مجتمع

“فواجع” حافلات تطوان.. من يتحمل مسؤولية الاستهتار بأرواح الركاب؟

وسط تبادل الاتهامات بين الشركة وجماعة تطوان

رغم استقدام السلطات لعشرات الحافلات من مدن أخرى من أجل تجاوز أزمة النقل الحضري بتطوان، إلا أن ذلك لم يشفع لشركة “فيتاليس” المفوض لها تدبير القطاع بالمنطقة، للتخلص من انتقادات وغضب السكان والمنتخبين على حد سواء.

وفي ظل تدهور الحالة الميكانيكية للحافلات، والتزايد المستمر للأعطاب والحوادث، والخصاص الكبير في الأسطول، فإن ملف النقل الحضري بتطوان كان ينقصه حدث كبير ليتفجر الوضع، وهو ما حدث خلال شهر يوليوز المنصرم.

البداية كانت مع حادثة انقلاب إحدى حافلات الشركة، يوم 11 يوليوز، ما أدى إلى مقتل سيدة وإصابة عدد من الركاب، قبل أن تحترق حافلة أخرى بالكامل، كانت متجهة صوب مارتيل، قبل 3 أيام فقط من عيد العرش، في مشهد أثار غضبا عارما ممزوجا بالسخرية من الشركة.

جاء ذلك بالتزامن مع الخصاص الكبير التي يعرفه أسطول الحافلات خلال فصل الصيف الجاري، وتوقيف بعض الخطوط التي تربط عدة أحياء بتطوان، وارتفاع الضغط على الخطوط التي تربط تطوان بالمدن المجاورة لها (مارتيل، المضيق، الفنيدق، وادلاو)، في ظل التوافد الكبير للزوار على المنطقة.

ويشتكي ركاب حافلات “فتياليس” من تراجع الجودة وضعف الخدمات، في ظل الاكتظاظ وغياب النظافة وارتباك التوقيت وقلة عدد الحافلات، بالموازاة مع تهالك الكراسي والأعطاب الميكانيكية المتكررة وميلان الحافلات أثناء السير وغيرها من المشاكل.

وفي الوقت التي تتبادل فيه الشركة وجماعة تطوان (يرأس رئيسها مؤسسة تعاون الشمال الغربي المسؤولة عن ملف النقل الحضري بالمنطقة)، الاتهامات بخصوص المسؤولية عن هذا الوضع، فإن الرأي العام العام يحذر من الاستمرار في الاستهتار بأرواح الركاب.

والأزمة بين الجماعة والشركة ليست جديدة، لكنها عادت للواجهة في ظل الأحداث الأخيرة التي تزامنت مع تواجد الملك محمد السادس بالمنطقة، واحتفاله بعيد العرش في تطوان والمضيق، وهو ما زاد من حدة الإحراج لدى الأطراف المعنية بالملف.

وكانت السلطات قد دخلت على خط الأزمة، وقررت الاستعانة بحافلات من الدار البيضاء وطنجة، لسد الخصاص مؤقتا خلال فصل الصيف الذي تعرف فيه المدينة إقبالا سياحيا كبيرا، وسط تكتم عن تفاصيل هذا التدبير، في ظل عدم تواصل الجماعة مع الصحافة أو إصدارها لأي بلاغ.

الحافلات التي تم استقدامها عززت الخطوط الطويلة، خاصة الرابطة بين تطوان ومارتيل والمضيق والفنيدق ووادلاو وعين الحصن وبنقريش، فيما لا تزال عدد من الخطوط داخل تطوان تعرف خصاصا وارتباكا، في حين تم توقيف بعض الخطوط ما تسبب في حرمان سكان مجموعة من الأحياء من النقل الحضري.

“تخبط وعشوائية”

وفي هذا الصدد، اعتبر المستشار بجماعة تطوان، عادل بنونة، أن الحادث المأساوي لحافلة “فيتاليس” الذي خلف وفاة سيدة وإصابات متفاوتة الخطورة، ثم حادثة احتراق حافلة بأحد أهم شوارع تطوان، يكشفان مدى تراجع الجودة في الخدمات والغياب شبه الكلي للجان المراقبة.

وأوضح رئيس فريق العدالة والتنمية بجماعة تطوان، أن فريقه سبق أن نبه الرئاسة إلى خطورة الوضع وحذر من حدوث كارثة نظرا لتراجع الخدمات وترهل هياكل أسطول الشركة والتسيير العشوائي لهذا القطاع الحيوي، وعدم التعامل بحزم مع مسؤولي الشركة ومطالبتهم بتفعيل مقتضيات دفتر التحملات.

وأشار بنونة في تصريح لجريدة “العمق”، إلى أن المجلس الأعلى للحسابات سبق أن أصدر تقريرا نبه فيه إلى عدم وجود أي آلية لمراقبة مدى التزام الشركة بمقتضيات دفتر التحملات، لافتا إلى أنه رغم خلق ما يسمى بمصلحة المراقبة الدائمة، إلا مهامها تبقى غير كافية لضبط مدى احترام الشركة لإلتزاماتها.

وبحسب المتحدث، فإن السنة الماضية عرفت شبه إجماع على انتقاد خدمات الشركة بسبب جودة خدماتها وحوادث سير لحافلات عدد من الخطوط، والناجمة عن أعطاب ميكانيكية وتقنية، معتبرا أن هذا المشهد أصبح عادة في تطوان، وما يخلفه عادة من ضياع لمصالح المواطنين.

هذه الاختلالات والخروقات التي تخللت تطبيق بنود دفتر التحملات، يضيف بنونة، تأتي في ظل محاولة تهريب النقاش السياسي لهذا الملف من دورات المجلس وجعل قراراته تقتصر على مؤسسة محدثة تحت مسمى “مجموعة الجماعات الشمال الغربي” والتي يترأسها حاليا رئيس جماعة تطوان.

ويرى المستشار ذاته، أنه في غياب البلاغات الصادرة عن المؤسسة والتقارير التي يجب أن تعرض على أنظار المجلس حول وضعية قطاع النقل العمومي، وخروج بعض الأصوات النشاز من داخل الأغلبية المسيرة تنتقد أداء الشركة، يشكف مستوى التخبط والعشوائية في تدبير هذا الملف الحيوي.

وفي هذا السياق، اعتبر بنونة أن إصدار الشركة لبلاغ بشكل استباقي حول حادث “حجر لعروسة”، ترمي من خلاله بالمسؤولية للجماعة التي رفضت، حسب البلاغ، عرضا لتجديد الأسطول، وسط صمت مطبق لكل مسؤولي الجماعة ولمجموعة جماعات الشمال الغربي.

ويرى المتحدث أنه كان من المفروض عقد ندوة صحفية لشرح ملابسات الملف، وليس ترك الرأي العام المحلي يتخبط لوحده لاستكشاف حيثيات هذا الملف في غياب ما يصطلح عليه “الحق في الحصول على المعلومة”، والذي صادقت عليها الجماعة كالتزام لعضويته في الحكومة المنفتحة، وفق تعبيره.

ونبه بنونة إلى أن غياب مجموعة من الخدمات في خطوط محورية داخل المدينة، ترتب عنه ظهور ظاهرة ما يسمى بـ”الخطافة” أو النقل السري المنفلت من أي ضبط أخلاقي أو قانوني.

مطلب فسخ العقد

وبخصوص السيناريوهات المحتملة في ظل عدم تجديد الشركة الحالية لأسطولها وعدم تنفيذ برنامجها الاستثماري المتعاقد عليه، قال بنونة إن الكل يدرك أن إعداد دفتر تحملات جديد يمر بمجموعة من المراحل التي تتطلب حيزا زمنيا.

وعلى رأس تلك المراحل، وفق المتحدث، طلب عروض مفتوح يتعلق بدراسة الجدوى التقنو-اقتصادية والمالية، وهو ما يتطلب إنجازه شهورا، ثم ما يتبعه من إعداد ملف متكامل وطلب عروض للنظام الجديد الذي يجب أن يجيب عن كل الانتظارات، خصوصا الشق الاستثماري واحترام المعايير المطلوبة في أسطول الحافلات الذكية الصديقة للبيئة.

و”حتى لا تتكرر نفس الكارثة ولتفادي إزهاق مزيد من الأرواح”، طالب بنونة بفسخ العقد مع الشركة والعمل على إبرام عقد تفاوض مع إحدى شركات النقل لتدبير القطاع لمدة سنة، في انتظار استكمال كل الإجراءات القانونية لدخول الشركة الجديدة.

وفي هذا الإطار، قال المستشار ذاته، إن تدبير ملف النقل الحضري في إطار سياسة التدبير المفوض، من أعقد الملفات التدبيرية التي تواجه الجماعات المحلية، وذلك سبب عدم احترام الشركات المفوض لها لبنود دفتر التحملات، مما يؤجل ويعطل خدمات ومصالح المواطنين، خاصة مع اقتراب موعد انتهاء العقدة، حيث تقل الخدمات ويتهالك الأسطول وتسود العشوائية.

وأشار إلى أن التدبير المفوض لم يضع حلا لمشاكل النقل العمومي، مما صعب مهام المجالس المنتخبة التي تجد نفسها تواكب توسعا عمرانيا تشهده مدنها، بسبب الهجرة القروية وغياب بنيات تحتية أساسية وافتقار أغلبها لموارد بشرية مختصة لمواكبة تنزيل بنود الإتفاقيات.

ومن العوامل التي تزيد هذا الملف تعقيدا، يقول بنونة، هو ما أقره مجلس المنافسة الذي خلص في أحد تقاريره إلى أن شركتي “ألزا” و”سيتي باس” تستحوذان على حصة تراكمية تراوحت ما بين 80 و90 في المائة من السوق.

واعتبر مجلس المنافسة أن هناك حواجز دخول عالية تفرض شروط تقنية ومالية لولوج السوق لا تحفز إلا الشركات الكبرى، وتحول دون دخول فاعلين جدد، وأن العدد الضئيل لطلبات العروض تتعلق بعقود طويلة الأمد ما بين 10 و15 سنة، ويجري تمديدها بواسطة ملحق عقد في الغالب يستفيد منه الفاعل صاحب عقد الإستغلال.

كما سجل المجلس أن نسبة ضعيفة من الفاعلين يشاركون في طلبات العروض بالمدن الكبرى بسبب محدودية قدراتهم المالية والتقنية، فضلا عن تكلفة الإستجابة لهذه الطلبات والتي تفرض على الشركات متوسطة الحجم المشاركة في عدد محدود منها فقط بسبب تكاليفها غير القابلة للإسترداد.

وكان المغرب قد استفاد من تمويل بقيمة 150 مليون دولار من البنك الدولي لبرنامج النقل الحضري، ويهم دعم القدرات قصد تقديم خدمة عالية الجودة في وسائل النقل العمومي، ويساند الاستثمارات في البنية التحتية للقطاع ووتطوير خدماته وإتاحتها بأسعار معقولة لساكنة المدن، وفق المصدر ذاته.

جدل الأسطول

شركة “فيتاليس” كانت قد حملت رئيس جماعة تطوان مسؤولية عدم الرفع من أسطول الحافلات، مشيرة في بلاغ أصدرته قبل حادثة انقلاب إحدى حافلاتها بالمدينة، يوليوز المنصرم، إلى أنها تقدمت في مارس 2023، باقتراح إلى رئيس الجماعة ورئيس السلطة المفوضة للنقل، لإضافة 60 حافلة إضافية ومكترية لحل مشكلة النقل في فصل الصيف بسبب الاكتظاظ والضغط.

لكن الشركة، يضيف البلاغ الذي توصلت به جريدة “العمق”، حينها، “فوجئت برفض نهائي وقطعي من رئيس الجماعة الحضرية لمدينة تطوان لهذا المقترح الذي يهدف إلى الارتقاء بخدمات النقل وخلق ظروف مريحة للمواطنين في التنقل خلال الصيف”.

غير أن رئيس الجماعة عبَّر عن استغرابه لمقترح الشركة بإضافة 60 حافلة عن طريق الاستئجار، مشيرا إلى “عدم استكمال الشركة لبرنامجها الاستثماري التعاقدي المتعلق بالأسطول، وعدم التداول في إضافة أي حافلات خلال اجتماعات التسوية الودية للخلاف بين الطرفين، خلال يناير المنصرم”.

واعتبر رئيس جماعة تطوان، في مراسلة وجهها إلى إدارة الشركة، قبل أسابيع قليلة، أن استئجار الحافلات لاستغلال المرفق غير وارد في المقتضيات التعاقدية، لافتا إلى أن هذا الأمر كان موضوع ملاحظة للمجلس الجهوي للحسابات في تقريره سنة 2020.

وسجل رئيس الجماعة “تدهور الحالة الميكانيكية للحافلات، والتزايد المستمر للأعطاب والحوادث، وعدم كفاية الأسطول”، داعيا الشركة إلى الوفاء مهامها وتحمل مسؤولياتها لتأمين استمرارية المرفق العام خلال الموسم الصيفي في أحسن شروط السلامة ضمن جميع خطوط الشبكة، وفق المراسلة ذاتها.

  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • ضحى الشيخ
    منذ 8 أشهر

    هد كوارت لي كتوقع ولي كديرها شريكة دفيتاليس جميع شريكات نقل الحضري لي كل مدن المغربية متل بعضها ولا يوجد شريكة احسن واروع