منتدى العمق

حفل الإنسانية بباريس

التنبيه إلى أن الحكم على جميع نشطاء الريف بالخيانة والعمالة للجزائر هو فخ صادر عن الكابرانات الجزائريين لإحداث القطيعة بين المغرب وكل نشطاء الريف دون تمييز.

في إطار السياسة الخارجية التي تنتهجها العديد من الدول الغربية، التي لا تزال تمارس ضغوطا ابتزازية على بعض الدول، بما في ذلك المغرب، باستخدام قضايا حقوق الإنسان وحرية التعبير كوسيلة للضغط لتحقيق مكاسب اقتصادية واحتكارات خاصة بها. وتعمل على توفير الحماية والرعاية لعدد من مواطني تلك الدول الأجنبية تحت تسميات حقوقية، وتسهل لهم تنظيم فعاليات حقوقية تتضمن انتقادات للوضع الداخلي في أوطانهم.

حفل الإنسانية في باريس، الذي تنظمه صحيفة L’Humanité الفرنسية اليسارية، هو تجمع سنوي يعقد في شهر سبتمبر، ويهدف إلى مناقشة قضايا حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية في العالم. للإشارة، يُعَد الحفل فرصة لتسليط الضوء على قضايا سياسية واجتماعية، لكنه أيضا يحمل طابعا سياسيا كبيرا، حيث يجمع نشطاء حقوقيين وسياسيين من مختلف أنحاء العالم لمناقشة الأوضاع في بلدانهم. ورغم أن الهدف المعلن للحفل هو دعم الحركات الحقوقية والترويج للحرية، إلا أنه لا يخلو من استغلال سياسي من بعض الجهات، بما يخدم مصالح الدول الغربية الاقتصادية والدبلوماسية.

بادئً ذي بدء، وقبل أن أخوض في صلب الموضوع أؤكد أن مثل هذا الخلط والحكم جزافا على جميع النشطاء بالخيانة والعمالة تخدم من حيث لا تعلم أجندات خارجية ولا تعكس حقيقة ما دار في تلك الخيمة سيئة السمعة.

لقد حضرت شخصيا كصحفي هذا الحفل، وكان نقاش خيمة الريف إحدى الفعاليات الرئيسية التي استوقفتني. تطرّق النقاش إلى الوضع الحقوقي والسياسي في المغرب، لكن الأجواء التي شاهدتها بعيدة كل البعد عن ما تم الترويج له في بعض المنابر الإعلامية. حيث أن نستشهد دون ذكر الاسم مقالا تناول حفل الإنسانية وقع صاحبه سهوا في خلط ولبس، من خلال اتهام ناشطين ريفيين مثل سعيد العمراني، المقيم في بلجيكا، ومحمد أكريم، المقيم في ألمانيا، بالخيانة والانفصال على غرار الغديوي وجوقته من طفيليات الجزائر.

أثناء مشاركتي في نقاشات خيمة الريف، التي حضرها شخصيات مشاكسة مثل عزيز غالي، رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وجمال براجع، رئيس حزب النهج الديمقراطي…، وكان النقاش منصبا على القضايا الحقوقية والاجتماعية التي تواجه منطقة الريف، بما في ذلك التهميش والإقصاء، ولم أسمع أي مطالبات انفصالية أو دعوات للخيانة كما تم الترويج له، بل على العكس من ذلك، كان النقاش يسعى إلى إيجاد حلول واقعية للوضع في الريف ضمن إطار الوحدة الوطنية للمملكة المغربية.

إنني بصفتي ناشطا أمازيغيا وإعلاميا حضر فعاليات الخيمة وما دار على هامشها، وناقشت شخصيا العديد من النشطاء في خيمة الريف، ولم أسمع أي دعوات للانفصال أو الخيانة، بل كانت هناك مطالب مشروعة تتماشى مع حقوق الإنسان والتغيير الإيجابي في المغرب. هؤلاء النشطاء لا يختلفون عن النشطاء الحقوقيين في الداخل، الذين يعملون بحرية ولهم قنوات رسمية للحوار مع الدولة.
هذا التعامل بنفس الحكمة والانفتاح بين نشطاء الداخل والخارج والتّبين قبل الحكم على الجميع بجريرة البعض، هو ما يُفشل محاولات الغديوي وأتباعه لاستغلال هذا الحراك لخدمة أجندات خبيثة.

لقد حاولت بعض الجهات بما فيها تلك المرتبطة بالجزائر ربط نشطاء مثل سعيد العمراني ومحمد أكريم بأجندات انفصالية، وهي افتراءات لا تمت للواقع بصلة حسب اعتقادي وعلى ضوء ما وقفت عليه شخصيا. هؤلاء النشطاء، كما رأيت بنفسي، يعارضون بشكل قاطع تيار يوبا الغديوي وحزب “الوطني الريفي”، الذي يتبنى أجندات انفصالية مدعومة من الجزائر. العمراني وأكريم يرفضان أي تعامل مع المخابرات الجزائرية أو أي مشروع يستهدف تقسيم المغرب، بل إن مواقفهما تتماشى مع مطالب حقوقية مشروعة تهدف إلى تحسين الأوضاع في المنطقة.

كما أود التنبيه إلى خطورة المخططات التي يسعى إليها الغديوي وأتباعه، الذين يعملون تحت توجيهات المخابرات الجزائرية، بهدف جر المغرب إلى اتخاذ إجراءات متشددة ضد نشطاء الحراك الريفي وتصنيفهم كخونة بشكل عشوائي وجزافي ودون بيّنة وبصيرة، مما سيدفع هؤلاء إلى الانضمام إلى جوقة المعادين للمملكة.

هذا النهج الخطير يخدم فقط مخططات المخابرات الجزائرية، التي تسعى إلى خلق جبهة انفصالية جديدة في الريف وإيقاف مسلسل المصالحة الذي بدأته المملكة، بهدف قطع العلاقة بين المغرب وأبنائه في الخارج، وإفشال جهود المغرب في الإصلاح والتصالح مع ماضيه.

من المهم أن يدرك الجميع أن مطالب عدد من النشطاء في خيمة الريف، بما في ذلك سعيد العمراني ومحمد أكريم، ليست بعيدة عن مطالب النشطاء الحقوقيين في الداخل، والذين يشتغلون بحرية ولهم قنوات رسمية للحوار مع الدولة. هؤلاء النشطاء ليسوا خونة، بل يطمحون إلى بناء مغرب أفضل، في إطار احترام السيادة الوطنية. ومن المهم أن يدركه من شارك في الخيمة من نشطاء الداخل، وتحدثوا بكل حرية عن الوضع الحقوقي في المغرب، وسيعودون إلى وطنهم دون أية قيود أو مخاوف.

إن محاولة تشويه سمعة النشطاء الوطنيين في الخارج عامة وربطهم بمخططات انفصالية، هي جزء من حملة تستهدف إفشال مشروع الإصلاح الحقوقي الذي تنتهجه المملكة، والذي تجلى في العفو الملكي الأخير عن سجناء الرأي والسياسيين. هؤلاء النشطاء، سواء في الداخل أو الخارج، يسعون إلى تحقيق العدالة والكرامة للمناطق المهمشة، لكن دون المساس بوحدة المغرب وسيادته.

في الختام، يجب أن نكون حذرين من الوقوع في فخاخ الإعلام المغرض والمخططات الخارجية التي تسعى لتشويه صورة المغرب ونشطائه في الخارج. الحوار والوعي والاستيعاب والإنصات هي من أهم السبل الكفيلة بمواجهة هذه التحديات، والحفاظ على وحدة المغرب في إطار احترام حقوق الإنسان والكرامة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *