منتدى العمق

بأي حال أصبحت يا عيد

في الماضي القريب أو إلى عهد قريب بالأحرى كان المجتمع المغربي يعيش كالأسرة الواحدة تجد منازل الحي  أبوابها كلها مفتوحة، وكانت تطبع الحياة التضامن ومبدأ  “ديالك ماشي ديالك”، فكان الناس يعيشون في الأحياء في ود ووئام، وكان ما يعرف بالأسر الممتدة حيث يعيش الجد والجدة والأحفاد والخالة والخال والإخوة  في بيت واحد ، وكانت الحياة يغلب عليها ما هو سائد بمنطق “الجماعة” وقاعدة لا يخرج  من الجماعة إلا الشيطان .

اليوم كل هذا أصبح في خبر كان وفقط لحظات مسجلة في ذكريات من عايشوا هذه الأجواء ، يحنون إليها بشوق لعودتها، تغير كل شيء اليوم، ولم يعد العيد كما كان ولا الحياة كما كانت ولا طعمها كما كان أصبح الواحد منا لا يعرف نفسه ماذا يريد أصلا، وسار الكثير من الناس يستحضرون الحسابات الخبيثة المغلفة بالحسد والطمع وكم تملك وما هي مكانتك الإجتماعية .

وتنامت ظواهر عديدة على رأسها التباهي الإجتماعي و”بان عليا نبان عليك” والعديد منا يريد أن يبلغ للآخر رسائل مفادها أنه يعيش السعادة أكثر من الآخرين ويعبر عنها بالأشرطة المصورة التي يتم نشرها على المنصات الإجتماعية ، وكأن من يفعلون هذه الصور المقصودة  يعيشون السعادة وحلاوة الحياة دون غيرهم .

وانتشرت بين الناس ربما عنوة في كثير من الأحيان قاعدة “راسي يا راسي”، فمثلا في  الماضي كان العيد يمثل للمغاربة حدثا دينيا مهما  لإصلاح ذات البين وتجاوز الخصومات وبداية صفحة من صفحات التسامح ، ولا يحلو لهم العيد إلا بشرب الشاي في بيوت “لي كيغافروهم”، وكان الناس يصلون الرحم للعاجزين من المرضى والأكبر سنا وحتى الأعيان، فتحولت الحياة تقريبا منذ العشرية الأولى من هذه الألفية .

وزادت الطينة بلة بعدماحل عصر الأنترنيت المتاح للجميع، إلى الإكتفاء بإتصالات هاتفية لكي لا يتم قطع شعرة معاوية، ولقاء في حارة الحي كلما تصادف الناس بعضهم البعض، وبعدها انتقل تبادل التهاني على الوسائط الرقمية ، بتسجيل أوديوهات على منصات التواصل الرقمي .

فحتى هذه الممارسات من التهاني لم تبق كما كانت، فكثير من الناس يتجهون لتحميل من متصفح Google أو من منصة YouTube شريط به تسجيل يردد عبارة مبروك العيد أو صورة بها مبروك العيد ويرسلها لأصدقائه ومعارفه، سيما مع  صعود الثقافة الإستهلاكيةعندنا، وسمو الأنا ونرجسيتها، واستبدال ما قاله الرسول الكريم ب ” تصالحوا يذهب الغل”  إلى  “علاش مايْجيش هو يبارك لي العيد” .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *