منتدى العمق

المغرب والاستثناء الديمقراطى

تصبح الآلية الانتخابية مهمة في صنع القرار الشعبي .وتكون هادفة في صون كرامة المواطن والإعلاء من مكانته أمام أجهزة الدولة التى يطلب منها العمل على ضمان أرزاق الناس ، وإشراكهم في تدبير الحكم والمساهمة في تخليق العمل السياسي .

ويقينا أن الديمقراطية الهادفة تصنع الإنسان أو المواطن المشع عطاءا وبذلا .وفي ديمقراطيتنا المتأصلة منذ الاستقلال إلى يومنا هذا لم تقدم للمواطن الا صورا من البشاعة السياسية .فالإنتاج الديمقراطي أوصل البلاد الى الباب المسدود ،

ففي مصر لم يكن الخيار الديمقراطي ذا جدوى بعد انقلاب الجيش أو تحريك جحافل القطيع لإنهاء الديمقراطية الوليدة .فالديمقراطية كانت وباءا على من شارك فيها ليدخل السجن بدل قبة مجلس الشورى او مجلس الشعب .ولم تكن الآلية الديمقراطية مهمة في إيصال صوت الشعب .بل ان وأدها بطريقة وأد قريش للبنات .فقد اختار الجيش الشعبي في الجزائر إنهاء التجربة الأولى عربيا وهى وليدة حراك شعبي في جزائر التسعينات . باغث الجيش الشعب الناخب ،فلم يطرد الأحزاب بل قتل الأنفس .ليبدأ مشروعا جديد عنوانه حربا أهلية مدمرة .استطاعت تدمير إمكانيات البلاد وتوسيع الهوة بين أبناء الشعب الواحد .واستطاعت الحرب إيقاف تنمية اقتصادية بل أسهمت في خلق جزائر لايجيد مواطنيها الا سياسة الثأر .انتهت التجربة الديمقراطية وانطفأت جدوة الحرب .فكان الاختيار على الآلية الديمقراطية .من جديد .لكنه العبث بعينه فالأحزاب المتنافسة لاتملك الا لغة التقرب من المؤسسات الانقلابية التي لا تفهم إلا وجود أحزاب تعمل وفق قاعدة الولاء .

الولاء للمؤسسة هو المحرك الرئيسي للتجربة الديمقراطية في موريتانيا .المؤسسة هنا ليس للشعب فيها أمرا وحكم .بل هى القوة التى لاتدع احدا يفكر ويعبر بعيدا عن سطوتها .عسكرية في بدايتها وقبلية عشائرية في تحركها .القبيلة قوة والجيش قوة وتجبر .القبيلة تساوم والجيش يدعم .أما الأحزاب فهى لا تخرج عن دائرة الولاء للمؤسسة القوية والمتنفذة .فالانقلاب يبقى الوجهة الحقيقية لمواجهة صناديق الاقتراع .وان تفهم الجيش اللعبة يترك للقبيلة الفوز والحكم.فالجمهورية الإسلامية الموريتانية منذ استقلالها مازالت رهن مؤسسات تقليدية محافظة لا تنظر للخطاب الديمقراطي إلا كخطاب لصناعة التسلط والبقاء في الحكم تحت إمرة العسكر.
فهل المغرب هو الاستثناء ؟

بعيدا عن العاطفة اتجاه الوطن ومن منظور عقلاني.يمكن القول ان بلاد يوسف بن تاشفين تسير في خطوات عملية نحو إقامة نظام ديمقراطي قائم الأركان . طبعا الطريق لم تكن سهلة للقبول بعملية ديمقراطية تنقل النظام السياسي من وجود مطلق الى وجود نسبي يقبل بإشراك الأحزاب في الحكم ولو بنسبة أقل من النسب المتعارف عليها في الدول الديمقراطية ولاسيما العريقة منها.

الطريق الديمقراطية مر بمراحل حتى كاد البلد يصاب بأمراض الجيران.لكن التعقل ظل سيد مواقف المؤسسة الملكية والهيئات الحزبية ذات الألوان المتعددة.والتي اتفقت على الاستمرار في درب الخيار الديمقراطي رغم الصعاب والمعيقات .

نجح المغرب فيما فشلت دول أخرى . لكن الطريق نحو مأسسة نظام ديمقراطي رزين يشرك كل الهيئات السياسية دون إقصاء وتهميش يبقى بعيد المنال .ما لم تقدم الأحزاب على إعادة النظر في أسلوب تعاطيها مع قضايا المواطن . الذي تحول لما يشبه ورقة نقدية مزيفة.وما لم تفكر الدولة بمؤسساتها على ضرورة الانفتاح على التشكيلات الأكثر شعبية مثل جماعة العدل والإحسان وحزب الطليعة والنهج وكذلك الاستمرار في بسياسة الإبقاء على لغة الانفتاح والتساهل مع التوجهات السلفية الرافضة للعنف.

ومطلوب من الأحزاب التي تعمل وفق الشروط الحالية ان تختار بين التوجه نحو خدمة المواطن والوطن أو الاستمرار في خدمة أجندتها ومصالحا الضيقة والتي حولت جل الأحزاب إلى مقاولات عائلية .وقد كان الملك محمد السادس واضحا في خطابه أمام أعضاء البرلمان الجدد حيث قال :” فالمرحلة التي نحن مقبلون عليها أكثر أهمية من سابقاتها ،فهي تقتضي الانكباب الجاد على القضايا والانشغالات الحقيقية للمواطنين ،والدفع قدما بعمل المرافق الإدارية ،وتحسين الخدمات التي تقدمها “.