهمة الاقتصادية وتطوير امكانيات خلق الثروة من طرف الجميع، وإذا انتقلنا إلى تحليل الوضع الاقتصادي للبلد نجد أن عدد المقاولات وعدد الفاعلين الاقتصاديين الذي يساهمون في أكثر من 90 من رقم المعاملات عدد ضعيف جدا، أقل من 500 فاعل اقتصادي يكونون 80 إلى 90 في المائة من رقم المعاملات، وبالتالي هذا يظهر أن هناك نوعا من التمركز في الاقتصاد. هذا على الصعيد الاقتصادي، في الجانب الاجتماعي، يظهر أن ولوج المواطنين للخدامات العمومية لا يتسم بالسلاسة، ويواجهون عراقيل وصعوبات في وصولهم للخدمات التي يضمنها الدستور والقانون.

إن الآليات التي توظف لقياس مستوى الفساد هي آليات متعددة، هي أبحاث ميدانية، فالهيئة انتهت مؤخرا من الشق المتعلق بالمواطنين القاطنين بالمغرب ومغاربة العالم، ونحن في طور الانتهاء من القسم المتعلق بالمقاولات، لقد قمنا بدراسة ميدانية وبحث ميداني معمق شمل أزيد من 6000 مواطن، وأزيد من 1000 مقاولة، ومن شأن هذه الدراسات أن تساهم في تعميق معرفة وضع الفساد في البلاد، وتساهم في منحنا نظرة حول تمظهرات ومواطن الفساد، وما هي القطاعات والمجالات الأكثر تضررا.

بعض الخلاصات الأولية لهذه الدراسة؟
نحن في إطار الانتهاء من تحليل المعطيات، وخلال الأسبوعين المقبلين سننظم ندوة لنشر النتائج. هذه آلية من الآليات، وليست الوحيدة، لكي نقف بكيفية موضوعية على الفساد وكيفية انتشاره في العديد من المجالات وتمظهراته، وأيضا ما الذي ينظر له المواطنون على أنه فساد، وما الذي لا يعتبرونه فسادا. لأننا لم نصل بعد لاستيعاب كل تمظهراته بكيفية واضحة، وهو ما يدفع الهيئة للاشتغال على التعريف بكيفية سلسة لجميع المواطنين.

 ألا تشعرون، إذا ما أردنا أن نصفكم بالرجل الأول اليوم في محاربة الفساد _بالطبع بوجود مؤسسات أخرى وأشخاص آخرين_ بالعجز وتغول الظاهرة؟ المغاربة يقولون إن الفساد أصبح عاما ومهيكلا إلى درجة أن البعض يرى أن الأجدر هو دمقرطة الريع والفساد أفضل من محاربته.
هذا طرح خطير، أنا لن أتحدث عن العجز أمام الظاهرة، لكن بموضوعية عندما قامت الهيئة بتشخيص وتحليل وضع الفساد وتطوره خلال أزيد من 25 سنة، يتبين بأن نتائج محاربة الفساد تبقى دون المستوى وغير مرضية، ونتائج المخططات والاستراتيجيات التي وضعت من قبل الدولة تبقى دون المستوى. العجز هو ألا نملك جوابا على الأسباب التي حالت دون وصولنا للنتائج وألا نلمس آثار للسياسات والمنجزات. هناك جواب، التحليل اليوم متوفر وهو واقعي وموضوعي، ويقف عند كل الاخفاقات وكل الاكراهات التي شهدها مسار مكافحة الفساد، ونعطي توجهات واضحة تسمح لنا بكفية تدريجية أن نجفف بؤر الفساد ونجعله يتراجع بكيفية مستدامة وملموسة.

 ليست المرة الأولى التي أسمع لك عبارة تجفيف منابع الفساد، هل يمكن بالفعل أن يصلح العطار ما أفسده الدهر؟ هل يمكن رغم تراكمات الفساد أن نجفف منابعه، ونقول إن الفساد سينتهي ذات يوم في المغرب؟
إذا ما انخرطنا في استراتيجية من الجيل الجديد، التي تحمل أهدافا محددة، لكن ليس على امتداد عشر سنوات، هي رؤية على المدى المتوسط والطويل، ويخطط لها على 10 سنوات، لكن تكون ذات أهداف محددة وقابلة للقياس سنة بعد سنة، ونتحدث عن الأوليات التي ستمكننا من بناء هذا المسار الذي سيجعل الفساد يأخذ منحى تنازليا، والذي نغير من خلاله كيفية التعامل مع الفساد على مستويين، هناك الموضوع أي ماذا يجب أن نعالج، وهناك الكيفية، أي حكامة استراتيجية لمكافحة الفساد، لأن الفساد ظاهرة معقدة، والمتدخلون متعددون لكن بمسؤوليات محددة عند كل فاعل؛ اللازم هو أن نقوم بمقاربة تعتمد التكامل المؤسساتي، بحيث تكون مفصلية بين هذه الأدوار والمؤسسات.

إن المشرع الدستوري عندما وضع هيئة ذات مسؤوليات واضحة في التوجيه والاشراف والتنسيق وضمان تتبع سياسات الدولة في مجال مكافحة الفساد، كان على وعي بهذا التعقيد، ويدرك أنه لن تكون لدينا فعالية في مكافحة الفساد إن كان كل طرف يشتغل من جانبه في جزيرة معزولة، فهذه المؤسسة التي وضعها الدستور تتحمل هذه المسؤولية، وهي مسؤولية ضخمة.

المغاربة يقولون إننا نرى الفساد ولا نمتلك أدلة وحجج، ألا ترون أنتم أيضا أن هناك مجالا أو قطاعا يعاني من الفوضى، سواء ريع أو امتيازات خارج القانون، لكن في نفس الوقت لا تمتلكون الأدلة لتباشروا المساطر القانونية؟
من خصوصيات الفساد أنه عمل مستتر، وغالبا يكون اتفاق بين الراشي والمرتشي، ويكون من الصعب الوصول للأدلة، لذلك فمكافحة الفساد لا تمر فقط من خلال الزجر. الزجر هو آلية ومحور أساسي لإعطاء المصداقية والخروج من الافلات من العقاب ولأجل الردع، لكن إن تم الاكتفاء بهذا المحور ولم يتم بالموازاة وضع الإطار الذي سيمكن من منع الفساد… وهنا يكمن دور المؤسسة والذي سيسمح بالوصول إلى العقاب بكيفية أكثر فعالية، لدى يجب التحسيس أولا كي يكون مفهوم الفساد وتمظهراته واضحة لدى الجميع، ونعرف أن هذا العمل يدخل ضمن نطاق الفساد، وليس فقط الرشوة، بل جميع الامتيازات غير المشروعة، واستغلال النفوذ، وتضارب المصالح، والاثراء غير المشروع.. كلها مظاهر من مظاهر الفساد، ويجب فهمها. هذا المستوى الأول، المستوى الثاني يتعلق بسبل الوقاية ومنع مثل هذه الأفعال، والهيئة لها تصور واضح وتقترحه على المؤسسات والسلطات المعنية، وهذا يجعلنا نقلص من مناسبات وفرص أفعال الفساد، وانطلاقا من هذا يتم اعتماد آليات أكثر نجاعة للكشف عن أفعال الفساد، ليس فقط الأفعال المحددة في علاقة بين شخصين، بل الأفعال التي تكون ضمن شبكات تمنهج عمل الفساد، هذه كلها محاور اشتغلت الهيئة على تهييئها، ومن المفروض أن يتم تبنيها من طرف جميع السلطات.

 الريع، الحصول على امتيازات دون وجه حق، منطق المقالع والكريمات.. والعديد من الأشياء التي يسمع بها المغاربة، كيف يتم رصدها؟ وما موقعها من هذه الخطة؟
يعد الريع نتيجة لتفشي الفساد، لكن هناك ريع يحظى بإطار قانوني، ويجب إصلاح القوانين التي تسمح بوجود الريع بهذا المستوى، وهناك الريع غير القانوني.

هل هناك ريع قانوني وآخر غير قانوني؟
بالطبع، فمجموعة من الأفعال مجتمعيا وأخلاقيا غير مشروعة، لكن بالمقابل لا توجد قوانين تمنعها وتسمح بضبط أفعال الفساد، إذن، من بين الاقتراحات أن يتم وضع تكميل للتشريع المغربي، كي نحيط بمظاهر الفساد وخاصة التي لها آثار أكثر، تدريجيا، لكن مع اعطاء أولوية للأفعال التي يكون ضررها أكبر.

البعض يقول إنكم قويون في الخطاب وفي إصدار الأوراق، تنافستم مع جهات معينة، وكان هناك أحيانا احتكاكات سواء في البرلمان أو خارجه.. هل يشعر السيد الراشدي أنه مدعوم من طرف جلالة الملك وجهات عليا لكي يمضي في هذا الموضوع دون أن يلتفت؟
بالطبع، عبرت أعلى سلطة في البلاد في أكثر من مناسبة عن التوجه لمكافحة الفساد، وصاحب الجلالة عبر عن عدم رضاه على هذا الوضع، وأنه ينتظر من الهيئة والسلطات المعنية الإحاطة بهذه الآفة، ووضع السياسات الكفيلة لمواجهتها. ما كان القانون ليخرج بالقوة التي خرج بها لولا توجهات صاحب الجلالة ودعمه لمسار التغيير هذا.

ربما هذا مقتطف من محادثة التعيين.

التعيين وكذلك مسايرة المسار الذي مضينا فيه.

ينتظر المغاربة بشغف مشهد سقوط مدير كبير لشركة ما أو مسؤول ملياردير، نستشعر هذا الموضوع في مواقع التواصل الاجتماعي والحياة العامة، وإن لم يرو مثل هذه المشاهد من الصعب أن يصدقوا محاربة الفساد.
أتفهم بالطبع هذه الانتظارات، وأتفهم أيضا عدم صبرهم تجاه نتائج هذا التغيير. ما أتفق معه مبدئيا هو أنه يجب أن تكون هناك مساواة أمام القانون، وألا يظل الإفلات من العقاب واردا كإمكانية لدى المفسدين. هذه الأهداف وهذا الطموح مقتسم، وأغلبية المسؤولين اليوم يتقاسمونه، سواء من حيث تشخيص ومن حيث الوضع أو من حيث الطموح.

 هم يريدون أن يتم الامساك بهؤلاء المسؤولين وليس أن يتقاسموا معهم الطموح!
على المسؤولين الذين في موقع القرار أن ينخرطوا ويتقاسموا هذا الطموح وهذا التوجه كي يساهموا في هذا التغيير، ليس جميع المسؤولين مفسدين ولا يمكن أن نعمم هذه الفكرة، ويجب أن نحافظ على مسافة تجاه الاتهامات المجانية.

لكن “لي حصل يودي”.
يجب أن تكون هناك مساواة أمام القانون، أن نبني دولة القانون على تطبيق القانون على الجميع. وكي يكون هذا التطبيق ذو فعالية، يجب أن نقلص من مناسبات الفساد.

 سمعنا هذا المفهوم للمرة الثانية، ما المقصود بمناسبات الفساد؟
أي أن نضيق على المفسدين المجال الذي يمكن أن يفسدوا فيه دون وجود إمكانية ضبطهم، أي أن نقلص من فرص الفساد ونزيد من إمكانية التغيير والحصول على نتائج يستعيد من خلالها الرأي العام الثقة، ويمكن حينها أن ينخرط ويكون أكثر تفاعلا ويلعب دورا في محاربة الفساد. الرسالة ليست هي أن مكافحة الفساد مسؤولية الجميع وبالتالي نعوم المسؤولية، ولكن يمكن لكل شخص أن يلعب دورا ما، وكي يلعب هذا الدور يجب أن نخلق الشروط التي ستمكنه من لعب دوره.

 فيما يخص المجتمع الذي بلغ درجة إنتاج نكت وطرائف عن الفساد، حيث يحكي على أن أحد المسؤولين السياسيين قال ذات يوم: “باستطاعتي محاربة الرشوة والفساد، لكن بالمقابل بكم ستكافؤونني؟”، فالمسؤول في قطاع أو مجال ما هو مغربي في نهاية المطاف، ومنتوج لمدارسنا وإعلامنا ومساجدنا، فمن يمارس الفساد ليس محترفا من أوروبا أو دولة أخرى، ألا ترون أنه بوجود فساد “نازل” هناك فساد “صاعد”؟ أليس الفساد متجذار في ثقافتنا وعلاقاتنا؟

أنا ضد فكرة الثقافة منذ أزيد من ربع قرن، لأن الثقافة لها عمق تاريخي مجتمعي يدخل في القيم وغيرها، بالنسبة لنا هناك ممارسات شائعة وليس ثقافة، وهذه الممارسات نتيجة لنظام عام يضم تشريعات لم ترتقي بعد للمستوى المطلوب، فيه تطبيق قاصر للقانون رغم أن لدينا إصلاحات جد مهمة يمكن أن نعود للحديث عنها، هي اصلاحات من المفروض أن تعطي أثرا ملموسا إلا أنها لم تصل لمستوى التفعيل كي تصبح واقعا وتعطي هذه الآثار. هذا كله يجعل فرص الفساد قائمة، وبالتالي، فطبيعة بعض الناس هي أن يستغلوا كل ما هو متاح للاستفادة، بما فيها الاستفادة غير المشروعة. هي ممارسات شائعة وليست ثقافة، وهذا يجعلنا مقتنعين أنه بالإمكان أن نصل لنتائج وللتغيير المأمول في مدى معقول، فالثقافة تحتاج عشرات السنوات لتغييرها.

 كمؤشر على هذا: نفس المغاربة عندما يكونون في دول أجنبية، يصبحون مواطنين آخرين على مستوى احترام القانون والتشوير الطرقي والسلوك وغيرها… هل بهذا تحمّلون مسؤولية أكبر للمسؤولين؟ أي أن الدولة لم تتخذ ما يجب اتخاذه ضد الفساد في وقت سابق؟
بالطبع، المسؤوليات متعددة، لكن مسؤولية الدولة تأتي في المرتبة الأولى، لأنها هي التي بيدها تغيير القوانين والممارسات والاجراءات، أليس هناك رغبة وإرادة سياسية؟ هذا السؤال يطرح مرارا، أظن أنه من اللازم تجاوزه، وأن نسأل: هل اتخذنا الاجراءات الجريئة، ولدينا حزم للوصول للنتائج؟ وبالتالي يجب أن تكون رؤيتنا واضحة، وأن تكون سبل تحقيق هذه الأهداف الاستراتيجية واضحة، وأن تكون البرمجة واضحة، وانطلاقا من هنا يجب أن يتم التأطير بكيفية دينامية كي تبقى الأهداف هي التي تقود عملنا، وتدفعنا نحو الأمام، وتعطي الثقة للانخراط وتوسيع الجبهة ضد الفساد.

خلاصة لهذه الاجراءات والآليات، هل يمكن للأستاذ الراشدي أن يعد المغاربة بسقوط حيتان كبيرة ومفسدين كبار في المستقبل إن سقطوا بين كماشة الهيئة؟
لا تبحث الهيئة عن الإثارة في علاقتها بالمجتمع بقدر ما تتجه إلى العمل المنهجي، وفي هذا الإطار من الضروري أن يتم التضييق على المفسدين ومتابعتهم، ولكن ليس الهدف هو حيتان كبيرة، وإنما تقليص الفساد وسبل تقليصه. وتظل النظرة متسعة ليس للبحث عن هذه الحيتان بل للبحث عن سبل تقليص الفرص والوقاية ومنع الفساد، وبالموازاة تطبيق القانون على الجميع وبكيفية حازمة. هذا هو المبدأ.

هل أفهم من كلامك سي الراشدي أنك تتبنى منطق “عفا الله عما سلف”؟

بتاتا.

لأنه في هذا السياق، سبق لابن كيران أن عبر عنه، وكذلك اليوسفي سبق أن قال: “لن أطارد الساحرات”، وسبق أن نُقِل عن جطو: “ما انديش شي حد للحبس”. لأنك تقول لن أسقط الحيتان الكبيرة، سأطبق القانون وأقلص الفرص.
لم أقل إنني لن أسقط الحيتان، بل قلت: “ليس هذا هو الهدف ولن ألاحق هذا الهاجس، لأنه نتيجة حتمية وموضوعية ومنطقية، ولكن لا ننطلق منه، بل يجب أن تكون لدينا مقاربة متعددة المداخل والتي ستسمح بضمان النتائج”، لأننا إن أسقطنا حيتان ولم نجفف بؤر الفساد ستأتي حيتان أخرى، ولا يمكن أن نسقط جميع الحيتان، فعندما يكون المجال مفتوح والفرص متاحة يكون العدد كبيرا، وبالتالي، المهم هو أن نقلص وفي الوقت ذاته نطبق القانون. لا أقول “عفا الله عما سلف” ولا أقول إن الزجر ليس وسيلة، هو وسلية لكنها ليست الوحيدة، هي وسيلة يجب أن تكون في تكامل مع وسائل أخرى.

إذن التسامح والإفلات من العقاب في نظرك هو نوع من التطبيع مع الفساد؟
بالطبع، فعندما تعطي انطباعا بأن الإفلات من العقاب هو الأصل فأنت تشجع على أفعال الفساد.

هناك نقاش يقول بأننا نشوه صورة بلدنا عندما ننشر هذا “الغسيل” وأن المسؤول الأول عن محاربة الفساد غير راض وأن الدولة أيضا غير راضية. فهل أنت مع أن نعري على الفساد ونحاربه، أم مع التستر مخافة الإضرار بالصورة؟
تتواجد المعلومة بكيفية مفتوحة اليوم، عبر العالم، أولا. ثانيا: عندما يكون هناك تشخيص موضوعي ومدقق ونخرج بتوجهات واضحة لمحاربة الفساد نقدم صورة صحية وإيجابية على الصعيد الدولي، أي أننا دولة مسؤولة وواعية بمخاطر الفساد ودولة تتخذ جميع التدابير لمكافحته بكيفية فعلية وممنهجة، هنا تكون الصورة جد إيجابية على جميع المستويات، والكل يتفاعل مع هذا التوجه بإيجابية، بما فيه المستثمرين والمنظمات الدولية.

هل تظلمنا التقارير الدولية ومؤشرات النزاهة ومحاربة الفساد، أم عندنا هذا الفساد وزيادة؟
في جميع تقارير الهيئة نأخذ التقارير الدولية بجدية ونحللها، وفي نفس الوقت نعطي محدوديتها في هذا التحليل. وعندما نقول المحدودية فهذا لا يعني أنها ليس ذات قيمة، خاصة عندما لا يكون هناك بديل، وإنما المحدودية تمنحنا الإطار الذي نتعامل وفقه مع هذه المؤشرات وكيف نستقي الدروس منها، لكن هذه المؤشرات لها وزنها وذات مصداقية، والجميع يعلم أننا عندما نتحدث عن مؤشر إدراك الفساد، فمحدوديته دوليا معروفة، لكن إلى حدود الساعة لا يوجد بديل عنه. بالمقابل، فالهيئة، ومن إطار مهام المرصد الذي هو جهاز من أجهزة الهيئة، تقوم بأبحاث لوضع مؤشرات موضوعية تسمح لنا بقياس وضع الفساد وتمظهراته بدقة أكثر، لأن الفساد متعدد المظاهر ويجب أن نضبط جميع مظاهره.

هل تقومون بعمل يتجاوز محدودية التقارير الدولية وتتفوقون عليها في المعايير والمؤشرات؟
بالطبع، هذا من بين أهداف الهيئة، ولقد قامت الهيئة بتحليل دقيق لقسط كبير من المعطيات التفصيلية التي تصل إلى عشرات الآلاف، وحللتها على مدى أزيد من عشرين سنة. فمحور تعميق المعرفة الموضوعية بالظاهرة هو من بين المحاور الأساسية التي تمنحنا إمكانية الفهم والضبط وبالتالي إمكانية التفاعل والمكافحة وتطويق مظاهر الفساد.

 يحتل المغرب وفق التقرير السنوي لمدركات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، الرتبة 94، بحيث تراجعنا سبع درجات مقارنة بسنة 2021، هل هذا ظلم لنا أم أننا نستحق هذه الرتبة؟
سبق أن أجبت على هذا السؤال، تحليلنا أنه بغض النظر عن الرتبة، هو مؤشر له وزنه. ثانيا، الأمر الأكثر أهمية هو كيف تطور الفساد في المغرب من خلال هذا المؤشر وغيره، خلال ربع قرن؟ والخلاصة التي نصل لها هي أنه رغم المجهودات المبذولة ورغم الاصلاحات التي تحدثت عنها، فالمغرب لم يحسن وضعه، سواء من حيث الترتيب أو من حيث التنقيط. من حيث التنقيط المغرب فاز بنقطة واحد بعد أزيد من 20 سنة، وبالتالي هذا الواقع يستدعي أن نطور استراتيجية من جيل جديد تنبني على حكامة تضمن لنا أن تكون للإنجازات وقع وآثار وتجعلنا ندخل في دينامية تقلص الفساد بكيفية مستدامة.

بالنسبة للإطار القانوني، وهو المحور الثاني، هناك نقاش على أن بعض المفسدين إذا ما أرادوا الاختلاس يحضرون محاميا أو خبرة قانونية لإيجاد مخرج كي يسرقوا بأريحية، كيف ستواجهون هذه الاجتهادات والحيل التي يلجأ لها الفساد ليحمي نفسه؟
أكدت الهيئة في منشوراتها، غير مرة، أن المفسدين يستفيدون من جميع الإمكانيات والتطورات سواء التكنولوجية أو الشبكات المالية أو الهفوات والثغرات القانونية. يستفيد المفسدون خاصة في الشبكات المهيكلة من كل هذا. على هيئة مكافحة الفساد أن تأخذ هذا الأمر بعين الاعتبار، وأن تكون لنا استباقية لمنع هذه الأفعال ويجب تضييق مجال أفعال الفساد، يجب على المؤسسات والسلطات المعنية بمكافحة الفساد أن تمتلك إمكانيات على جميع المستويات، لذلك نحن نستثمر بكيفية خاصة، في البحث العلمي والتطوير، كي نستغل التكنولوجيات والمعطيات الهائلة المتوفرة، ونواكب هذه التطورات كي نعرف بكيفية دقيقة هذه الممارسات، ومن خلال هذه المعرفة سنضيق، ومن خلال التضييق سنمنع المفسدين من الاستفادة من الثغرات، لأن الثغرات ستُقَلّص بشكل كبير، وسيكون الرصد والكشف أكثر فعالية.

هل تتفقون مع من يقول بأنه هيئات الحكامة والتقنين، ومنها الهيئة ولدت بدون أنياب، لا تعض ومن الصعب أن تكون مخيفة؟ والقانون يحصر دورها في الرصد والتوقيع والاسناد، دون وجود السلطة التي تمنحها التدخل والإيقاف.
هناك أولا “تعد، تقترح…”، وهناك كذلك أنها “تشرف، توجه، تنسق..”، أعي بأن الرأي العام يولي أهمية كبرى للجانب الزجري، لكن المؤشر الفعلي هو تراجع الفساد، والزجر هو آلية من الآليات. للهيئة جميع آليات البحث والتحري في أفعال الفساد، باستثناء الاعتقال. لا تصدر العقوبات، لكنها تقوم بالبحث والتحري، تستقبل الشكايات والتبليغات والمعلومات بجميع أنواعها ومصادرها؛ يمكن أن تبحث عن المعلومة ويمكن أن تتوصل بها بأي طريقة كانت، ويمكن لها أن تتصدى تلقائيا لأفعال الفساد إن بلغت إلى علمها، من خلال الرصد أو التبليغات التي تصلها، أو من خلال المعلومة المتداولة في محيطها، في الصحافة، في الإعلام، في المواقع، عندما تكون المعلومة موثوقة ولديها السند الذي يثبتها، فالهيئة تتخذ القرار تلقائيا.

يمكن للهيئة أن تقوم بالبحث والتحري بجميع الآليات المتاحة سواء الاستماع أو التنقل للمحليات المعنية سواء كانت عمومية أو خاصة، وعندما تكون خاصة، لضمان الحقوق الدستورية، تكون مشاركة الشرطة القضائية للدخول. ويمكن لها أن تطلب أي مستندات ووثائق للإثبات لأي جهة كانت، وهي ملزمة قانونيا بتقديمها للهيئة. ولديها آلية لمعالجة الملفات. وعند الوصول لنتيجة أن هناك إثبات لفعل من أفعال الفساد، فمحاضرها لها القوة الثبوتية، ولأول مرة تكون لهيئة هذه الإمكانية دون أن تكون الضابطة القضائية هي من قامت بالبحث، وبالتالي، ليس من الضروري إعادة البحث والتحري، لكن بإمكان النيابة العامة أن تقوم ببحث تكميلي لا يلغي الأول، وعندما يكون هناك طابع جنائي تكون الإحالة على النيابة العامة، وعندما تكون ذات طابع تأديبي أو مالي تحال على السلطات المعنية، سواء الإدارات المعنية للتأديب، أو المحاكم المالية والهيئات الأخرى كمجلس المنافسة. فالهيئة تحيل تقارير والمحاضر التي تقوم بها على جميع السلطات التي تقرر العقوبات في مجال الفساد. هناك أنياب، وهناك استراتيجية وهناك مواكبة لتفعيل سياسات الدولة في مكافحة الفساد.

 المادة 6 من القانون التنظيمي 19.46 تضع ضمن أدواركم تقييم السياسات العمومية في محاربة الفساد، كانت الاستراتيجية، وقد أجريتم دراسة حولها، قدم لنا بعض الخلاصات التي توصلتم لها فيما يتعلق بالسياسات العمومية، والسياسات القطاعية؟
بعد شرف تعييني من طرف صاحب الجلالة، كانت من ضمن الأوراش الأولى تقييم الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، وبعد أقل من شهرين تم تقديم تقرير الهيئة، والذي قدم نظرة دقيقة حول تنفيذ الاستراتيجية وكذلك حول العوائق التي تحد من مفعوليتها، وتقدمنا بكيفية دقيقة بتوصيات لإعادة هيكلة المضمون أو تجميع المشاريع كي تكون منسجمة وقوية، وقدمنا كذلك توصيات بخصوص إعادة النظر في الحكامة كي يكون هناك انخراط للمسؤولين على أعلى مستوى، أي انخراط الوزراء، وهذا التقرير تم تبنيه من طرف اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد التي يترأسها رئيس الحكومة، وتضم قطاعات متعددة. تم هذا خلال سنة 2019، وبعد هذا التبني كان هناك أزيد من 10 اجتماعات على أعلى مستوى؛ فالوزراء ولأول مرة ينخرطون في اجتماعات التنسيق، برئاسة مشتركة بين الوزير ورئيس الهيئة الوطنية. بعد هذه الفترة، كما أتى في تقرير الهيئة، لم تستمر هذه الدينامية نظرا لشروط متعددة من بنيها كوفيد 19.

تحين الهيئة تقيمها سنويا وتعطي مواطن القصور، سأعطي مثالا في التحيين الأخير، كانت هناك مجموعة من الإصلاحات من بينها إصلاح تبسيط المساطر الذي يضبط العلاقة بين الإدارة والمواطنين، هو قانون ذو أهمية يمكن له أن يقلص فرص الفساد إذا تم تفعيله إلى أقصى مستوى، وما تبين هو أننا قمنا بخطوات دون أن نصل إلى التفعيل الكلي، بحيث تم تدوين أزيد من 1800 مسطرة، لكن هذا التدوين لا يملك القوة القانونية كي يكون ملزما للجميع.

ما تعليقكم على تأخر القانون الجنائي، كان من المنتظر أن يقدم خلال دورة أبريل في البرلمان، لكن لم يتم، ألا يزعجكم هذا باعتباركم تريدون محاربة الفساد بآليات جديدة؟
نحن لا نتدخل في برمجة الحكومة، نحن نقدم المواضيع المتعلقة بالفساد بكيفية مباشرة، والتي سيكون لها تأثير قوي، والتي يجب أن تحظى بالأولوية. تقدمت الهيئة برأي في المسطرة الجنائية كي تكون ملائمة لخصوصيات أفعال الفساد، تقدمنا بتقرير متكامل وشامل لجميع الجوانب فيما يخص التصريح بالممتلكات، خلاصة التشخيص هو أنه ليس ذو أثر اليوم ولا يستوفي الشروط ليعطي النتائج المتوخاة، تقدمنا بتقرير يقدم التوجه الذي يجب أن يتبعه البلد في مسألة الاثراء غير المشروع، بكيفية موضوعية وتخرجنا من البوليميك الذي كان في هذا الموضوع.

قدم لنا لمحة عن هذه النقطة المتعلقة بالإثراء غير المشروع، ما هو تصوركم؟
تصورنا هو أنه يجب أن نخصه بقانون خاص وليس مادة أو فصلا في قانون ما. النقطة التي كانت موضوع نقاش موسع، هو قلب عبئ الاثبات على المعني بهذه الجريمة المحتملة، ونحن نقول بأن على الدولة أن تثبت أن هناك زيادة فائقة في الثروة، وأن تكون هذه الزيادة بفارق كبير مقارنة بالمداخيل والممتلكات المعروفة، وأن المعني هو في موضع يمكن أن يستغل منصبه الإداري لتكون له استفادة غير مشروعة.

أي يجب أن يكون هناك ربط مباشر بين ما سجل من ثروة وبين ما يمتلك؟

تماما، في هذه الحالة، نقلب عبئ الاثبات للمصادر المشروعة للوصول لهذه الثروة، وإلا فيكون هناك تجريم بعقوبات تصل إلى حد العقوبات الحبسية، هذا بإيجاز، وهناك تقرير مفصل.

هذا التقرير وهذه الملاحظات أضافوها إلى المسودة ووضعت في الرف مرة أخرى، كيف ستحارب الفساد دون تفعيل القوانين؟
أولا، الفترة الانتقالية كانت فرصة لتهيئة الأسس التي تعطينا الكيفية اللازمة للتعامل مع مكافحة الفساد. انطلاقا من دخول القانون حيز التنفيذ دخلنا في علاقة مع المسؤولين والسلطات، على رأسهم رئاسة الحكومة، وحاليا هناك اشتغال مشترك بين مصالح رئاسة الحكومة ومصالح الهيئة، للمضي قدما في هذه المواضيع والمحاور.

هل يمكن لهذا التنسيق أن يعجل بإخراج القانون الجنائي؟

نحن نشتغل على توصيات الهيئة لتخرج في أقرب وقت، هذا الاشتغال المشترك هدفه تفعيل التوصيات في هذه المجالات، نحن نواكب، وإن لم يتم تنفيذه سنعبر على الموقف في حينه.

هل هيئات حماية المال العام مكملة لعملكم؟ هل هناك تعاون أم أن كلا يشتغل في جزر معزولة؟
نحن نشتغل بمبدأ أن مكافحة الفساد يتطلب انخراط جميع المكونات المجتمعية، والمجتمع المدني هو مكون أساسي في هذا المجال، وبالتالي فدور الجمعيات المنخرطة في عمل مكافحة الفساد هو دور أساسي، وهو مكمل. في هيكلة الهيئة هناك قطب يعنى بالشراكة مع الفاعلين المجتمعيين، وهيئات المجتمع المدني مكون أساسي سنشتغل معه، وأصدرنا تقرير يقدم قراءة لتطور العمل الجمعوي بكيفية عامة، وجمعيات مكافحة الفساد بكيفية خاصة، وحددنا مجالات التعاون، وهدفنا هو أن نحدد برنامج عمل مشترك مع كل جمعية لها وزن وتواجد.

 ألا تتلقون شكايات من لدنهم؟
تلقينا شكايات وعالجناها وأجبناهم.

هل لديك أي تعليق عن تصريح سابق لوزير العدل قال فيه إن من المفروض أن توجه وزارة الداخلية الشكايات بالمجالس والجماعات، وأن من قدم المال هو من عليه أن يوجه الشكاية، وطرح أسئلة حول نزاهة هذه الشكايات المقدمة من طرف الجمعيات.
أنا لا أوافق على هذا الطرح وأعتبر أن جمعيات المجتمع المدني يجب أن يكون لها المجال لكي تساهم، بالفعل يجب أن نؤطر الشكايات الكيدية، ولكن يجب أن نترك المجال مفتوح للمساهمة المجتمعية.

 ضمان حماية الشهود والمبلغين من الاشكالات الحقيقية التي تواجهنا، ونحن ندركه جيدا في الصحافة. بمجرد ما يكشف المصدر بطريقة غير مهنية يكون مصيره العزل، وتتبعنا ملفات لأشخاص قاموا بالمبادرة وفضحوا فكان مصيرهم هو الطرد من الوظائف، بينما الفاسدين المحتملين يستمرون في حياتهم. والمغربي إن لم تتوفر له حماية حقيقية لا أعتقد أنه سيجازف.
نحن نعي هذه المسألة، وأولا قانون الهيئة قدم مستوى من الحماية، فمن يتوجه للهيئة من حقه إخفاء الهوية والحق في التمتع بالحماية الموجودة في المسطرة الجنائية. ما نطمح له هو أن تكون حماية متعددة الجوانب، بحيث الهيئة قدمت تقرير خاص بهذا المجال، أي تشخيص الوضع الحالي الذي يفسر ضعف التبليغات وانخراط المواطنين في الكشف عن أفعال الفساد لأن الحماية غير كافية ولا تضمن حق المواطنين. وقدمنا التشخيص والمعايير التي يجب أن تحترم كي تكون الضمانات كافية لانخراط المواطن في مواجهة الفساد.

وصلنا إلى الفقرة ما قبل الأخيرة من البرنامج، وهي الأسئلة من الفايسبوك، في إطار خاصية التفاعل نشرك أيضا مواقع التواصل الاجتماعي في طرح الأسئلة، نطلب طبعا ردا سريعا.

 السؤال الأول من طرف أيوب موسى من دمنات: هل انفتحت الهيئة على المؤسسات التعليمية والتربوية لزرع قيم النزاهة؟ أليس الوقاية عبر الانفتاح على المؤسسات التربوية والمخيمات الصيفية والاستثمار في الطفولة من شأنه أن يساهم في التربية على المواطنة وبناء مواطن المستقبل؟

يدخل ضمن مهام الهيئة في القانون وضع استراتيجية تربوية ومجتمعية على قيم النزاهة مع الأطراف المعنية، وهو محور أساسي ستعطيه الهيئة الأهمية الكافية ليلعب دوره، سواء على المدى القريب، وخاصة كي نبني وعيا وقيما، ويكون الفساد منبوذ مستقبلا. بالمقابل الهيئة وضعت قطبا خاصا بهذا المجال، في هيكلتها يوجد تسعة أقطاب ضمنهم قطب خاص بهذا المجال.

محمد اعميري من أكادير: رغم تزويد الإدارات العمومية بالكامرات إلا أن ظاهرة الرشوة منتشرة بكثرة، صحيح أن المواطن لا يستحسنها ولكن يجد نفسه مضطرا إلى ذلك.
الكاميرات آلية يجب أن تكون ضمن نسق متكامل لكي تلعب دورها، والفساد وتواجده ليس موضوع تساؤل، فهو حاضر بقوة، ويجب وضع جميع الوسائل لمحاربته، والكامرات ضمن هذه الوسائل.

ابراهيم السكوري من زاكورة: أليس هناك رشوة حتى لا تحارب الرشوة؟
بدون تعليق.

محمد لوزيري من الرباط: منذ صدور القانون المتعلق بعمل الهيئة منذ 2015 لم نسمع بأي حدث تفاعل مع الرشاوي التي تبتز المواطنين، وغير بعيد هناك خبر يفيد بأن شركة من مراكش تعرضت لطلب رشوة لأجل نيل صفقة تتعلق بالمستشفى الجامعي، فإلى أي حد تتفاعل الهيئة مع هذه الأخبار وكيف يتم تحصين المشتكين من ردود فعل الجناة خصوصا إذا كانوا من درجات سلطوية عليا؟ موضوع التحصين تحدثنا عنه في الحوار، ويتبقى لنا موضوع الشراكة والتفاعل مع هذه الأخبار.
أولا قانون 2015 تم تغييره بالقانون 46.19 والذي دخل حيز التنفيذ في أكتوبر 2022، أي منذ سبعة أشهر. مسألة التفاعل، فالهيئة منفتحة على جميع المعلومات، الصعوبة تتعلق بالإثبات، ولا يمكن فتح ملفات بحث بمجرد التوصل بخبر، يجب أن تتوفر على الأقل معطيات أولية تثبت شبهات الفساد. ونحن نعلم بتواجد الرشوة في الصفقات العمومية.

بوحاج من فاس: هل هناك تدخل في الجماعات الترابية لأن العديد من رؤساء المصالح يبتزون المرتفقين بشكل يومي؟
أظن أنه أينما وجد تماس بين مواطن ومصالح سواء جماعات ترابية أو إدارات إلا ويكون هناك فرص للفساد والتي يجب أن نؤطرها للتقليص من هذا الالتقاء، أي لا مادية الخدمات، وثانيا كي نؤطر هذه العلاقات عندما تكون ضرورية، ففي الصحة لا يمكن أن نحد من تواجد المواطن في المرفق العمومي، وبالتالي الاحتكاك يمنح فرصا للفساد، يجب أن تكون لدينا مقاربة شاملة تقلص من الفرص وتعطي المجال للمواطن للتظلم ويكون هناك تجاوب مع هذا التظلم بكيفية سريعة.

وصلنا لآخر فقرة في البرنامج، أسماء وتعليقات، نختار أسماء من المسؤولين والمجتمع مع تعليق مقتضب: الإسم الأول، الحسن الداكي، الوكيل العام للمملكة لدى محكمة النقض ورئيس النيابة العامة.
كفاءة كبيرة أثبتها في مساره، وهو في موقع ذو أهمية خاصة في مكافحة الفساد، وهو شريك للهيئة في عملها، لأن لدينا علاقة على مستويات متعددة.

 زينب العدوي رئيسة المجلس الأعلى للحسابات.
للمحاكم المالية دور أساسي في تخليق التدبير العمومي وفي تأطير وتطوير هذا العمل في إطار الشفافية، زينب العدوي لها تجربة في مجالات متعددة، وكان لديها عمل ميداني عندما كانت والية واشتغلت في وزارة مرتبطة بالمجالات المحلية، تجربتها جد مفيدة في هذا الدور.

عبد اللطيف وهبي، وزير العدل.
لديه تصوره الخاص لكيفية معالجة الفساد، ليس دائما في التقاء مع تصوري.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *