وجهة نظر

بولوز: الخوف على تزوير الانتخابات عذر يسقط وجوب الجمعة

الْجُمُعَةُ خَاصَّةٌ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ وَيَوْمُ الْإِسْلَامِ المعظم، ومن َأَفْضَلُ الْأَيَّامِ بعد عرفة والأيام العشر والعيدين. ولا خلاف بين العلماء في كون صلاة الجمعة فرض عين على كل ذكر مقيم بالغ صحيح، قال تعالى:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (9) (سورة الجمعة) ووجه الدليل في الآية أن الأمر للوجوب.

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على أعواد منبره “لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين”

وفي سنن أبي داود وحسنه الألباني، عن أبي الجعد الضمري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “من ترك ثلاث جمع تهاونا بها طبع الله على قلبه” أي يمنع إيصال الخير إليه ما دام على تلك الحال من غير توبة من ترك الجمعة. وفي صحيح الترغيب للألباني عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما قال : ” من ترك الجمعةَ ثلاثَ جمعٍ متوالياتٍ ؛ فقد نبذ الإسلامَ وراءَ ظهرِه”

ثم إن الجمعة بدل من صلاة الظهر الواجبة.ولا يمكن أداؤها إلا بمسجد جامع.

وقد اجتهد المشرع المغربي في مراعاة هذه الخصوصية لصلاة الجمعة فمن خلال النظر في النصوص المنظمة لتوقيت العمل الإداري، نجد منشور الوزير الأول تحت رقم 26 و. ع بتاريخ 07 أكتوبر 1985، الذي أكد على ضرورة تقديم كل التسهيلات الكافية لتمكين الموظفين والأعوان من أداء صلاة الجمعة.

وفي ذات السياق، وتماشيا مع هذا التوجه، عمل قطاع التربية والتكوين على فرض احترام أداء هذا الواجب الديني، انطلاقا من تدبير وهندسة الزمن المدرسي لإعطاء هذا الواجب ما يستحقه من العناية والاهتمام اللازم.جاء في “التشريع المدرسي ص ١١٤الطبعة 2006 :التعطيل عن العمل لاداء صلاة الجمعة :”انسجاما مع مقومات الاصالة المغربية ،خصوصا منها ما يتعلق بالدين الاسلامي الحنيف.فان الادارة تسمح للموظفين و المتعلمين بالتغيب عن العمل لاداء صلاة الجمعة ،و ذلك بالنسبة للذين يستمر عملهم الى حدود الثانية عشر زوالا.و يبتدئ قبل الساعة الثالثة بعد الزوال. «
وكان من المفروض أن يتجه المشرع إلى جعل يوم الجمعة عطلة أسبوعية، وهذا ليس من باب تحريم أو منع العمل يوم الجمعة وإنما من باب الأفضل والأحسن فمادام الناس في الدنيا يختارون يوما أو يومين كل أسبوع لجعله يوم عطلة وراحة، وكما اختار اليهود والنصارى السبت والاحد فناسب أن نختار نحن المسلمون الجمعة ويوما بعده ونبدأ أعمالنا يوم الأحد، ولا يخفى ما في اختيار الجمعة من تيسير ظفر الناس بعدد من السنن في ذلك اليوم الفضيل وكذا بعض العادات الجميلة، مثل الاغتسال، والتبكير إلى المساجد واجتماع الأسر على موائد الكسكس والتزاور وصلة الرحم ونحو ذلك.

وطالما نبه كثير من الفضلاء إلى أن تزامن أيام الاقتراعات الانتخابية والدستورية مع يوم الجمعة، غير مناسب للخلفيات الحضارية والاجتماعية والدينية التي ذكرناها، لما يكون من حرج يهم أساسا صلاة الجمعة، فإذا وجدنا حلا في تسهيل أداء الصلاة للموظفين في الأيام العادية، كيف العمل يوم الاقتراع حيث أبواب التصويت مفتوحة في اليوم كله، ووجب التواجد في مكاتب التصويت على اللجن المكلفة وكذا على الملاحظين الممثلين للأحزاب؟ وللمرء أن يتصور مع ما يقارب الأربعين ألفا من المكاتب، كم من الناس نوقعهم في الحرج ونحرمهم من أداء واجبهم الديني، وإلا كيف يطمئنون إلى الخروج لصلاة الجمعة، والاحتمال وارد في التلاعب وتزوير إرادة الناخبين وربما حتى تغيير صندوق بصدوق. وما أدري ماذا سيحدث في ملك الله لو جعلنا يوم الاقتراع هو يوم الاحد ما دام هو يوم عطلة لحد الآن؟ والحال أنه سييسر أداء الواجب الوطني على المواطنين، ولا يوقع أحدا في الحرج مع واجبه الديني يوم الجمعة.

وفي انتظار رفع الحرج عن الناس من طرف من هم وراء اختيار يوم الجمعة للاقتراع والانتخاب، يبقى السؤال مشروعا في حق من يتولى الحراسة المباشرة لإرادة المواطنين حتى لا يطالها تحريف أو تزوير، من أعضاء المكاتب والملاحظين ومن هم في حكمهم، وهل يجوز لهم التخلف عن صلاة الجمعة في المسجد وصلاتها ظهرا بدلا عنها؟

فبالاضافة إلى من لا تجب عليهم صلاة الجمعة كالنساء، ذكر العلماء من الاعذار التي تجيز التغيب عن صلاة الجمعة للذكور:السفر والمرض والخوف، وفصلوا في الخوف كما في الموسوعة الفقهية الى ” ثلاثة أنواع‏:‏ خوف على النّفس، وخوف على المال، وخوف على الأهل‏.” وذكروا في الخوف على المال” “أن يخاف على ماله من ظالم أو لصّ، (…) أو يكون له بضاعة أو وديعة عند رجل وإن لم يدركه ذهب، أو كانت عنده أمانة كوديعة أو رهن أو عاريّة ممّا يجب عليه حفظه، ويخاف تلفه بتركه‏.‏ ويدخل في ذلك الخوف على مال الغير‏.” قال الشيخ المالكي خليل رحمه الله تعالى في مختصره وهو يذكر الأعذار المبيحة للتخلف عن الجمعة والجماعة:  “وخوف على مال” قال في التاج والإكليل: “أي مال له بال ولو لغيره”

وأقول: هذا في أمر الأفراد، فكيف بالخوف الذي يهم أمر الجماعة والمصلحة العامة، ومالية الجماعات المحلية والوزارات والميزانية العامة وأموال الشعب المغربي من أن ينهبها المتحكمون والفاسدون المفسدون، لا شك سيكون الأمر أدعى للأخذ بهذه الرخصة، ويجوز فيها التخلف عن صلاة الجمعة يوم الاقتراع وأداء الصلاة ظهرا: أربع ركعات.

فالشأن السياسي اليوم له تأثير كبير في دين الناس وقيمهم وفي تعليمهم وصحتهم وإدارتهم وإعلامهم واقتصادهم‏ وأموالهم ومشاريعهم وأسرهم وأمورهم الاجتماعية وتدبير حياتهم من الحصول على شهادة الميلاد إلى حصول ذويهم على شهادة وفاتهم، والسياسة برجالها ونسائها وبطبيعة الاحزاب التي ينتمون إليها وينخرطون فيها، فإن غلب عليهم الصلاح انتظر الناس خيرا في مصالحهم الدينية والدنيوية، وإن أفرزت الصناديق فاسدين مفسدين فلن يتوقعوا أبدا عنبا من شوك أو ريحا طيبة من مزبلة.

فحراسة إرادة المواطنين يوم الاقتراع وغيره مصلحة كبيرة أكثر من حفظ مال النفس ومال الغير من الأفراد، ويكون الخوف من التزوير والتلاعب بالنتائج وتغيير الصناديق عذرا شرعيا واضحا بينا لا لبس فيه لمن استحضر مقاصد الشرع في حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والعرض والمال، والمصالح الشرعية معتبرة في الاجتهاد والترجيح، والله تعالى أعلم وأحكم.