منتدى العمق

ماذا بعد الحصول على البكالوريا؟

تتميز هذه الفترة من كل سنة بإعلان نتائج امتحانات البكالوريا، هذه الأخيرة التي تحظى بأهمية خاصة سواء ضمن المنظومة التعليمية لبلادنا، أو على مستوى المجتمع، وإذا كان الحصول على البكالوريا يعد نجاحا يستحق الاحتفاء به، فإنه مع ذلك لا يمنع من طرح سؤال ماذا بعد هذا النجاح؟

يحيلنا السؤال السالف الذكر على مسألة اختيار التوجيه الجامعي المناسب للحاصل على البكالوريا، والملاحظ أن هذه المرحلة لا تحظى بالاهتمام والعناية اللازمتين سواء من طرف التلميذ ذاته، أو من طرف الأسرة، بل وحتى من الوزارة المعنية.
لن أدخل خلال هذه المقالة القصيرة في حيثيات أزمة التوجيه في بلادنا، وفي الجوانب العلمية وغيرها والتي لها أهلها ومختصيها، لكنها مجرد ملاحظات مبنية على أرقام رسمية، وملاحظة شخصية.

في إحدى اجتماعات لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس المستشارين، كشف وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار أن 49.4 في المائة من الطلبة يغادرون الجامعات دون الحصول على أي شهادة، أي أن ما يقارب النصف من الطلبة الذي يلجون الجامعات المغربية، يغادرونها دون الحصول على أي ديبلوم.

يكشف هذا الرقم المشار إليه أعلاه عن عمق الأزمة التي يواجهها الطلبة بعد حصولهم على البكالوريا، صحيح أن الانقطاع الجامعي يرتبط أيضا بأسباب اجتماعية، لكن سوء التوجيه يشكل أهم هذه الأسباب.

إن اختيار التوجيه المناسب لا يحظى بالإهتمام اللازم في منظومتنا التعليمية، فالتلميذ لا يتلقى تكوينات كافية، تؤهله وتمكنه من القدرة على حسن اختيار التخصص الجامعي الملائم لقدراته العلمية، وميولاته الشخصية.
كما أن الفوارق الحاصلة بين المضامين المعرفية المقدمة للتلميذ في مستويات الإعدادي والثانوي، وبين تلك المقدمة في المستوى الجامعي، تشكل سببا بارزا لارتفاع الانقطاع الجامعي، وأخص بالذكر اللغة التي تقدم بها هذه المضامين.

وليس هناك من شك في أن المنظومة التعليمية لا تتحمل لوحدها مسؤولية هذه الأزمة، بل أن التنشئة الاجتماعية داخل عدد كبير من الأسر لا تسمح للفرد في أن يستطيع بناء اختياراته الشخصية بناء على إمكانياته وميولاته، حيث يلاحظ مع الأسف الشديد أن عددا من الآباء والأمهات يفرضون على أبنائهم اختيار تخصصات معينة، كما لو أن هذا الإبن لا يحمل أي مشروع في الحياة سوى تحقيق طموحاتهم، دون إدراك أن كل فرد يحمل شغفا وميولا معينا ينبغي احترامه.

وختاما، فإن أزمة التوجيه في بلادنا تستحق أن يتم إيلاءها أهمية خاصة، فلا يكفي أن يحصل التلميذ على شهادة البكالوريا، بل يقتضي الأمر على جميع المتدخلين أن يقدموا للتلميذ الإمكانيات والآليات الكفيلة له لاختيار التوجيه الجامعي المناسب، وضمان انتقال موفق من التعليم الثانوي إلى التعليم الجامعي، حتى تستطيع بلادنا من الاستفادة من مؤهلات خريجي مؤسساتها التعليمية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *