وجهة نظر

عقوبة الطرد .. ضرب لأهداف التعليم

تعتبر المؤسسات التعليمية البوابة الوحيدة التي تؤمن تعليم وتهذيب وإصلاح أجيال كل بلد. وتوفير الكفاءات اللازمة للتأهيل والتنمية و رقي الشعوب. فدساتير كل دول العالم، تفرض فتح أبواب تلك المؤسسات في وجه كل الأطفال واليافعين والشباب وحتى الكبار. وتمكنينهم من كل فرص الإبداع والتألق والتدرج. ولا يمكن في أي حال من الأحوال أن تغلق في وجه أي طالب للعلم والمعرفة. ولا يحق لأي مسؤول أو مجلس أو هيئة تربوية داخل تلك المؤسسات التعليمية، اتخاذ قرار حرمان تلميذ أو طالب من خدماتها. إلا في حالة ما إذا استنفذ سنوات الدراسة. مما يعني أنه لا يحق طرد التلميذ والطالب بمبررات الشغب أو العنف أو سوء السلوك. والتي هي بعيدة عن التقويم والتقييم التربوي التعليمي الصرف. بل إن كل شغب أو عنف أو سوء سلوك ناجم عن التلميذ أو الطالب، يعتبر قصورا لطاقم التسيير والتدبير. وعليه أن يسارع إلى إيجاد الحلول اللازمة للإصلاح والتهذيب وتجاوز ذلك القصور. لا أن يبادر إلى طرد المشاغب والمتجاوز والإلقاء به في متاهات الانحراف والإجرام . وهو الذي ولج المؤسسة التعليمية من أجل تقويم اعوجاجه وتصحيح مساره.

فحتى شغب التلاميذ والطلبة الذي قد يصل إلى مستوى الجريمة. وقد يطرق أبواب القضاء. و يفرز أحكاما بالسجن حتى.. لن يكون أبدا سببا في حرمان المشاغب أو المجرم المدان من التعليم والتكوين. فالقانون المغربي (ومعه قوانين كل الدول). يؤمن أحقية السجين في الدراسة والتكوين. لإيمان الكل بأنها جسور تساعد على تحقيق أدوار السجون في الإصلاح والتهذيب وتدعم أهدافهم.

مناسبة حديثي أعلاه، ما تعرفه مؤسسات تعليمية مدرسية وجامعية، من عقوبات الطرد المتسرعة التي تسلكها مجالس التأديب اتجاه من تقف على بعض شغبهم وتجاوزاتهم وجرائمهم. دون اعتبار لمستقبل المطرودين، وما سيخلفه الطرد من أضرار لأسرهم ومحيطهم وبلدهم… لنحلل نموذج قرار طرد ثلاثة طلبة من كلية العلوم بجامعة ابن زهر بآكادير. وهم المتهمين منذ شهر فبراير 2020، قضائيا بتهمة (إهانة موظفين عموميين وتعييب أشياء مخصصة للمنفعة العامة). موضوع هؤلاء الطلبة وبعيدا عن توجهاتهم وعقائدهم وأفكارهم.. كان من المفروض أن يعالج من طرف المجلس التأديبي للكلية من جوانبه التربوية التعليمية. وأن يفرز ما يمكن من إصلاح وتهذيب للطلبة. وتصحيح ما ترسخ لديهم من أفكار يفترض أنها ضد أهداف وأدوار التعليم الجامعي. فهل لدى أعضاء المجلس التأديبي ملفات خاصة بالحياة المدرسية والجامعية لكل طالب؟..وهل سبق للمجلس أن ناقش تجاوزات سابقة لهؤلاء الطلبة. وقام بتحذيرهم أو إنذارهم ؟.. وما قيمة قرار الطرد داخل منظومة التربية والتعليم التي من أهدافها محاربة الهدر المدرسي وحماية الأجيال من الانحراف ؟.. وهل من حق تلك المجالس أن تصدر قرارات تعلو دستور البلاد الذي يقر بأن التعليم حق لكل مواطن ؟.

موضوع الطلبة طرق باب المحاكم حسب رغبة المشتكين التربويين. ومن المفروض انتظار صدور الأحكام النهائية، للتأكد من مدى صحة الاتهامات. ألا يعتبر قرار الطرد المتخذ في حق الطلبة ضربا لمسطرة القضاء التي سلكها المشتكون، ألا يعتبر احتقارا لما قد يفرز من أحكام إدانة أو تبرئة ؟. المعنفون المفترضون هم أطر من داخل الكلية. فضلوا الاحتكام إلى القضاء، عوض اللجوء إلى الإصلاح والتهذيب داخل الحرم الجامعي. وحتى في حالة الإدانة القضائية للطلبة. فإن السجن لن يحرمهم من متابعة دراستهم. بل إن السجناء المتابعين لدراستهم يتلقون كل العناية والاهتمام من طرف إدارة السجون، وكل الاحترام والتقدير من طرف النزلاء وداخل المجتمع.

متى تدرك إدارة المؤسسة التعليمية أنها تتخذ قرارات غير تربوية. وأنها بتلك القرارات تؤدي أدوارا عكسية تزيد من فشل التربية والتعليم. لا يحق لها طرد أي تلميذ أو طالب بدواعي الشغب أو السلوك السيئ. وحتى إن استنفد التلميذ أو الطالب سنوات التمدرس فله الحق في طلب الفرصة الثانية. بل لا يحق لها حتى اتخاذ قرار ( عقوبة تغيير المؤسسة للتلميذ).إلا باتفاق مسبق مع ولي أمر التلميذ المعاقب. فالمدارس لها نفس الأدوار التربوية ونفس الموارد المادية والبشرية والآليات البيداغوجية والديداكتيكية. وقرار نقل التلميذ إلى مؤسسة أخرى، يعني قصور وعجز تلك المؤسسة في تربية وتعليم ذلك التلميذ. ومن العيب والعار أن يتم رفض طلب الفرصة الثانية التي يفرضها النظام التعليمي، بدواعي وأسباب واهية. كالشغب أو الاكتظاظ أو عدم وجود طاولات أو الخصاص في الأطر التربوية..). إذ لا يمكن أن تجهض الحقوق بسبب قصور أداء الوزارة الوصية. صحيح أن شغب بعض التلاميذ أصبح يضاهي جرائم الكبار، ولا يمكن للمدرسة وحدها أن تنزع تلك الجرائم والخبث والعفن الذي ترسخ داخل نفوس وعقول بعض التلاميذ. لكن على الأطر التربوية والأسر أن تدرك أنها مسؤولة على بداية انحراف التلاميذ الذي أصبحوا بعدها محسوبين على فئة المجرمين. لأن الجريمة ولدت شغبا وعنفا بسيطا داخل البيت والفصل الدراسي.. ولقيت عطفا وتسامحا وتساهلا ولامبالاة مهدت لها لتنموا وتكبر.. وعلى الأسر متابعة سير الدراسة والسلوك لدى التلاميذ. وأن تداوم على السؤال عن مستواهم التعليمي وتعثراتهم وإخفاقاتهم.. وأن تكون على علم مسبق بمستوياتهم التعليمية. لا أن تغيب كل الموسم للدراسي، وتبدأ البحث في نهايته عن نتائج غالبا ما تكون سلبية.

فهل تتعقل الأطر التربوية داخل كلية العلوم وجامعة ابن زهر أكادير، وداخل كل المؤسسات التعليمية. وتدرك أن على مجالسها التأديبية أن تحذف من لائحة عقوباتها (عقوبة الطرد). لأنها تعرض رسائلها التربوية النبيلة. وهل ستبادر الوزارة الوصية والحكومة ومعها كل سلطات البلاد إلى وقف نزيف تسريح التلاميذ والطلبة ورميهم بين أحضان الانحراف. لأنها إجراءات لا تمت للتربية والتعليم بصلة ؟؟..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *