منتدى العمق

مبدعون وسياسيون.. تازة المظلومة أنجبت سياسيين ومبدعين

يقول العلامة الأندلسي لسان الدين بن الخطيب في أجمل تجلياته إبداعا عن مدينة تازة “أنها بلد امتناع وكشف قناع ومحل ريع وإيناع٬ ووطن طاب ماؤه وهواؤه٬ وجلت فيه مواهب الله وآلاؤه…”.هكذا  هي مدينة تازة ٬ ذات تاريخ ضارب في القدم وطبيعة فريدة أخاذة٬ عاصمة للكهوف٬ وموطن أعتى القبائل شراسة في المقاومة ٬كما أنها تعد أقدم المدن في العالم بشهادات اركيولوجية٬ ناهيك عن موقع جغرافي استراتيجي أكسبها حضورا تاريخيا وازنا في زمنها الانيق قبل أن تركن على هامشه ويطويها النسيان.

لكن سر هذه المدينة العتيدة لا يكمن فقط في كل هذه التوليفة بقدر ما يكمن في نقطة فريدة أشار إليها ابن الخطيب ﺑ “مواهب الله”٬ وكما لا يخفى على أحد رحم تازة ولاد ولا زال لمواهب وأسماء داع صيتها داخل وخارج أرض الوطن وبصمت حضورا وازنا في عديد المجالات.

” عبدالهادي التازي” المؤرخ والعلامة وقيدوم الديبلوماسية المغربية خير دليل على ذلك٬ تازي الإسم والمولد رأي فيها النورسنة1921 ٬ عرف عنه أنه صاحب توجه فكري محافظ وعاشق للتاريخ والعلم والمعرفة٬ ومدافع شرس عن قيم الهوية الإسلامية واللغة العربية من كل تغول فرنكفوني٬ كما تقلد العديد من الوظائف والمسؤوليات٬ وهو ذو تاريخ أكاديمي وازن وثقيل٬ وخلفية سياسية بارزة.

تميزت هذه الشخصية بالإنتاجات الغزيرة التي جمعت بين التاريخ والأدب والديبلوماسية والسياسة والدين٬ غير أنه من المفارقات العجيبة أنك  حينما تتمعن كتاباته رغم غزارتها فإنك لا تجد فيها دراسة مستقلة خصصت لمدينته الأم إلا عن مقال مطول نشر في مجلة دعوة الحق ﴿عدد 241⁄ أكتوبر1984﴾  بعنوان “في تاريخ تازة” الذي ختمه بعبارة عميقة توحي بعديد من التساؤلات “أن على أبنائها اليوم أن يقوموا بكتابة تاريخها في شتى الميادين٬ إن عليهم وحدهم تقع نتيجة التعريف بهذه الماسة التي نسميها    تازة…” .

ومن مجال التاريخ وإشكالاته إلى ميدان الصحافة وتحقيقاتها تبرز شخصيتنا الثانية على القائمة٬ وهي شخصية شابة أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها طموحة وجريئة في طرحها للمواضيع وتحليلها العقلاني لها٬ حيث استطاعت أن تثبت نفسها في مدة لا تتجاوز التسع سنوات في تقديمها للبرامج الحوارية والتحليلية.

هو إذا” محمد الرماش” التازي ذو الأصول” البرنوصية” الصحفي والمذيع بشبكة الجزيرة ٬اشتهر مؤخرا بتقديمه لبرنامج مغارب على منصة أثير الذي فاز عنه بجائزة”signal Awards”. يلعب الرماش دور سفير لمدينة تازة في العالم العربي بحيث لا يتوانى في التعريف بها في عديد من المناسبات عبر مشاركته في برامج وتحقيقات تناولت تاريخها ومعالمها الأثرية والإيكولوجية أو تغطيته لأحداث مهمة وقعت بالمدينة وحتى مقابلات مع شخصيات بارزة فيها٬ أو الترويج لها بشكل نشيط عبر مواقع التواصل الاجتماعي بمشاركته لصور ومقاطع فيديو مع متابعيه مبرزا انتماءه الوطيد بمدينته.

ليس بعيدا عن الصحافة يطالعنا مجال الأدب لتفاجئنا تازة مرة أخرى بشخصية بصمت حضورا لافتا فيه٬ حيث نجد هذه المرة” أحمد بوزفور” رائد القصة القصيرة ٬يقول عنه الباحث عبد السلام أنويكة “هو ابن تازة الجبل ٬أديب ومثقف عميق وقاص مبدع رفيع المستوى٬ بل مدرسة شامخة بكل ما تحمله الكلمة من معنى ”  ،ولعل هذه الشهادة قربتنا نوعا ما من التجربة الإبداعية والنقدية لبوزفور٬ فهو صاحب” تأبط شعرا” و”صياد النعام” و”الزرافة المشتعلة” وغيرها من الكتابات التي أتاحت له موقعا مهما في “اتحاد كتاب المغرب” لعقود٬ وجعلت له حضورا في المشهد العربي الأدبي.

وبالرغم من التاريخ الحافل بالتشنجات مع السلطة لتازة٬ إلا أنها استطاعت أن تصدر لنا وجوها بارزة في السياسة كانت لها أدوارا مفصلية في التاريخ المغربي المعاصر٬ ولنا في شخصية الجنرال الراحل “عبد العزيز بناني” خير مثال على ذلك٬ حيث تقلد أعلى رتبة عسكرية الجنرال “دكوردارمي”٬ كما شغل منصب المفتش العام للقوات المسلحة الملكية وقائدا للمنطقة العسكرية الجنوبية٬ فهو ذو سجل عسكري حافل حيث شارك في استرداد طرفاية عام 1957٬ وحرب إيفني في نفس السنة وحرب الرمال سنة 1963. ابن تازة كان يعتبر مرآة الملك الراحل “الحسن الثاني” في الصحراء ولخبرته الميدانية وحنكته السياسية لقب ﺑ “ثعلب الصحراء”.

أما “عبد السلام الصديقي” فقد اختار أن يزاول السياسة تحث قبة البرلمان ٬ ممثلا عن حزب التقدم والاشتراكية باعتباره عضوا بديوانه مند ماي2010٬ الدكتور والأكاديمي في علوم الاقتصاد شغل مناصب عديدة٬ أهمها منسق حقوق الإنسان والتنمية البشرية ومنسق جهة الحسيمة تازة تاونات ثم وزيرا للتشغيل والشؤون الاجتماعية في حكومة بنكيران الثانية خلفا لعبد الواحد سهيل ٬ وله العديد من المقالات التي تبرز توجها اقتصاديا واضحا ببهارات سياسية ٬ أبرزها ذلك المقال الذي حمل عنوانا ذا دلالات عميقة “تازة وغزة.. مصير واحد ونضال مشترك “المنشور في جريدة العمق﴿16ديسمبر2020﴾.

لم يخطأ عبد السلام الصديقي حينما أقرن تازة بغزة في منطق النضال٬ فإذا كان نضال غزة وأبناؤها هدفه الحرية٬ فإن نضال تازة هدفه الاعتراف بالجميل من أبنائها ٬ ليظل لسان حالها يردد دائما ما بعيدة غير تازة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *