منتدى العمق

البيجيدي من المشاركة السياسية إلى قيادة الإصلاح

في كثير من الأحيان، يخرج من الناس وخاصة من يقاطعون الإنتخابات، من يطالب عبد الإله بنكيران بالإستقالة إذا لم يستطع الإصلاح، أو إذا لم يستطع تمرير بعض القوانين أو الإجراءات التي يريدها، وأصحاب هذا القول في الحقيقة، يقاربون الأمور بمنطق حدي، فيه الأبيض والأسود فقط، لا مجال لمنطقة رمادية بينهما، فإما أن نفعل ما نريد فعله، أو ننسحب، وهذاالتصور يتم تجسيده فعليا من خلال حالة المقاطعة ، لأنه في نظرهم لا فائدة من المشاركة في ظل الوضع الحالي، وبالتالي، سنبقى منسحبين من هذا الوضع حتى تتاح الظروف والشروط المناسبة للإصلاح، مع العلم وبشكل بديهي بأن هذه الشروط والظروف لا تأتي وحدها، بل تحتاج من يناضل ويقاوم ، ويحاول كل جهده حتى تتحسن الأوضاع شيئا فشيئا، ربما بشكل بطيئ ، وربما قليل، ولكن بخطى ثابتة نحو واقع أحسن، وهذاالخيار هو الذي اختاره حزب العدالة والتنمية عندما قرر المشاركة السياسية، وقبلها المشاركة المدنية، في خطوتان متتاليتان زمانيا، في انسجام تام مع منهجهه في المشاركة الإيجابية والتدرج.ذ

ولنفهم أكثر مالذي يعنيه هذا التدرج في الإصلاح شيئا فشيئا، لنستعرض وضع البداية مقارنة مع الوضع الحالي، مرورا بالتغيرات التي تمت بين الحالتين.
لقد كان النقاش داخل الحركة الإسلامية (حركة التوحيد والإصلاح حاليا) في الثمانينات حول الموقف من الإشتغال العلني وفق القانون من عدمه ، واختارت العمل وفق القانون، ثم تم تأسيس جمعية قانونية تشتغل داخل المجتمع المدني، لتكون بذلك بداية العمل المدني،لتطهر مباشرة بعد ذلك، قضية المشاركة السياسية لتصبح محور النقاش، وعلى إثرها تم الإلتحاق بحزب سياسي بعد أن تم المنع من تأسيس حزب خاص، ثم طلب منهم عدم المشاركة في الإنتخابات، خلال كل هذا الوقت، إختارت فئات عديدة عدم المشاركة ، بل واختارت أخرى ، رفض كلي للنطام السياسي في انتظار تغييره، كيف ومتى ؟؟؟ لا أحد يعرف الجواب.
وبدأت المشاركة في الإنتخابات الجماعية مشروطة بعدم الترشح في 50% من الدوائر، وخاضها أعضاء حزب العدالة والتنمية مع كل الفساد الذي يعتريها ويعتري العمل الجماعي ، وساهموا في إصلاح ما يمكن إصلاحه ، وتحالفوا مع الأحزاب الأخرى ، وحققوا إنجازات مهمة ، وكانت لهم إخفاقات ، وسيروا جماعات ومقاطعات بمنطق مختلف واستفاد السكان من بعض الإصلاحات ، كل هذا ودعاة المقاطعة يسبون ويلعنون ويصفوهم بالتعاون مع الفاسدين ويطالبونهم بالإصلاح الشامل والفوري، أو الإنسحاب الشامل والفوري (الإستقالة)، ثم تلا ذلك، المشاركة في الإنتخابات التشريعية ، وحصل فيها الحزب على 9 مقاعد ، كل هذا والمقاطعون يسبون ويلعنون، ويتهمون البيجيدي بالمساهمة في مسرحية فارغة وبعجزهم عن فعل أي شيئ، وبالتالي، عليهم تقديم الإستقالة.

وجاءت الخطة الوطنية لإدماج المرأة ،وظهر الدورالمحوري لحزب العدالة والتنمية من داخل المؤسسة التشريعية في المدافعة و الممانعة، ونقل القضية من قبة البرلمان، إلى الساحة المجتمعية ،لتكون موضوع نقاش داخل المجتمع برمته وبكل حساسياته وأطيافه، واستمرت المشاركة والتفاعل بين الحزب والمجتمع من جهة والحزب والمؤسسات من جهة أخرى ، ليشكل البيجيدي تعبير عن فئة مهمة من المجتمع المغربي داخل المؤسسات، وجاءت محنة 2003 وصمد الحزب وتجاوزها وبعدها محنة 2009 وصمد الحزب خلالها وتجاوزها وأبدى عن ثبات حقيقي خلالها، وجاء الربيع العربي ليثبت حزب العدالة والتنمية ضد الموجة، في استجابة وتبني لكل المطالب الإصلاحية، ورفض واضح وصريح، لكل المطالب والشعارات التي تهدد استقرار المغرب وتهدد مؤسساته الراسخة، وجاء الخطاب الملكي ل9 مارس مستجيبا للمطالب الإجتماعية والإصلاحية وفاتحا المجال لمرحلة جديدة من خلال دستور 2011 وكانت للبيجيدي مساهمة في النقاش حول الدستور، ودعا للتصويت عليه. وأجريت الإنتخابات وتصدر البيجيدي النتائج وعين صاحب الجلالة عبد الإله بنكيران رئيسا لحكومة سياسية جاءت بها صناديق الإقتراع، كل هذا والمقاطعون يسبون ويلعنون ويطالبون بالإصلاح الشامل والفوري أو الإنسحاب الشامل والفوري(الإستقالة)، ومرت بالمغرب ظروف اقتصادية صعبة، و زلازل سياسية كادت تعصف بالحكومة في أكثر من مرة، وصمدت حكومة بنكيران وحققت إنجازات مهمة على المستوى السياسي، والتشريعي، والإقتصادي والإجتماعي، وأعادت الإعتبار للحياة السياسية والمصداقية للمشهد الحزبي، واهتمت بالفئات الهشة، وفتحت واجهات إصلاحية كبرى وصعبة ومعقدة، من قبيل إصلاح المقاصة، والتقاعد، والقضاء، والمجتمع المدني، والدواء، والتغطية الصحية، و..و..و..و..و.

كل هذه الإنجازات في حقيقتها نتاج لفكرة واحدة ومبدأ واحد وهو “التدرج” لينتقل من مجموعة من الناس لها رغبة في المساهمة الإيجابية داخل المجتمع إلى أكبر قوة سياسية في المغرب وحزب يدبر شأن أكبر المدن المغربية ويرأس حكومة المغرب ويشكل القطب الأقوى داخل المشهد الحزبي المغربي.
خلال هذا الوقت راكم الحزب تجارب ومعارف، وممارسة وتاريخ، وشكل تحالفات وحقق إنجازات ومر بإخفاقات، في مسار تاريخي مليئ بالمحطات، ومازال دعاة المقاطعة في مكانهم ينتظرون! … وينتظرون!! .. وينتظرون!!!