وجهة نظر

النخب الحزبية بالمغرب بين العقم التنظيري وافتقاد التأطير الاستباقي

شكلت النخب الحزبية مكونا أساسيا من مكونات النخب السياسية بالمغرب ، حيث ساهمت خلال أكثر من ستة عقود في إنتاج المعرفة السياسية  سواء من خلال خلق الوعي السياسي أو تكريس الهوية السياسية الوطنية . كما ساهمت في  بلورة آليات التأطير الجماهيري سواء في  مقاومة المستعمر الأجنبي أو في خلق أطر دولة الاستقلال. لكن يبدو أنه في منتصف تسعينيات القرن الماضي عرف المشهد الحزبي ضمور هذه النخب التي توارت لتحل محلها نخب عاقرة فكريا وعاجزة تأطيريا

1-العقم التنظيري للنخب الحزبية

عرف الحقل الحزبي منذ بداية تبلوره في بداية الثلاثينيات من القرن 20 رئاسة قيادات حزبية ذات مواصفات شخصية وسياسية لمختلف التنظيمات الحزبية التي ظهرت آنذاك أمثال علال الفاسي ، وبلحسن الوزاني ، وعبد الله إبراهيم…حيث ساهمت  هذه القيادات الحزبية في إنتاج معرفة سياسية  أطرت وواكبت بناء أسس دولة الاستقلال من هوية سياسية أو مؤسسات سياسية . فقد تميز محمد بلحسن الوزاني بغزارة إنتاجه الفكري ،حيث خلف تراثا ضخما من الدراسات والأبحاث والتحقيقات الصحفية تتعلق كلها بإصلاح نظام الحكم بالمغرب . وقد عكست هذه الكتابات أفكار هذا الزعيم بشان إصلاح نظام الحكم بالمغرب من خلال إقرار ملكية دستورية و إقرار تعددية سياسية .كما عرف علال الفاسي بكتاباته الغزيرة خاصة حول القضايا الوطنية بالاعتماد على عنصرين أساسيين « الإسلام» و« الوطنية لما لهما من قوة التأثير في توحيد المغاربة وجمع كلمتهم. كما كان علال الفاسي، وراء تأسيس الحركة الوطنية التي اعتمدت النضال السياسي بعد مرحلة تميزت بتراجع       النضال العسكري. (1) فقد شرع علال الفاسي في العمل السياسي الوطني منذ صدور الظهير البربري سنة 1930. وخلال هذه الفترة بدأ علال الفاسي في توظيف مبادئ الفكر السلفي وثقافته الفقهية في الدعوة إلى العمل السياسي وتوحيد جميع المغاربة حول الملكية والوطن (65). في حين أكد علال الفاسي في كتابه «النقد الذاتي » بأن النظام السياسي بالمغرب يتطلب إصلاحا جوهريا وجذريا حتى يستطيع مواكبة التطورات التي تعرفها البلاد . وبهذا الشأن کتب مايلي : «إن المغرب لحد الآن ما يزال في أنظمته العتيقة، وعلى الرغم من رغبة مولانا الملك وطموح أمته لنيل الحياة النيابية التي تيسر لها سبيل الإعراب عن وجهة نظرها والمراقبة على سير شؤونها فإن البلاد ماتزال ترزح تحت ثقل نظام من العصور الوسطى تدعمه إقطاعية جديدة يأبى بعض الناس إلا دوامها، ولكنه سيأتي اليوم الذي تدرك فيه الأمة كل رغباتها، وتتحقق فيه آمال مولانا الملك في تمتيع رعيته بالحرية السياسية والنظام الدستوري » (3). من هنا ، يتبين بأن علال الفاسي، وإن خالف الوزاني في أطروحته حول الربط بين تحقيق الاستقلال وإصلاح النظام السياسي، كان مقتنعا بضرورة إدخال إصلاحات سياسية على بنية الحكم بالمغرب. بالإضافة إلى ذلك ، فمنذ عاد علال الفاسي إلى المغرب المستقل متأخرا نوعا ما كتعبير عن عدم رضاه التام على الشروط التي جرت ضمنها مفاوضات الاستقلال،  ألقى بنفسه في لجة عمل ونشاط محمومين برز من خلال تقارير شاملة قدمها علال الفاسي إلى مؤتمرات حزب الاستقلال الذي أصبح هو رئیسه بدون منازع. حيث ارتبطت هذه التقارير بظرفيات سياسية داخلية أو خارجية بالغة الدقة والخطورة، يتمثل أهمها في ثلاثة  تقارير مفصلية:

  • التقرير المقدم إلى المؤتمر العام لحزب الاستقلال في يناير 1960 عقب حدوث الانشقاق التاريخي في صفه ومیلاد حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية. وهذا هو التقرير الذي سيصدر لاحقا في كتاب بعنوان «عقيدة وجهاد » حيث تهيمن مسألة الانشقاق ويتصدى علال الفاسي لتجاوزها من خلال بسط خاص لوقائع انبثاق وتطور الحركة الوطنية المغربية .
  • التقرير المقدم إلى المؤتمر السابع لحزب الاستقلال المنعقد في فبراير 1965 في أعقاب خروج الحزب من الحكومة، و تقديمه لوثيقة «التعادلية » واتجاه الوضع السياسي العام بالبلاد نحو التأزم (أحداث 23 مارس بالدار البيضاء، إعلان حالة الاستثناء…) وقد نشر التقرير بعنوان «معركة اليوم والغد » طارحا بالأساس قضايا المشروعية والديمقراطية والتعادلية.
  • التقرير المقدم إلى المؤتمر الثامن للحزب المنعقد في نوفمبر 1967 في خضم ثقل حالة الاستثناء الداخلية وهزيمة يونيو القومية.

لكن بعد وفاة هؤلاء الزعماء والقادة المنظرين الذين خلفوا تراكما معرفيا في مجال الفكر السياسي، ، أصبح الحقل الحزبي يعج ، خاصة مع حراك 20 فبراير 2011 بقيادات حزبية بدل أن تنتج المعرفة السياسية بمفاهيم جديدة ورمزيات  حديثة ، تبنت خطابا شعبويا يعتمد على استخدام لغة عاطفية ومبهمة، ويهدف إلى إثارة الحماس لدى الجماهير بدلاً من تقديم حلول واقعية للمشاكل. إذ غالبًا ما يتميز هذا الخطاب الشعبوي بالتركيز على “الشعب” ككيان هلامي وموحد، وإلقاء اللوم على “الآخر” (كالنخب السياسية أو الأغنياء أو ما كان ينعتهم رئيس حزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة سابقا بالتماسيح والعفاريت.) ومع بروز هذه الشخصية السياسية ، ظهرت شخصيات قيادية أخرى تمثلت في رئيس حزب الاستقلال السابق حميد شباط و رئيس حزب الاصالة والمعاصرة السابق إلياس العماري ليتحول المشهد السياسي إلى معترك  فرجوي للسباب والقذف  والمبارزات الشخصية (4) .وقد عكس هذا الخطاب  الشعبوي عجز النخب الحزبية  في المغرب عن نيل ثقة الشعب الذي ازداد نفوره من السياسة يوما بعد آخر، حيث ظهر ذلك واضحا أثناء حراك الريف الذي عكس عجز النخب الحزبية بما فيها هذه القيادات  الشعبوية عن تأطير  السخط  الشعبي الكبير(5) مما حول هذا السخط إلى مواجهة مباشرة بين الساكنة وأجهزة السلطة. و أدى إلى فقدان الحزب السياسي مصداقيته وقيمته كوسيط بين السلطة و الساكنة و طرح التساؤل الحارق حول مبررات وجود هذه النخب  في الساحة السياسية، خاصة بعد تراجع  نسب المشاركة في الانتخابات ؟؟ فخطاب هذه النخب السياسية لم يعد مستساغا ولا جذابا بشقيه النخبوي (6)أو الخطاب الشعبوي(7) ليس لأن النخبة السياسية تستعمل خطابا عقلانيا لا يتناسب مع المستوى المعرفي العام داخل المجتمع، ولكن لأن التواصل مع الأحزاب السياسية في تجارب سابقة أثبت زيفه وسطحية محتواه. وإذا كانت إزاحة بنكيران عن رئاسة الحكومة ومن قيادة حزب العدالة والتنمية قد شكلت بداية خفوت الخطاب الشعبوي في المشهد السياسي المغربي بعدما تم إبعاد قيادات شعبوية كحميد شباط وإلياس العماري الذين ساهموا بشكل كبير في تمييع الخطاب السياسي وتسفيهه ، فإن رجوع بن كيران إلى قيادة حزب  العدالة والتنمية بعد النكسة الانتخابية التي عرفها هذا الحزب في سنة 2021، أفضت إلى إنعاش الخطاب الشعبوي من جديد. حيث لقي النعتان القدحيان “المكروب والحمار”، اللذان أطلقهما بنكيران في وصفه لأفرادٍ (أو فرد مُحدد) في خطاب ألقاه بمناسبة فاتح ماي2025، صدى واسعا في التداول والنقاش حول المواقف تجاه القضية الفلسطينية، وذلك من حيث الاختلاف في تقدير الأولويات: تازة أم غزة؟ حيث حملت هاتين الاستعارتين – الحيوانية (الحمار) والبيولوجية (الميكروب) في دلالتهما الشعبية الكثيرَ من الإهانة والإذلال. فالحمار يرمز للغباء والدناءة وسوء الخُلُق، أما “الميكروب” فيحيل في تداوله الشعبي إلى معاني التحقير والتسفيل والتسفيه.(8)

2- النخب الحزبية السائدة وافتقاد آليات التأطير الاستباقي

يبدو أن النخب الحزبية فقدت خلال العقود الأخيرة  ميزة  التماهي التي كانت تميز  القيادات الحزبية  السابقة ، والتي كانت تساهم في تأطير مكونات الشرائح الوسطى بمستواها التعليمي والفكري الذي يجعلها تعطي لهذا الجانب أهمية كبرى في اختيار الزعيم الحزبي وتكريس شرعية استمراره في رئاسة الحزب . إذ كان من بين سمات هذه النخب بالإضافة إلى معرفتها السياسية ومستوى ثقافتها العالي تميزها بسلطة الإقناع ، وقوة الخطاب مما كان يؤدي إلى فرض شرعيتها سواء أمام مناضليها  وقواعدها التي كانت تتكون في الغالب  من فئات المحامين والأطباء ورجال التعليم والطلبة  أو من المتعاطفين  مع أحزابها من فئات الشباب.

  • سلطة الاقناع

إضافة إلى المسار السياسي الشخصي والرصيد النضالي  لهؤلاء القياديين والزعماء، فممارسة هؤلاء لمهنة المحاماة دربتهم على امتلاك وسائل الإقناع . فالمحامي في كتابة مذكراته ، وتدبيج مرافعاته يحتاج دائما إلى ترتيب الأدلة القانونية لإقناع موكليه ، ومختلف مكونات الهيئة القضائية من وكلاء للملك ، وقضاة ومستشارين ، والجموع التي تحضر الجلسات القضائية بمدى صحة ووجاهة أدلته و قوة قرائنه وحججه القانونية مما يكسبه دربة في الإقناع والمحاورة والتأثير . كما أن التعود على البحث عن الحيل القانونية والتخريجات الفقهية قد أكسب فئات المحامين طرقا للتعامل مع الواقع بنوع من المرونة والدبلوماسية الشيء الذي كان يتلائم  مع الحياة السياسية بالمغرب التي تميزت دائما بتعقيداتها المخزنية ، وصعوبة تعاملاتها الداخلية  و الدولية . كما أن الصراع الذي احتدم بين الفرقاء السياسيين طيلة عقود الستينيات والسبعينيات وحتى الثمانينيات من القرن 20 ، قد أدى إلى عدة اعتقالات ومحاكمات ، مما سمح لهذه القيادات أن تتصدر الدفاع عن المعارضين السياسيين ومؤازرتهم ، فعبد الرحيم بوعبيد ، ومحمد بوستة ،… كلهم ساهموا في جل المحاكمات السياسية الكبرى التي عرفها المغرب في هذه المرحلة ، مما أكسب هؤلاء رصيدا سياسيا عزز من حظوظهم في قيادة أحزابهم  لمدة طويلة .

– سلطة الخطاب

إن السياسة تحتاج دائما إلى الخطابة للتأثير ليس فقط في الجماهير، بل في القاعدة السياسية المنتمى إليها ، خاصة في مجتمع شفوي وأمي كالمجتمع المغربي . فالتميز في المغرب، بما في ذلك التميز السياسي ينبني على حسن الخطاب ، واستخدام المفاهيم اللفظية والتحكم في استعمال اللغة للتأثير والتهييج . فالخطيب المفوه كانت له دائما سلطة خاصة وحضورا قويا في الأوساط المغربية . فالفقيه ، والإمام ، والواعظ ، والمعلم ، والأستاذ ، والمذيع ، والمنشط ،  والممثل والصحفي كلها شخصيات لها حظوة خاصة في المجتمع المغربي .وبالتالي ، فليس من الغريب أن نجد العديد من قياديي الأحزاب في المغرب عادة ما ينتمون إلى قطاع التعليم بمختلف أسلاكه كعلال الفاسي ، وعلي يعته ، وعبد الله ابراهيم .وبالتالي ، فقد كان هناك نوع من التماهي بين الزعيم ومناضليه ، أو بحسب  تعبير حمودي بين الشيخ ومريديه ، حيث كانوا يجدون فيه انعكاسا لطموحاتهم السياسية والرمزية . بالإضافة إلى أنه كان بمثابة عنصر أساسي لوحدة الحزب وضامنا لاستمراريته .لكن بوفاة هؤلاء القياديين  ، وظهور أجيال جديدة من المناضلين  بأصول ومنحدرات جغرافية وإقليمية مختلفة ، بدا النزوع إلى نموذج جديد من الزعماء بمواصفات إما تقنوقراطية أو شعبوية تفتقد لأي حس في التقاط التحولات  السياسية  والعمل على صياغة الآليات الضرورية لمواكبتها  من خلال تأطير الأجيال الشابة التي أفرزتها . وقد ظهر ذلك جليا من خلال عدم استباق تأطير تداعيات حركة 20 فبراير كحركة شعبية  وظاهرة سياسية جديدة في المشهد السياسي بالمغرب لتعكس مطالب العديد من الشرائح الشعبية . فهي بمثابة صوت الشعب المباشر الذي نزل إلى الشارع للتعبير عن آرائه بدون وساطات سياسية أو نقابية أو حقوقية رغم مشاركة عدة جمعيات وتنظيمات سياسية ونقابية في بعض المسيرات والتظاهرات التي  كانت تعلن عنها  هذه الحركة .  فقد مثلت هذه الحركة أصوات  شرائح من الشعب الذي عبر عن بعض مطالبه من خلال رفع  شعارات تم ترديدها والتي عادة ما  كانت تبدأ بعبارة (الشعب يريد) إما إسقاط الفساد ، أو إسقاط الاستبداد إلى غير ذلك من المطالب  . حيث استمد هذا الحراك  الشبابي  وجوده السياسي من الزخم الشعبي ، و شرعيته السياسية من مطالب مختلف الفئات والشرائح التي تعبر عنها ، وتحظى بمساندتها  غير المشروطة، وتتبنى مطالب شعبية تبقى غير محصورة بأجندة سياسية معينة ، بل هي مطالب مرتبطة بالمدى المتوسط والبعيد .  وبدل أن تقوم النخب الحزبية السائدة بتأطير هذا الحراك ، تركته لبعض القوى السياسية المعارضة المقصية كالنهج الديمقراطي ، وجماعة العدل والإحسان  لتحقيق أهدافها وتصفية حساباتها مع السلطة . بل فضلت بعض النخب منع مناضليها من المشاركة في مسيراتها .  الشيء الذي عكس افتقاد هذه النخب للحس الاستباقي في تأطير زخم   هذه الحركة الشعبية التي نجحت في خلخلة المشهد السياسي والحزبي بشكل كبير ، وأثارت مخاوف الطبقة السياسية بمختلف مكوناتها  ، حيث أماطت اللثام عن الحاجة إلى طبقةٍ سياسيةٍ جديدةٍ قادرةٍ على امتصاص الغضب الشعبي وأقرب إلى “الشعب”، تطرح همومه وتخاطبه بلغته . كما أن هذه النخب افتقدت أيضا للحس الاستباقي في تأطير عدة حراكات شعبية تمثلت في حراك الريف أو حراك سيدي إفني وحراكات شعبية في عدة مدن مغربية . بل يبدو أن هذه النخب لا تتوفر على الحس الاستباقي لا لتقاط  وتأطير ما يعتمل من مطالب شعبية يتم التعبير عنها من طرف جماهير بعض المدرجات الرياضية التي تجمعها بعض المباريات في  ملاعب مدن كبرى كالدارالبيضاء وغيرها .

3-تجديد النخب الحزبية

تعاني المنظومة الحزبية بالمغرب من أزمة  بنيوية تتمثل في عدم تجاوبها مع مستجدات المشهد السياسي بكل تحدياته وتعقداته . حيث ظهر ذلك بالخصوص ليس فقط من خلال  فشل هذه الأخيرة في مهامها التأطيرية ، بل أيضا في عزوف فئات واسعة من  المواطنين خاصة الشباب عن الانخراط  في هيئاتها التقريرية وتنظيماتها القاعدية ومنظماتها الموازية  نظرا لإحساسهم بأنها لم تعد تعكس مطالبهم  السياسية وانتظاراتهم الاجتماعية. مما يطرح التساؤل حول مدى ضرورة تحول هذه الأحزاب من أحزاب وطنية إلى أحزاب مواطنة

أولا-النضال السياسي والديمقراطي وتشكل الأحزاب الوطنية

نشأت جل الأحزاب المغربية ضمن حركية اتسمت بالنضال من أجل التحرر من ربقة الاستعمار والمطالبة بديمقراطية النظام

-النضال السياسي وتشكل  الأحزاب الوطنية

شكلت الإيديولوجية الوطنية ، إن صح التعبير-وسيلة من وسائل التعبئة التي انتهجتها جل الأحزاب  عبر مسارها السياسي. فقد شكل مفهوم << الوطنية >> أرضية مركزية في طروحات كل الأحزاب المغربية منذ نشأتها إلى الآن . ولعل مما ساعد على سيادة هذا المفهوم ضمن المذهبيات الحزبية طبيعة المسار التحرري الذي انتهجه المغرب و الطبيعة الاستعمارية التي خضع لها و التي تميزت على الخصوص بالمظاهر التالية :

-خضوع المغرب للسيطرة الاستعمارية بشكل متأخر بخلاف جل الدول العربية التي استعمرت في منصف القرن 19  وكذا الدول المغاربية التي استعمرت في نفس الفترة. إذ لم يخضع المغرب للهيمنة الاستعمارية إلا في بداية القرن 20 ؛ الشيء الذي جعل  مفهوم الشعور الوطني لم يتبلور إلا في وقت متأخر مقارنة بهذه الدول ؛ بحيث لم يتبلور سياسيا إلا في ثلاثينات القرن 20 .

-طبيعة التقسيم الاستعماري الذي خضع له المغرب بتجزيئه إلى ثلاث مناطق نفوذ استعمارية جعل هذا المفهوم يلعب دورا رئيسيا في نضال الأحزاب من أجل تحرير البلاد .

– طبيعة المسار التحرري الذي انتهجته القوى السياسية لاستقلال البلاد ؛ إذ أن تبني خيار استرجاع سيادة المغرب على مختلف أجزائه المغتصبة من خلال سياسة التدرج دفع القوى السياسية إلى تبني هذا المفهوم باستمرار للمطالبة باسترجاع المناطق المستعمرة وركزت عليه طيلة العقود الماضية سواء في الأربعينات من خلال المطالبة باستقلال المغرب أو في الخمسينات من خلال المطالبة باسترجاع بعض الأقاليم الجنوبية من إسبانيا وكذا المطالبة بجلاء القواعد الفرنسية  أو في الستينات من خلال المطالبة بجلاء القواعد الأمريكية واسترجاع مناطق من الجنوب بما فيها موريتانيا ؛ أو في السبعينات و الثمانينات من خلال التعبئة الوطنية لاسترجاع الأقاليم الصحراوية وسبتة ومليلية

-طبيعة المحيط الجهوي و الاقليمي المتميز بوجود قوى إقليمية منافسة للمغرب كالجزائر و إسبانيا اللتان وظفتا مشكل استرجاع الصحراء أو سبتة ومليلية لإضعافه والحد من طموحه الإقليمي بإشغاله بهذه القضايا سيما وهما يستحضران التاريخ الامبراطوري المغربي .

و نظرا لكل هذه المعطيات ؛ فمازالت الأحزاب المغربية ترتكز على المفهوم الوطني لتحديد ورسم معالم أرضيتها الإيديولوجية و السياسية ؛ حيث تجد أن كل الأحزاب بلا استثناء تكرس هذا المفهوم في أدبياتها ؛ حيث تجعل من الدفاع  عن الوحدة الوطنية  << لازمة إيديولوجية >> في كل المقررات التي تتمخض عنها مؤتمراتها الوطنية وملتقياتها الإقليمية .بل لقد شكل المفهوم الوطني أساسا لتحديد الأحزاب لهوياتها السياسية ؛  فغالبا ما جرى هناك تمييز بين << الأحزاب الوطنية >> وغيرها من الأحزاب الأخرى  حيث شكلت وثيقة المطالبة بالاستقلال . و الاحتفال بها إحدى الوسائل لهذا التمييز . ولعل هذا ما دفع بالملك الحسن الثاني في إحدى خطبه إلى الإشارة إلى أنه ليست هناك قوة حزبية أكثر وطنية من الأخرى ، فالكل وطني في نظره . كما أدى ذلك إلى قيام باقي الأحزاب بما فيها  أحزاب الوفاق ؛ والتي كانت تنعت من طرف خصومها “بالأحزاب الإدارية “، إلى الاحتفال بدورها بذكرى تقديم عريضة الاستقلال حتى لا تترك أي مجال للمزايدة السياسية أمام باقي الأحزاب التي تنعت نفسها بالوطنية .بالاضافة إلى ذلك فقد لعب هذا المفهوم دورا أساسيا في التموقع داخل الأحزاب ،  إذ أن عدة قيادات سياسية وظفت  رصيدها التاريخي المتجسد في مقاومة المستعمر و المشاركة في معركة التحرير و الاستقلال من أجل تكريس مواقعها القيادية داخل هذه الأحزاب .

-النضال الديمقراطي وفشل الأحزاب في ممارسة الحكم

من المعروف أن جل الأحزاب ركزت على المسألة الديمقراطية في توجهاتها و أدبياتها السياسية والمذهبية ؛ بما فيها تلك التي نهجت في فترة سياسية معينة أسلوب <<الاختيار الثوري >> و العمل على تغيير الحكم القائم على العنف المسلح .و لعل تركيز الأحزاب على هذه المسألة يرجع بالأساس إلى الخصائص التي تميز الحكم المغربي و المتجلية  في:

-الطابع التقليدي لبنية الحكم

-الأسلوب المخزني لممارسة الحكم

-الطابع النخبوي لثفافة الحكم

و قد أدت هذه الخصائص إلى إقرار نظام سياسي هجين يوظف الوسائل الديمقراطية لتكريس الحكم المخزني ؛ بحيث تم بهذا الصدد اعتماد البناء الدستوري ، و التصويت الانتخابي و إقامة إطار برلماني لإعادة إنتاج البنية المخزنية وتكريس تحكمها في دواليب الحكم .

من هنا ؛ فقد شكل المفهوم الديمقراطي ركيزة أساسية في إيديولوجية الأحزاب ؛ و أصبحت حتى تلك الأحزاب التي تعتبر راديكالية تحاول اقتباس هذا المفهوم و التأكيد عليه الشيء الذي يفسر تحول الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بعد انفصاله عن الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بتبني خيار <<النضال الديمقراطي >> ؛ و نفس النهج تبنته  منظمة العمل الديمقراطي الشعبي ؛ وباقي التنظيمات اليسارية .و هكذا أصبحت كل الأحزاب بمختلف تلويناتها السياسية تؤكد على المفهوم الديمقراطي سواء من خلال الأسماء التي تختارها أو الأدبيات السياسية التي تصوغها . وهكذا نجد أن المفهوم الديمقراطي يستخدم من طرف أحزاب يمكن اعتبارها على طرفي نقيض كالحزب الوطني الديمقراطي و الحزب الاشتراكي الديمقراطي مثلا . كما أن هذه الوضعية تجعل كل الأحزاب تستعمل نفس الخطاب السياسي الذي يدعو إلى تكريس دولة الحق و القانون ؛ أو تبني الملكية الدستورية ؛ أو إقرار الحريات العامة دون أن تدرك بأن فرض مثل هذه المسائل يعتبر من بديهيات أي نظام سياسي ديمقراطي و أن جوهر التعددية الحزبية يرتكز مبدئيا على إقرار هذا النظام .

ثانيا-تحول الأحزاب من أحزاب وطنية إلى أحزاب مواطنة

لقد ظهر واضحا ، أن الملك محمد السادس ، منذ توليه الحكم ، بدا منشغلا بشكل كبير بإعادة هيكلة المشهد الحزبي الذي كان قد بلغ درجة كبيرة من التشتت والبلقنة ، حيث كانت ثمرة طبيعية لحكم سلفه الذي انتهج ، في مواجهة مكونات الحركة الوطنية التي كانت تنافسه على السلطة ، سياسة خلق ما سمي بالأحزاب الإدارية ، كجبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية ، والتجمع الوطني للأحرار ، والاتحاد الدستوري … وقد ظهر هذا الانشغال الملكي جليا من خلال ما تضمنه أول خطاب للعرش الذي أكد فيه الملك محمد السادس على ما يلي :

(…إننا نعتبر أن دينامية المجتمع المدني الفاعل في مجالات التنمية المحلية ومحاربة الفقر والتلوث والأمية وكذا النهوض بمهام القوة الاقتراحية والتأطيرية والتربوية من قبل عناصره النشيطة التي لم تجد نفسها في بنيات المجتمع السياسي تعد مدعاة لهذا الأخير لتأهيل أدواته وتجديد هياكله وتغيير أساليب عمله وإيلاء العناية القصوى للقضايا اليومية المعيشية للمواطنين بدل الخوض في التنابز بالألقاب وجري البعض وراء مصالح أنانية فردية أو أشكال من الشعبوية المضرة بكل مكونات هذا المجتمع السياسي الذي ننتظر منه النهوض الكامل بوظيفته الدستورية المتمثلة في تربية وتأطير المواطنين…). كما ظهر هذا الانشغال الملكي أيضا من خلال تشديد العاهل المغربي  في بعض خطبه على ضرورة تجديد النخب الحزبية من خلال إقرار الديمقراطية الداخلية ، والعمل على استقطاب الشباب للانخراط في الأحزاب ، والسعي إلى إقامة أقطاب حزبية تعيد للمشهد السياسي توازنه ووضوحه . وفي سياق هذا الانشغال الملكي ، تم الإسراع في المصادقة على قانون جديد للأحزاب يحدد شروطا خاصة لتأسيس الأحزاب ويضع ضوابط لاشتغالها .لكن يبدو أن كل هذه الإجراءات السياسية لم تؤد إلى المرامي التي كان يطمح لها الملك محمد السادس في بداية حكمه، الشيء الذي ظهر جليا من خلال نسبة المشاركة المتدنية التي عرفتها الانتخابات التشريعية لشتنبر 2007 رغم كل الدعوات الملكية للناخبين للمشاركة بكثافة في هذه الاستحقاقات .ولعل هذا الوضع ، هو الذي دفع إلى التفكير في خلق إطار سياسي يساهم في تجاوز الاختلالات التي يعاني منها الحقل الحزبي بالمغرب. فنسبة المشاركة المتدنية في انتخابات شتنبر 2007 ، قد رسخت القناعة الملكية بضرورة الإسراع لإعادة تأهيل المشهد الحزبي ، وهذا ما تزامن بالطبع مع إطلاق حركة لكل الديمقراطيين التي اتخذت كأرضية فكرية توصيات تقرير لجنة الإنصاف والمصالحة التي أشرف الملك على تأسيسها  ، وخلاصات تقرير اللجنة التي كلفت من طرف الملك بحوصلة فترة 50 سنة  من استقلال المغرب . لكن بدل أن يتحول هذا الحزب الذي اتخذ مسمى ( الأصالة والمعاصرة)  إلى حزب مخالف للأحزاب الوطنية التقليدية  والتي واجهته كوافد جديد، وتدشين مرحلة جديدة لنشأة جيل جديد من الأحزاب  المواطنة ، تركز دوره في  تحجيم  الامتداد  السياسي والانتخابي لحزب العدالة والتنمية ليندمج في آخر المطاف في خانة الأحزاب الوطنية التقليدية التي لم تنجح لا في ممارسة حقيقة السلطة التي تحتكرها المؤسسة الملكية ولا في التقرب من المكونات المجتمعية والتماهي مع مطالبها .إذ عادة ما تصنف الأحزاب المغربية بأنها أحزاب أطر وليست أحزابا جماهيرية . ولعل هذا التصنيف يبقى صحيحا لأن الشريحة الأساسية التي تتكون منها هذه الأحزاب خاصة على مستوى المنخرطين فيها تتشكل من الأطر سواء كانت تنتمي إلى القطاع العام أو القطاع الخاص . فالموظفون ، و المحامون ، والأطباء ، و الأساتذة و المعلمون ، والطلبة هي الفئات التي تشكل الغالبية في مختلف الأحزاب المغربية بشتى اتجاهاتها و تموقعاتها السياسية .و لعل سبب هذه الظاهرة تكمن بالأساس في عدة عوامل من أهمها :

-الأمية الأبجدية والسياسية المتفشية بين مكونات التركيبة السكانية  خاصة القروية والفئات المهمشة

-التمركز الحضري لهذه الأحزاب

-الطموحات الشخصية لهذه الفئات في الترقي الاجتماعي

-تنافس الأحزاب في استقطاب الأطر لتقوية رصيدها لخدمة السلطة المركزية وتوفير الكادر اللازم لتسيير دواليب الدولة .

و قد أدت هذه الظاهرة إلى ندرة باقي الشرائح الاجتماعية والمهنية الأخرى داخل هذه الأحزاب . فنسبة الفلاحين تعتبر جد ضئيلة ضمن مكونات هذه الأحزاب علما بأن فئة الفلاحين تحتل مكانة أساسية ضمن التركيبة الاجتماعية المغربية لا من حيث ثقلها المحلي أو عددها أو تأثيرها في الدينامية الاقتصادية والديمغرافية بالمغرب .  كما تقل نسبة الشرائح الاجتماعية الأخرى سواء فئة الصناع أوالعمال رغم كثرة عددهم و أهميتهم ضمن البنية السكانية والاجتماعية بالمغرب في حين لا تشكل النساء ، التي تمثل أكثر من نصف الهرم السكاني ، إلا نسبة ضئيلة ضمن المنخرطين في هذه الأحزاب .و نتيجة لهذه العوامل ؛ غالبا ما تعكس الأحزاب تشابها في توجهاتها ومقرراتها المذهبية . فتجانس المكونات السوسيولوجية والاجتماعية لهذه الأحزاب عادة ما يعكس هذا التشابه . فهذه التوجهات لا تعكس في آخر المطاف سوى طموحات الأطر في الترقي الاجتماعي والاقتصادي. وبالتالي فما دام أن هذه الفئة هي التي تهمين على هذه الأحزاب ؛ فبالضرورة سيؤدي ذلك إلى تشابه حتى في صياغة التصورات و الأفكار التي تؤطر الخطاب الإيديولوجي لمختلف هذه التنظيمات.و لعل هذا ما دفع بريزيت إلى الإشارة ؛ منذ أكثر من ستة عقود خلت ، إلى صعوبة تصنيف الأحزاب المغربية إلى أحزاب يمين وأحزاب يسار بقوله أنه << بخلاف الأحزاب الأوربية ، فإن الأحزاب المغربية لايمكن تصنيفها إلى أحزاب يمين وأحزاب يسار، ذلك أن هذين المفهومين يفترضان أن يكون هناك برنامج حكومي يرمي إلى تحقيق أهداف اجتماعية شعبية أو أهداف أوليغارشية . >>

و نظرا لغياب الطبقات الشعبية والشرائح  الواسعة من الشباب داخل التشكيلات الحزبية ؛ فإن شرائح الأطر هي التي  ما زالت تستحوذ على المناصب القيادية والقنوات الإيديولوجية لهذه التنظيمات الشيء الذي أدى إلى إنتاج خطاب سياسي متشابه و الذي تحول في الفترة الحالية إلى خطاب متجانس بعد انهيار المعسكر الشرقي و توسع مجال العولمة واكتساح ما سمي بالفكر الوحيد لمختلف بلدان العالم بما فيها المغرب .و مما ساعد على هذا الوضع طبيعة النظام السياسي القائم على التحكم في مختلف الوسائل المادية والاقتصادية للثروة و التعامل مع النخب السياسية من خلال نظام الامتيازات ومنح المكافآت. كما أن طبيعة الانتخابات التي تجري بالمغرب بوصفها انتخابات غير تنافسية ولا تمس بجوهر النظام بل توظف لشغل المناصب في مختلف المؤسسات التابعة للدولة سواء في القطاع التشريعي أو التنفيذي و الإداري و الاقتصادي يشكل حافزا أساسيا في تنافس الأطر القيادية لهذه الأحزاب للتسابق بينها قصد عرض خدماتها التسييرية على السلطة و تقلد أهم و أكثر عدد من هذه المناصب .لذا ، يطرح  بإلحاح ضرورة  إدخال تحول  عميق وجذري في مكونات النخب الحزبية بالمغرب تقوم من جهة  على تغيير بنيوي داخل الأحزاب التقليدية من خلال تشبيب قياداتها وخلق اندماجات سياسية تقوم ليس فقط على تحالفات مصلحية وانتخابية ظرفية ؛ بل على أساس أرضية إيديولوجية متكاملة ومتجانسة تستطيع بها أن توحد بين أعضائها في إطار أجواء من الحرية والاعتراف بالاختلاف ، و من جهة ثانية على فسح المجال أمام أحزاب سياسية مواطنة جديدة  تعبر عن هموم و مشاغل فئات وشرائح اجتماعية متباينة تتجاوز هموم ومطامح أطر المهن الحرة وبعض القطاعات الوظيفية لتمتد إلى مختلف الشرائح التي يتركب منها المجتمع المغربي بكل طبقاته المهنية و منحدراته الاجتماعية و أصوله الاقليمية وانتماءاته الثقافية و اللغوية . وتكون  بمثابة “أحزاب قرب ” تهتم بالأساس ليس بالوصول إلى دواليب الدولة والتنافس على خدمة السلطة بل التنافس على خدمة المجتمع وتأطير فعالياته الحية مقتبسة في ذلك طرق الاستقطاب التي تتبناها  حاليا ما يسمى بالالترا الكروية من أزياء موحدة وأناشيد معبئة و انضباط صارم والتضحية من أجل الفريق .فإذا كانت الأحزاب التقليدية قد كرست طيلة العقود السابقة الروح الوطنية بين  المغاربة  من خلال بناء المدارس الحرة وتأسيس الجمعيات الثقافية والتنظيمات الموازية ، فقد حان الأوان لبلورة أحزاب تعمد إلى تكريس روح المواطنة التي تعتبر ضرورية لبناء مجتمع قوي وحديث ، من خلال تنشئة و تأطير الشباب على ترسيخ الوعي السياسي بتلازم الحقوق والواجبات و احترام ضوابط التحرك ضمن الفضاء العمومي كفضاء مشترك وترسيخ الوعي بأن الروح الوطنية لا تقتصر على حمل راية وترديد النشيد الوطني بل تجسيد ذلك في  روح مواطنة تقوي  من احترام  قانون السير في الأزقة والشوارع  والحفاظ على  نظافة الفضاء العمومي من دروب وأحياء والتطوع والنضال من أجل تحسين العيش المشترك  في  مختلف مكونات المجال المحلي . حيث تتمثل مهام الأحزاب المواطنة في تنشئة وإعداد منخرطيها وأعضائها وقياديها على تسيير المجالس المحلية و الجهوية بتعفف سياسي وبتضحية نضالية.  في حين أن برامج هذه الأحزاب المواطنة لا بد أن تدرج ضمن برامجها  الإجراءات العملية التي تستهدف بناء الانسان المغربي من خلال تحسين سلوكه وتنمية وعيه وتؤسس لتنظيمات موازية تقوم على تنشئة منخرطيها  وتربيتهم  على احترام المال العام ، وعدم استغلال المناصب. وتكريس نبل السياسة كمجال لخدمة الصالح العام يقوم قبل كل شيء على أخلاق ومبادئ  وضوابط، تبدأ من  الإقامة السكنية والحي والحومة والشارع لتصل إلى  الجماعة والجهة و البرلمان  والحكومة وليس العكس.

هوامش

1-محمد المسكي : الخطاب السياسي عند علال الفاسي : مقاربة للمفاهيم المركزية – رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا – غ م -1996 – 1997 – ص 154 – 155

2- عثمان أشقرا : علال الفاسي : موجز سيرة فكرية – مجلة آفاق عدد مزدوج 65  66 ص 429 و 435

3-   علال الفاسي – النقد الذاتي – ص 69 – 70

4- كانت مرحلة انتعاش اللغة السياسية السوقية (نسبة إلى السوق) مع دخول عبد الإله بنكيران إلى رئاسة الحكومة سنة 2012. وكان للغته السياسية البسيطة، وتوظيفه النكتةَ والحكايةَ والأمثالَ والمعجمَ الشعبيَّ والأوصافَ القدحيةَ في مواجهة خصومه، دورٌ كبير في الوصول إلى الجماهير. وسَجَّلت الجلسات البرلمانية الشهرية آنئذٍ نسب مشاهدةٍ عاليةٍ تناهز ما تسجله المباريات الكروية والسيتكومات الرمضانية. وصار الناس يتداولون قفشاته ونِكَتِه وعباراته الساخرة بشكلٍ واسعٍ في الواقع والمواقع، مثل: “البانضية، التبوريضة، الكرش الخاوية، العفاريت، ميسا، لي فيه الفز تايقفز…”. وانْسَاقت الأحزاب السياسية إلى هذا المسار الشعبوي الجارف، وظهرت بروفايلات سياسية شعبوية تحاول المنافسة على نقل الخطاب الشعبي بتعابيره ودلالاته وتصوراته إلى الفضاءات السياسية، فيما يشبه “إقامة البرلمان في قلب السويقة”

لحسن أقديم هسبريس الإثنين 12 ماي 2025 – 19:55

5 – نعمان أمنشار    خطاب السياسي في المغرب وفشل النخبة   الجزيرة نت 5/9/2017

6-“فالخطاب النخبوي لم يُجدِ نفعا وأكد أنه ليس فعالا، بل إنه يكاد يوصف بالحربائي.. والظاهر كذلك أن من الأحزاب السياسية في المغرب من لا يتواصل أصلا حتى نميز خطابه، ومنهم من لا برنامج له، ومنهم من لا إيديولوجية له.. ”

ن م

7- “إذا كان الحديث عن خطر تصاعد التيار الشعبوي مثار نقاش في الغرب، فإن الأمر عائد أساسا إلى الخوف من الإخلال بالمكتسبات الديمقراطية هناك، ويرى الأستاذ الصديقي في هذا الصدد أن بروز الخطاب الشعبوي في الغرب هو مرحلي تفرضه سياقات وظروف محددة، ثم إن المؤسسات السياسية في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا هي الضامن لاستمرارية المناخ الديمقراطي، وهي أول من يقف حصنا منيعا ضد أي انحراف محتمل عن المسار الديمقراطي. أما في المغرب، فالأمر مختلف تماما، حيث مازال الطموح إلى وضع أولى لبنات البناء الديمقراطي.”

ن م

8-من المعلوم أن القضية الفلسطينية تعد من الرساميل الرمزية التي يتغذى منها حزب العدالة والتنمية المغربي قبل توقيعه على التطبيع. ومادامت الحرب مشتعلةً هناك، والقضية تشغل الرأي العام الوطني والعالمي، فلابُدَّ من البحث عن سبلٍ لاستعادة ترصيد هذه القضية لصالح الحزب، واستثمار مختلف رمزياتها في محاولةٍ للتحلل من خطيئة التوقيع على التطبيع. في وقتٍ مازالت فيه القضية الفلسطينية تشغل الوجدان الشعبي المغربي، ويتداخل فيها الديني والإنساني، فلابُدَّ من البحث عن سبلٍ جديدةٍ لاستثمار العاطفة الشعبية – وهو ملمحٌ شعبويٌّ آخر – في وقفاتٍ ومسيراتٍ وخطاباتٍ، ومواجهة دعاة “تازة قبل غزة” وتصويرهم بأشنع الصور، انسياقًا مع التوجه العام المناهض لهذا الاختيار. فينَّصب الشعبويُّ ذاتَه باعتباره المُعبِّرَ الأصيل عن موقف غالبية “الشعب”، وهو ملمحٌ شعبويٌّ آخر.

النخب الحزبية بالمغرب بين العقم التنظيري وافتقاد التأطير الاستباقي

شكلت النخب الحزبية مكونا أساسيا من مكونات النخب السياسية بالمغرب ، حيث ساهمت خلال أكثر من ستة عقود في إنتاج المعرفة السياسية  سواء من خلال خلق الوعي السياسي أو تكريس الهوية السياسية الوطنية . كما ساهمت في  بلورة آليات التأطير الجماهيري سواء في  مقاومة المستعمر الأجنبي أو في خلق أطر دولة الاستقلال. لكن يبدو أنه في منتصف تسعينيات القرن الماضي عرف المشهد الحزبي ضمور هذه النخب التي توارت لتحل محلها نخب عاقرة فكريا وعاجزة تأطيريا .  و بالتالي ، سيتم تناول هذا الموضوع من خلال المحاور التالية:

المحور الأول :العقم التنظيري للنخب الحزبية

المحور الثاني : النخب الحزبية السائدة وافتقاد آليات التأطير الاستباقي

المحور الثالث : الأحزاب المواطنة وتجديد النخب الحزبية

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • عزيز الفن
    منذ 3 أسابيع

    مزيدا من العطاء والتألق