منتدى العمق

الدرجات بمحرك في حكومة الكفاءات بين القانون والواقع

كما نعلم جميعا أن الجدال لم يتوقف، في الواقع والمواقع، بين مختلف شرائح المجتمع، بعد صدور إعلان الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية (نارسا) والذي اعتمدت فيه مسطرة جديدة للمراقبة التقنية للدرجات النارية، الذي يركز على استخدام جهاز قياس السرعة القصوى (speedométre) قصد التأكد من مدى مطابقة هذه الدرجات للمعايير والضوابط المعمول بها قانونيا؛ بل زاد الانشغال بهذا الإعلان عندما بدأت المصالح الأمنية القيام بحملة بصدد ذلك في مختلف مدن المملكة؛ الأمر الذي خلق نقاشا مجتمعيا، فضلا عن طرح تساؤلات قانونية بخصوص المسطرة المعتمدة وبعض مضامينها بشكل أخص.

وعليه، فإن هذا الجدال المثار جعلنا نجدد السؤال عن الوصفة العجيبة التي يتم بها إصدار القرارات والقوانين في المغرب، والتي كادت تصير “ماركة مسجلة” لحكومة الكفاءات، بعدما تم التأسيس لها في غيرها من الحكومات السابقة؛ بل لن نبالغ إن أطلقنا دعوى “أن صناعة القرار في المغرب، خلال السنوات الأخيرة، بدأ يفقد الجدية، وحتى الاحترافية، مما جعل المواطن يشعر بنوع من الامتعاض، بل يضع القائمين على تنفيذ بعض القرارات في وضع الحيرة والحرج مع المواطنين، علما أن القائمين من رجال الأمن، والموظفين عموما، مكلفون بتطبيق القرارات وليس مناقشتها في آخر المطاف”؛ ولعل ما عرفته الحملة الأمنية الأخيرة خير دليل، وإلا فكم من قرار ينسحب عليه هذا.

وبالعودة إلى ما تضمنته تلك الصفحتين التي نشرت باسم “نارسا” المعنونة ب “مسطرة مراقبة الدرجات بمحرك باستعمال جهاز قياس السرعة القصوى”، والتي تمثلت في بعض الإجراءات للتأكد من المعايير والضوابط القانونية المعمول بها وما مدى مطابقة الدراجة لها من عدمه، فضلا عن التذكير ببعض المقتضيات القانونية التي نصت عليها مدونة السير (القانون 52.05) مثل العقوبات التي تنتظر المخالف، نجد أنفسنا مرغمين بإعادة قراءة هذه المواد القانونية، والنظر فيها من خلال تجميع مختلف النصوص المرتبطة بها، لاسيما المراسيم التطبيقية، وقراءتها في ضوء ذلك كله، وأيضا في ضوء واقع الدرجات بمحرك المستعملة في المغرب بكثرة، الصينية منها والأوربية واليابانية.

وعليه، فإن مدونة السير التي عرفت مختلف المركبات، فرقت بين مختلف الدرجات؛ إلا أنه عندما تطرقت إلى تفاصيلها، نجد أنها تفرق بينها إما استنادا إلى عدد العجلات والوزن أو قوة المحرك؛ بل إن مرسوم رقم 2.10.419 من خلال المواد 34 و35 و36 و37 و38 و39 تحدث عما أسماه جهازي قياس قوة المحركات وكذا قياس السرعة القصوى للدرجات بمحرك، المنصوص عليهما في المادة 44 من مدونة السير (القانون رقم 52.05)؛ إلا أن نص المادة 44 من القانون لم يتحدث عن شيء اسمه السرعة القصوى كما يروج له اليوم، ولا حتى بأي شكل من السرعة؛ وفي المقابل، نجد مرسوم 2.10.420، تحدث عن السرعة القصوى المحددة للدرجات بمحرك والتي يجب عدم تجاوزها، وحددت في 40 كيلومتر في الساعة داخل التجمعات العمرانية و60 خارج التجمعات العمرانية، وذلك في المادة 19 منه.

وبالتالي، فإن قراءة مختلف مواد القانون 52.05، وكذا المراسيم المتعلقة بتطبيقه، نجدها تتحدث عن مخالفة تجاوز السرعة المحددة، سواء تعلق الأمر بالدرجات النارية أو باقي المركبات الأخرى كالسيارات والشاحنات وغيرها؛ بمعنى آخر، فإن السرعة القصوى لمختلف المركبات لم يشر إليها، لاسيما أننا نعرف أن هذه السرعة تختلف من شركة لأخرى بالرغم من وجود تشابه المواصفات بين المحركات، بحيث تجد محركا بسعة 49 سنتمترا مكعبا أسرع من الآخر لاعتبارات أخرى، فضلا عن وضع ذلك في إطار الابتكار الذي لا يتوقف والتنافس فيما بين الشركات؛ لذلك، فالسرعة التي تحدثت عنها نارسا والمحددة في 50 كلم/س لأول مرة، حسب علمي، والتي لم يسبق لنص قانوني قبل هذا الحديث عنها، بل إن المعمول به في الفحص التقني للدرجات النارية الأقل من 49 سنتمترا مكعبا لا يُخضعها لما يسمى السرعة القصوى، بل يهتم بمختلف التفاصيل إلا هذه السرعة، ليدعو المسؤولين على القطاع المزيد من التوضيح والتواصل مع المواطنين قبل اتخاذ أي إجراء.

وفي نفس السياق، فإن هذا الإعلان الذي حدد السرعة القصوى للدراجة في 57 ك/س يتعارض مع المادة 19 من مرسوم 2.10.420 السالفة الذكر، لاسيما إن نظرنا إليه من زاوية المادة 195 من المدونة، فإن للسائق الحق في هامش 10%، أي 6 كيلومتر أخرى؛ بمعنى أن تسجيل 66 كلم في الساعة لا يعتبر مخالفة إن أضفنا الهامش المسموح به؛ وعلى العموم، فإنه من المعلوم وجود شيء اسمه تراتبية نصوص القانون، ما يعني أن القانون لا يمكن نسخه أو تعديله إلا بقانون مثله أو أعلى؛ وكذلك المرسوم، لا يمكن أن يخالف القانون ولا تعديله، فبالأحرى أن يتم معارضة المرسوم أو القانون بإعلان لا يرقى إلى درجة مذكرة وزارية، بالإضافة أنه لم يبين على أي نص تم الاعتماد عليه لتحديد ما تم تحديده.

واستكمالا لما سبق، وبعيدا عن الغوص كثيرا في تفاصيل مواد القوانين، فإن افترضنا جدلا وجود نص يحدد هذه السرعة القصوى بشكل مسبق، ونحن لا نعلم به، أو قل نجهل بحيثياته، فلماذا لم يتم تفعيل ذلك طوال كل هذه السنوات السابقة؟ خاصة العقدين الأخيرين؛ بل، لماذا سُمح باستيراد مختلف أنواع الدرجات؟ لاسيما الصينية منها، والتي تفوق سرعتها 70 كلم في الساعة دون إجراء أي تعديل عليها في غالب الأحيان؛ وإنما لم يُشهد طوال كل هذه السنوات مراقبة السرعة القصوى في مراكز الفحص التقني، ولا في الجمارك عند استيرادها؛ وفي المقابل، إذ نقبل مؤقتا بالأسباب الواردة في تعليل سن هذه الإجراءات، والتي تتمثل في تزايد لعدد قتلى حوادث السير من فئة مستعملي الدرجات بمحرك، حيث تجاوز نسبة40%، فهل يعقل اتخاذ قرارات مفاجئة دون تحليل مختلف المعطيات الرقمية المتعلقة بعدد الدرجات بمحرك في المغرب، وعدد المواطنين المعتمدين على هذه الوسيلة في تنقلاتهم اليومية، والذي تضاعف عددهم حسب الملاحظ في السنوات الأخيرة، والذي يقدر بالملايين في غالب الظن.

وبهذا الصدد، لا بأس من طرح بعض التساؤلات عن المسؤولين والمقتنعين معهم بأن سبب تزايد القتلى في حوادث السير، كما سبق ذكره، راجع لاستعمال الدرجات بمحرك التي تزيد سرعتها عن 50 كلم في الساعة من قبل المواطنين؛ ولعل أهم سؤال يجب البدء به، هو: لماذا لم يتم احتمال تزايد عدد قتلى في صفوف أصحاب الدرجات إلى عدم احترام القانون بشكل عام من قبل السائقين؟ بل، لماذا لم يشر إلى أن ثقافة السياقة في المغرب، حسب الملاحظ بالتجربة، تأخذ بتراتبية المركبات المستعملة في الطرقات؟ حيث يشكل أصحاب الدرجات الهوائية الحلقة الأضعف، ويليهم أصحاب الدرجات بمحرك بعجلتين وهكذا، ليتصدر القائمة أصحاب المركبات الكبيرة؛ بمعنى أنه خلال السياقة يُفعل مبدأ نظرية التطور، أو قل قانون الغاب، الذي يقول: البقاء للأقوى؛ لذلك، عند السياقة يخضع السائق لهذا القانون الذي يفرض عليه، شاء أم أبى، احترام الأقوى والاحتراز منه، سواء كان القانون يعطي له حق الأسبقية أو لا، وإلا عرض نفسه للخطر والموت؛ وهكذا يجب طرح مجموعات من التساؤلات، ولكن المقال لا يسمح بذلك.

وختاما، نقول لمسؤولينا في البلاد: من الجميل العمل على إصدار قرارات تنظيمية وقوانين من أجل الرقي بمملكتنا، وجعل كل شيء فيها يخضع للتنظيم والقانون، ولكن الأجمل من كل ذلك هو تفعيل مبدأ التشاركية أو ما يسمى الديموقراطية التشاركية في صناعة القرارات، حتى يتم اجتناب كل صدام مع الواقع المر الذي كان نتيجة الإهمال والتساهل المتعمد والعفوي، على حد سواء؛ وفي نفس السياق، حتى إن اتفقنا مع الوزارة المعنية فيما ذهبت إليه، فهل لم يسمعوا يوما عن شيء اسمه التدرج في سن العقوبات وكذلك في القانون والتشريع؟ فها نحن كل مرة يحدثنا خطباء الجمعة عن التدرج في تحريم الخمر، وكذلك في القضاء على ظاهرة العبيد التي وجدت قبل أن يُبعث محمد عليه الصلاة والسلام؛ لذلك، إن كان رب العالمين وخالق الإنسان خفف على عباده في طريقة إبلاغه عن تحريم الخمر وباقي المحرمات الأخرى، أليس الأجدر بالحكومة التعامل بكل يسر مع ظاهرة انتشار الدرجات بمحركات تتعدى سرعتها 50 كلم في الساعة، والتي وافقت نفس الحكومة وباقي الحكومات السابقة على استيرادها والترخيص للتجار الكبار والصغار ببيعها بشكل قانوني للمواطنين؟
اللهم ارقنا المنطق والعمل به.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *