وجهة نظر

ملامح المشرع المجتمعي لتجمع الأصالة والمعاصرة

على هامش برنامج قضايا وآراء
الاستبداد واللا ديموقراطية

سياق النقاش:

جلست أنتظر برنامج “قضايا وآراء” الذي تبثه القناة الأولى يوم 11/10/2016 لمناقشة الخريطة السياسية التي أفرزتها الانتخابات الاخيرة ليوم 07/10/2016 وأنا أمني النفس بالفائد واتساعالأفق برصد المعطيات وتجميعها من أفواه ممثلين عن هيئات سياسة قريبين من موقع القرار داخل مؤسساتهم.

ابتدأ البرنامج فتوسلت لأهل الدار أن يصمتوا حتى لا يضيع أي طرف من أطراف الفائدة. ابتدأ النقاش بين الفرقاء المشاركين في البرنامج، ثم فجأة أعلن السيد “عبد الرحمان العدوي” انتهاء الوقت المخصص للبرنامج…

كانت مفاجأتي صادمة لأنني حين راجعتُ وفاضي وجدتها خاوية من أي فائدة تذكر، اللهم إلا مهاترات خاوية بدا أن القصد منها كان فعلا هو تضييع وقت المشاهد وتحويل اتجاه تفكيره عن القضايا الكبرى التي تجسد انشغالاته في الوقت الراهن والتي لا شك أنها ستعزز عنده الثقة في ما يخفيه المستقبل القريب أو ستهزها…

ضيف ينتمي إلى تجمع “الأصالة والمعاصرة” حول البرنامج إلى حلبة مصارعة أجبرنا فيها -كمتابعين- على استنشاق غبار مفعم بأقصى درجات الرطوبة وهو يتجشأ مفردات خطاب قديم قدم تأسيس التنظيمات اليسارية الراديكالية في المغرب، تلك المفردات التي لا يُفهم منها سوى “نضال الأضداد” أو “صراع المتناقضات”، فالآخر نقيض لأنه يحول بين البروليتاريا والثورة المنتظرة، ولذلك لا يهم ماذا ينتظر المشاهد من هذا البرنامج، ولا لمذا ضحى بوقته، كل ما يهم اللحظة هو تحصين هذا المشاهد “المضلل” –كما جاء على لسان هذا الضيف حين وصف الهيئة الناخبة- ضد مزيد من “التغييب” و”التضليل” هذا كل ما يهم حتى لو أدى الأمر إلى تحريف التاريخ والجغرافيا والواقع….

ساح الضيف في مساحة غير مضبوطة الحدود وهو يضرب ذات اليمين وذات الشمال، بخطابه الاتهامي الصدئ مستخفا بذكاء المشاهد كما استخف بوقته كما استخف بحقه في متابعة برنامج هادف. لكن نتائج هذا الاستخفاف كما مفردات الخطاب كانا في الحقيقة مظاهرا تعبيرية عن حقيقة المشروع المجتمعي الذي يبشر به تجمع “الأصالة والمعاصرة” والتي يمكن أن يخلص إليها المتابع من خلال تتبع لتفاصيل هذا الخطاب الذي اغتال حق المشاهد في اقتناص الفائدة، ونحن نحاول في هذه العجالة الوقوف على أربع تفاصيل من بين ركام مترامية أطرافه:

1- احتقار جزء مهم من الشعب المغربي:

تجلى ذالك في وصف هذا الضيف الهيئةَ الانتخابية بالمضللين –بفتح اللام-، إذ أن أقل ما يعبر عنه هذا التوصيف المهين للشعب المشارك في ملحمة السابع من أكتوبر هو أنه يختزن غير قليل من الاحتقار له، في الوقت الذي يدعي الضيف أنه جاء هو والتجمع الذي يمثله لينعم عليه بالديموقراطية. ويتجلى مظهر الاحتقار هذا في القصف الصريح للحق في الاختيار الذي هو جوهر الممارسة الديموقراطية، ذالك القصف الذي بان أنه خطة استراتيجية وليس تعبيرا تاكتيكيا منفعلا، تمظهُر هذه الخطة الاستراتيجية هو إخلاء المواقع التي ملأتها حرية الاختيار بعد قصف شامل، وإحلال خيار الحجر على هذا الشعب المضلَّل الذي لازال غير مؤهل للديموقراطية ومنعه من ممارسة اختياره إلى أن توقَّع له شهادة رشد يشهد عليه فيها قيادات هذا التجمع الهجين، لأنه صوت في غالبه على رئيس حكومة زاد في إفقاره-زعم ضيفنا-…

والذي يلفت الانتباه أن جل من يمكن تصنيفهم ضمن مخلفات المدرسة التي تحترف هذا الخطاب الذي تُشم منه رائحة “الرطوبة والعفونة” يكررون نفس المضامين الاقصائية والمنكرة لحرية الاختيار، النافية لأهلية الشعوب للتقرير في مصيرها مهما كانت مواقعهم، فقبل أيام قالت شريكة هذا الضيف في الخطابوالإديولوجيا -المفاصلة له في الانتماء التنظيمي- إن الأغلبية في الكتلة الناخبة هي كتلة “المريد للشيخ” أ وكتلة “حفظ واعرض”، فلعمري هل بعد هذه المفردات من مفردات تنم عن الغرام بالديكتاتورية مهما كانت طبيعة هذه الديكتاتورية سواء كانت “ديكتاتورية الحاكم المستبد” أو كانت “ديكتاتورية البروليتاريا”.

2- احتقار مؤسسات الدولة:

تجلى ذالك حين أًصر الضيف على اتهام “حركة التوحيد والإصلاح” و”حزب العدالة والتنمية” بجملة من التهم التي لا تنال من مصداقيتهما كهيئتين مغربيتي النشأة والعمل، بل تضرب في مصداقية الدولة وكثير من أجهزتها، من بين تلك التهم التي تطعن في مؤسسات الدولة من طرف خفي، ما صرح به هذا الضيف من اتهام للحركة والحزب بالولاء التنظيمي -وليس القلبي فقط- لتنظيمات خارجية، وما أخطرها من تهمة خصوصا إذا أُضيف إليها تهمة أخرى تولى كبرها الضيف كما سبقه إليها رئيس تجمعه حين اتهم “حزب العدالة والتنمية” بتلقي تمويل من الخارج استطاع به تطويع آلاته الإعلامية والانتخابية…

ومظهر إهانة هذه التهم لمؤسسات الدولة هو كونها توحي للمتابع غير المغربي –طبعا- بأن الأجهزة الأمنية المغربية بمختلف أنواعها أجهزة صورية لا تقوم بدورها حين تسمح لمؤسسة حزبية مدينة بالولاء لغير الدولة المغربية أن تقود حكومة الدولة، كما تتضمن هذه التهم للحركة والحزب من الجهة الأخرى اتهاما لتلك المؤسسات الأمنية بفبركة كل تلك الأخبار التي تشهد لها بالكفاءة منقطعة النظير حين تقول بتوقيفهالشبكات إجرامية غاية في الخطورة تارة،أو بتفكيكها لجماعات متطرفة تارات أخرى. بل إن الأمر يتعدى المؤسسات الأمنية إلى الطعن في نباهة “المؤسسة الملكية” التي يسمح الجالس على العرش لنفسه بأن يستقبل “عميلا” لدول أخرى ويكلفه بتشكيل الحكومة المغربية للولاية الثانية بعدما صبر عليه رئيسا للحكومة السابقة لمدة خمس سنوات متتالية.

3- احتقار ذكاء المغاربة:

وذالك حين ظن أن ركوبه على الزوبعة المتهافتة التي أثارها النظام الانقلابي في فنجان مصر بتخوين جماعة “الإخوان المسلمين” -ذات الأيادي البيضاء على المجتمع المصري والإسلامي- سيخفي حقيقة تصريحه بأن مشروع تجمع “الأًصالة والمعاصرة” هو جوهر المشروع الاستبدادي للجنرال المنقلب في مصر “عبد الفتاح السيسي” وهو المشروع التدميري الذي لم يجلب لمصر سوى الخراب المركب بل المكعب بل الخراب الذي له بداية لكن نهايته لا أفق لها.

إن لإصرار الضيف في ثلاث مداخلات متتالية على محاولة الطعن في”الإخوان المسلمين” دلالات لا تخرج عن المقارنة بين منسوب ديموقراطية العدالة والتنمية الداخلية، ومنسوبها لدى الإخوان المسلمين من جهة، و بين منسوبها لدى تجمع “الأصالة والمعاصرة” و الجنرال المنقلب ” عبد الفتاح السيسي” الذي يمثل المقابل الموضوعي للإخوان المسلمين من جهة أخرى.

وإذا كان القاصي والداني في المغرب والمطلعون في غير المغرب يشهدون على أن ارتفاع منسوب الديموقراطية الداخلية لدى “التوحيد والإصلاح” و”العدالة والتنمية” هو مبرر استمراهما وتماسكهما واستعصائهما على التشظي، وإذا كان هذا القاصي والداني يشهد بارتفاع منسوب دكتاتورية وفساد نظام عبد الفتاح السيسي مما لا يلزمنا بتقديم شواهد عليه في هذه العجالة، فإن الذي يبقى محتاجا للبيان هو منسوب هذه الديموقراطية التي يدعي تجمع الأصالة والمعاصرة أنه جاء يبشر بها المغاربة، ومدى التزامه الداخلي بها، وكذا منسوبها عند جماعة الإخوان المسلمين على المستوى الداخلي.

4- التحكم والاستبداد والدكتاتورية مشرع تجمع الأصالة والمعاصرة المجتمعي

إن المتتبع لمسار جماعة الإخوان المسلمين وحجم ممارستها للتقويم الداخلي والنقد الذاتي سيقف –بلا شك- على مستوى محترم من التطور تفوق به أيضا –بلا شك- حالة التكلس الإيديولوجي لدى أفرا تجمع الأصالة والمعاصرة الذي ينعكس على الغوغائية داخل هذا التجمع غير المنظم.

إن من أبرز تمظهرات الديموقراطية داخل جماعة الإخوان المسلمين أنهم تنظيم جدد قياداته خلال السنوات الأخيرة بشكل كبير كما أنه على المستوى التفصيلي فإن صوت مرشد الجماعة لا يحتسب سوى صوتا واحدا عند الاختلاف والتصويت على قرار معين، كما أن مما جرت به الركبان أن “المرشد العام للجماعة” كان ضد الترشح للانتخابات الرئاسية بعد الثورة في مصر وصوت لهذا الاختيار في اجتماع مجلس إرشاد الجماعة، لكنه انصاع لرأي الأغلبية الذي أفرزه الاقتراع الداخلي وإن خالف اتجاهه.

لا نقول إن ممارسة الإخوان المسلمين للديموقراطية الداخلية لا يشوبه غبار، بل نجزم أنها مازالت تحتاج إلى تقويم حاد ومطور، لكننا نجزم بالتأكيد أن انعكاس مخرجاتها على المجتمع المصري إبان فترة العام التي استلمت فيه الجماعةالسلطة من الشعب كان أفضل حالا –بل لا يمكن بتاتا مقارنته بوضع الحريات والحقوق والديموقراطية في مصر إبان استيلاء الجنرال المنقلب على السلطة.

كما أن حال الديموقراطية داخل جماعة الإخوان المسلمين في الحد الذي حاولنا تبيينه سلفا-بالتأكيد- هي أفضل حالا مما هي عليه في تجمع الأصالة والمعاصرة الذي أخذت المرأة فيه بيد رجل وصرخت في تجمع بشري غير منظم -ولا أظنه قابلا للتنظيم-:
– هذا أميننا العام.

فيصرخ الجميع في غوغائية وتنتهي الولادة غير الطبيعية بخروج من سمي “أمينا عاما” لهذا التجمع الذي تأكد من اعتباطية اشتغاله أنه كما كسَح هذا المرفوعةُ يده كل قواعد الديموقراطية الداخلية لتجمعه، فإن حاله مع المجتمع لن يكون بأحسن حالا، بل سيسعى لكسح كل ما راكمته قوى المجتمع الحية من مكتسبات تداولية سواء على التعبير او على السلطة.

إن التعريض ب “الإخوان المسلمين” على لسان الضيف الممثل لتجمع “الأصالة والمعاصرة” لا يقرأ من ورائه سوى رسالة ظاهرة للعيان مفادها:

“أننا جئنا في المجتمع المغربي لنؤسس على أنقاض ديموقراطية الشعب المغربي نفس النموذج الذي أسسه الجنرال المنقلب “عبد الفتاح السيسي” على أنقاض ديموقراطية الشعب المصري التي لا ينكرها أحد، بل لا يستطيع إنكارها ولا توابعَها حتى الجنرال المنقلب.
ويبقى السؤال مطروحا:

“تلك معالم مشروع مجتمعي صرح بها ضيف البرنامج المحسوب على تجمع لا يمكن أن يرتقي إلى مستوى “حزب”–تصريحا- في غياب لمساحيق التجميل التي عادة ما يملأ بها هذا التجمع منشوراته.

فهل سيستطيع هذا التجمع أن يقفز في المستقبل على مقدرات هذا الشعب كما فعل قرينه الانقلابي في مصر؟

إلى الآن حالت يقظة الشعب، وحرص الملك على المنهجية الديموقراطية، دونه وما يبتغي، لكن التخوف باق ما لم ينتقل الشعب من متراكمة الحصيلة الديموقراطية إلى تنسيقها ومواكبتها بالتأطير النظري الكفيل بتحويلها إلى ثقافة محلية مداخلة لبنية وعيه.
وتلك قصة أخرى.