وجهة نظر

الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش: خريطة طريق جديدة لتنمية متوازنة وديمقراطية مسؤولة

في سياق احتفال الشعب المغربي بعيد العرش المجيد، جاء الخطاب الملكي السامي ليجدد ليس فقط أواصر الوفاء بين الملك والشعب، بل ليشكل أيضا لحظة تقييم دقيق وتوجيه استراتيجي واضح للمسار التنموي والديمقراطي للمملكة.

لقد تميز هذا الخطاب بعمق في التشخيص، ووضوح في الرؤية، وصرامة في تحديد الأولويات، خصوصا في ما يتعلق بضرورة تحقيق عدالة مجالية واجتماعية حقيقية، وإعادة الاعتبار للبعد الترابي في السياسات العمومية.

لكن الأهم، أن الخطاب وجه رسائل مباشرة إلى الفاعلين السياسيين، من خلال تأكيد جلالة الملك على محورية الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، وما تتطلبه من إعداد قانوني ومؤسساتي شفاف ومسؤول، يؤسس لمرحلة جديدة من الثقة بين المواطن والمؤسسات.

من هنا، وجب الوقوف عند أبرز التوجيهات الواردة في الخطاب الملك، والتي تشكل خريطة طريق للمرحلة المقبلة:

– تجديد الثقة وتعزيز الشرعية الوطنية
الخطاب الملكي شكل مناسبة لتجديد الارتباط الوثيق بين العرش والشعب، من خلال التأكيد على طابع البيعة المتجددة والوفاء المتبادل، وهو ما يكرس العمق التاريخي والرمزي للملكية كضامن للوحدة والاستقرار.

– المنجز التنموي والاقتصادي كخيار استراتيجي
جلالة الملك أبرز بوضوح أن المكتسبات التي حققها المغرب لم تكن نتيجة الصدفة، بل ثمرة اختيارات تنموية كبرى، ورؤية مستقبلية تقوم على بناء اقتصاد تنافسي متنوع ومندمج في الاقتصاد العالمي.
الرؤية الملكية أعادت تأكيد الطابع الصاعد للاقتصاد الوطني، ومتانة البنيات التحتية، والقدرة على الصمود في وجه الأزمات، مما يجعل المغرب شريكا موثوقا وجاذبا للاستثمار.

– البعد الاجتماعي: التنمية في خدمة الإنسان
الخطاب ركز على البعد الإنساني للتنمية، بإبراز أن التحولات الاقتصادية لا يمكن أن تعتبر ناجحة إلا بقدر انعكاسها على الحياة اليومية للمواطنين.
التوجه واضح نحو تعميم الحماية الاجتماعية، تحسين جودة الخدمات العمومية، ومحاربة الفقر والهشاشة، خاصة في المناطق القروية، مع التأكيد على ضرورة تجاوز الفوارق المجالية بشكل جذري.

– تحول في الرؤية: من التنمية الاجتماعية إلى التنمية المجالية المندمجة
الدعوة إلى مراجعة المقاربات التقليدية، وتبني رؤية ترابية تقوم على التكامل والخصوصيات الجهوية، تعكس وعيا متقدما بضرورة تجاوز منطق المركزية.
برامج التنمية الترابية يجب أن ترتكز على مبدأ التضامن، وتوحيد جهود كافة المتدخلين حول أولويات ملموسة، لها أثر مباشر على معيش المواطن.

– محورية ورش الانتخابات: دعوة صريحة للمسؤولية السياسية
الخطاب الملكي حمل الطبقة السياسية مسؤولية مباشرة ومضبوطة زمنيا في ما يخص الإعداد للانتخابات التشريعية المقبلة.
توجيه واضح لوزارة الداخلية لفتح مشاورات سياسية واسعة، وتوفير الإطار القانوني والتنظيمي قبل نهاية السنة.
هذا التوجيه الملكي يعتبر إشارة قوية لاحترام الخيار الديمقراطي، وضمان شفافية الاستحقاق الانتخابي، وتعزيز الثقة بين المواطن والمؤسسات.
الملك أطلق إشارات سياسية دقيقة حول ضرورة الاستعداد الجيد، ما يفرض على كافة الفاعلين السياسيين تحمل مسؤولياتهم، والانخراط في هذا الورش بكثير من الجدية.

– رسائل الانفتاح الإقليمي والتشبث بالوحدة الترابية
الخطاب جدد التزام المغرب بالانفتاح على الجوار الإقليمي، وخص الجزائر بنداء أخوي صادق لإعادة بناء جسور التواصل.
كما أكد ثبات الموقف المغربي في ملف الصحراء المغربية، وأشاد بالدعم الدولي المتزايد لمبادرة الحكم الذاتي، كحل واقعي تحت السيادة الوطنية.

– إشادة بالمؤسسات وتكريس الاستمرارية الوطنية
الملك نوه بكافة القوات والمؤسسات الوطنية، وأكد على أهمية الأمن والاستقرار كأرضية لكل تقدم، مستحضرا الرموز الوطنية التي أسست للمغرب الحديث.

في الختام
الخطاب الملكي ليس فقط تقييما لحصيلة، بل هو توجيه استراتيجي يحمل المسؤولية للفاعل السياسي والمؤسساتي.
التركيز على منظومة الانتخابات بمحددات واضحة، هو نداء مباشر لإعادة الاعتبار للعمل السياسي، وتصحيح الاختلالات السابقة، وضمان ممارسة ديمقراطية شفافة تليق بمغرب اليوم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *