إلى الأستاذ فؤاد عبد المومني: ظننا بالله وببركة الشرفاء وظنك بحزب الشيطان

قرأت بكثير من الشفقة تهجمك على الشعب المغربي وعلى مؤسساته ورموزه ، وأصدرت أحكام مبطنة وكأننا نعيش الفوضى سياسيا وإجتماعيا، فأخدتني الغيرة الوطنية لأخط اليك هذا الرد راجيا أن يجد في ذهنك ولو جزءا بسيطا من العلمية والاخلاق النضالية التي لا اتمنى أن تكون قد جفت منابعها بسبب كثرة الحقد راكمته ضد وطنك لسنين عديدة.
ممارسة الاستاذية والتنظير علم تجهله العامة، ولكن تتبع وتحليل الانساق الثقافية والسياسية والاجتماعية يتاح للجميع حسب زاوية تحليلها وتناولها للأمور. فالمتخصص في علم السياسة والمؤسسات والفقه الدستوري يتناوله من زاوية ما هو كائن حاليا في المغرب كتراكم في البناء المؤسساتي والقانوني بعد سنين من التجربة التاريخية شملتها فترة الحماية وصولا الى الاستقلال.
وعالم الاجتماع والانتربولوجيا يتناولها من زاوية العلاقات الاجتماعية وتوازناتها وسط نفس النسق الذي لا يضبطه القانون لوحده بل يتداخل فيها ما هو قانوني وما هو عرفي بما هو شرعي أخلاقي. بينما المؤرخ يتناوله كتعبير لظواهر إجتماعية وسياسية تعكس (برف التاء) من خلال سلاسة الاحداث وإنعكاساتها السياسية على مستوى السلطة وهكذا دواليك حسب التخصص والمتخصص.
الطامة الكبرى بعد هذا السرد الوجيز هو عندما يقدم انسان لا يعلم مستوى تناوله للخبر او للمعلومة ومدى إلمامه بالواقع المغربي وجهة نظر تعري جهله بذلك الواقع في إعادة استنساخ لإستنتاجات فشل فيها من سبقوه من اليسار الجدري (كسلف صالح له) ، بل وهذا السلف الصالح قدم مراجعات عرت حجم الجهل حسب وصفه لتعقيدات الواقع المغربي وأقر بجهله لتركيبة المجتمع المغربي الثقافية والهوياتية وطبيعة السلوك الذي سيقدم عليه حسب حجم الظاهرة المطروحة أمامه، وهذا الجهل جعل سلفك الصالح ذاك أقدم على اعمال بين تسلسل الاحداث فشله الذريع من ناحية الممارسة ومن ناحية توطين ما ارادوه مجتمع مغربي عربي موحد ينشد الثورة العربية كشعب وينتمي الى البعث العربي.
و جميع المدارس السوسيولوجية والانتروبولجية التي جعلت من بلاد المغرب مجالا للدراسة خلصت في نهايتها الى اللا يقين ويختم روادها في خلاصات ابحاثهم بجملة اصبحت مسلمة الى يومنا هذا؛ أن هذا المجتمع المغربي المركب يصعب التنبؤ يقينا بمستقبله، رغم مظهر الاسس العلمية التي إشتغلوا بها و تسمح لنسج النظرية العلمية حوله بشكل تبدو سليمة.
وما قبل وبعد هذه الدراسات العلمية المتخصصة ظهر مناضلي اليسار الجذري الذين اقروا بأن الممارسة الفعلية التي أريدت والقراءة التي قدمت في مغرب 1973 تخلص الى أن النظام السياسي الذي مر من انقلابين عسكريين من دون ردود افعال شعبية واضحة وملموسة للتنديد وكذا مستوى الاحتقان الاجتماعي الكبير توحي بأن أي فعل ثوري سيؤدي كحتمية تاريخية الى تغيير النظام وبعد عملهم ذاك اصطدمو بواقع اكثر صلابة وإيمان بالمؤسسة الملكية وبالبنى التاريخية للنظام المغربي المتجدر أكثر مما اعتقدوه خطأ ووهما .
ومن تم فإعادة صياغة نفس المفاهيم ونفس الأساليب حاليا بتكالب بين قوى العمالة الداخلية وقوى التربص الخارجية لن تنحوا سوى نفس منحى من سبقوها، وعلم السياسة او النظريات السياسية و آليات تحليله التجريبية على جغرافيا سياسية كالمغرب تصطدم بالفشل بسبب مجتمعه المتراص ونظامه المركب، تؤطرهما ذاكرة تاريخية يجتمع داخلها العرف والشرع والقانون وقبلهم مفهوم الوقار والحشمة.
ويبقى ما دونته على وسائط التواصل الإجتماعي لا يعدوا سوى موقف يحلم به مراهق في الصف النضالي قرأ سيرة ذاتية لثائر في امريكا اللاتينية فأخدته النشوة التي نفسها من إستولت على عقول من اعلنوا الثورة في السبعنيات وباشرو قبل تلك الثورة بدراسة وتحليل طبيعة النظام المراد إرساؤه بل ووزعو الوزارات والمناصب الادارية والأمنية على رفاقهم قبل تحليل الواقع الملموس.
ومن خلاله وبما أنك تسطو على صفة المحلل الاقتصادي والحقوقي فإني أصوت عليك كوزير للاقتصاد في نظام حلمك الوهمي الذي تنشده في أفق أن تستفيق من ذلك الحلم الطوباوي وتجدنا في مغربنا عازمون ومتشبثون بالمضي قدما بنفس النفس التاريخي والإصلاحي بالتدرج في ظل مسيرة الإصلاح من داخل الاستمرارية.وتحية رفاقية مبنية على الصدق وليس على العمالة.
اترك تعليقاً