وجهة نظر

انفصام

في نفس الحكومة لنفس الدولة ،هناك وزارات متعدّدة تنظّم زراعة التبغ و استيراده من الخارج و تسويقه في الداخل و تسهر على حمايته من المنافسة غير الشريفة ، و تسلّم تراخيص المحلّات الخاصّة ببيعه و تحاكم المخالفين للقانون المنظّم لذلك على طول السلسلة، و في المقابل هناك وزارة تحذّر المواطنين من استهلاكه لأنّه مضرّ بالصحّة و تتحمّل علاج ضحايا استهلاكه ، و أخرى تدعوالمواطنين إلى تجنبه لأنّ دين الدّولة يحرّمه .

الخمر كذلك تسهر عدّة وزارات مختلفة على سلسلة انتاجه ابتداء من زراعته و تصنيعه و تسويقه و استيرادهوتصديره و الترخيص لمحلّات بيعه و حمايته ضدّالإنتاج و التسويق خارج القانون ، ومحاكمة المخالفين للقوانين المنظّمة لكلّ ذلك ، مقابلوزارات أخرى تحثّ المواطن على اجتنابهلأنّ الإسلام حرّمه ، و أخرى تحسّس الناس بخطورة استهلاكه على سلامتهم خلال السير و الجولان ،كما تقول فيه أخرى ما لم يقله فيه الإمام مالكفتفصّل في الأمراض الصحيّة و النفسية و الاجتماعية التي تنخر جسد مستهلكه ، و بعد ذلك تتحمّل عبء علاج ضحاياه .

وحدات صناعية و بلدياتتنتج نفايات صلبة و سائلة و تطلقها في الهواء الطلقتحتوصايةوزارات و تحت أنظار وزارات وصية على الماء و البيئة ، و في المقابل وزارات أخرى تتحمّل محاربة نواقل الأمراض التي تنتعش في هذه النفايات ، و تتحمّل مكافحة الأمراض التي قد تسبّبها للإنسان .

مزابل بلا حدود و مفتوحة على كلّ أنواع النفايات ابتداء من أتفه ورقة مهملة إلى جثة الدجاج و الأبقار و الدواب النافقة مرورا ببقايا الدجاج و مناديل الأطفال الصحيّة ، مزابل تنتج أجيالا من الكلاب الضالّة تتجوّل بكلّ حرية داخل المدن و خارجها تقتات على كلّ ما تيسّر لها تحت أنظارالسلطاتالمحليّةوالجماعات الترابية ، هذه الأخيرة مقابل ذلك تصرف أموالا طائلة لاقتناه المصل الخاص بمحاربة داء السعار .

طابور من الشباب يقف مساء أمام بائع “الحشيش” لينال حصّته من المخدرات ، هذا الأخير يمارس تجارته باسترخاء و دون قلق على مرأى من العيون التي لا تنام و أمام المارّةالذين لا يحتاجون نباهة ليدركوا أن صاحبنا يبيع الممنوعات ، و في الصباح يحصي المُحصونخسائر الليل من اعتداءات و عمليات سطو ، و يجتهد المجتهدون لتوقيف المتسبّبين في ذلك .

مجموعات من الشباب تجتمع أمام الثانويات و في المسالك المؤدّية إليها ، يتناولون السجائر و المخدّرات في انتظار خروج التلميذاتللتحرّش بهنّ طول الطريق ، صورة يراها كلّ الناس ، و ضجيج الدرّجات المعدّلة و التي يستعملها الشباب في مطاردة التلميذات يسمعه كلّ الناس على بعد مئات الأمتار ، هذا مشهد بالصّوت و الصّورة يعاينه المواطنوالمسؤول يتكرّر طول السّنة وحين ينبري من يذود عن هذه الفتاة من أهلها أو من غيرهم يُتّهم بممارسة قضاء الشّارع .

قد يلام أو يعاقب الموظّف حين يمتنع عن القيام بمهمّة لا يعلم عنها شيئا أو فقط بضع ساعات من التكوين ، و حين يزلّ قلمه و تقع قدمه ، يحاسب تحت القاعدة الفقهية “لايعذرأحدبجهلهللقانون ” . و قد يحاكم الممرّض حين يمتنع عن أداء مهام ليست من اختصاصه أو ليست ضمن مجال تكوينه بتهمة “عدمتقديممساعدةلشخصفي حالةخطر” ، و في حالة ساء الأمر بعد أدائه تلك المهام يحاكم بتهمة “انتحالصفة “.

يظلّ الإنسان يلعن الرشوة و المرتشين طول مشواره السياسي و في أوّل منعطف و حين يصطدم بطابور إخوان له ينتظرون دورهم في حرّ الشمس يبادر إلى البحث عن رائش يخلّصه من العنت و يمكّنه من حقوق غيره.