وجهة نظر

رصد طبيعة العلاقات الجزائرية الإيرانية

عرفت العلاقات الجزائرية الإيرانية تطورا كبيرا منذ عهد الراحل هوارى بومدين الذي حاول التقارب مع إيران الشاه ورعت سياسيا المصالحة بين العراق وإيران مصالحة توجت بالاتفاق الشهير المعروف باتفاقية الجزائر وهى الاتفاقية التي وضعت حدا للخلاف الحدودي بين البلدين سنة 1975. لكن العلاقات عرفت منعطفا كبيرا بعد زيارة الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد لطهران سنة 1982 أى بعد نجاح الثورة الإيرانية التي لاقت ترحيبا على أعلى مستوى في هرم السلطة الجزائرية .وقد وقفت الجزائر إلى جانب إيران ذات التوجه الثوري بل اختارت رعاية مصالحها في واشنطن .كما نجحت الدبلوماسية الجزائرية في الإفراج عن رهائن السفارة الأمريكية بطهران .وقد كان الصديق بن يحي يرعى الاتفاق الايرانى الأمريكي قبل أن تسقط طائرته قرب الحدود الإيرانية التركية وقد لاقى حتفه في ماى 1982م .

وعلى الرغم من فترة العسل بين البلدين الا أن نجاح الخيار الديمقراطي الجزائري والذي توج بنجاح محقق للجبهة الإسلامية للإنقاذ المعروفة اختصارا ب ” الفيس” قد فتح الباب أمام خصومة طالت وقد بدأت باتهام حكومة رضا مالك لإيران بدعمها للجبهة الإسلامية للإنقاذ سياسيا وإعلاميا وهو ما نفته الفيس آنذاك .واستمر التوتر إلى حدود القطيعة الدبلوماسية بين البلدين في مارس 1982م وإعلان الجزائر تخليها عن سياسة رعاية مصالح طهران.

عادت المياه إلى مجاريها بعد تشديد قبضة المؤسسة العسكرية وسيطرة الجيش على مقاليد السلطة .ومع وأد التجربة الديمقراطية الوليدة وفي خضم احتدام التنافس ألاستقطابي بين الجزائر وجارتها الغربية المغرب .اختار نظام بوتفليقة التوجه صوب طهران ولو على حساب المصالح العربية .

تبادلت العواصم زيارات متبادلة .فقد زار بوتفليقة طهران في عز أكتوبر 2003 كما رد الرئيس خاتمى على الزيارة السالفة بقيامه بزيارة تاريخية عقدت عليها أمال كبرى في تطوير العلاقات الاقتصادية ، بل تطور الأمر الى حدود عقد اتفاق نووى ومذكرة للتفاهم العسكري والمالي سنة 2006 .

العلاقات تتجاوز الحدود : تهديد المغرب .

منذ انهاء أو رفع العقوبات الاقتصادية الغربية على ايران .سعت الجزائر الى الفوز بصفقات اقتصادية .وأعلنت بصفة رسمية رغبتها في تطوير العلاقات على كافة الاصعدة وأمام التوجه الاقتصادى ، أعلنت الجزائر عن دعمها للمجهود الايرانى ووقوفها الى جانب نظام الأسد .ولم تبتعد الجزائر عن محور ايران روسيا بل عبرت عن دعمها الكامل لنظام بشار الاسد . بالمقابل فان ايران نجحت في اختراق العالم العربي .وتمكنت من فتح جبهة مباشرة في مواجهة المغرب .الذى تعتبره ايران عدوا .

المحور الايرانى ـ الجزائري هو أساسا موجه ضد المغرب .والعلاقات بين البلدين .تطورت كثيرا وخضعت لمنطق التحالفات الموجه .فايران تسعى لخلق فجوة كبيرة في علاقات الجزائر بالمغرب . وعادة ما عبرت عن تفعيل التعاون في المجال العسكري والاستخباراتى كما شكلت لجان مختصة للبحث عن آليات لتطوير التعاون العسكري وفي مجال التقنيات الحربية . بل أبانت الجزائر عن رغبتها في الحصول على تكنولوجيا الصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى.

.الاتفاقات العسكرية تصب في مصلحة الجانب الجزائري .أما العلاقات السياسية فهى لمصلحة طهران . فالتحرك صوب المغرب العربي تحديا وانفلاتا من الطوق الخليجي. كما أن الجزائر تجد داعما لها في مواجهة المغرب .الذي ينظر إليه من طرف نظام الملالى بأنه القوة السنية المغاربية الحريصة على محاربة النفوذ الايرانى .

التحالف الايرانى ـ الجزائرى قد يأخذ ابعادا كبيرة .ولاسيما في المجالين السياسي والعسكرى مع استبعاد تماما تعاونا ثقافيا أو ما نسميه تعاونا عقائديا .لان النظام الجزائرى لن يسمح بوجود كيانات او مواقع ثقافية تنشر المذهب الشيعي أو ترعى توجهات ثقافية تختلف عن التوجه العام الجزائري .لكن بالمقابل فايران قد تتغاضى عن ماهو ” ثقافي عقائدى ” لصالح تقوية جبهة لها مهام وأبعاد استراتيجية كبرى ، منها محاصرة المغرب وخلق بؤرة توتر دائمة تعكس نوايا نظام الملالى والنظام الجزائري . تجعل من المغرب هدفا محتملا ، ترغمه عل تقديم تنازلات كبرى أو على الأرجح التراجع عن التعاون مع دول الخليج .لكن يبقى رهان المغرب على دول الخليج العربي والمنظومة الاسلامية السنية لمساندته والتعاون معه في مواجهة خطر التحالف الايرانى ـ الجزائري الذى قد يتركز على افشال التجربة الديمقراطية المغربية بخلق التوترات الداخلية .وتوفير دعم دبلوماسي لجبهة البوليساريو .وقد تدفع ايران بخطة سياسية لجلب الاعتراف بالبوليساريو ككيان مستقل .