وجهة نظر

هل التقارب السعودي التركي سيتجاوز الغضب الأمريكي ويحل المشاكل العالقة بينهما؟

يبدو أن اتصال خادم الحرمين الشرفين الملك سلمان بن عبد العزيز بالرئيس التركي طيب رجب أردوغان قبل انعقاد مجموعة العشرين أعطى بصيص أمل في إعادة العلاقات بين البلدين، بعد توتر شديد دام سنوات إبّان حصار دولة قطر من قبل المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين ودولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية مصر العربية، ومقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية المملكة العربية السعودية في إسطنبول، وغيرها من المواضيع التي تتعارض فيها الرؤى السعودية التركية، وقد بادر الملك السعودي بالاتصال ليعرب عن استعداده للحوار واسترجاع العلاقات القوية التي كانت بين السعودية وتركيا في وقت ما، إلا أن تدهورها في الفترة الماضية أثرّت بشكل كبير على المبادلات التجارية بين البلدين، بعد تعرّض تركيا لحملة شرسة وكبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي والكثير من وسائل الإعلام السعودية التي مارست السب والشتم في أعلى معانيه ورأت الرئيس التركي إخوانيا من الدرجة الأولى ولجأت إلى أساليب الاستفزاز وتبادلت مع تركيا الاتهامات على أوسع نطاق خلال الفترة التي تلت اغتيال خاشقجي.

وخلال فترة التوتر، كان الجوّ متاحا بالنسبة للسعودية أن تتمرّد على تركيا لأنها كانت محميّة بالدرجة الأولى من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حيث العلاقات القوية الشخصية التي تربط بين ترامب وبن سلمان، ولم تهتزّ طوال فترة حكم ترامب، لأن الرئيس الأمريكي كان يعقد صفقات مهمّة مع ولي العهد السعودي ويستفيد من المال السعودي، مقابل سكوته عن جريمة قتل خاشقجي وجريمة حرب اليمن وجريمة حصار دولة قطر، وجريمة اعتقال الناشطين السعوديين والعلماء والكتّاب والأدباء والأطباء المعارضين لسياسة بن سلمان، وحصر الأمراء السعوديين الأثرياء لأخذ أموال منهم بزعم محاربة الفساد والتضييق على بعضهم ممن رأى فيهم معارضة لما يقوم به بن سلمان، وكل ذلك يحصل في السعودية تحت نظر الملك السعودي الذي شعر في الفترة التي تلت مقتل خاشقجي بالذنب حين ضجّ العالم بهذه القضية وطالب بمحاسبة بن سلمان لأنه في نظرهم المسؤول الأول عن مقتله، وما كان ليتجرأ القاتلون على مسّه إلا بموافقة صريحة من ولي العهد.

كما أن تركيا التي بنت علاقات ممتازة مع دولة قطر في مواجهة دول الحصار، مكّنها من دعم اقتصادها من خلال الدعم القطري المباشر، ومتانة العلاقات بينها وبين روسيا، والتوافق الكبير في مجمل القضايا العالقة سواء في سوريا أو ليبيا أو حتى شرق المتوسط، هذا التقارب الروسي التركي أزعج الولايات المتحدة الأمريكية في عهد ترامب وسيكون مزعجا بشكل كبير لا شك في عهد بايدن، مما سيجعل الرئيس التركي في صدام مع الرئيس المنتخب جو بايدن، ولذلك تعلم تركيا يقينا أنه ستعترضها مشاكل في الإدارة الأمريكية الجديدة خاصة وأن بايدن قد أضمر العداء صراحة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان حينما توعّده بإجراءات توقفه عند حدّه كما قال في أحد تصريحاته الصحفية.

فكلا البلدين إذا لهما مشاكل مع الإدارة الجديدة للولايات المتحدة الأمريكية، وتنتظرهما عقوبات أمريكية ربما للحد من توجهاتهما التي رآها بايدن أنها لا تخدم السلم العالمي، وينبغي التدخل من أجل تصحيح المسار الديمقراطي، وبالتالي كان التقارب بين البلدين ضروريا في هذه المرحلة لتجاوز الغضب الأمريكي في عهد الرئيس المنتخب بايدن، وتحقيق التكامل الاقتصادي مرة أخرى وتجاوز المرحلة الماضية والتجربة المريرة في قطع العلاقات كليا حيث لا يخدم البلدين بل يسهم في تعطيل المصالح التركية السعودية، ويبدو أن اتجاه الولايات المتحدة الأمريكية نحو فتح ملفات معقدة مع تركيا والسعودية هو الذي يفتح الباب أمام إعادة العلاقات التركية السعودية إلى سالف عهدها وتجاوز المحنة من خلال جلسات حوار معمقة يمكن من خلالها حل المشاكل العاقلة بهدوء خاصة تلك التي تتعلق باغتيال جمال خاشقجي على أراضيها.

فهل كان الاتصال بداية لتفاهمات جديدة بين تركيا والسعودية؟ وهل يمكن أن تتنازل السعودية لتركيا إذا ما طلبت منها نشر الحقيقة كاملة عن خاشقجي ومحاسبة المتورطين في عملية القتل؟ وهل يمكن لتركيا أن تغض الطرف عن المطالبة مقابل تحقيق مصالحها الاقتصادية؟ فذلك يمكن للزمن أن يجيب عن هذه الأسئلة بعد أن تبين أن السعودية وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين تبدي استعدادا لإعادة العلاقات مع تركيا رغم تخوفاتها، لأنها كما يبدو مضطرة لذلك حتى تخفف عن نفسها الضغط الأمريكي المرتقب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *