مصطفى العلوي.. رجل من الجيل الذهبي للإذاعة والتلفزيون

يُعدّ مولاي مصطفى العلوي من الجيل الذهبي لصحفيي الإذاعة والتلفزة المغربية لمساره المهني الغني والاستثنائي.
تدرّج العلوي في مسالك السمعي البصري حتى تحول إلى نجم إعلامي وبطل وطني للشاشة بامتياز، سواء في نشرات الأخبار التي كان يقدمها بأسلوبه الخاص، أو في الروبوتاجات التي تغطي الأنشطة الملكية، أو في اللقاءات الحوارية التي كان يديرها، خصوصاً برنامج “حوار” الذي استقطب كبار الشخصيات السياسية والنقابية والفكرية، وشكل فضاء للنقاش السياسي حول مختلف القضايا الوطنية والإقليمية والدولية.
يُعتبر مولاي مصطفى العلوي ظاهرة إعلامية حقيقية، فقد اشتغل على جبهات متعددة. هاجم إعلامياً الأعداء والخصوم والمتربصين بالوحدة الترابية للمملكة في برنامجه الإذاعي الشهير “صوت الحق”، ثم ساهم في نقل القضايا الرسمية إلى مختلف فئات الشعب المغربي وتقريبها منهم بلغة زاوج فيها بين العربية والدارجة. كما لعب دوراً في مصالحة الجمهور مع السياسة من خلال برنامجه الشهير “حوار”، إذ حاور وجوهاً يسارية وإسلامية، وأخرى ليبرالية محسوبة على النظام السياسي، لدرجة أن البرنامج التلفزي ساهم في تحطيم نجوم سياسية وصناعة أخرى.
يشكل مولاي مصطفى العلوي بصمة خاصة، حيث نجح في خلق علامة مهنية في مختلف المواقع التي اشتغل فيها سواء بالإذاعة أو التلفزيون المغربي. يمثل مدرسة حقيقية في الإعلام بلغته العربية الراقية، ومهنيته العالية، ومخارج حروفه السليمة، وكذلك بحسه المهني وتكوينه العميق ومعرفته الجيدة بتضاريس الحياة السياسية ومسالكها الوعرة. هذه الخصائص المهنية اجتمعت فقط في مولاي مصطفى العلوي دون غيره. يمكن تخيل مدى نجاحه لو كان يعمل في قناة دولية مثل الجزيرة أو البي بي سي أو العربية أو سكاي نيوز؛ فهو رجل سيكون ذهباً بما تحمله الكلمة من معنى.
نجاح “الشريف” كما يلقبونه زملاؤه في التلفزيون في مساره المهني المتميز لم يكن بالسهل؛ إذ تعرض لدسائس ومؤامرات لقتل هذا النجاح المهني. لكن بالرغم من ذلك، استطاع بأسلوبه الهادئ وقوة العزيمة والثقة بالنفس الخروج منتصراً من كل الصعاب. وهذه ضريبة يدفعها دائماً الناجحون في مواجهة الفاشلين.
كان لي شرف أن أشارك بجانب العلوي في أكثر من ست أو سبع حلقات في برنامج “حوار”، حاورنا خلالها شخصيات سياسية وفكرية وازنة كعبد الإله بنكيران، ومحند العنصر، وعبد العزيز المسيوي، والمحمدي العلوي، والدكتور محمد الطوزي. لمست حينها عن قرب الطريقة المهنية العالية التي يدير بها الرجل محاور البرنامج، وأسئلة الصحفيين، والتفاعل مع أجوبة الضيف والرد على إشاراته ورسائله. كان البرنامج يستقطب نسبة مشاهدة عالية وكان محط اهتمام الرأي العام، وقد عرفت بعض حلقاته حضور مستشارين لجلالة الملك ضمن الجمهور الضيف.
وأعتقد أن آخر برنامج حواري كان بطله مصطفى العلوي، ومنذ ذلك الحين لم نشهد برنامجاً مثيلاً له يستقطب الرأي العام وتشكل محاوره موضوعاً للنقاش العمومي لأسابيع. تميز وتوفق العلوي لم يكن فقط في الجانب المتعلق بمهنيته، فمن تعرف على الرجل وجالسه، يلمس بكل تأكيد نبل وطيبوبة وصدق الإنسان وأخلاقه العالية. فهو خفيف ظريف على القلب، وصاحب ابتسامة جميلة لا تفارق محياه، وخدوم يعرف معنى الوفاء والالتزام.
وفي ختام هذه الشهادة، أتوجه لمولاي مصطفى العلوي بنداء أتمنى أن يجد طريقه إلى الواقع، وهو أن نطلع على مذكرات رجل ظل لسنوات طوال يشتغل كإعلامي قرب دوائر صنع القرار، أو كما يقول عندما كنا نهاتفه “راني في دار المخزن”. عاش أحداثاً كبرى ووقائع هامة وأطلع على حقائق. مذكراته ستغني الخزانة الثقافية وتفيد الأجيال القادمة.
إن احتفاء جمعية “العرفان” التي يرأسها الصديق الدكتور القدير عبد العزيز قراقي بمولاي مصطفى العلوي كشخصية وطنية متميزة هو اختيار موفق، لأن الرجل قدم الكثير للإعلام الوطني وظل وفياً لمبادئه وخطه الذي رسمه لنفسه لخدمة شعاره الأبدي “الله، الوطن، الملك”.
فشكراً مرة ثانية وثالثة لجمعية “العرفان” على هذه الالتفاتة النبيلة. وشكراً لمولاي مصطفى العلوي الملقب بـ”الشريف” على كل ما قدمه طيلة مسار إعلام عنوانه “التميز والتفوق” لخدمة هذه البلاد السعيدة.
اترك تعليقاً