سياسة

التيجيني .. الوجه الآخر لـ “عكاشة” الإعلام العمومي بالمغرب

قليلون هم من يعرفون مسار محمد التيجيني مقدم برنامج “ضيف الأولى” على القناة العمومية الأولى. فهذا الشخص الذي يبدو أنه صحافي ينشط برنامجا حواريا على قناة المغاربة الأولى يخفي وراءه وجها سياسيا، تنقل بين عدة أحزاب سياسية يسارية ويمينية في بلجيكا غير أنه لم ينجح في أن يصنع لنفسه مكانا هناك فدخل إلى المغرب عبر بوابة القناة الأولى إثر صفقة غامضة مع مديرها فيصل العريشي من أجل لعب دور يتضح مع مرور الأيام أنه شبيه بالدور الذي لعبه إعلاميو رجال المال والأعمال في إسقاط حكم الرئيس محمد مرسي المنتخب ديموقراطيا.

التيجيني أم الروخو؟

لايعرف كثيرٌ من متتبعي تاريخ محمد التيجيني ذي الأصول البركانية، أن الأخير بعد أن حصل على الإجازة بمدينة وجدة خلال التسعينيات في تخصص الدراسات العليا للقانون العام والإداري، سافر إلى بلجيكا من أجل متابعة دراسته بشعبة الاقتصاد بالجامعة الحرة ببروكسيل، وانخرط بعدها في الحزب الاشتراكي، حيث ترشح باسمه في الانتخابات المحلية تحت اسم “محمد الروخو” بعد أن حصل على الجنسية، غير أنه مني بفشل ذريع ولم يستطع أن يحقق مبتغاه في أن يكون وجها سياسيا هناك كغيره من المغاربة والعرب الذين نجحوا في صنع اسم لهم في الساحة السياسية البلجيكية.

طموح التيجيني السياسي لم يتوقف بعد فشله مع الحزب الاشتراكي البلجيكي، ليلجأ بعدها إلى وجهة حزبية مناقضة بـ 180 درجة للحزب الاشتراكي، حيث ترشح خلال انتخابات 2007 النيابية مع الحزب اليميني تحت اسمه الحالي “محمد التيجيني” بعد تلقيه لوعود من قيادة الحزب بتقلد مناصب عليا في هيكلة الحزب، وهو مافسرته الصحافة البلجيكية حينها بأن “التيجيني” رجل مصلحي يمارس السياسية ليس من أجل أهداف مبدئية بل لأهداف خاصة.

سياسي في جبة إعلامي

التيجيني ليس إعلاميا له باع طويل في ميدان الصحافة، بل إن ماضيه يشير أنه رجل سياسة وإدارة وليس رجل إعلام، فقد بدأ مساره المهني في الاشتغال في عدة دواوين وزارية ببلجيكا، إلى أن تحول إلى منتج للتلفزة الفلامينية البلجيكية، ليقوم بعدها شهر مارس من سنة 2012 بإطلاق أول تلفزة مغربية بلجيكية تحت مسمى “المغرب تيفي” لفائدة الجالية المغربية بالخارج، حيث تميزت القناة ببرنامج “التجيني تولك” الذي يقدمه التيجيني نفسه، والذي سار فيه على نهج الإعلام المصري، حيث يطل الإعلامي لمدة من الزمن على الزمن ليقوم بتحليل الأوضاع السياسية والاجتماعي دون وجود أي ضيوف أو رأي آخر، حيث يعمل الإعلامي على توجه رسائل معينة إلى الجمهور دون ضوابط مهنية وأخلاقية تحترم ذكاء المشاهد.

التيجيني أو “الروخو” سابقا، حول برنامجه على قناة “مغرب TV” إلى ما يشبه منبر سياسي وليس إعلامي حيث لا يتوانى في الهجوم على السياسيين الذين يمثلون الإسلاميين، كما يتهمه بعض المتتبعين باستغلال قناته لممارسة “الابتزاز” ضد المسؤولين المغاربة وعدد من المؤسسات العمومية وعلى رأسها القناة الأولى حيث تحدث عما أسماه الفساد الذي يوجد بقناة دار البريهي، وهو ما نجح فيه فعلا، حيث بعد أسابيع من هجومه على القناة الأولى تفاجأ المشاهدون المغاربة من وجود برنامج جديد في خريطة البرمجمة بالقناة الأولى تحت مسمى “ضيف الأحد”، من تنشيط التيجيني نفسه، ليتوقف البرنامج بعد حلقات قليلة ويعود التيجيني إلى بلجيكا ليظهر مجددا على برنامجه “التيجيني تولك”.

صفقة غامضة

بعدما نجح النموذج الإعلامي المصري في الإطاحة بنظام محمد مرسي المنتخب ديموقراطيا، بدأت الجهات النافذة في المغرب أو ما أسماها القيادي في حزب العدالة والتنمية عبد العزيز أفتاتي بـ “الدولة العميقة”، تعمل جاهدة من أجل الإطاحة أيضا بحكومة عبد الإله بنكيران التي توصف بأنها إسلامية، حيث انسحب حزب الاستقلال من الحكومة وكانت الحكومة قاب قوسين أو أدنى من السقوط كما وقع لحكومة النهضة بتونس، غير أن دهاء بنكيران السياسي فوت الفرصة على تلك الجهات هذه المناورة، وهو ما جعلها تلجأ إلى الإعلام من أجل لعب الدور الذي فشلت فيه خطة انسحاب حزب الاستقلال.

وكانت صفقة انضمام محمد التيجيني المسمى سابقا بـ “محمد الروخو” تمثل التوجه الأبرز لهذا الاتجاه الهادف إلى استعمال الإعلام من أجل مواجهة الحكومة التي يقودها حزب البيجيدي، حيث ظل التحاق التيجيني بالقناة الأولى سرا استعصى على المتتبعين فهم أبعاده، خصوصا وأن البرنامج الحواري الذي يقدمه التيجيني بالقناة الأولى تحت مسمى “ضيف الأولى” يمكن لأي إعلامي بالقناة أن يقدمه، وهم كثر، ناهيك عن كلفة التيجيني الغالية في إعداد البرنامج، حيث تشير مصادر مطلعة أن استوديو “ضيف الأولى” هو الأغلى ضمن استوديوهات قناة دار البريهي، بالإضافة إلى أن القناة هي من يتكفل بتذاكر ذهاب وإياب التيجيني من بلجيكا إلى المغرب، دون إغفال أجرته الشهرية التي ظلت سرية هي الأخرى.

غير أن فهم أبعاد التحاق التيجيني بالقناة الأولى بدأت تتضح للمتتبعين شيئا فشيئا، فجعلت هذا الرجل إلى القناة الهدف منه هو تجميل المعارضة والإساءة إلى الحكومة وأعضائها، حيث تجلى ذلك بارزا في الحلقة التي استضاف من خلال التيجيني الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة إلياس العماري، إذ تأكد للكل حينها أن التيجيني سعى جاهدا إلى تحسين صورة حزب البام وتشويه صورة البيجيدي رغم أن العرف الأخلاقي في الإعلام هو أن مقدم البرامج الحوارية يكون مدافعا عن الأطراف الغائبة في برنامجه وتوجيه الاتهامات إلى الحاضرة فيه، غير أن التيجيني لعب دورا عكس ذلك، وأنهى حواره بشكر العماري على استضافته، وهي العبارة التي اعتبرت حينها زلة لسان، في حين اعتبرها الكثيرون تعبيرا حقيقيا عن من استضاف من.

واجب التحفظ

من المعروف أن الصحافيين المشتغيلين بوسائل الإعلام العمومية الممولة من جيوب دافعي الضرائب، أنهم ملزمون بواجب التحفظ عن التعبير عن أرائهم في النقاشات العمومية والمنتديات ووسائل التواصل الاجتماعي، حتى لا يتم اعتبار أراء الصحافي أنها تعبير على توجهات القناة التي يشتغل فيها والتي يفترض فيها أن تكون محايدة لأنها تعبر عن جميع أراء واتجاهات المجتمع، غير أن التيجيني لم يلتزم بذلك، حيث يستغل قناته في بلجيكا وصفحته الرسمية على فيسبوك من أجل طرف سياسي أو مجتمعي معين، ويأتي بعدها للقناة الأولى ليقدم برنامجا يقول إنه يسعى للتوازن واحترام الرأي والرأي الآخر، غير أن ميولاته السياسية المناصرة لطرف على آخر تنتصر داخل البرنامج على حساب المهنية وأهداف الإعلام العمومي.

ولاحظ عدد من متتبعي برنامج “ضيف الأولى” أن التيجيني يكون متساهلا مع أحزاب المعارضة وأو الوقوف إلى جانبها بشكل مفضوح، في حين يتعامل بالعكس من ذلك مع أعضاء الحكومة، وهو تصرف لا يعكس مهنية القائم على البرنامج بقدر ما يعكس أن التيجيني هو رجل سياسة استغل القناة الأولى من أجل تصريف مواقفه السياسية ضدا على أخلاقيات المهنة، وهو ما يطرح تساؤلات حول أهداف التعاقد معه من لدن إدارة القناة الأولى، خصوصا وأن السيرة الذاتية لـ “التيجيني” ليس فيها ما يفيد أنه إعلامي له باع طويل في ميدان الصحافة ويستحق أن تخصص له القناة أموالا طائلة من أجل جلبه وتفصيل برنامج خاص به على المقاس، وهو برنامج يفترض أن يكون منشطه صحافي متمرس وله تكوين إعلامي رصين، بالإضافة إلى خصلة الحياد في إدارة برنامج على شاكلة “ضيف الأولى”، وهو ما ينتفي في محمد “التيجيني” أو “الروخو” سابقا.