سياسة

همام: شباب “العمق المغربي” فضحوا المتلاعبين بالنار والمسيئين للملك

قال الأستاذ الجامعي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكادير محمد همام، أن شباب وشابات العمق المغربي الذين أتوا من مدن بعيدة إلى الدارالبيضاء للمشاركة في المسيرة ضد “أخونة الدولة”، “فضحوا الجبناء، رافضين أن يباعوا في سوق نخاسة المتاجرين بمستقبل الوطن والمواطنين”.

وأشار همام في تدوينة على فيسبوك أن هؤلاء الشباب والشابات “حملوا لافتاتهم مقلوبة، ونطقوا مصطلحاتهم محورة، وأعطوا دلالات خاصة لشعاراتهم، بالخلاصة رموا في وجوههم كل ما أعطي لهم؛ من أكلات منتهية الصلاحية، ومن شعارات غريبة عن المجتمع، ومن مصطلحات متحيزة ومستوردة من خارج السياق التداولي الاجتماعي والسياسي والثقافي المغربي، هزموهم بدهشتهم واستغرابهم وعفويتهم، فطوبى لكم”.

واعتبر همام أن “الذين دفعوا بمجموعة محدودة جدا من المهمشين والمستضعفين من المواطنين إلى شوارع الدارالبيضاء، من غير تأطير ولاتوجيه ولاحماية، يلعبون بالنار؛ فكان بالإمكان أن تقع انزلاقات غير متحكم فيها وفوضى لاحدود لها؛ فهم يسيؤون إلى ثلاثة أطراف”.

وأشار أن الطرف الأول الذي يسيؤون إليه هو الشعب، “لأنهم يستغفلونه، ويريدون تحريكه كجماعات وظيفية، بلا وجهة ولا أهداف، من أجل أدوار قذرة ومخفية لايعلمها إلا المخططون الجبناء لهكذا تحركات مغامرة ومقامرة بتماسك المجتمع وبأمنه وباستقراره. ولكن، كان المستضعفون من المواطنين أذكى منهم وحولوا مسيرتهم إلى كوميديا ومهزلة، وفضحوهم أمام الكاميرات وعلى رؤوس الأشهاد”.

أما ثاني طرف يسيء إليه منظمو مسيرة البيضاء بحسب رأي همام، فهو الدولة، مشيرا أن “أولئك الجبناء المتخفين يسيؤون إلى الدولة لأنهم يرجعون مسار التغيير الإيجابي في المغرب إلى الوراء، ويعمقون القطيعة مرة أخرى بين الدولة والمجتمع، ويهيئون الأجواء لحراك شعبي واجتماعي آخر قد لايبقي ولايذر”.

وأبرز أنه “بهكذا سلوك جبان ومتهور لن يرى الناس في السلطة، أو في بعض أجنحتها المنفلتة، إلا جهازا للتوظيف والتحكم، مفتقرا إلى أي معنى أو رؤية أو قيمة. وبذلك تفقد الدولة قيمها الوطنية والنهضوية والتحديثية.

وعندما تفتقد الدولة هذه القيم تصبح مجرد جهاز يحاول بكل الوسائل السيطرة على المجال والسكان وتدمير الفاعلين المكونين للمجتمع السياسي والاجتماعي”.

وأضاف أن “الدولة تتصرف عندها بدون مرشد قانوني أو أخلاقي أو سياسي، ولاتعتمد إلا على القوة والحنكة والخديعة، عندها لاتصبح الدولة دولة المواطنين بل دولة أصحاب المصالح الضيقة الذين يرهنونها وترهنهم، فتتماهى مع عرابي اقتصاد الريع والمضاربة المحلية وكذا الأجنبية؛ المضاربة في مستقبل المجتمع والدولة جميعا، وتتماهى الدولة في ذهن الشعب مع مجموعات المصالح اللاوطنية مما يشكل الأرضية المناسبة لبلورة طوباويات وراديكاليات سياسية ودينية وإثنية تهدد بنيات المجتمع والدولة جميعا بالتشقق والتفكك والتدمير التناقضي”.

وأشار همام أنه “كان على الدولة أن تتنبه إلى الشرخ الذي كان ومازال يفصلها عن المجتمع لتحتضن القوى الاجتماعية والسياسية الحقيقية لردم الهوة وتدشين علاقات الثقة بالمجتمع، عوض السير في الاتجاه المضاد، من خلال مجموعة من المسلكيات المتحيزة والبدائية، بالدفاع عن نفسها من خلال مناهضة القوى الاجتماعية والسياسية والوقوف ضدها والكيد لها وربما الفتك بها”.

واعتبر أن مثل مسيرة الدار البيضاء هي “مدخل أساس لإنتاج التوتر والعنف واللااستقرار وإفساد فرص الخروج من الأزمة وولوج مجالات التنمية الحقيقية”، مشيرا أن “تكريس هذه العقيدة المغلقة للدولة أو لجزء منها في التدبير لن يكرس إلا العقائد التمردية في الجماعات السياسية والاجتماعية داخل المجتمع، مما سيعيد المجتمع والدولة معا إلى مربع الصراع والمغالبة وعدم الثقة والرغبة المتبادلة في التدمير”.

وشدد على أنه “لو نجحت المسيرة / المهزلة لانفتح البلد على هوة مظلمة لاقرار لها، ولتعمق القلق السياسي والاجتماعي على المستقبل، ولنتخيل ما سيأتي من التردد والحيرة وعدم الاستقرار”، مبرزا أن “الدولة ستضطر عندها إلى بناء مجتمع سياسي وهمي، هي من يرسم هويته واتجاهه، ويحدد مداخله ومخرجاته ووظائفه. مجتمع اصطناعي غير قادر على بناء مسار للاندماج الوطني، بل يتحول هذا المجتمع الوهمي والاصطناعي، إلى آلة شرسة لمحاصرة المجتمع الحقيقي بمكوناته السياسية والاجتماعية المنبثقة من الرحم الطبيعية للمجتمع وليس من الأنابيب الاصطناعية”.

وأشار أن الطرف الثالث الذي أساء إليه منظمو مسيرة الدار البيضاء هو الملك، وذلك من “خلال إهانة الخصوصية الدينية والسياسية للنظام السياسي باستدعاء مصطلحات وألفاظ من سياق مخالف بل مناقض تماما؛ فـ “الأخونة” مصطلح متحيز استعمله نظام عسكري غاشم انقض على السلطة من فوق دبابة عسكرية، وأزال سلطة شرعية منتخبة، مهما اختلفنا معها، مع أن المتتبع للشأن المصري الذي ورد علينا منه مصطلح الأخونة يعرف بأن نسبة الإخوان المسلمين في الأجهزة الأساسية للدولة كانت محدودة جدا”.

وأضاف أن “مصطلح الأخونة مستفز حتى للأداء الفونيمي الصوتي للدارجة المغربية لأنه مخلوط بشيء من الخنونة، والخونة، ووو … وقد جاءت اللافتات والشعارات التي صنعها المقامرون مزينة بصور الملك، مما يشعر في الداخل والخارج بأن الملك في خطر من جهة ما. فماذا يريد محركو المسيرة/ المهزلة بهكذا إيحاء؟”.

واختتم بالقول “إن المقامرين يلعبون بالنار ويريدون خلط الأوراق، اليوم اصطدموا بذكاء الشعب ووعي الشباب، وقد يعودون غدا بأشكال أخرى وبألعاب سحرية أخرى، مما يقتضي يقظة مستمرة ومداومة مستمرة من الشباب حماية للوطن وتحصينا لمكتسبات المواطنين”.