اقتصاد، وجهة نظر

ربع قرن من “الأوراش الكبرى”..الملك يؤمن صمود الاقتصاد المغربي في مواجهة الأزمات

منذ اعتلائه العرش سنة 1999 ، أطلق الملك محمد السادس سلسلة من الأوراش الكبرى والمشاريع المهيكلة التي تضع المغرب على الطريق الصحيح لتحقيق إقلاع إقتصادي متين. وتندرج هذه المشاريع المهيكلة التي أطلقها جلالة الملك ، والتي تشمل كافة القطاعات الحيوية ، في إطار تعزيز المكتسبات وفتح آفاق جديدة ، السمتين الأساسيتين لعمل جدي عميق وممتد في الزمن.

وهذا الكم الهائل والمتنوع من المشاريع المهيكلة والترابية جعل من المغرب بلدا يتجه بشكل حازم وحاسم إلى المستقبل وإلى مزيد من الانفتاح ، ليندرج بالتالي في إطار عالم تكسب فيه العولمة مساحات في اتساع مستمر.

الذكرى الفضية لعيد العرش، تشكل مناسبة مواتية للكشف عن حجم المنجزات التنموية وحصيلة الاقتصاد طيلة 25 عاما الماضية، لا سيما أن الآفاق التنموية للمملكة تبدو واعدة في أفق تحقيق ما حدده النموذج التنموي لـ”مغرب 2035″ من توصيات ومعالم لدخول فعلي في نادي الدول الصاعدة، محققا بذلك ما توعد به الملك في أول خطاب له بتاريخ 30 يوليوز 1999، بأن يسير على خطى والده لتحقيق التنمية الشاملة.

وقال الملك محمد السادس في أول خطاب له “نحن بحول الله مصممون العزم على مواصلة مسيرة التطور والنماء لصالحك شعبي العزيز، ولفائدة جميع فئات الشعب سيما المحرومة، التي يستأثر مصيرها باهتمامنا والتي نوليها عطفنا وحنونا”.

سياسة متبصرة 

ويؤكد هذا المسار، نهج الملك محمد السادس، لفلسفة حكم متبصرة تنبني على سياسة استباقية، هدفها الأسمى جعل المغرب في مصاف البلدان الرائدة سواء داخل منطقة البحر الأبيض المتوسط أو القارة السمراء، ليكون بذلك مشروع المركب المينائي طنجة المتوسط، الذي تم إطلاقه سنة 2007، من أبرز المشاريع المعتمدة، حيث تضاعفت الطاقة الإنتاجية لهذا المركب إلى ثلاث مرات وجرت توسعته بافتتاح محطة ثانية، ما جعله الأكبر في حوض البحر المتوسط، كما يرتبط هذا الميناء بـ 186 ميناء في 77 بلدا، ليصبح بذلك جسر إفريقيا نحو العالم.

ويمثل إطلاق أول قطار فائق السرعة في إفريقيا عام 2018، إلى جانب نجاح المغرب في استقطاب استثمارات أجنبية ضخمة، دليلاً واضحاً على التقدم الذي تحرزه المملكة في مختلف المجالات خلال ربع قرن من حكم الملك محمد السادس، فهذه المشاريع الكبرى تساهم في تعزيز البنية التحتية، وتنويع الاقتصاد، وزيادة جاذبية المغرب كوجهة استثمارية وسياحية على مستوى القارة.

وعزز المغرب ريادته في مجال الطاقة المتجددة بافتتاح محطة “نور” للطاقة الشمسية بمدينة ورزازات عام 2016، والتي تعد من أكبر محطات الطاقة الشمسية في العالم، وقد جاء هذا المشروع الضخم ضمن سلسلة من المبادرات التي أطلقها الملك محمد السادس لتطوير البنية التحتية وتعزيز الاعتماد على الطاقات النظيفة.

وبخصوص تحسين مناخ الأعمال، حقق المغرب قفزة نوعية، حيث ارتقى في مؤشرات التنافسية العالمية من الرتبة 130 في بداية الألفية إلى الرتبة 53 في عام 2022، ما يعكس الجهود المبذولة لتبسيط الإجراءات، وتقليص البيروقراطية، وتوفير بيئة جاذبة للاستثمار.

تطور الناتج الداخلي الخام

في هذا السياق، اعتبر الخبير والمحلل الاقتصادي، علي الغنبوري، أن المغرب وعلى مدى 25 عامًا من حكم الملك محمد السادس، حقق إنجازات اقتصادية ملحوظة شملت كافة القطاعات الاقتصادية، ولعل أبرزها ارتفاع الناتج الداخلي الخام بنحو ثلاثة أضعاف، ففي عام 1999، بلغ الناتج 43 مليار دولار، بينما تجاوز اليوم 133 مليار دولار، مما يعكس التطور الاقتصادي الكبير الذي يشهده المغرب.

وحسب المتحدث ذاته،  فإن تطور البنيات التحتية لعبت دورا حاسمًا في هذا النمو الاقتصادي، إذ يمتلك المغرب اليوم أكثر من 16 مطارًا دوليًا، مقارنة بـ 4 مطارات فقط في عام 1999، مشيرًا إلى أن جميع هذه المطارات مرتبطة بأكثر من 100 وجهة عالمية.

وأضاف الغنبوري، في حديث لـ”العمق”، أن المغرب يمتلك أكثر من 20 ميناءً منفتحة على التجارة الدولية، بما في ذلك ميناء طنجة الأكبر في البحر الأبيض المتوسط، علاوة على ذلك فإن شبكة الطرق في المغرب تتجاوز 1800 كيلومتر، وأن المملكة تعد من الدول الرائدة قارياً في مجال النقل السككي بفضل القطار فائق السرعة.

جذب الاستثمارات

وفيما يتعلق بجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، أوضح الخبير الاقتصادي، أن المغرب يُعتبر من الدول الرائدة في هذا المجال داخل القارة الإفريقية، إذ أنه هو البلد الوحيد الذي تجمعه أكثر من 1000 اتفاقية شراكة اقتصادية مع أكثر من 50 دولة، إضافة إلى  أن المغرب يمتلك ما يزيد عن 50 اتفاقية للتبادل الحر مع دول عدة، من بينها الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، وتركيا.

وأشار  إلى أن المغرب أصبح رائدًا في العديد من الصناعات، وعلى رأسها صناعة السيارات، حيث يقترب الإنتاج السنوي من مليون سيارة، مما يجعله الأول في إفريقيا وعلى مستوى البحر الأبيض المتوسط.

وذكر المتحدث ذاته،  أن المغرب يركز على تعزيز اقتصاده من خلال الاعتماد أكثر على القطاع الصناعي بدلاً من الزراعة والخدمات، موضحا وجود عدة خطوات لتعزيز القطاع الصناعي، بما في ذلك صناعة السيارات، الطائرات، الأجهزة الإلكترونية، والصناعات الدقيقة.

تحقيق التنمية

وشدد الغنوري على أن للمغرب خطة تنموية واضحة أطلقها الملك، وهي النموذج التنموي الجديد الذي يهدف إلى تحويل المغرب إلى قوة صاعدة ومضاعفة الناتج الداخلي الخام إلى 266 مليار دولار، مشيرا إلى أن هذه الخطة تشمل مجموعة من الإصلاحات لتحسين مناخ الأعمال وإصلاح القوانين المتعلقة بالاستثمار، بالإضافة إلى إنشاء مناطق صناعية جديدة.

ورغم عدم توفر المغرب على موارد طبيعية كبيرة، إذ تشكل الضرائب 60 بالمئة من المداخيل، إلا أن الاقتصاد المغربي يتميز بالصلابة والديناميكية، وقد حقق أرقامًا جيدة رغم الأزمات الداخلية والخارجية، بحسب الغنبوري.

وفيما يتعلق بتحسين جودة الحياة، أكد الخبير أن المغرب عمل على تحسين جودة الحياة، من خلال رفع نسبة الربط بالكهرباء لتصل إلى 90 بالمئة، كما أن نسبة الربط بالمياه الصالحة للشرب تصل إلى 87 بالمائة على المستوى الوطني، إلا أن هذه النتائج الإيجابية لم تمنع حدوث بعض الاختلالات، مشيرًا إلى خطاب العرش سنة 2015 والذي انتقد فيه الملك الوضع الاقتصادي ودعا إلى صياغة نموذج تنموي جديد يلبي الطموحات الجديدة.

الدولة الاجتماعية

وأورد الغنبوري، أن مشروع تعميم الحماية الاجتماعية يعد من أبرز المشاريع المشتغل عيلها، والذي يشمل التغطية الإجبارية عن المرض، الدعم الاجتماعي، تأمين فقدان الشغل، والتقاعد وهو ما من شأنه تحسين الوضع الاجتماعي بشكل ملحوظ.

وفي معرض تصريحه، أقر المحلل الاقتصادي، بأن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي حققت نتائج إيجابية من خلال تنفيذ العديد من المشاريع وبناء مجموعة من والمنشآت ودور الثقافة والشباب، وتابع أن هناك خططًا لتطوير منظومة الصحة من خلال بناء 12 مستشفى جامعي في مختلف جهات المملكة، بالإضافة إلى إصلاحات في مجال التعليم.

وفي إطار سعيه لتنويع شراكاته مع مختلف الدول عمل الملك منذ اعتلائه العرش على تعزيز علاقاته مع مختلف الدول عبر العالم وعدم حصرها في الدول الصديقة له تاريخيا، حيث انفتح على دول آسيا، على رأسهم الصين ودول آسيان، كما انفتح أكثر على دول أمريكا الجنوبية، ما عزز تجارته الخارجية وجعل منه موقعا لاستقطاب المزيد من الاستثمارات الأجنبية.

وخير مثال على ذلك، أشار علي الغنبوري، إلى توقيع حكومة عزيز أخنوش اتفاقية استثمارية استراتيجية مع مجموعة “غوشن هاي تيك” الصينية-الأوروبية الرائدة في مجال التنقل الكهربائي، لإقامة مصنع ضخم (“GIGAFACTORY”) مع منظومة متكاملة لإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية في مدينة القنيطرة، بكلفة إجمالية تبلغ 65 مليار درهم، مع خلق 17.000 منصب شغل مباشر وغير مباشر، بما في ذلك 2.300 منصب شغل عالي الكفاءة.

 

وأوضح الغنبور في هذا الاتجاه أن المغرب يتبع استراتيجية واضحة لتنويع شراكاته الاقتصادية، وذلك بهدف تحقيق نمو اقتصادي مستدام وتعزيز مكانته على الساحة الدولية، فبينما يظل الاتحاد الأوروبي شريكًا تجاريًا رئيسيًا للمغرب، تسعى المملكة إلى بناء علاقات اقتصادية متوازنة مع مختلف الدول، مما يساهم في تقوية موقفها التفاوضي ويجعلها أقل تأثراً بالتغيرات الاقتصادية العالمية.

وشدد المتحدث على ضرورة انضمام الدول إلى التكتلات الاقتصادية كمحرك للتنمية، مستشهدًا بالمبادرة الأطلسية التي تجمع أكثر من 29 دولة إفريقية، تمثل 56% من الناتج المحلي الإجمالي للقارة ونصف سكانها، ورغم هذه الأرقام الواعدة، فإن حجم التبادل التجاري بين دول المبادرة لا يتجاوز 1%.

اختتم الغنبوري كلمته بتأكيد بالغ على الأهمية الاستراتيجية التي يوليها جلالة الملك لهذا المشروع القاري الطموح، مؤكداً على الدور المحوري للمغرب كقوة دافعة للتنمية المستدامة في إفريقيا، والتي من شأنها أن تساهم في بناء اقتصاد قاري متكامل.

سياسات مائية واعدة

وفي ظل فترات الجفاف العصيبة التي يمر منها المغرب والتي تمتد للسنة 6 على التوالي، عمل المغرب على تخصيص اعتمادات إضافية خاصة بالبرنامج الوطني للماء من خلال تخصيص اعتمادات إضافية ورفع ميزانيته الإجمالية إلى 143 مليار درهم، وهو ما يدخل في إطار ضمان الأمن المائي.

وعمل الملك في هذا الإطار على ترأس ثلاثة اجتماعات خاصة بالماء ما يؤكد الأهمية القصوى التي يوليها جلالته لقطاع الماء، والذي أعطى تعليماته للاستمرار في سياسة ربط الأحواض المائية بين سبو وأبي رقراق وأم الربيع، مع برمجة إنشاء سدود جديدة، وتحيين تكاليف حوالي 20 سدا يتوقع إنجازها، ما سيمكن من رفع قدرة التخزين بـ 6.6 ملايير أمتار مكعبة من المياه الصالحة للشرب.

وتبنى المغرب سياسة بناء محطات لتحلية المياه بهدف تزويد الساكنة بالماء الصالح للشرب والمناطق الزراعية بما تحتاجه لتجاوز الأزمة، ولعل آخر هذه المشاريع إشراف ولي العهد الأمير مولاي الحسن، بجماعة المهارزة الساحل بإقليم الجديدة، على إعطاء انطلاقة أشغال إنجاز محطة تحلية مياه البحر، الأكبر من نوعها على مستوى القارة الإفريقية، عند الانتهاء من إنجازها، بقدرة إنتاج سنوية تبلغ 300 مليون متر مكعب، ستستفيد منها ساكنة يقدر تعدادها بـ 7,5 مليون شخص.

ويندرج هذا المشروع في إطار العناية التي يوليها الملك محمد السادس، للقضية الاستراتيجية للماء، لاسيما في السياق الحالي الذي يتسم بندرة ملحوظة في التساقطات وضغط كبير على الموارد المائية التقليدية في مختلف جهات المملكة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *