قانون المالية يفضح “سلايتية البرلمان” ومطالب بمعاقبة النواب المتغيبين

كشفت مناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2025 والميزانيات الفرعية للقطاعات الحكومية عن تفاقم ظاهرة “السليت” التي تؤرق البرلمان، حيث رصدت جريدة “العمق” حضورا ضعيفا بل “هزيلا” لممثلي الأمة خلال اجتماعات اللجان الدائمة، حيث بلغ متوسط الحضور في بعض اللجان أقل من 20% من العدد الإجمالي لأعضائها البالغ 44 عضوا.
واضطرت رئاسة العديد من اللجان الدائمة إلى تأجيل انطلاق أشغالها، في انتظار حضور عدد كاف من النواب للمشاركة في مناقشة مشاريع الميزانيات الفرعية للقطاعات الحكومية، بينما لجأ بعض رؤساء اللجان إلى وسائل مختلفة لحث النواب على الحضور، مثل الاتصال بإدارات الفرق البرلمانية، إلا أن هذه المحاولات لم تسفر عن نتائج ملموسة في كثير من الحالات حيث شهدت عدد من الاجتماعات حضورا باهتا لم يتعد في بعضها 6 نواب.
واستغل رئيس مجلس النواب راشيد الطالبي العلمي، تقديمه لمشروع الميزانية الفرعية للمجلس أمام لجنة المالية والتنمية الاقتصادية الأسبوع الماضي، فرصة غياب عدد كبير من أعضاء اللجنة لإثارة قضية الغياب المتكرر للبرلمانيين عن الجلسات وأشغال اللجان الدائمة. وأكد أنه يعتزم التعامل بصرامة مع هذه الظاهرة التي أصبحت تؤثر على سير العمل البرلماني، مشيرا إلى أن لجنة الأخلاقيات، التي تم تشكيلها حديثا، ستباشر عملها بالنظر في ملف حضور وغياب النواب.
وأشار الطالبي العلمي، إلى أنه يتطلع من لجنة الأخلاقيات إلى تقديم اقتراحات لمكتب المجلس بشأن الإجراءات اللازمة لضمان حضور النواب ومعاقبة المتغيبين. وفي هذا السياق، شدد على ضرورة تفعيل آلية الاقتطاع من التعويضات الشهرية للنواب المتغيبين بشكل غير مبرر، بالإضافة إلى تلاوة أسمائهم في الجلسات العامة واجتماعات اللجان، مشددا على أن “السكوت عن هذا الغياب لم يعد مقبولا” في ظل ما يتطلبه العمل البرلماني من التزام وجدية.
من جانبه، أكد رئيس الفريق الحركي بمجلس النواب ادريس السنتيسي، أن “مسألة الغياب داخل البرلمان أصبحت مشكلة واضحة، حيث لا يتجاوز عدد النواب الحاضرين مثلا أمس في لجنة المالية 10 إلى 12 نائبا، وهو عدد قليل جدا مقارنة بعدد الأعضاء. رغم أنه يمكن تفهم صعوبة الحضور في بعض الأحيان بسبب تداخل أعمال اللجان، إلا أنه من غير المقبول الاستمرار في هذه الوضعية”.
وأشار السنتيسي إلى أن مناقشة الميزانيات الفرعية للقطاعات الحكومية قد لا تتطلب تدخل كل نائب، لكن من المهم حضورهم للاستماع للنقاشات ذات الطابع السياسي. وأعرب عن أسفه لرؤية بعض النواب يدخلون القاعة لفترة قصيرة ثم يغادرون، بل يخرج البعض من الباب الأمامي بعد الدخول من الخلف، مما يزيد من تفاقم الظاهرة، مشيرا إلى أن العديد من الدول اعتمدت بطاقات إلكترونية لمراقبة دخول وخروج النواب.
وشدد رئيس الفريق الحركي بمجلس النواب، على أن استمرار هذا الوضع غير مقبول، وأنه يجب تفعيل مدونة الأخلاقيات وتقديم حلول لمعالجة الغياب المستمر، مؤكدا أن الوقت الحالي هو الأنسب لتنفيذ هذه الإصلاحات، لأن التأجيل حتى الولاية المقبلة يعني استمرار الوضع الحالي.
في سياق متصل، استنكرت البرلمانية عن المجموعة النيابية للعدالة والتنمية، هند الرطل بناني، خلال مناقشة الميزانية الفرعية للمحاكم المالية، غياب عدد كبير من أعضاء لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان والحريات، عن مناقشة عدة ميزانيات فرعية للقطاعات الحكومية، مضيفة أنه “إن دل ذلك على شيء فإنما يدل على عدم احترام الأدوار التي تقوم بها المؤسسة التشريعية”.
وتابعت: “أتساءل أين هم نواب الأمة الذين يزعمون أن المواطنين هم من أوصلوهم إلى قبة البرلمان عبر صناديق الاقتراع؟ أين أولوياتهم؟ وأين هم من الأمانة التي وضعت على عاتقهم من قبل المواطنين؟ ونحن نعلم أن مناقشة مشروع قانون المالية داخل اللجان تعد فترة حاسمة في تأطير عمل البرلمان طوال السنة.”
ولم يرق استنكار البرلمانية الرطل بناني، رئيس لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان والحريات، سعيد بعزيز، حيث رد عليها بقوله “لا يحق لأي نائب أن يستنكر غياب النواب عن أشغال اللجان أو الجلسات العامة” وأورد: ” ناقشنا هذا الموضوع في جلسة سابقة وأوضحنا أن اجتماع المكتب يوم الاثنين بعد الجلسة العامة سيضع جدولا لتغيبات النواب طبقا للمادة 137، وسيتم إحالتها على رؤساء الفرق والمجموعة النيابية”.
وشدد بعزيز على أن “هذا اختصاص اللجنة ولا يحق لأي أحد التدخل فيه. والأمر لا يتوقف على غياب النواب بسبب المرض أو الولادة فقط، بل هناك أيضا رخص مرتبطة باللحظة مثل حضور الأنشطة الرسمية في الدوائر بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء. لدينا اعتذارات ومبررات للتغيبات”، وفق تعبيره.
وباستثناء مناقشة الميزانية الفرعية لوزارة الداخلية، التي تشهد حضورا مكثفا للنواب البرلمانيين، خصوصا أولئك الذين يشغلون مهام رئاسة المجالس الجماعية، فإن غالبية أشغال اللجان الدائمة لا يتجاوز فيها الحضور 15 نائبا من أصل 44. في حين تم تسجيل حالات حضور تتراوح بين 5 إلى 10 نواب في بعض اللجان، مثل تلك الخاصة بالميزانية الفرعية للأمانة العامة للحكومة، والمحاكم المالية، والسجون، وهيئة النزاهة ومحاربة الرشوة والوقاية منها، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، والمندوبية السامية للتخطيط.
اترك تعليقاً