مشاركة المنتخب في التظاهرات القارية والعالمية.. بين تكريس الهوية السياسية وتسويق الثقافة الوطنية (1)

أضحت الرياضة إحدى القوى الناعمة من خلال بُعدها الأساسي في إستراتيجية بناء الصورة الذهنية للدول، حيث صارت تشكل -إضافة إلى الإعلام والفن والسياحة والاقتصاد- إحدى آليات تأثير الدول في السياسة الخارجية للتعريف بها ولتعزيز مكانتها وحضورها في المحافل الدولية. لذا اتجهتْ كثيرٌ من الدول للاستثمارات الرياضية التي تلبي حاجاتها وتحقق مصالحها في ظل الأهمية الجيوسياسية للرياضة. فقد باتت المنافسات الرياضية الكبرى (المعولمة) أحداثاً جامعةً تؤثر على العقول بغض النظر عن الفوارق الدينية والاجتماعية والسياسية. كما أصبحت الدبلوماسية الرياضية تلعب أدواراً محورية في ترسيخ الارتباط الثقافي بين الشعوب وتحقيق التكامل الاقتصادي. وبالتالي تحولت التظاهرات الرياضية من مجرد مباريات إلى مناسباتٌ يتم فيها التعبير عن الشعوب ومواقفها من القضايا العالمية المختلفة. وقد تستخدمها الدول لإدارة صراعها مع الدول الأخرى، أو تعزيز الحوار الدائم معها. (1) فكرة القدم هي لعبة شعبية لكسب القوة الناعمة، لكونها أداة فعالة لجذب الجماهير، في حين أن تنظيم الدول للمنافسات الكروية الضخمة يعتبر وسيلة لنيل الاعتراف الدولي وتحقيق أهداف دولية، كما يعد سبيلاً لاكتساب هيبة للدولة بالوسائل غير العسكرية والاقتصادية. إذ تسهم كرة القدم في إبراز صورة وهوية الدولة وعلامتها الرمزية على الساحة الدولية من خلال تعزيز الفخر بإنجازات المنتخب الوطني؛ حيث تنجح المباريات الكروية الضخمة في جذب انتباه ملايين المشاهدين، فضلا عن أنها تعد منصة مثالية لتسليط الضوء على الدولة المضيفة.(2) وفي هذا السياق أدرك المغرب مبكرا أهمية الاستثمار في المجال الرياضي لتلميع صورته الخارجية وتكريس مكانته الإقليمية والدولية من خلال المشاركة في التظاهرات الكروية القارية والعالمية أو من خلال العمل على تنظيم بعض التظاهرات في المملكة سواء على الصعيد الافريقي أو العالمي
– 1-مشاركة المنتخب المغربي في المنافسات القارية والدولية
يعتبر المغرب من الدول السباقة إلى المشاركة في المنافسات الكروية الافريقية والدولية نتيجة لشغف المغاربة بسحر الكرة المستديرة وكذا للاحتكاك الرياضي بكرة القدم الفرنسية والاسبانية خلال فرض هاتين الدولتين العريقتين في كرة القدم حمايتهما السياسية على المملكة ، من خلال تأسيسهما لنوادي في كرة القدم أو من خلال تألق لاعبين مغاربة ضمن هذه النوادي وإبرام عقود للعب في نوادي فرنسية أو اسبانية (3) . وبالتالي فبمجرد حصول المغرب على استقلاله سعى إلى المشاركة في عدة تظاهرات كروية افريقية ودولية
1-1 المشاركة في المنافسات القارية وتكريس الانتماء الافريقي
تعد كأس إفريقيا للأمم، التي أحدثت قبل كأس أوروبا للأمم بثلاث سنوات، ثاني أقدم تظاهرة قارية بعد كأس أمريكا الجنوبية (كوبا أمريكا) التي أحدثت في سنة 1916.(4) حيث انطلقت منافسات كأس الأمم الافريقية في منتصف خمسينيات القرن العشرين، بعدما أقيمت أول مرة في السودان، دون تصفيات وشاركت فيها أربع دول هي الدول المؤسسة للاتحاد الأفريقي لكرة القدم (كاف).(5) غير أن المغرب لم يشارك في اقصائيات هذه المنافسة القارية إلا متأخرا وذلك لعدة أسباب سياسية من بينها صدور قرار من «الفيفا» بإيقاف المغرب من سنة 1958 إلى سنة 1960 بسبب لعبه لمباراة أمام منتخب جبهة التحرير الجزائرية بتونس تضامنا مع الجزائر ومع مطالبها بالاستقلال. كما اعتذر المغرب عن تصفيات كأس افريقيا 1965 التي نظمت بتونس ، بسبب الأحداث التي عرفتها الدار البيضاء في 23مارس من هذه السنة . و لم يشارك المنتخب المغربي في تصفيات كأس إفريقيا 1968 التي احتضنتها إثيوبيا بسبب حالة الاستثناء التي عرفها المغرب في تلك الفترة.(6) ومع ذلك يعد المنتخب المغربي من أكثر المنتخبات حضورا في نهائيات كأس أمم أفريقيا برصيد 15 مشاركة، وذلك منذ ظهوره الأول في النسخة الثامنة للبطولة التي استضافتها الكاميرون في 1972 حرصا منه على تكريس انتمائه الافريقي خاصة وأنه يعتبر من بين مؤسسي منظمة الوحدة الافريقية ، وكان من ضمن من مجموعة الدار البيضاء التي تأسست في عام 1961، بقيادة كوامي نكروما من غانا، حيث كانت تضم إلى جانب غانا، الجزائر وغينيا والمغرب ومصر ومالي وليبيا والتي كانت تدعو إلى إنشاء اتحاد لجميع الدول الإفريقية مقابل مجموعة مانروفيا التي كانت تتكون من نيجيريا وليبيريا وإثيوبيا ومعظم المستعمرات الفرنسية السابقة بقيادة سينغور من السنغال، والتي كانت ترى بأن الوحدة الافريقية يجب أن تتحقق تدريجيًا، من خلال التعاون الاقتصادي، ولم تدعم فكرة الاتحاد السياسي.(7) وبالتالي فقد تمكن المنتخب المغربي من إحراز اللقب، وذلك في نهائيات “إثيوبيا 1976، بلد مقر منظمة الوحدة الافريقية والاتحاد الافريقي ،بعد أن تصدر المجموعة النهائية آنذاك برصيد 7 نقاط متقدما على وصيفه منتخب غينيا . إذ على الرغم من المشاركة المتأخرة للمغرب مقارنة بكثير من دول شمال إفريقيا الأخرى، فقد ظهر المغرب بقوة في منافسات الكأس الافريقية ، ليصبح ثاني فريق شمال أفريقي يفوز بكأس الأمم الأفريقية في دورة 1976. وحتى بعد انسحاب المغرب في 12 نوفمبر 1984 من منظمة الوحدة الافريقية بعد قبول الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية كحكومة للصحراء الغربية في عام 1982، فقد واصل المنتخب المغربي مشاركاته في هذه التظاهرة الكروية الافريقية ، حيث حقق المنتخب المغربي نتائج متباينة على مر مشاركاته القارية. إذ بلغ أسود الأطلس نصف النهائي في 1986 و1988 وربع النهائي في نسختي 1998 و2017 ، والنهائي في 2004، كما خرج منتخب المغرب من ثمن نهائي نسخة 2019 وربع نهائي نسخة 2021. في حين تألق جيل من لاعبي المنتخب المغربي بشكل لافت في هذه المسابقة القارية ، حيث كان من ألمع هؤلاء النجوم المهاجم أحمد فراس، الهداف التاريخي لأسود الأطلس برصيد 42 هدفا وصاحب الكرة الذهبية لأفضل لاعب أفريقي لسنة 1976 بعد مساهمته في تتويج المنتخب بلقب أمم أفريقيا في العام نفسه. بالإضافة إلى اللاعب فرس ، حظي بشرف الحصول على الكرة الذهبية لأفضل لاعب أفريقي كل من المهاجم محمد التيمومي سنة 1985 والحارس المغربي بادو زاكي في سنة 1986 والمهاجم مصطفى حاجي في سنة 1998 .
1-2 المشاركة في المنافسات العالمية وتكريس الهوية الوطنية
حقق المنتخب المغربي لكرة القدم أكبر عدد من المشاركات في كأس العالم من بين المنتخبات العربية، وذلك بالتساوي مع تونس والسعودية برصيد 6 مشاركات، كما أنه ثالث منتخبات القارة الأفريقية حضورا في النهائيات بعد نيجيريا والكاميرون. فقد شارك المغرب أربع مرات في نهائيات كأس العالم سنوات 1970، 1986، 1994، و1998، وسيربط أسود الأطلس الماضي بالحاضر بعد حجزهم بطاقة التأهل لمونديال روسيا 2018 ليحتفل المغاربة بحضورهم في نهائيات أمجد الكؤوس لخامس مرة بعد مسار جد متميز طيلة مباريات المجموعة الثالثة، حيث أنهوا المنافسات في الصدارة ب12 نقطة ودون أن يتلقوا أية هزيمة، ولم يدخل شباكهم أي هدف، مع تفوق خط الهجوم بتسجيله ل11 هدفا.(8)
– التأهل لمونديال مكسيكو وتكريس الهوية السياسية
يعتبر المنتخب المغربي أول منتخب افريقي يتأهل لنهائيات كأس العالم بالمكسيك ليكون الممثل الوحيد للقارة الإفريقية، بعدما عبر أسود الأطلس مسار التصفيات بنجاح بحضور جيد تمكنوا من خلاله من “تجاوز الدور الأول بعد فوز على السنغال بهدف لصفر بالملعب الشرفي (مركب محمد الخامس) بالدار البيضاء وخسارة في الإياب بدكار بهدفين لواحد، ليلجأ بعدها المنتخبان إلى مباراة فاصلة في لاس بالماس، أعطت التفوق للمنتخب المغربي بهدفين لصفر سجلهما اللاعبان الغزواني وحمان. وفي الدور الثاني من التصفيات التقى المنتخب المغربي مع نظيره التونسي في لقاء الذهاب الذي انتهى سلبيا وهي ذات النتيجة التي آل إليها لقاء الإياب، قبل أن يلعب المنتخبان مباراة فاصلة في مارسيليا انتهت بهدفين لمثلهما، ليتأهل المغرب بعدها للدور الموالي عقب إجراء القرعة التي ابتسم الحظ فيها لأسود الأطلس.وفي الدور الثالث والأخير واجه المنتخب المغربي نسور نيجريا وتفوق عليهم بهدفين لواحد، وخسر في الإياب بهدفين لصفر، قبل أن يتعادل مع السودان سلبا ويفوز عليهم بثلاثية جعلت المغرب يتصدر مجموعته بخمس نقاط وخلفه نيجريا بـ4 نقاط ثم السودان في المركز الثالث والأخير بثلاث نقاط.” . وبالتالي ، فعندما تأهل المنتخب المغربي إلى نهائيات كأس العالم التي أجريت في بالمكسيك، قرر الحسن الثاني أن يمنح للنشيد الوطني كلمات، كي يجد رفاق إدريس باموس شيئا يرددونه أثناء عزف النشيد قبل المباريات، على غرار جميع المنتخبات، خصوصا وأن العالم كله سيشاهدهم عبر اختراع جديد يسمى “التلفزيون”. وهكذا نظمت مباراة شعرية بأمر من القصر الملكي، شارك فيها مجموعة من شعراء المناسبات، وجاء الفوز حليف قصيدة “منبت الأحرار” للشاعر مولاي علي الصقلي، الذي كان يشتغل بالديوان الملكي منذ عهد محمد الخامس. وفي 3 يونيو 1970، عندما تردد النشيد الوطني في أرجاء ملعب ناء بالمكسيك، لم يكن فرس وعسيلة وحمان والهزاز والآخرون، قد تمكنوا من حفظ كلمات مولاي علي الصقلي، بسبب المفردات والتراكيب الملتوية من قبيل “منتدى السؤدد” و”ثار نور ونار”… وكان منظرهم مضحكا على شاشات التلفزيون وهم يحركون شفاههم كي يوهموا العالم بأنهم يرددون “النشيد الوطني المغربي”.(9) لكن هذا لم يمنع من تكريس الهوية السياسية للمغرب من خلال ترديد النشيد الوطني للمملكة خلال هذه التظاهرة الكروية العالمية.
-التأهل للمونديال وتكريس الحضور الكروي المغربي
تمكن المنتخب المغربي في سنة 1986 من لفت الأنظار وتأكيد حضوره القوي في تصفيات مونديال المكسيك 1986، بعدما “تجاوز أسود الأطلس عقبة منتخب سيراليون بفوزهم عليه بهدف لصفر في الذهاب وبرباعية في الإياب، ليلاقي بعدها في الدور الثاني منتخب مالاوي الذي تفوق عليه بهدفين لصفر قبل أن يتعادل معه سلبيا للعبور بعدها لمنازلة منتخب مصر في الدور الثالث الذي انتهى بالتعادل (0-0)، قبل تجاوزه بهدفين لصفر بالدار البيضاء (التيمومي د 36 وبوربالة د 82) والتأهل بعدها لمواجهة المنتخب الليبي الذي كان بمثابة الحاجز الأخير في وجه الأسود للحضور لثاني مرة في نهائيات كأس العالم والذي فاز عليه بثلاثية نظيفة في الرباط (مصطفى ميري د 46 والتيمومي د 84 وبودربالة د 89) قبل أن ينهزم خارج القواعد بهدف لصفر.” (10) وقد تمكن المنتخب المغربي تحت إشراف المدرب البرازيلي المهدي فاريا من العبور بعدها للدور الثاني، بعدما قدم أوراق اعتماده أمام منتخبات بولونيا، إنجلترا وبعدها البرتغال، قبل الخروج من الدور الثاني مرفوع الرأس عقب الخسارة الصغيرة بهدف لصفر أمام ألمانيا بهدف ماتيوس في الدقيقة 87، ليغادر رفاق الهداف ميري كريمو بعد أداء باهر أشاد به العديد من النقاد الرياضيين. ولم يكن تأهل أسود الأطلس لنهائيات مونديال 1994 بالولايات المتحدة الأمريكية سهل المنال، بعدما تجاوز المنتخب المغربي العديد من الألغام بدءا من الدور الأول الذي مر بسلام، حيث تخطى المغاربة عقبة منتخب إثيوبيا بخماسية داخل الميدان قبل التفوق عليه خارج الميدان بهدف لصفر، وبعدها واجه المنتخب المغربي منتخب البينين وكرس تفوقه ذهابا وإيابا بهدف لصفر بكوتونو، وبخماسية بالرباط، في حين تعادل الأسود مع تونس بهدف لمثله بتونس العاصمة وسلبيا بالدار البيضاء.بعدها تأهل المنتخب المغربي للدور النهائي الذي تشكل من مجموعة تضم ثلاث منتخبات و هي بالإضافة إلى المغرب، زامبيا والسنغال، حيث استهل الأسود المباريات بفوز على أسود “التيرانغا” بهدف لصفر، قبل الخسارة بلوساكا أمام زامبيا بهدفين لواحد لينتفض الأسود من جديد ويحققوا انتصارا بينا على منتخب السنغال بدكار بثلاثة أهداف لواحد، ليخطف الأسود بطاقة العبور للمونديال عقب الفوز على منتخب زامبيا بالدار البيضاء بهدف لصفر ( هدف لغريسي )، ليكون أجمل عبور من الأراضي المغربية للحضور في مجموعة مونديالية ضمت هولندا، المملكة السعودية وكذا بلجيكا.وفي رابع حضور للمنتخب المغربي بنهائيات كأس العالم قدم أسود الأطلس أوراق اعتمادهم بعدما حققوا نتائج مميزة استهلوها بتجاوز عقبة سيراليون بهدفين لصفر، قبل أن يتعادلوا مع غانا بملعبها بهدفين لمثلهما، وبعدها فاز الأسود على الغابون برباعية خارج القواعد كما كان الشأن في سيراليون بميدانها حيث جددت عليها كتيبة الفرنسي هينري ميشيل الانتصار بهدف لصفر، والتفوق على الغابون بهدفين للاشيء، ثم الفوز على غانا بهدف لصفر في الدار البيضاء (هدف خالد رغيب)، ليحلق المنتخب المغربي عاليا في مساء المونديال عقب تصدر مجموعته ب16 نقطة.وقبل التوجه إلى فرنسا التي قدم المنتخب المغربي واحدا من أجمل المونديالات خاض الأسود مسار تصفوي مميز، مكنهم من إثبات حضورهم القوي أمام مختلف المنافسين قبل لفت الأنظار أمام منتخبات كبيرة من حجم النرويج واسكتلندا وكذا البرازيل ليغادر الأسود من الدور الأول بعدما احتلوا الصف الثالث لكنهم نالوا احترام الجميع بعد الأداء والأهداف الرائعة التي سجلها لاعبو المنتخب المغربي . وخلال هذه المشاركات ، برز لاعبون دوليون كاللاعب نور الدين نيبت الذي يحمل الرقم القياسي في عدد المشاركات الدولية برصيد 115 مباراة، وعزيز بودربالة وصلاح الدين بصير وسعيد شيبة والطاهر لخلخ وعبد الجليل حدة وآخرون.كما ضم منتخب المغرب عددا آخر من اللاعبين البارزين في بداية الألفية الحالية وخلال السنوات الماضية أمثال مروان شماخ وجواد الزايري ومهدي بن عطية ومبارك بوصوفة ويوسف صفري وغيرهم.
– التأهل لمونديال قطر وتكريس روح الانتماء الوطني (تمغربيت)
تبقى مشاركة المنتخب المغربي في كأس العالم المنظمة بقطر في سنة 2022 متميزة ،حيث حقق هذا الأخير إنجازا تاريخيا ، بعدما أصبح أول فريق عربي وأفريقي يصل إلى المربع الذهبي لكأس العالم، بعد فوزه المثير على نظيره البرتغالي 1-صفر. فقد تحدى أسود الأطلس جميع التوقعات بإقصاء إسبانيا في دور الـ 16، بعد ركلات الترجيح (3-0). وعقب هذا الفوز، تألق أسود الأطلس في ربع النهائي، حيث فازوا أيضًا على البرتغال بنتيجة 1 مقابل 0، ليتأهلوا، لأول مرة في التاريخ، إلى نصف النهائي. وبفضل هذا الأداء الكروي المتميز استطاع المنتخب المغربي خلال مشاركته السادسة في أحد أهم الأحداث الرياضية الدولية أن يحتل المركز الرابع على الصعيد العالمي. لكن إلى هذا الجانب الكروي ،فقد عكست هذه المشاركة المتميزة روح الانتماء المشترك إلى الوطن .إذ قدم المنتخب المغربي صورة حضارية تجاوزت كرة القدم لتتحول اللعبة إلى ظاهرة اجتماعية وثقافية وسياسية واقتصادية تجاوزت الحدود والفواصل ورسخت تعزيز الهوية المغربية بكل مكوناتها . حيث تميز المنتخب المغربي “بقوته الروحانية” المتمثلة بالتشبث بالقيم الاسرية والعائلية ظهرت من خلال مجموعة من صور لاعبي المنتخب المغربي وهم يقبلون رؤوس أمهاتهم أمام الشاشات العالمية، بعد كل مباراة من المباريات التي يخوضها المنتخب في قطر ضمن منافسات كأس العالم. كما أظهرت الارتباط الشديد للاعبين ولدوا وترعرعوا ببلدان المهجر بالدفاع المستميت على علم بلدهم الأصلي . فقد (حملت قصة المغرب في المونديال القطري معاني إضافية عبر كتيبة أبناء المغاربة الذين أجبرتهم مصاعب الحياة على الرحيل والهجرة. أسر مغربية هاجرت نحو أوروبا بحثا عن مصدر رزق ومستقبل أفضل لأبنائها، فكان أن تفجرت طاقات هؤلاء الشباب وأصبحوا نجوما في لعبة كرة القدم، لكنهم ظلوا مغاربة رغم أنهم ولدوا بجنسيات أوروبية، وفتحوا أعينهم على دول الإقامة وتعلموا لغتها. براعم مغربية ولدت ونشأت في بلاد الهجرة، لكن عندما جاءت لحظة الاختيار بخصوص المنتخب الوطني فضلت اللعب للبلد الأصلي، ومنهم من خاض معارك مريرة من أجل ذلك، فكانت الرسالة مزدوجة؛ يستطيع الإنسان المغربي أن ينجح ويتفوق على الأجنبي إذا توفرت له الظروف الملائمة، وخطوة الهجرة والبحث عن هذه الظروف في آفاق أخرى لا تعني أبدا الانسلاخ عن الهوية والانتماء الأصلي.. ) (11)
اترك تعليقاً