وجهة نظر

علوم الشيطان رأي في مرجعية العلوم ومنهجها

عندما أمر الله تعالى الملائكة والشيطان بالسجود لآدم عليه السلام، سجد الملائكة كلهم امتثالا لأمر الخالق سبحانه، بوصف ذلك السجود علامة على الصلاح والإصلاح. بينما رفض الشيطان السجود بوصف ذلك الرفض والعصيان علامة على الفساد والإفساد. وقد سبق سجودَ الملائكة حوارٌ حول الغاية من خلق خليفة من جنس بشري، وما إن كان ذلك البشر، المخلوق من طين، سيرتكب جرائم القتل وينشر الفساد في الأرض. وبعدما أخبر الله ملائكته أن توقعهم غير صحيح، أتى لهم بالدليل القاطع المتمثل في خلق آدم عليه السلام وتعليمه الأسماء ليبن لهم سبحانه عِلمَه الذي أخبرهم به عندما أكد لهم أنه يعلم ما لا يعلمون. وليؤكد في الآن ذاته أن العلم المنبثق من المرجعية الإلهية، أو المسددة بالوحي في اجتهادات البشر العلمية، هو ما يجعل هذا الخلق صالحا ومصلحا، مقابل علم آخر منبثق من مرجعية شيطانية هو ما يشكل فلسفة علوم الشيطان التي تجعل من يتبناها مفسدا في الأرض تماما كما توقعت ذلك الملائكة.

وإذا كان جوهر العلم ينبني على التعليل والبرهان، بصرف النظر عن المرجعية: أهي إلهية أم شيطانية؟ فإن علوم الشيطان تأسست على ذلك البرهان والتعليل كذلك لحظة محاولته تبرير رفض سجوده لآدم عليه السلام بأنه خير منه لكونه خلق من نار بينما خلق آدم من طين. ثم واصل الشيطان البرهان والتعليل محاولا التنظير للفساد، فاتهم الله، المنزه عن ذلك سبحانه، بإغوائه، وذلك ليتهرب من المسؤولية. وجعل ذلك سببا لتعهده أن يسحب بني آدم لصفه عبر التعرض للناس في الطريق المستقيم، وباللَّف والدوران عليهم من أمامهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم. وبذلك يغدو البرهان والتعليل وسيلة فقط، والأهم هو مضمون التعليل والبرهان وغاياته. وهذا البرهان والتعليل الشيطاني يستند إلى الأسباب المادية فقط، سواء بتبرير عدم السجود بالطين (المادة) الذي خلق منه آدم وإغفال الروح، أو بإغواء الناس بالمادة عبر تحصيلها بالعصيان وبالوسائل والطرائق المحرمة في المرجعية الإلهية.

ولقد شكل هذا المنهج المادي في علوم الشيطان النواة التي تبنى عليها كل العلوم المجردة من المرجعية الإلهية، والمقترنة بالمرجعية المادية فقط في كل زمان ومكان. وتجدر الإشارة إلى أن هذه العلوم المؤسسة على المنهج المادي وحده يمكن أن تكون بدون وعي من صاحبها فقط لأنه استند إلى عقله واعتبر في منهجه الأسباب المادية وحسب، وألغى عناصر الغيب. كما يمكن أن تكون تلك العلوم بوعي وبسبق ترصد وإصرار من أجل إغواء البشرية، مثل ما فعله الشيطان مع آدم عليه السلام عندما أغواه بالأكل من الشجرة متكئا، في عملية الإغواء تلك، على منهج التعليل والبرهان بمضمون الإيهام والكذب، مقدما نفسه ناصحا: “وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ. وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ”[2].

منذ لحظة التأسيس تلك لعلوم الشيطان انطلق التنظير للفساد عبر العلم غير المسدد بالوحي. فكان كل جدال بين نبي مرسل وقومه، ممن يكفرون بما أرسل به، مؤسس على برهان وتعليل. والنقطة الفارقة في خطاب الأنبياء والمصلحين من جهة، وخطاب زعماء المفسدين من أقوامهم من جهة ثانية، هي أن الخطاب الأول يستند إلى المرجعية الإلهية أو العلوم المسددة بالوحي، بينما يستند الثاني إلى المرجعية الشيطانية، أو العلوم المادية المجردة عن الوحي. وهذا لا يمنع أن بعض الاجتهادات العلمية داخل المرجعية الأخيرة تؤدي بصاحبها أحيانا إلى الايمان بالله عندما يكتشف قصور ذلك العلم تجاه أسئلة الغاية والمصير: من أين أتينا؟ ولماذا خلقنا؟ وما مصيرنا بعد الموت؟ وماذا عن عالم الغيب من الأحداث الكبرى التي يعجز علمه المادي عن تفسيرها؟

هكذا نفهم كيف جادل نوح قومه، ولم يصدقوه. وعندما كان يصنع الفلك يمرون به وهم يسخرون منه. ومصدر السخرية هذا هو العلم المادي الصرف الذي يؤمنون به، والذي يملي عليهم أن صنع سفينة في صحراء قاحلة وسط شمس محرقة غاية في السفه أو الحمق !! كما سخرت زوجته منه كذلك لما رأت سيدنا نوحا عليه السلام يهرع لتنفيذ أمر ربه بحمل زوجين اثنين من كل شيء في السفينة عندما رأى الماء في التنور، لتخبره الزوجة بسخرية أنها هي من رمت بالماء، مستندة إلى العلم المادي الصرف المستمد من منهج علوم الشيطان، مثلما فعل إبليس في عصيان أمر السجود. لكن علم نوح عليه السلام المستند للوحي جعله ينفذ الأمر بصرف النظر عن الأسباب المادية التي أدت إلى ظهور الماء في التنور تنفيذا لأمر الله وطاعة له كما فعلت الملائكة في السجود لآدم.

وهكذا نفهم جدال لوط مع قومه في قضية زواج الرجال بالرجال والنساء بالنساء أو ما يعرف اليوم بالشذوذ الجنسي (اللواط والسحاق)، حيث كان يجادلهم بالعلم المسدد بالوحي أن بناته هن من يحللن للزواج وفق الفطرة والسنة الكونية، بينما يجادلونه بما تملي عليهم شهوتهم التي تقود عقولهم وفق منهج علوم الشيطان.

وهكذا نفهم حوار موسى عليه السلام مع فرعون الذي نهج منهج علوم الشيطان، في البرهان والتعليل، فزعم أنه إله وأنه يريد أن يقتل موسى عليه السلام، مبررا ذلك، وفق منهج علوم الشيطان، أنه يخشى أن يُظهِر موسى في الأرض الفساد!! [وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ ۖ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ][3]. مع العلم أن الله تعالى وصف فرعون في سياق آخر بالمفسد لما يرتكبه من أفعال [إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ]. سورة القصص، الآية (4). كما اعتبره في سياق آخر مكثرا من الفساد، [وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ. الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ. فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ][4].

والسؤال هنا هو: بأي مرجعية نفهم لفظ الفساد الذي ورد على لسان فرعون بوصفه دافعا له لقتل موسى عليه السلام، ولفظ الفساد الذي وصف اللهُ به أفعال فرعون من استعلاء وطغيان وتذبيح للأبناء واستعباد للنساء؟

إن الجواب عن هذا السؤال يضعنا وجها لوجه أمام مرجعتي العلوم السالف الحديث عنهما، مرجعية العلوم المسددة بالوحي، ومرجعية علوم الشيطان المؤسسة على المادية، سواء كانت علوما إنسانية أو حقة. لذلك فإن الإنسان، في جميع شؤونه السياسية والاجتماعية والثقافية وعلاقاته الدولية، يحتاج إلى مرجعية عليا متجاوزة تنظر أولا للإنسان بوصفه عنصرا مستقلا عن الطبيعة، وثانيا أنه كائن مخلوق من قبل الله تعالى، وهو من يرشده بالوحي الذي يسدد حركاته وأفعاله في كل المجالات بما فيها البحث العلمي. هذه المرجعية المتجاوزة هي التي يرجع إليها لتحديد مفهوم الفساد والإفساد، وبالتبع اعتبار تصرفات فرعون هي الفساد، في حين تعد تصرفات موسى عليه السلام هي الصلاح والإصلاح.

وهذا ما جعل شاعرا يكثف تلك المعاني والدلالات المتعلقة بمنهج العلوم وفق المرجعية الشيطانية في النظم الآتي:

لو كان في العِلم من دون التُقَى شَرَفُ            لكان أشْرَفَ خَلقِ الله إبليسُ

فهل يختلف الأمر اليوم في ظل المسار الذي أخذته مختلف العلوم التي تتطور يوما عن يوم في الحضارة الغربية، وخصوصا ما اقترن منها بالتكنولوجيا، وفلسفات الحرية الفردية والمساواة المثلية؟

لقد أسس الغرب منهجا ماديا يقصي كل ما له صلة بالمرجعية المتجاوزة، المرجعية الإلهية، أو ما يسمونه “الميتافيزيقا”، التي تنطلق من الدين بوصفه وحيا من خالق الكون إلى الإنسان. وسبب هذا التطرف المادي الإقصائي للدين هو التطرف الديني المقابل الذي ساد الغرب طيلة ما عرف بعصور الظلام قبل ظهور الحداثة التي تتضمن ثورة الكنائس ضد الكنائس. واللاهوت المعقلن ضد اللاهوت غير المعقلن، وثورة العلوم الطبيعية، والثورات الصناعية والسياسية والفلسفية. ومع تلك التحولات أصبح الاهتمام بالإنسان وأفعاله وعلاقته بالطبيعة محور التفكير الحداثي. ويختصر “محمد سبيلا” أهم الحركات التي كونت المجتمع الحديث في: “الإصلاح الديني، التوسع الجغرافي والتجاري، الثورة العلمية الأولى والتنوير والتطور الدستوري والثورة الصناعية في إنجلترا، والثورتان الأمريكية والفرنسية وقيام القومية والإمبراطوريات العالمية”[5]. ولأن التجربة الدينية الغربية المتطرفة ما قبل الحداثة قيدت طاقة هائلة في الإنسان وألغتها تمثلت العقل وحرية استخدامه، فإن رد الفعل هو الآخر جاء متطرفا ففصل العقل عن الدين فشكل ذلك مدخلا لتأسيس منهج غربي مستمد من مرجعية علوم الشيطان بوعي أو بدونه. ذلك أن هذا الأخير استند إلى عقله باستقلال عن التسديد الرباني فقرر ألا ينفذ أمر السجود بناء على فهم خاطئ للأفضلية التي حصرها في أصل خلقته الذي هو من نار وأصل خلق آدم الذي من طين. وكلا من النار والطين لا ينفصلان عن المادة. وإذا كان ولابد من التفضيل، فإن النار قوة هدم وحرق وتدمير، بينما يعد الطين قوة بناء وإعمار، وهذا وجه أفضلية الطين على النار.

وسيستمر هذا التطور الغربي في بعده المادي لينتج لنا علوما في الاجتماع الإنساني تتبنى منهج علوم الشيطان في ربط كل شيء بالمادة (الطين والنار) بعيدا عن أسئلة الروح وما يتصل بتفسير الإنسان في بعده الديني – الثقافي – الخلقي – الجمالي – المعنوي – الروحي. لهذا يشعر الإنسان أنه يفتقر إلى شيء ما أساس هو المعنى الكلي والنهائي لحياته[6]. وافتقار الإنسان إلى هذا المعنى الكلي والنهائي لحياته، لأنه يشتغل بمنهج مادي عقلي غير مسدد بالوحي، يجعله يزداد إصرارا في البحث، وحينما لا يجد هذا المعنى فإنه يزيد من إنتاج فلسفات تدمر فطرته وطبيعته بوصفه إنسانا.

وهذه الفلسفات هي التي تؤسس للمثلية الجنسية “الشذوذ” والحريات المطلقة التي تبيح التصرف في الجسد بكل ما تهواه شهوة الإنسان، وتحديدا الجنس بلا ضابط ولا وظيفية ولا نظام، وتبيح استهلاك وترويج المخدرات بشتى أصنافها، والإلحاد. وكلها نواتج لمنهج علوم الشيطان الذي حدده في أربعة أفعال مؤسسة لما سينتج عنها من علوم ومنهجيات عمل شيطانية مُتَفَنِّنَةٍ تتمثل في: الإضلال، الأماني التي تشكل آلية زيغ النفس، البتك (القطع)، وتغيير خلق الله، وهو باب واسع جدا. (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ ۚ)[7]. وهذه الأفعال الأربعة هي التي يمكن أن نفسر بها ما يتم إنتاجه اليوم إعلاميا وفنيا وإشهاريا لترسيخ الشذوذ الجنسي، والإلحاد، والحرية الجنسية، ونشر المخدرات، والتي تشمل أفلام الكرتون، المسلسلات، الإعلانات، الأغاني، قنوات الإباحية الجنسية، المهرجانات المحتضنة لكل ما يثير الشهوات الطينية في الإنسان بعيدا عن الروحانيات التي تسمو بالإنسان وهلم جرا….

فبخصوص المسلسلات وأفلام الكرتون يكفي أن نشير إلى أن حلقات شخصية سوبرمان الجديدة تمت صياغتها بهدف ” تكيف المسلسلات المصورة الأميركية مع تغير القيم الأخلاقية”[8]. والمقصود هنا بالقيم الأخلاقية المتغيرة هي السلوك الجنسي الشاذ الذي يبيح تكوين أسرة من جنس واحد رجلين أو أكثر. وحسب ” دار “دي سي كوميكس” (DC Comics) للنشر التابعة لشركة “وورنر براذرز” (Warner Bros)، فإن سوبرمان الجديد ” وهو نجل كلارك كينت، يقع في حب صديقه، ويجاهر بثنائية ميوله الجنسية”. وذلك في الحلقات الجديدة التي بدأت في نونبر من عام اثنين وعشرين وألفين (2022م)[9]. وعندما نتحدث عن عمل ضخم كهذا، فإن إنتاجه يتم وفق منهج علمي منطلقه ومنتهاه مادي صرف، سواء ما ارتبط بعلاقة ذلك الإنتاج بتغيير الجسم كمادة، أو ما له صلة بالاستثمار في الفساد لتحقيق مداخيل مالية.

ويكمن خطر مثل هذه الأعمال في أن أغلب من يتابعها هم أطفال وشباب، حيث يؤدي إعجابهم بتلك الشخصية إلى تبني أخلاقها المنحرفة جنسيا والتصرف وفق ما تقدمه من تصور لعلاقة جنسية مثلية تدمر فطرة الإنسان، وهذا ضرب من علوم الشيطان التي وصل إليها العلم الحديث ضمن الوعد الذي قطعه الشيطان على نفسه بأن يضلنهم ويأمرنهم بتغيير خلق الله.

وبخصوص الإشهار، فإن هذا الأخير يمثل أحد أهم الوسائل الفتاكة التي تستعملها المادية الغربية وفق منهج علوم الشيطان القائمة على الإغواء والإغراء وتزيين كل شيء مهما كان قبيحا. وارتباطا بأفلام سوبرمان الكرتونية ومسلسلاته، فإن آلاف الإعلانات يم بثها للترويج لمشاهدته والإقناع بها عبر مختلف وسائل الإعلام، بما فيها وسائل التواصل الاجتماعي كاليوتيوب. وينضاف إلى ذلك قيام بعض الشركات بإشهار سوبرمان المثلي كما فعلت مؤخرا الشركة التي تملك ماء “عين سايس” بالمغرب التي وضعته برمزه على قنينات الماء. والمجال الإشهاري هو الآخر يخضع لمنهج علمي مادي أساسه هو أن كل وسيلة تؤدي لتحقيق الربح المادي والمالي يمكن نهجها، مستفيدا من مبدأ “الغاية تبرر الوسيلة” الذي أسسه مكيافيللي في سياق حديثه عن كيفية حفاظ الأمير على وعوده. هذه الكيفية التي يمكن أن تكون بالإخلاص والوفاء وإرشاد الناس أو بالمكر والدهاء والخديعة والضحك على الناس. وأن من الطرق للحفاظ على العهد هو القانون والقوة، أي طريق الإنسان وطريق الحيوان. وعليه فعلى الأمير أن يتظاهر بالصفات ويفعل في العمق ما يحقق له غايته وهي الحفاظ على عهوده مهما كانت الوسيلة[10]. فهذا المبدأ هو أحد أهم أركان المنهج المادي الذي يمتح من منهج علوم الشيطان الذي يسخر كل وسيلة لتحقيق غاياته التي تعهد بها بعد طرده وتركه إلى يوم يبعثون.

وبخصوص الأغاني تتحدث عدة مواقع إلكترونية عن مئات الأغاني التي تندرج ضمن المثلية الجنسية من قبيل (تي آمو (أغنية رايانا)/ جيلهاوس روك/ المال مقابل لا شيء/ هكذا ولدت…إلخ)[11]، وأغلبها ذات إيقاعات موسيقية تؤثر في وجدان الشباب والشابات، وترسل رسالة مفادها أن الميول الجنسي المثلي أمر طبيعي غير متحكم فيه، وأنه من صميم حرية الذكر والأنثى في تحديد من يحب. وهذا ما يخالف الفطرة الإنسانية التي فطر الله الناس عليها، إذ لا يتصور في حق الله تعالى أن يخلق إنسانا بجينات مسؤولة عن المثلية التي اعتبرها جريمة كبيرة في الانحراف الفطري وكان عقابها شديدا كما تضمنه قصة لوط عليه السلام مع قومه الذين تطلب إتيانهم للشذوذ إمطارهم بالحجارة بعدما جعل عالي قريتهم سافلها.

وإذ ننطلق من هذا التعليل، فذلك لكي نستند إلى المرجعية المسددة بالوحي التي يمكن أن توجه أي بحث علمي في الجينات والحمص النووي للتأكيد على خطأ الدراسات التي تزعم بأن المثلية شيء خارج عن إرادة الإنسان، وأن الجينات هي المسؤولة[12]. ووفق منهج علوم الشيطان نجد الكثير من الدراسات الغربية المضللة التي تريد إثبات ذلك من أجل أن تقنع القضاة والمحامين والمثقفين بالموافقة على تشريع قوانين تحمي المثلية وتشجعها.[13]

وقس على ما تحدثنا عنه مئات القنوات الإعلامية المتخصصة في الجنس كتجارة حديثة، ومواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت وسيلة سهلة لعرض مفاتن المرأة تحت مسميات “روتيني اليومي” مثلا، والدردشات وغيرها من وسائل منهج علوم الشيطان القائمة على الإغراء والإغواء من أجل المادة سواء تعلقت بجلب المال أو تحقيق متعة زائفة.

إن الهدف من هذا المقال هو إثارة التنبه إلى الأنموذج التفسيري القرآني لما يقوم به الإنسان من حركة أو فعل أو قول في الأرض التي جُعِل فيها خليفة. هذه الحركة التي اقترنت بعلاقة الشيطان بها منذ رفض الأمر الإلهي بالسجود لآدم عليه السلام، ليستمر ذلك العيصان بأساليب مختلفة ومتعددة تتلون بألوان كل عصر وثقافة. وذلك لنفهم إشكالية منهج البحث العلمي الذي أسسته الحضارة المادية الغربية. هذه الإشكالية التي تنطلق من فكرة التسوية بين الظاهرة الطبيعية التي بدأ فيها المنهج الغربي، قبل تعميمه على الظاهرة الإنسانية التي تختلف كليا عن الطبيعة. وطالما أننا ننهج هذا النهج غير المسدد بالوحي فإننا، في المستويات الدنيا، أمام احتمالات كبيرة للخطأ في ظل قصور عقل الإنسان عن إدراك أسرار الكون، وفي المستويات العليا، أمام عملية إفساد مقنعة ومخطط لها من قبل لوبيات إفساد الفطرة الإنسانية وتدميرها. وأخطر ما في هذا الأمر أنه يتم تحت مسميات براقة تجذب الإنسان من قبيل مناهج البحث العلمي، حقوق الإنسان، المقاربة بالنوع، وكلها غطاء لعمليات إضلال وإغواء وبتك وتغيير لخلق الله.

[1] مشرف تربوي، كاتب في قضايا الفكر واللغة والتربية، الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين الرباط سلا القنيطرة، المملكة المغربية.

[2] سورة الأعرف. الآيتان (21،20).

[3] سورة غافر، الآية(26).

[4] سورة الفجر، الآيات، (10) (11)، (12).

[5] محمد سبيلا، الحداثة وما بعد الحداثة ، دار توبقال للنشر والتوزيع الطبعة الأولى 1997 ص 36.

[6] عبد الوهاب المسيري، المادية وتفكيك الإنسان، دار الفكر ـ دمشق سوريا 2002.

[7] سورة النساء، من الآية 119).

[8] موقع الحرة على الرابط: https://www.alhurra.com تاريخ الزيارة 04 دجنبر 2022، س: التاسعة مساء.

[9] المرجع نفسه).

[10] كتاب الأمير لنيقولا مكيافيللي، قدم له وأعده للنشر دكتورة هبة رؤوف عزة. دار فضاء الفن والثقافة(د.ت

[11] انظر تصنيف أغاني المثلية الجنسية على موقع ويكيبيديا عبر الرابط: تصنيف:أغاني_متعلقة_بالمثلية_الجنسية https://ar.wikipedia.org/wiki.

[12] للتوسع في الموضوع يمكن الرجوع إلى مقال “المثلية الجنسية. سلوك مكتسب أم جينات لا نتحكم بها؟” لإبراهيم السيد على موقع قناة الجزيرة على الرابط (www.aljazeera.net/midan/intellect/sociology/2017/8/1/)، تكت زيارته بتاريخ 25 دجنبر 2022، على الساعة الخامسة والنصف مساء.

 

[13] المرجع نفسه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *