وجهة نظر

الخلفي يفند تقييما غير “صحيح” لـ”Le Desk” حول الوعود الانتخابية

في نقاش جدي انخرط موقع Le Desk في مناقشة مدى وفاء حزب العدالة والتنمية بوعوده في البرنامج الانتخابي وذلك في محطتين آخرها مقالة يوم أمس الإثنين، وسنقتصر فقط على مناقشة الوعود التي أثارها ما دامت هناك وعود أخرى لم يتطرق إليها من مثال رفع الحد الأدنى للأجر إلى 3000 درهم والذي تم جزئيا على مستوى الإدارة لفائدة 53 ألف شخص بغلاف مالي قدره 160 مليون درهم، وعلى مستوى القطاع الخاص بزيادة 10 بالمائة في الحد الأدنى للأجر على مرحلتين سنتي 2014 و2015، وكذا من قبيل رفع الحد الأدنى للتقاعد إلى 1500 درهم حيث تم في مرحلة أولى تعميم الحد الأدنى في مستوى 1000 درهم قبل أن يصادق البرلمان على القانون الذي يرفع الحد الأدنى إلى 1500 درهم، وغيرها من الوعود التي تم الوفاء بها، ولأن الموقع اقتصر في تفاعله مع الملاحظات التي أبديتها على النقط الأربع التي انتقاها، فسنتوقف عندها لكشف عدم دقتها أو عدم صحتها، مما جعلها تقدم صورة غير صحيحة عن حصيلة مشرفة وإيجابية:

1- في ما يخص معدل النمو:

لم يعد موقع الموقع المذكور إلى البرنامج الانتخابي للحزب الكامل والموجود إلى غاية اللحظة على موقع حزب العدالة والتنمية واكتفى بتناول ملخص هذا البرنامج. ففي هذا البرنامج الانتخابي المنشور نجد في الصفحة 24 منه أن معدل النمو المنشود هو 7 بالمائة و5 بالمائة في مرحلة الأزمة الاقتصادية، وهي نقطة لم يشر إليها الموقع لأنه استند على وثيقة ملخصة تحدثت فقط عن هدف 7 بالمائة وليس 5 بالمائة.

والحال أن المغرب شهد ارتفاعا كبيرا في أسعار البترول والمواد الطاقية طيلة سنتي 2012 و2013 وإلى غاية الأشهر الأخيرة من سنة 2014، كما تفاقمت الأزمة الاقتصادية عند شركائه وخاصة إسبانيا وفرنسا، بالإضافة إلى ثلاث سنوات جفاف، وهو ما يعني أن التقييم المنصف والدقيق يجب أن يتخذ له كمرجعية هدف 5 في المائة.

مع التأكيد على أنه خلال 2012-2015 تم بلوغ معدل نمو سنوي 3.7 بالمائة وهو الأفضل في المنطقة ككل، مما يشكل تحقيقا لنسبة إنجاز عالية للهدف المنشود، وهو إنجاز تحقق رغم الاشتغال على تقليص عجز الميزانية وما يقتضيه من تقليص في مجهود الاستثمار العمومي الذي ينعكس بدوره على الطلب الداخلي وعلى تحفيز النمو، مثلما حصل في 2013 عندما تم تجميد 25 في المائة من الاستثمار العمومي للإدارة.

ونستغرب كيف يقلل موقع الموقع المذكور من مجهود تقليص العجز عبر ربطه بتراجع أسعار البترول رغم أن هذا الأخير عامل جزئي ونسبي ومتأخر لم يبرز أثره إلا في أواخر 2014 وهي السنة الثالثة من الولاية الحكومية، ولا ينتبه لعامل الأزمة الاقتصادية والجفاف وأولوية تقليص العجز عندما يتعلق الأمر بتقييم المجهود الحكومي في تحقيق النمو المستهدف، وهو انزلاق يمس بموضوعية التعاطي مع الحصيلة الحكومية، والتي تبقى حصيلة تحالف حكومي وليس حزب واحد.

كما لا يمكن الأخذ هنا بتوقعات سنة 2016 ما دامت لم تنته بعد، والتي شكلت كذلك سنة جفاف غير مسبوق منذ أزيد من 30 سنة.

2- في ما يخص تخفيض العجز:

إن من ضمن أبرز إنجازات الحكومة الحالية هو نجاحها في تقليص عجز الميزانية بالنظر للناتج الداخلي ومعه عجز الحساب الجاري لميزان الأداءات، فالعجز الأول لم يكن مستواه القياسي معروفا في منتصف سنة 2011، ونجحت الحكومة في تقليص العجز من 7,2 بالمائة سنة 2012 إلى 3,5 بالمائة المقررة لسنة 2016، ومع استهداف 3 بالمائة في مشروع قانون المالية لسنة 2017. وهو إنجاز يقع تبخيسه والاستهانة به والتقليل منه عبر افتراض ربطه بتراجع انخفاض أسعار البترول، وأنه في حالة عدم تراجعها فإن مستوى العجز سيبلغ 5 بالمائة، وهذا غير صحيح، وذلك للاعتبارات التالية:

أ- إن التهوين من هذا الإنجاز كان من الممكن أن يُصدق لو لم تكن لدينا سنة 2013 التي كانت فيها الأسعار مرتفعة وبشكل قياسي واستمر فيها دعم المقاصة ب43 مليار درهم ورغم ذلك وبفضل السياسة الحكومية تمكنا من تقليص العجز من مستوى 7,2 بالمائة إلى 5 في المائة. أي أن هذه النسبة في 2013 تحققت بفضل نظام مقايسة جزئي وليس شامل، فهذا الأخير لم يطبق إلا في 2014/2015، حيث اعتمد التحرير الكامل لأسعار المحروقات.

وبالتالي فإن هذا الإنجاز لم يتحقق فقط بانخفاض أسعار البترول، فهو عامل جزئي ونسبي ومن ضمن عوامل متعددة، على رأسها السياسة الحكومية التي اُتبعت بقيادة رئيس الحكومة وتحمل عبء شرحها للمجتمع والدفاع عنها منذ منتصف 2012 بكل ما يعنيه ذلك من تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية.

وهو ما جعل المؤسسات المالية الدولية تشيد بالمغرب وسياسته في إصلاح نظام المقاصة، كما راجعت عدد من مؤسسات التنقيط تقييمها لآفاق الاقتصاد المغربي من سلبي إلى مستقر.

ب- أن الدول التي لم تتوفر على نظام فعال للمقايسة لم تستطع الاستفادة من ذلك ولم تتمكن من تحقيق تراجع في نسبة العجز لأن ذلك لا يتعلق فقط بعامل تراجع الأسعار بل بمدى توفر البلد على سياسة للمقايسة أو التحرير الفعّال.

ج- بفضل التحرير الكامل لأسعار المواد البترولية فإن المخاوف التي عبر عنها موقع Le الموقع المذكور غير سليمة، ذلك أن خطر ارتفاع المديونية المرتبط باحتمال ارتفاع الأسعار مما قد يؤدي بحسب الموقع إلى ارتفاع العجز من جديد أمر غير وارد لأن هذه الأسعار أصبحت محررة. ولهذا السبب، تم التمكن من إبقاء نسبة المديونية نسبة إلى الناتج الداخلي الخام في نفس المستوى سنة 2015 مقارنة بسنة 2014 والبدء في التراجع سنة 2016. كما أن القانون التنظيمي للمالية منع الاستدانة من أجل تمويل الاستهلاك وجعلها مشروطة بتمويل الاستثمار أو دين سابق.

د- كما أن تقليص عجز الميزانية هو الذي مكن الحكومة من تعبئة ميزانية عالية للاستثمار في مستوى 186,6 مليار درهم سنة 2014 و189 مليار درهم سنة 2015. وذلك بعد أن اضطرت الحكومة إلى تجميد 25 بالمائة من ميزانية الإدارة المخصصة للاستثمار سنة 2013 مما مكن من تقليص عجز الميزانية في هذه السنة. ولكل ذلك لا ينبغي الاستهانة بدور القرار الحكومي في إنقاذ المالية العمومية من الإفلاس وتحريرها من الارتهان لأسعار البترول العالمية.

ه- كما خصصت الحكومة الحالية ما يفوق 160 مليار درهم وهي ميزانية غير مسبوقة وتم التنصيص عليها في الميزانيات المتعاقبة، لدعم القدرة الشرائية.

و- إن اللجوء إلى افتراض وجود عوامل خارجية (المتعلقة بانخفاض أسعار البترول) في تحقيق إنجاز تقليص نسبة العجز (رغم عدم التسليم بذلك) هو نفس الموقف الذي يجب على موقع الموقع المذكور أن يلتزم به، ليس فقط من أجل التقليل من الإنجازات ولكن أيضا من أجل تفسير تعثر التحقيق الكامل لإنجازات، والمثال هو ما جاء في النقطة الأولى من مقال موقع الموقع المذكور والمرتبط بضعف اعتبار أثر الجفاف على معدل النمو، حيث تجاهله.

خلاصة هذه النقطة أن الإنجاز الحكومي في هذا المجال وازن وكبير واستثنائي، وأتاح إعادة انطلاق وتيرة ارتفاع الاستثمار العمومي، وتراجع ارتفاع نسبة المديونية وبداية تراجعها انطلاقا من 2016 وتقلص عجز الحساب الجاري لميزان الأداءات من 9.5 في المائة إلى أقل من 2 في المائة، وارتفاع احتياطي العملة الصعبة من أربعة أشهر وبضعة أيام إلى أزيد من سبعة أشهر.

3- في ما يخص محاربة الأمية:

بخصوص نسبة الأمية، ما لم نستطع أن نفهمه هو إصرار الموقع على القول بأن معدل الأمية انخفض فقط من 40% إلى 38%، وذلك من خلال اعتماد معطى توقعي افتراضي صادر عن منظمة اليونيسكو سنة 2015. فبحسب تقرير هذه المنظمة الذي اعتمد عليه الموقع، ولاسيما الصفحة 13 منه، فإن الأمر يتعلق بمعطى إحصائي صادر عن معهد اليونيسكو للإحصائيات في ماي سنة 2012 وكان مجرد توقع بأنه في سنة 2015 ستكون الأمية في حدود 38 بالمائة، والحاصل أننا اليوم نتوفر على معطى جديد، مقابل المعطى القديم والمتقادم المشار إليه في مقال موقع Le Desk، ويقوم على نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2014 والذي يشير إلى أن معدل الأمية يبلغ 32.2 بالمائة أي أقل بخمس نقاط وفي شتنبر 2014 وليس اليوم، وبذلك فإن معطى 38 بالمائة المشار إليه في مقال الموقع أصبح متجاوزا.

4- بخصوص مستوى الدخل الفردي:

أقر الموقع بأن مستوى الدخل الفردي انتقل بحسب معطيات البنك الدولي من 24,3 ألف درهم سنة 2011 إلى 27,5 ألف درهم سنة 2015 أي بارتفاع يناهز 15 بالمائة في حين أن الموقع يحدد الارتفاع في حدود 4 بالمائة، والحاصل أن عملية حسابية بسيطة مقارنة بين 24,3 ألف درهم و27,5 ألف درهم تؤكد بأن الارتفاع يفوق بكثير 4 بالمائة.

كما أن الموقع المذكور يقول بأن هذا الارتفاع ليست له دلالة بالنظر إلى معدل التضخم، والحال أن معدل التضخم خلال أربع سنوات كان في حدود 1,6 بالمائة كمعدل سنوي مما يجعل من ارتفاع الدخل ذا أثر ملموس على القدرة الشرائية.

ختاما، لا نريد هنا الربط بين الوعود الانتخابية للحزب والتزامات البرنامج الحكومي، خاصة وأن حزب العدلة والتنمية اشتغل في إطار تحالف حكومي. ورغم ذلك فإننا لا نتردد في قبول المساءلة فيما يخص البرنامج الانتخابي، خاصة وأن الإنجازات التي تم الوفاء بها كثيرة ومتعددة، وفي نفس الوقت فإن الإجراءات التي لم يتم الوفاء بها موجودة ولهذا فالمطلوب هو قراءة موضوعية تتجنب الوقوع في الانتقائية من أجل الوقوف بشمولية على ما تحقق وما لم يتحقق.