وجهة نظر

التمثيلية السياسية لمغاربة العالم: استحقاق ديمقراطي لا يحتمل التأجيل

مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية لسنة 2026، يعود ملف تمثيلية مغاربة العالم إلى الواجهة بقوة، كقضية وطنية حيوية لا يمكن إغفالها أو تأجيلها. فهذا الاستحقاق السياسي ليس مجرد مطلب تنظيمي، بل هو اختبار حقيقي لمدى التزام المغرب بالديمقراطية التشاركية والعدالة السياسية التي نص عليها دستور 2011.

على الرغم من أن الجالية المغربية بالخارج تمثل أكثر من خمسة ملايين مواطن، يرسلون تحويلات سنوية تتجاوز 100 مليار درهم، ويشكلون جسراً استراتيجياً بين المغرب والعالم، إلا أن حضورهم السياسي يبقى هامشياً ورمزياً. فغياب دوائر انتخابية خاصة بهم، واعتماد آليات تصويت تقليدية تعيق مشاركتهم، يعكس فجوة خطيرة بين النص الدستوري والواقع المؤسسي.

هذا التفاوت ليس فقط إخفاقاً في الإدماج السياسي، بل يُعد أيضاً مخاطرة حقيقية باستقرار النسيج الوطني، وفقدان ثقة فئة استراتيجية من المواطنين. لم يعد مقبولاً أن تظل المشاركة السياسية للجالية رهينة بالسفر لمسافات شاسعة أو بالتصويت عبر الوكالة، ما يحرم عدداً كبيراً منهم من ممارسة حقهم الدستوري بحرية وفعالية.

عدد من الفاعلين المدنيين والسياسيين يؤكدون اليوم أن أي إصلاح انتخابي لا يضع الجالية في قلبه، هو إصلاح ناقص ومهدد بمزيد من الإقصاء السياسي. المقترحات العملية واضحة: تخصيص دوائر انتخابية بالجالية، اعتماد تصويت إلكتروني أو مباشر في القنصليات، فتح المجال للترشح المستقل، وضمان تمثيلية برلمانية تعكس واقعهم وتمكنهم من التأثير الحقيقي داخل البرلمان.

هذه المطالب ليست مطالبة سياسية فئوية، بل هي دعوة لإقرار مبدأ المواطنة الكاملة والمشاركة الديمقراطية الواسعة التي من شأنها أن تعزز من صورة المغرب الديمقراطية داخلياً وخارجياً، وتدعم التنمية السياسية والاجتماعية الوطنية.

إن التحدي الحقيقي يكمن اليوم في إرادة الدولة والأحزاب السياسية لتفعيل هذه الحقوق دستورياً وعملياً. فإما أن تشكل انتخابات 2026 نقطة تحول نوعية تؤسس لمرحلة جديدة من الديمقراطية التمثيلية الشاملة، أو تستمر مغاربة الخارج في انتظار طويل يعكس ضعف المؤسسات وغياب الإرادة السياسية الحقيقية.

هذا الملف ليس ترفاً أو نقاشاً ثانوياً، بل هو مقياس لمدى جدية المغرب في استثمار رأس ماله البشري وتعزيز وحدته الوطنية. ومن دون تحرك حقيقي، ستظل ثقة الجالية مهزوزة، وسيتواصل عزلهم السياسي الذي يضر بالمصالح الوطنية العليا.

على الباحثين وصناع القرار أن يدركوا أن المشاركة السياسية للجالية ليست مجرد حق دستوري، بل هي رافعة ديمقراطية واقتصادية في آن واحد، تستحق أن تُترجم إلى واقع ملموس يعكس روح العصر ويواكب تطلعات الوطن والمواطنين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *