وجهة نظر

هذه خطة إنقاذ نظام التقاعد، وهكذا واكبتها الحكومة

كنا قد تطرقنا في مقال سابق إلى أزمة أنظمة التقاعد في المغرب وملحاحية واستعجالية إصلاحها وركزنا على تفسير أسباب هذه الازمة، وكيف كان يمكن تفاديها في سنة 2004 و2006 و2009، مع عرض تداعياتها وآثارها، والمتمثلة في توقف في صرف المعاشات لفئة تهم حوالي 400 ألف مستفيد بحلول سنة 2022؛ وإذا ما أرادت الدولة معالجة عجز الصندوق المغربي للتقاعد بالاعتماد على تعديل كل مقياس على حدة، فهذا يعني 3 خيارات: أولا، إما الرفع من معدل الاقتطاع من 20% حاليا إلى 50% ابتداء من سنة 2016؛ ثانيا، تخفيض قيمة المعاشات بالنصف بما فيها المعاشات المصروفة حاليا؛ ثالثا، الرفع من سن الاحالة على التقاعد الى 77 سنة.

وفي هذه المرة سوف نبسط ركائز ومقاربة خطة إصلاح أنظمة التقاعد ومعالمها الأساسية والإجراءات الحكومية المعتمدة لمواكبة هذ الإصلاح.

ركائز خطة إصلاح أنظمة التقاعد: عدم المساس بالحقوق المكتسبة والمقاربة التشاركية

لعل أبرز ركيزة يقوم عليها إصلاح أنظمة التقاعد هي عدم المساس بالحقوق المكتسبة، حيث سيحافظ الإصلاح عليها قبل تاريخ تنفيذه، وستحتسب تلك المرحلة على أساس 2,5% لكل سنة؛ بالإضافة إلى أن هذا الإصلاح يمس بشكل كلي الأشخاص الذين سيلجون الوظيفة بعد تاريخ تنفيذ الإصلاح وكذا السنوات المتبقية للموظفين الحاليين؛ علاوة على هذا فلن يمس الإصلاح المستفيدين الحاليين من متقاعدين وذوي حقوق، حيث سيستمرون في تلقي معاشاتهم دون أي تغيير.

ومن بين الأمور التي ركزت عليها الحكومة قبل الاصلاح، هي المقاربة التشاركية مع المعنيين بهذا الملف، حيث عقدت الحكومة أول لقاء مع المركزيات النقابية في مارس 2012، أي أسابيع فقط بعد تنصيبها، وتم الاتفاق في شتنبر من نفس السنة على إحداث “اللجنة العليا للتشاور” إلى جانب “اللجنة الوطنية للحوار الاجتماعي” و”خلية لدى رئيس الحكومة لتتبع حل النزاعات المستعصية”.

كما حرصت الحكومة طوال السنوات الخمس الماضية على عقد اجتماعات الحوار الاجتماعي، حيث عقدت مع الشركاء الاجتماعيين ما بين 2012 و2015، 8 جولات للحوار، فضلا عن اجتماعات اللجان الموضوعاتية واللجان القطاعية، واللجنة الوطنية لإصلاح أنظمة التقاعد. وخلال شهري أبريل وماي 2016، تم عقد 4 جولات للحوار الاجتماعي ثلاثي الأطراف برئاسة رئيس الحكومة.

كما عقدت اللجنة التقنية التحضيرية لهذا الحوار 8 جلسات للمناقشة والتفاوض حول النقط المدرجة في جدول الأعمال والتي همت تحسين الدخل والمعاشات؛ ومتابعة اتفاق 26 أبريل؛ واحترام الحريات النقابية؛ وإدماج القطاع غير المهيكل؛ وتعزيز الحماية الاجتماعية؛ والتشريع الاجتماعي؛ وإطلاق الحوار القطاعي؛ وإصلاح أنظمة التقاعد؛ ومأسسة الحوار الاجتماعي وتطوير التفاوض الجماعي.

المعالم الأساسية لإصلاح أنظمة التقاعد

بعد الاطلاع على توصيات المجلس الأعلى للحسابات واستشارة المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، قامت الحكومة بإعداد مشاريع قوانين تخص إصلاح نظام المعاشات للموظفين وفق 4 معالم،

أولا: رفع سن الإحالة على التقاعد إلى 61 سنة ابتداء من فاتح يناير 2017 وإلى 62 سنة ابتداء من فاتح يناير 2018 ثم إلى 63 سنة ابتداء من فاتح يناير 2019؛ ووفق نفس المنطق سينتقل سن التقاعد النسبي من 15 إلى 18 سنة بالنسبة للنساء ومن 21 إلى 24 سنة بالنسبة للرجال؛

ثانيا: رفع مساهمة الدولة والمنخرطين، كل منهما بأربعة نقط على مدى 4 سنوات ابتداء من تاريخ الإصلاح؛ لاقتطاع سيبدأ براتب شهر 09، حيث سينتقل من 10%إلى 11%، بينما سيصل إلى 12% ابتداء من يناير 2017، إلى أن يصل 14 % في يناير 2019. تقريبا قيمة الاقتطاع في الشطر الأول من 30 درهم إلى تقريبا 200 درهم لمن يحصل على راتب 20000 درهم
ثالثا: اعتماد الأجر المتوسط للثماني سنوات الأخيرة من العمل كقاعدة لاحتساب المعاش بشكل تدريجي على مدى 4 سنوات ابتداء من فاتح يناير 2017.

رابعا: مراجعة النسبة السنوية لاحتساب المعاش من 2,5٪ إلى 2٪ فيما يخص الحقوق التي ستكتسب ابتداء من فاتح يناير 2017.

الإجراءات الحكومية المعتمدة لمواكبة إصلاح أنظمة التقاعد

حرصت الحكومة على الوفاء وتنفيذ التزامات اتفاق 26 أبريل فيما يتعلق بالزيادة في الأجور والرفع من الحد الأدنى للمعاش والحوارات القطاعية، وذلك بتخصيص 13.2 مليار درهم سنويا لتنفيذ

كما تم اتخاذ عدة تدابير لتحسين وضعية الشغل والحماية الاجتماعية بالقطاع الخاص، منها:

– تصحيح الخلل المتعلق بشرط استيفاء 3240 يوم انخراط للاستفادة من المعاش في القطاع الخاص.
– توسيع التغطية الاجتماعية من 2.1 مليون مستخدم في 2011 إلى 3.1 في 2015، وارتفاع نسبة التغطية الصحية من 34 %سنة 2011 إلى 63% حاليا، على أن تصل 95% بدخول التغطية الصحية للمستقلين حيز التنفيذ.
– توسيع سلة العلاجات التي يغطيها CNSS.
– الرفع من الحد الأدنى للمعاش لفائدة 12.500 مستخدم بالنسبة للنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد.
– الرفع من الحد الأدنى للأجر في القطاع الخاص ب10% وبالوظيفة العمومية إلى3000درهم صافية شهريا.
– إخراج نظام التعويض عن فقدان الشغل بكلفة قدرها 500 مليون درهم.
– إخراج عدة مشاريع قوانين لفائدة الشغيلة كتلك المتعلقة بحوادث الشغل، والعمال المنزليين، ومدونة التعاضد، والصحة والسلامة المهنية وعلاقات وشروط الشغل في الصناعة التقليدية.
– …

وقد تضمنت الاجراءات المواكب مقتضيات تهم الرفع من الحد الأدنى للمعاش من 1000 إلى 1500 درهم، على 3 سنوات.
كما أخرجت الحكومة مشروع قانون يرمي إلى إحداث نظام للتقاعد لفائدة المهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء، وعلى مشروع قانون بإحداث نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض لفائدة نفس الفئات، مما سيمكن 11 مليون مواطن من الاستفادة من التغطية الصحية والتقاعد، وبالتالي الرفع من نسبة التغطية الاجتماعية ببلادنا.

ختاما

مرة أخرى تثبت ال أنها جاءت للإصلاح لا غير. كان من الممكن أن تؤجل الحكومة الإصلاح إلى ما بعد 2016، لأنها ستتضرر ماديا وانتخابيا، لكن الوطن سيتضرر أكثر بسبب التأجيل ولهذا قررت الحكومة تحمل مسؤوليتها في إنجازه وعدم تأخيره؛ وهذا دليل آخر قاطع على تقديمها لمصلحة البلاد على مصلحة أحزابها السياسية، والان الكرة في ملعب الفاعلين السياسيين والاجتماعيين والاقتصاديين والمدنيين للانخراط الفعال في هذا الاصلاح، والابتعاد عن كل الحسابات السياسية والصراعات الانتخابية والمزايدات الحزبية، مستحضرة في ذلك مصلحة المغرب ومستقبل أجياله القادمة.