وجهة نظر

فضاءات الفلسفة الإفريقية

محمد الأشهب أستاذ الفلسفة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، ابن زهر أكادير

انعقد في الفترة ما بين 18 و22 مارس 2025 مؤتمر دولي بجامعة هيلدسهايم الألمانية، تحت عنوان “فضاءات الفلسفة الإفريقية”، بإشراف معهد الدراسات المتقدمة بالجامعة ذاتها. أشرف على تنظيم هذا اللقاء الفيلسوف الألماني رودولف ألبرفيلد وزميلته أنكه غرانيس، وهما يديران مشروعاً فلسفياً يمتد إلى غاية سنة 2028، بدعم من المؤسسة الألمانية للبحث العلمي.

يندرج هذا المشروع في سياق امتداد لمشروع سابق بعنوان “كوزليك: التفلسف من منظور عالمي”، الذي انطلق منذ ثمانينيات القرن الماضي. ويعد هذا التصور، الذي انشغل به ألبرفيلد منذ عقود، محاولة جادة لإعادة النظر في كتابة تاريخ الفلسفة من زاوية غير غربية ولا مركزية. فهو يهدف إلى نقد النزعة المركزية التي طبعت التأريخ الفلسفي منذ القرن الثامن عشر، والتي أقصت تواريخ فلسفية بديلة وأصواتاً مغايرة لا تساير التصور الغربي لطبيعة التفلسف.

في هذا الإطار، نظمت الندوة الدولية التي خُصصت للفلسفة الإفريقية، والتي يُنتظر أن تتبعها لقاءات مماثلة تتناول قضايا مشابهة، من بينها الفلسفة في أمريكا اللاتينية. ويشارك في المشروع باحثون مهتمون بالفلسفة الناطقة بالعربية – من بينهم سرحان ذويب من تونس – وآخرون مختصون في الفلسفة الكورية، اليابانية، الصينية، والإفريقية. وقد نشرت مجلة Polylog، التي تحتضن أبحاث هذا التوجه، العديد من الملفات التي تبرز هذه الأصوات الفلسفية القادمة من الهامش.

شاركتُ في الندوة ممثلاً لفلسفة شمال إفريقيا، من خلال مداخلة بعنوان “فضاءات الفلسفة الإفريقية في المؤسسات الأكاديمية المغربية”. وتضمن برنامج الندوة محاور عدة، من بينها المحاضرة الافتتاحية التي ألقاها الباحث المتخصص في الفلسفة الإفريقية بروس جانز (Bruce Janz) من جامعة فلوريدا، بعنوان “التفكير في الفضاء ومع الفضاء”، حيث سلط الضوء على أهمية السياقات التي يُمارس فيها التفكير الفلسفي، وضرورة خلق فضاءات جديدة لهذا التفكير.

كما ناقش محور آخر موضوع “مؤسسات النشر والمجلات المعنية بالفلسفة في إفريقيا”، والذي ركز على الدور المحوري للمجلات الفلسفية في إثراء الخطاب الفلسفي وتوسيعه داخل القارة. وقد شارك في هذا المحور كل من:

Romuald Fonkoua، بورقة حول مجلة Présence Africaine التي تأسست سنة 1947 في فرنسا، وكانت منصة للتعبير عن الصوت الإفريقي في الفضاء الأكاديمي الفرنسي. وقد ساهم فيها الفيلسوف البنيني بولان هونتوندجي، ونشرت نصوصاً مهمة حول الفلسفة والأدب الإفريقي، ولا تزال تصدر إلى اليوم. ومن أبرز إصداراتها نشر كتاب فلسفة البانتو لبلسيد تمبلز، الذي ساهم في لفت الانتباه إلى الفلسفة الإفريقية لأول مرة.

أبراهام أوليفيي (Abraham Olivier) من جنوب إفريقيا، الذي قدم عرضاً حول تجربة مجلة جنوب إفريقيا للفلسفة، بوصفها فضاء للتفكير الفلسفي في جنوب القارة.

أوريرا نييرووث (Oriare Nyarwath) من كينيا، الذي تحدث عن تجربة مجلة الجمعية الكينية للفلسفة من خلال عرض بعنوان “التفكير والممارسة”، مبيناً إسهام المجلة في دعم الخطاب الفلسفي النقدي في كينيا. ويعد أوريرا من تلامذة الفيلسوف الكيني البارز الذي أسس اتجاه فلسفة الحكيم (Sage Philosophy) في الفكر الفلسفي الإفريقي المعاصر.

وقد أدارت هذه الورشة الباحثة الإيرانية أبيد كنور (Abed Kanoor)، وشهدت نقاشات غنية حول أهمية المجلات الفلسفية في دعم الخطاب الفلسفي، خاصة في المرحلة ما بعد الاستعمار، عندما بدأت الدول الإفريقية بإدماج تدريس الفلسفة في مؤسساتها الجامعية.

تناولت الورشة الثانية، التي أدارتها الباحثة أنكه غرانِس (Anke Graness)، تدريس الفلسفة الإفريقية. حاولت الورشة أن تُجيب عن أسئلة من قبيل: إلى أي حد تحضر نصوص الفلاسفة الأفارقة في المقررات الدراسية المدرجة في شعب الفلسفة بالجامعات الإفريقية؟ وما هي المصادر الفلسفية واللغات المعتمدة في تدريس الفلسفة؟ وما هي التحديات التي تواجه تدريس الفلسفات الإفريقية في المؤسسات الأكاديمية غير الإفريقية، الغرب أنموذجاً؟ وما هي القضايا المتعددة المباحث التي تحضر في مثل هذه السياقات؟

تم التطرق إلى هذه الأسئلة وغيرها باستحضار مداخلات من سياقات إفريقية مختلفة، لمعرفة كيفية حضور تدريس الفلسفة بالجامعات الإفريقية. وقد حضر، على سبيل المثال لا الحصر، الباحث سيمفوي سيسانتي (Simphiwe Sesanti) من جنوب إفريقيا، الذي قدّم عرضاً بعنوان: “تدريس الفلسفة المصرية القديمة: نحو فعل ديكولونيالي وإعادة أفرقنة الفلسفة”، لتعقبه مداخلة الباحثة النيجيرية دوروثي أولوواغبمي جاكوب (Dorothy Oluwagbemi-Jacobi) بعنوان: “الفرص والتحديات التي تواجه تدريس الفلسفات الإفريقية”. وتُعتبر دوروثي واحدة من أقدم النساء المدرسات للفلسفة بشعبتها، كما ذكرت.

وتلت هذه المحاضرة مداخلةٌ للباحث السنغالي بادو نْدوي (Bado Ndoye) الموسومة بـ: “تدريس الفلسفة في السنغال: تجربة نزع الطابع الاستعماري عن العقول”. وهو يعني طبعاً العقول الفلسفية في إفريقيا، التي تتشابه في خاصية هيمنة المركزية الأوروبية على تدريس الفلسفة بجامعاتها، والتي لا يُعد المغرب استثناءً في هذا الباب، وهو ما أشرنا إليه في مداخلتنا التي قدّمتها بعنوان: “فضاءات تدريس الفلسفة بالمؤسسات الأكاديمية المغربية”، حيث تناولت فيها مسألة الغياب الذي طبع حضور الفلسفة الإفريقية بشعب الفلسفة في المغرب، والذي لا يزال يتحكم فيه منطق النزعة المركزية الغربية. والدليل على ذلك الملف البيداغوجي لإصلاح التعليم العالي لسنة 2023، إذ لا يتضمن هذا الإصلاح، الذي هندسته الوزارة، أي وحدة لتدريس الفلسفة من منظور عالمي. إذ تغيب فيه الفلسفة الإفريقية والآسيوية – بالمناسبة، كانت هناك وحدة تُسمى “الحكمة الشرقية” في المقرر السابق وتم حذفها – كما تغيب الفلسفة في أمريكا اللاتينية. وهذا المنطق الذي دُرّسَت به الفلسفة لا يزال مهيمناً إلى حدّ الآن، وهو ما يستدعي تجاوزه لاحقاً.

لكن، رغم ذلك، هناك بعض الاستثناءات التي أشرتُ لها في مداخلتي، من قبيل تدريس الزميل حسن أسويق لمادة “مدخل إلى الفلسفة الإفريقية والآسيوية” بجامعة الناظور في سلك الماستر، وتدريس الزميل لحسن تفروت للفلسفة الإفريقية بالمدرسة العليا للأساتذة بمراكش، علاوة على تدريس الزميل رشيد بنبيه للفكر الإفريقي في محاضراته حول مجتمعات إفريقيا في ماستر “العلاقات الدينية والثقافية بين المغرب وإفريقيا جنوب الصحراء”، الذي يُنسقه الأستاذ حسن بنعبوب بأكادير، علاوة على إشارتي إلى تجربتي المتواضعة في تدريس نصوص فلسفية للفلسفة الإفريقية لهونتوندجي بسلك الماستر بأكادير.

وقد خُتمت هذه الورشة الثانية بمداخلة ألينا ريتوفا (Alena Rettova) من جمهورية التشيك، التي اختارت لها عنوان: “تدريس الفلسفة الإفريقية: براغ، لندن، وبيروث بألمانيا”. وقد تبع هذه المداخلات الخمس نقاشٌ غني استمر لأربع ساعات في المساء، وكانت فرصة لتسليط الضوء على تجارب تدريس الفلسفة الإفريقية في الجامعات الإفريقية وخارج إفريقيا، وبيان التحديات التي تواجه هذا التدريس في ظل استمرار هيمنة المدونة الغربية المركزية على الجامعات الإفريقية، وتجاهل الجامعات الغربية لهذا التقليد الفلسفي في برامجها.

وقد أدارت هذه الجلسة الأستاذة أنكه غرانس، باعتبارها إحدى المتخصصات في الفلسفة الإفريقية في ألمانيا، التي سبق لها أن نشرت العديد من الأبحاث عن الفلسفة الإفريقية، وعلى رأسها كتاب: “الفلسفة في إفريقيا: نحو إعادة كتابة تاريخ الفلسفة من منظور عالمي”.

تناولت الجلسة الثالثة، المنعقدة يوم الخميس 20 مارس 2025، ورشة بعنوان “مؤسسات الفلسفة في إفريقيا”. أفادت هذه الورشة بأهمية المؤسسات المدنية ودورها في نشر التفكير الفلسفي، والمقصود بذلك الجامعات والمراكز المهتمة بالفلسفة والمدافعة عن حضورها في الفضاء العمومي الإفريقي. وهي المؤسسات التي لا زالت تحتاج إلى البحث الفلسفي لمعرفة تاريخ نشأتها ودورها في ترسيخ فعل التفلسف في إفريقيا. وسعت الورشة، لهذا السبب، إلى إثارة انتباه الباحثين والمهتمين الأفارقة بالخطاب الفلسفي الإفريقي.

ولفحص هذه المؤسسات ومدى إسهامها في هذا الفعل المشار إليه، تم تخصيص أربع مداخلات للموضوع، أشرفت على إدارتها الباحثة الألمانية مونيكا كريستيان رومر Monika Christian Rohmer.

وفي هذا السياق، تقدم الباحث النيجيري إيكي أوديميغو Ike Idimegwu بعرض حول جمعية الفلسفة الإفريقية، وهي جمعية تضم العديد من الجمعيات الإفريقية المنضوية تحت لوائها، التي لها اهتمام بالفلسفة، مع الإشارة إلى غياب تام لأي جمعية من شمال إفريقيا. وهي جمعية تشرف على مؤتمر دولي يُعقد كل سنتين بدولة إفريقية، وستُعقد دورته السادسة هذه السنة بالكاميرون.

وقد كانت مناسبة لي لإثارة تمثيلية المغرب ودول شمال إفريقيا في هذا النسيج الجمعوي الإفريقي الفلسفي، وقد رُحب بالفكرة عندما طرحتها، وأتمنى أن يتحقق ذلك قريبًا. وتُعد هذه الجمعية الإفريقية مؤسسة للتفكير في القضايا الفلسفية من المنظور الإفريقي. وقد اختار إيكي عنونة مداخلته بـ “الجمعية الفلسفية الإفريقية: الاستجابة للحاجيات وتحديات الفلسفة الإفريقية المعاصرة”، وهي طبعًا حاجيات وتحديات كثيرة، يسعى هذا النسيج الجمعوي إلى الإسهام فيها من خلال هذا التشبيك على المستوى القاري.

وفي السياق نفسه، تدخلت الباحثة الشابة النيجيرية أبوسيدا إيباديولا Abosede Ipadeola، التي ترأس “رابطة الفيلسوفات الإفريقيات”، وهي مؤسسة مدنية مفتوحة لكل المهتمات الإفريقيات بالفلسفة في إفريقيا طبعًا. وقد أعقب تدخلها تقديم الباحث الإيفواري واندي أرموند رينيما Ouandé Armand Regnima، مقدّمًا عرضًا عن الجمعية الإيفوارية لأساتذة الفلسفة، اختار له عنوان “المؤسسات الفلسفية وتطور الفلسفة في إفريقيا: حالة الجمعية الإيفوارية لأساتذة الفلسفة”.

وبالتوازي مع مجمل المداخلات، تمت الإشارة من لدن المشاركين في النقاش إلى جمعيات مدنية نشيطة في مجال الفلسفة، أبرزت أهمية هذه المؤسسات في تعزيز مكانة الفلسفة في المجتمعات الإفريقية. وكانت لي شخصيًا المناسبة للإشارة أيضًا إلى أهمية هذه المؤسسات في المغرب، خاصة تلك الفترة التي كان يتم فيها التخطيط لتنحية الفلسفة من الجامعات، حيث وقفت الجمعيات المغربية ضد ذلك، علاوة على إسهامها في نشر الخطاب الفلسفي في المغرب. وخصصت بالذكر الجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة التي كنت عضوًا في مكتبها الوطني عندما كنت أستاذًا بالتعليم الثانوي، والجمعية المغربية للفلسفة التي كان ينضوي تحتها أساتذة التعليم العالي، وكانت تشرف على إصدار مجلة “مدارات”.

كما تضمن الجزء الثاني من هذه الورشة مداخلتين إضافيتين همّتا المؤسسات الدينية باعتبارها فضاءات للفلسفة الإفريقية. وقد سلط هذا الجزء الضوء على العلاقة الملتبسة بين المؤسسات الدينية والفلسفة في إفريقيا، من خلال نماذج من سياقات مختلفة.

وكمثال على ذلك، قدّمت الباحثة النيجيرية كريستيانا إيديكا Christiana Idika – الممثلة لجامعة إيرفورت بألمانيا – ورقة عنونتها بـ “رحلة العقل، التقليد والمعيارية: تحليل الترابط المعقد بين الكنيسة الكاثوليكية والفلسفة الإفريقية”. وهي المداخلة الوحيدة التي أعقبها تعقيب من لدن الباحث النيجيري دومينيك إيكويري Dominic N. Ekeariri بحكم اختصاصه في اللاهوت الكاثوليكي بجامعة مونستر الألمانية.

كما أعقب هذه المداخلة، ورقة تقدّم بها الباحث الكاميروني المقيم بكندا – كيبيك – إيرنست ماري مبوندا Ernest-Marie Mbonda، الذي اختار بدوره أن يتناول علاقة المؤسسة الدينية بالفلسفة من خلال تجربة الكاميرون، وهو ما عبّر عنه بعنوان “تطور تدريس الفلسفة الإفريقية في المؤسسات الدينية بالكاميرون”.

انعقدت ورشة أخرى تناولت موضوعًا في غاية الأهمية يتعلق بـالفلسفات الإفريقية في الشتات. وهي ورشة أراد المنظمون من خلالها معرفة مدى حضور هذه الفلسفات خارج القارة الإفريقية، حيث تم التركيز بالدرجة الأولى هذه المرة على أوروبا والبرازيل، في أفق تخصيص لقاءات أخرى لسياقات متعددة لم تكن حاضرة في هذه الدورة.

كما ارتأت هذه الورشة الإجابة عن الأسئلة الآتية:

– هل تتميز أشكال الشتات للفلسفات الإفريقية عن نظيرتها الموجودة داخل القارة الإفريقية؟ وإذا كان الجواب نعم، فكيف ذلك؟

– ما هي المصادر التي تستلهم منها هذه الفلسفات؟ وكيف يتم ذلك؟

– ما هو الدور الذي تلعبه Blackness باعتبارها صفة في هذه الخطابات الفلسفية المعنية؟

– ما هي التصورات والاتجاهات والمدارس الفلسفية النموذجية التي حظيت بتأثير كبير في هذه الفلسفات الإفريقية خارج القارة، والتي نطلق عليها الفلسفات الإفريقية في الشتات؟

– كيف تتداخل الفلسفات الإفريقية والدراسات الإفريقية فيما بينها في هذا الإطار؟

وللإجابة عن هذه التساؤلات وغيرها، استدعت اللجنة التنظيمية باحثين من مواقع مختلفة في أوروبا والبرازيل، للوقوف على طبيعة حضور الفلسفة الإفريقية في المؤسسات الأكاديمية الغربية من جهة، وامتداداتها في أمريكا اللاتينية، بحكم وجود مجتمعات إفريقية في هذه المناطق، وهو وجود يعود إلى تجربة تجارة العبيد عبر الأطلسي.

فعن تمثيل البرازيل، قدّمت الباحثة أدجيلبينيا فراير متشادو Adilbénia Freire Machado ورقة باللغة البرتغالية، وهي مساهمة سعت من خلالها إلى كسر الصمت القائم بين الفلسفة في إفريقيا والبرازيل، مؤكدة على أهمية النبش في الثقافة البرازيلية الحديثة وجذورها الإفريقية.

وأعقب تدخلها ورقة للباحثة النيجيرية المقيمة بألمانيا أبوسيدا (التي سبقت الإشارة إليها)، اختارت لورقتها عنوان “الدياسبورا الإفريقية: منظورات فلسفية حول الهوية والثقافة”.

ثم جاءت ورقة الباحث إيليسيو مكامو Elisio Macamo من سويسرا، بعنوان “الاكتشاف الذاتي، الإيمان السيء، وشرط الشتات أو الدياسبورا”.

واُختتمت هذه الورشة بورقة للباحث الكونغولي ألبرت كسادا Alberd Kasada، المقيم بجمهورية التشيك، اختار لها عنوان “الصراع من أجل الهوية والاعتراف: سردية من جمهورية الدومينيكان والمكسيك”، وهو اختيار راجع لاهتمامه بهذه المناطق الناطقة بالإسبانية.

أثارت هذه العينة المنتقاة من الفلسفة الإفريقية في الشتات قضايا جوهرية تتعلق بمسائل الهوية والاعتراف، وحضور الجذور الإفريقية في المناطق التي استقر فيها الأفارقة نتيجة تجربة تجارة العبيد، وما أعقبها من استعمار للدول الإفريقية. وهي تجارب لا يزال وقعها قائمًا في الذاكرة الجمعية للأفارقة في الشتات.

لقد ظل ربط الحاضر بالماضي، وسؤال العودة، والذاكرة الجماعية، محاورَ أساسية في خطاب المثقف والفيلسوف الإفريقي المهاجر. فهذه التجارب، بما تحمله من لا تماثل بنيوي واختلال عميق في موازين القوى، ما تزال تؤثر في علاقة الإفريقي بمن استعبده في الماضي، ومارس عليه مختلف أشكال العنف والإقصاء المادي والمعنوي.

وقد أشرفت على إدارة هذه الورشة الباحثة الألمانية لارا هوفنر Lara Hofner، المهتمة بالفلسفة الإفريقية في منطقة الكاريبي، نظرًا لإتقانها اللغة البرتغالية، واهتمامها العابر للحدود الجغرافية والثقافية.

خُصصت صبيحة اليوم الأخير من هذه الندوة المكثفة لجلسة مطوّلة قدّم فيها الأستاذ رولف إلبرفلد Rolf Elberfeld، المشرف على المشروع، ورقته بعنوان: “التفلسف في عالم معولم”.

في هذه الورقة، استعرض رولف مسار انشغاله بموضوع فلسفة المثاقفة، وكيف جاء إلى هذا المجال انطلاقًا من الفلسفة الفينومينولوجية، قبل أن يوسّع اهتماماته نحو الفلسفة اليابانية، ثم إلى إعادة كتابة تاريخ الفلسفة من منظور عالمي. ويُعد رولف من أبرز الأصوات النقدية التي تواجه المركزية الغربية في التأريخ للفكر الفلسفي.

وقد أعقب عرضه نقاش غني ونقدي من قبل المشاركين، تمحور حول استمرار العقلية المركزية الغربية وامتداداتها داخل السياقات الأكاديمية الإفريقية، وهي تحديات ما زالت تتطلب مجهودًا فكريًا ومؤسساتيًا كبيرًا، حتى تجد الفلسفة الإفريقية مكانتها اللائقة إلى جانب التقاليد الفلسفية الأخرى عالميًا.

ويُعد هذا التوجه أحد الأهداف الكبرى التي يسعى إليها المشروع الذي يحتضنه معهد الفلسفة بجامعة هيلدسهايم الألمانية.

* أستاذ الفلسفة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، ابن زهر أكادير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *